أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - هادي اركون - الوجه الآخر للأندلس















المزيد.....

الوجه الآخر للأندلس


هادي اركون

الحوار المتمدن-العدد: 4791 - 2015 / 4 / 29 - 22:46
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


الوجه الآخر للأندلس

هل كانت الأندلس حقا فضاء مفتوحا للتفكير الحر والتسامح والتعارف ؟
هل كانت حقا ،فضاء للتواصل بين الثقافات والديانات كما يعتقد الكثيرون أم أنها كانت فضاء منغلقا ؟
هل تمتلك الأندلس التاريخية ، جدارة الاعتبار المثالي ، كما هو متداول في الأطروحة البديلة أو لدى المروجين للجماليات اللاتاريخية (عبد الوهاب المؤدب) ؟ هل تكفي النوستالجيا ، لطمس حقائق التاريخ الدامية في أندلس التاريخ لا في أندلس الموشحات والعمارة وقصص العشق (المعتمد بن عباد واعتماد الرميكية وابن زيدون وولادة بنت المستكفي ) ؟ هل تكفي الجماليات العمرانية والشعرية ، لإخفاء مفاعيل اللاهوت الفكري والسياسي في أندلس الأعماق ؟ هل يجب الاستئناس بالأندلسيات ،كما يعتقد جاك بيرك وعبد الوهاب المؤدب وأدونيس ،في إقرار روحية التجاور والتعارف بين الفرقاء ؟
( أدعو إلى حقول دلالة لا تكون عديمة التمركز بمثل هذا العنف ، بل تكون متطابقة مع ما نرثه.أدعو إلى أندلسيات تستأنف باستمرار ، نحمل في أعماقنا أنقاضها المتراكمة ورجاءها الذي لا يتعب .)1-
يحاول الكثير من المفكرين ،علمانيين و محافظين ، التلويح بتسامح الأندلس ،والحوار الخصيب بين الديانات التوحيدية في ربوعها ،رغم الاختلافات اللاهوتية. إلا أن هذه التلويحات ، تصطدم ،في الحقيقة ،بحقائق لا يمكن التغاضي عنها ،في أي تناول موضوعي لثقافة وتاريخ الأندلس. فالغالب على الأندلس ،الانغلاق ،بفعل ظروف النشأة وحيثيات التفاعل بين المجموعات الاثنية والعقدية والثقافية المكونة للنسيج الثقافي الأندلسي .
فمن الملاحظ أن الأندلس كانت أقل انفتاحا على الجدال الكلامي والفقهي والأصولي ، وتميزت ، بالوثوقية في أمور المعتقد والنظر .ولذلك ،فلظهور الفلاسفة الكبار أي ابن باجة وابن طفيل وابن رشد ،سياقات يجب مراعاتها ،إن شئنا فهم دواعي ذلك الظهور وأسباب تراجع الفعل الفلسفي في الأندلس الإسلامية .
من الظواهر البارزة في تاريخ الأندلس ، استشراء العنف ؛إذ لم تتسع الثقافة الأندلسية ، للحوار بين المختلفين ، إثنيا (فتنة البربر)وعقديا (حركة عمر بن حفصون المسيحي ) وثقافيا (رفض الاعتزال والفلسفة).فكان العنف الممنهج والممأسس ،أداة لحسم الاختلافات بين الخصوم ، وفرض اتجاه فكري أو فقهي أو حساسية وجودية ،ضدا على إرادة الآخرين .
لم تنفتح الأندلس إلا قليلا على المذاهب الكلامية ،ولا سيما الاعتزال والتجهم ؛عكس المشرق المتميز بتعدد التيارات الكلامية ،وتضارب أقوالها ومناهجها في الحجاج والاستدلال والبناء المنهجي للقضايا الخلافية .
(وأخبرني سليمان بن أيوب قال : حدثني أبو بكر بن السمنة قال : لما مات خليل ( يقصد خليل الفضلة)أتى أبو مروان بن أبي عيسى وجماعة من الفقهاء وأخرجت كتبه وأحرقت بالنار إلا ما كان فيها من كتب المسائل ، وكان خليل مشهورا بالقدر لا يتستر به .) 2-
ليس انفتاح الأندلس الفكري ، بالمسلم ؛ بل من المؤكد أن هذا الفضاء فضاء محافظ وسلفي ، بفعل وضعه الجغرافي -السياسي الثغوري ، ولانطباع هذا التخم المحاذي ، للعالم المسيحي –الأوروبي ، بسمات التأهب والإستنفار والتحفز لحماية دار الاسلام.
وجدير بالذكر ،أن ابن رشد ،وقف من الاعتزال موقفا بالغ التحفظ ،وتبنى مواقف سلفية في القضايا الكلامية ، هي أقرب،في الحقيقة ، إلى الفقه و أبعد من روح التفلسف (الكشف عن مناهج الأدلة في عقائد الأمة ).بل إن مواقفه من علم الكلام الأشعري ،هي استعادة مدققة وموسعة ،لفتوى جده : ابن رشد الجد .
وتفرد فكر ابن حزم ،بوثوقيته العالية ، وبظاهريته المعادية للتأويل والقياس ،ولسجاليته الحادة المعبرة عن نفور نفسي وذهني كلي من الآخر ومن فكره( ردوده على الكتاب المقدس والمتكلمين في الفصل في الملل والأهواء والنحل ورده على ابن النغريلة اليهودي ).
لا يمكن في الحقيقة توقع تفكير منفتح في وسط مخترق بالعنف من كل جانب ،ومسكون بالاختلافات الأفقية والعمودية ،ومحكوم بالتناحر من أجل السلطة الثقافية والسلطة السياسية مثل الوسط الأندلسي .
فحيث إن الأدوار محددة لصالح المتغلب الفكري والسياسي ، فإن أدوار الكتابيين والمخالفين عموما للأرثوذكسية السنية المالكية ، محددة بدقة ، وكل خروج عن المسطر يستوجب التأديب.
يبقى الكتابي ،محصورا في نطاق ضيق ،لا يمكن أن يتعداه مهما كانت قدراته وبراعته الفكرية أو التنظيمية ؛وحين يتطاول إلى مكانة أسمى مما هو مرسوم له بموجب عقد الذمة ،فإنه يعرض نفسه لأوخم العواقب(مصير ابن النغريلة) .
إن للتسامح مقتضيات ،لا يوفرها السياق الأندلسي ؛إذ يفترض التسامح ،رغبة في الاستقصاء وفي الانفتاح على الآخر ،وتطلعا إلى الاشتراك في توليد الحقائق .وحيث إن الثقافة الأندلسية ،من أكثر الثقافات الإسلامية ،أرثوذكسية ، بفعل عوامل النشأة والموقع الجغرافي والتركيبة البشرية والاثنية والاختيارات الفكرية للمؤسسين،فمن البديهي أن يخضع فيها التفاعل الفكري والثقافي والعقدي لمقتضيات الأرثوذوكسية وخياراتها الإستراتيجية .
لقد شهدت الأندلس،أحيانا ، تيارات فكرية هامة ،عقلية وصوفية وأدبية وجمالية ،إلا أن وجود تلك التيارات لا ينفي حقيقة المحافظة الغالبة على الثقافية الاندلسية حتى بالقياس إلى الثقافة العباسية أو الفاطمية أو الصفوية .
لقد تميز الفضاء الأندلسي ،بعنف حاد ،بسبب الصراعات السياسية ،بين الفرقاء ،وبسبب الصراع مع الخصم اللاهوتي –السياسي .وتفرد بالشراسة والقساوة والدموية ،والقربنة الاحتفالية.ليس من الحصافة ،تلافي هذا الملمح ،والتركيز على الملامح الثقافية المشرقة في التأريخ للمنجز الأندلسي كما في الأدبيات الرومانسية الحديثة(بعض كتابات أدونيس وبعض أشعار محمود درويش في ديوان أحد عشر كوكبا).
(وقتل أمير المؤمنين عبد الرحمن الناصر ولده عبد الله ، وسبب ذلك أنه كان أراد القيام عليه ، وبايعه أكثر أهل قرطبة على القيام بالخلافة لفضله ودينه وأدبه وكرمه وجمعه لعلوم شتى من الفقه والحديث واللغة والشعر والحساب والطب ، بايعه الناس على إنكار جور أبيه وإقدامه على سفك الدماء ؛ فوصل الأمر إلى أبيه قبل استحكام أمره ؛ فحسبه أياما وقتل كل من أزره على ذلك ؛ فلما أتى عيد الأضحى أمر به فأخرج إلى المصلى ثم صرع وذبح بين يديه ، وكان قتله لولده في سنة 308ه) .3-
يقود الطموح السياسي إلى ردود فعل جذرية متنكرة لكل الروابط وإلى مسرحة القربنة ،مما يكشف لا عن اختناق الممارسة السياسية فقط ،بل عن تيبس الفكر السياسي في الأندلس .فكلما اصطدم الفكر السياسي ،بالواقع ،إلتجأ إلى العنف الاحتفالي ،عوض إعادة النظر في أسسه المرجعية ،وبناء الشرعية على ثوابت إنسانية أكثر احتفاء بالاختلاف والتعدد.
ولئن طالت القربنة الصراعات السياسية الداخلية ،فإن الصراع مع الآخر ،مازج بين الكيد والقربنة،واقترن بإرادة المحو .
(الثالثة والعشرون غزوة برشلونة : نزل عليها فحاصرها ، ونصب عليها المجانيق فكان يرميهم برؤوس الروم عوضا من الحجارة ، كان يرمي عليها كل يوم ألف رأس حتى فتحها عنوة ؛ فسبي منها سبعبن ألف رأس من النساء والأولاد .)4-
يقدم السرد التاريخي هنا ، العنف التاريخي –اللاهوتي في صورته المحضة ؛ يفضي تنافي النصوص المؤسسة ، إلى الرمي بالرؤوس ، وإلى إيصال الكيد اللاهوتي –السياسي إلى أقصى درجاته.وحيث إن السرد هنا ، احتفالي ، فإنه لا يتورع عن التدقيق المحاسبي للأرباح التاريخية والميتافيزيقية في الجهة الإسلامية وخسائر الخصم العقدي –الثقافي في الجهة المقابلة .تحل الجماجم محل الاستدلالات ، والمحاصرة محل المناظرة ، ويعلن اجتماع العقيدتين الإبراهيميتين ، عن استحالة التساكن أو التحاور أو التناظر.
(وفي سنة 178ه غزا عبد الملك بن مغيث جليقية أيضا ؛ فخرب الكنائس والحصون ، وهدم كنيستها العظمى ، وهدم ديار الأدفنش ، و أفسد عمائرها ، وحشد له الأدفنش صاحب جليقية المجوس والبشكنس ؛ فلم يبال (بكثرتهم، ودخل) مدينة قلمرية بالسيف ، وقتل الرجال ، وسبى الحريم والعيال .) 5-
يبرز السرد التاريخي هنا ، بكثير من الشفافية ، احتدام الصراع بين تصورين لاهوتيين وسياسيين ، والدرجات القصوى في استعمال العنف وفي تدمير الآخر . يهدف السرد التاريخي هنا ، إلى إظهار التخريب والتدمير، في مظهر الظفر المكرس، حتميا، لظفر الحقيقة الشرعية.
لا تكشف الممارسة السياسية هنا عن حدود الفعل السياسي كما جسدته القوى الأندلسية طوال قرون فقط ، بل عن انغلاق العقل السياسي الأندلسي ،وعدم اهتمامه بمراجعة الثوابت وبناء العلاقات بين الفرقاء على أسس تعارفية و إنسية غير الثوابت المعهودة في الفكر السياسي الإسلامي السني (الماوردي والغزالي ).
من الضروري ،الالمام بالجوانب غير المضيئة في التاريخ الأندلسي ، تحقيقا للإنصاف التاريخي ، وللتوازن في الرؤية الحضارية. فمن الواضح ،أن ثمة فجوة كبرى ، بين تاريخ الأندلس وصورة الأندلس كما يتداولها الوعي الثقافي العربي.
الإحالات :
-1[-جاك بيرك- نحو حوار أندلسي الأبعاد – ترجمة : أبو بكر بنور – مواقف –العدد 58-ربيع 1989-ص.45] .
-2[ عبد الله الأزدي-تاريخ علماء الأندلس – تحقيق : صلاح الدين الهواري – المكتبة العصرية –صيدا –بيروت-الجزء 1 –الطبعة الأولى -2006-ص.135]
-3[-مؤلف مجهول –تاريخ الأندلس –دراسة وتحقيق : عبد القادر بوباية – دار الكتب العلمية – بيروت – لبنان - الطبعة الأولى-2007-ص. -204].
4 –[-مؤلف مجهول –تاريخ الأندلس –-ص. -229)
-5(-مؤلف مجهول –تاريخ الأندلس –ص.172-173)

هادي اركون



#هادي_اركون (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحوامل التقنية للتنوير المرتجى
- فرادة المنجز الثقافي الأوروبي
- منهج سبينوزا في قراءة الكتاب المقدس
- طه حسين وسبينوزا
- تنويريون بلا تنوير
- نقد استراتجية المثقفين الحداثيين
- نحو وعي نقدي للعلمانية
- التأويل العلمي للقرآن والمنظومة التراثية
- الصفاتية بين الوثوقية واللاادرية
- بعض مظاهر بيانية النص القرآني
- في بيانية النص القرآني
- طه عبد الرحمان التأنيس في زمان التحريق


المزيد.....




- سعيد يأمر باتخاذ إجراءات فورية إثر واقعة حجب العلم التونسي
- بايدن يخطئ مجددا و-يعين- كيم جونغ أون رئيساً لكوريا الجنوبية ...
- شاهد.. تايوان تطلق صواريخ أمريكية خلال التدريب على المقاتلات ...
- عشرات الجرحى جراء اصطدام قطارين في بوينس آيرس
- في أقل من 24 ساعة..-حزب الله- ينفذ 7 عمليات ضد إسرائيل مستخد ...
- مرجعيات دينية تتحرك قضائيا ضد كوميدية لبنانية بعد نشر مقطع ف ...
- شاهد.. سرايا القدس تستهدف الآليات الإسرائيلية المتوغلة شرق ر ...
- شهداء وجرحى في قصف إسرائيلي لبلدة بشرق خان يونس
- واشنطن: -من المعقول- أن إسرائيل استخدمت أسلحة أميركية بطرق - ...
- الإمارات تستنكر تصريحات نتانياهو بشأن -مشاركتها- في إدارة مد ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - هادي اركون - الوجه الآخر للأندلس