أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حامد خيري الحيدر - طيف ومأساة وطن...... مهداة لعائلة الشهيد الخالد ستار خضير















المزيد.....

طيف ومأساة وطن...... مهداة لعائلة الشهيد الخالد ستار خضير


حامد خيري الحيدر

الحوار المتمدن-العدد: 4802 - 2015 / 5 / 10 - 14:27
المحور: الادب والفن
    


قطرة .. قطرة..... قطرات بطيئة من محلول لا لون له كحال أيام شعب العراق، ظن الجميع أنه سيبقي متلقيه الممدد على أحد أسرة المستشفى معلقاً بخيط الحياة الواهي... قطرة.. قطرة... نفس الرتابة والهدوء تتناغمان مع أنفاس ونبضات آخذة بالتباطؤ شيئاً فشيئاً.. عكس قلوب المحيطين بالرجل التي كادت تخرج من صدورهم خوفاً وقلقاً... مثلهم عشرات، منتشرين بين أروقة المستشفى وخارجها.. أفئدة غاضبة يعتصرها الألم.. صمت.. ترقب.. علب السكائر ما كانت تصمد بوجه التوتر.. الجميع ينطرون.. يدعون.. يبتهلون.. يذكرون جميع الأخيار والشيوخ والأولياء.... من رحل منهم ومن لا زال يستنشق غبار الحياة.. علهم يأخذون بيد مصابهم و يُعجّلون بعافيته...... الحركة تزداد.. همهمات عالية.. يتوافد الأطباء بسرعة.. فجأة يتوقف كل شيء القطرات، النبضات، الأنفاس.... صرخة مدوية.. يتبعها صرخات هستيرية متوالية.. بكاء.. عويل...... أنتهى كل شيء.. لتنسل الروح الطاهرة النقية من ردائها متحدية الجميع سالكة طريقها الفسيح نحو الخلود.
أيام، شهور، سنون تمضي.. دهر كالحة دقائقه يلف الجميع... قطرات الدمع ما توقفت.. آهات الفراق ما صمتت.. حسرات الوداع ما انقطعت... أم متعبة صابرة لم تنحني هامتها أو يتهاون صمودها منذ عرفت درب زوجها الشهيد وأفكاره السامية الخالدة... بعين ترنو الى تضحية رفيق حياتها وفراغ في بيتها أحدثه غيابه الابدي، عجزت أن تعوضه غزارة دموعها الدافئة.. وبأخرى تحنو على أربع حمامات صغيرات، تفتحت عيونهن على غياب أب حنون، لم يتبق منه سوى طيف هائم يظلل بجناحيه على صغيراته... لترافق مسيرة طفولتهن حيرة وسؤال عن سر الغياب... البصائر بدأت تستفسر.. الأسئلة أخذت تتوارد على الام المفجوعة، بعد أن ظلت طيلة ما مضى من أيام عجاف كاتمة حزنها والمها، مخبأة جرحها الراعف أمام حمائمها، اللواتي بدأن يفهمن الواقع الأليم... لم يعد الانكار واختلاق الحجج يجديان نفعاً مع الحمائم المتلهفات للمسات حانيات من أب مبتسم عطوف... لتكتشف مرارة الحقيقة وهول الفاجعة وعظم المصاب... رحيل دون عودة.. غياب بلا رجوع.. سفر نسي الاياب... ضريبة قاسية فرضها وطن جريح على ابنائه الاوفياء... ليفضل ذلك الفارس المترجل عن صهوة جواد الحرية دروب النضال ووحشتها على نفسه وعائلته رغم الحب والشوق.... كان العراق أغلى.. كان الوطن أسمى... كانت الشيوعية هي الهدف والهاجس والمصير... كانت حياة شعبه قبل حياته وحياة حمائمه.. كان مستقبل الكادحين والبائسين هو الأولى بالكفاح والتضحية.... لهذا كان الغياب .. من أجل ذلك كانت الشهادة وأسطورة الحزن.
ضحكات القتلة الحاقدين يعلو صوتها.. الطغيان يزداد يوماً بعد يوم.. مخالب البعث المجرم تغور أكثر فأكثر في جسد الشعب الصابر... قوافل الضحايا تسير موازية لأنهار دماء الشهداء.. الجنوب ملتهب.. كوردستان ثائرة.. مدن الوطن تغلي.. مهالك الحروب تحرق يابس الوطن وأخضره.. طيف الشهيد يظهر حامياً لحمائمه محتضناً اياهن بدفئه السرمدي.... لا فائدة، غدى الوطن سجناً كبيراً لأبنائه.. كلاب الدكتاتور في كل مكان.. ملاحقات.. مداهمات.. اغتيالات.. عوائل الشهداء تحت المجهر.. لا مجال للعيش بعد الآن في غابة الذئاب.. الهجرة هي العلاج والدواء.. النظر من بعيد الى وطن يشتعل أهون من الحياة وسط أستعار اللهب.. رغم قسوة القرار لكنه كان.. لم يأخذن من الوطن شيء سوى بضع صور للشهيد وجرح ندي محال أن يندمل..... لتأتي سنوات قاسية أخر، تجري معها دورة أفلاك الغربة وذلتها.. حياة باردة ، بطيئة، رتيبة، مملة.. معلقة أفكارها، عواطفها، أخلاقها، مبادئها على لوحة مفاتيح الكومبيوتر.. هي الغربة أينما كانت وتكون.. قطع للجذور وابتعاد عن المنبع.. لتظل عيون الحمائم ترنو باشتياق الى عشها القديم الجميل رغم ما أصابه من هدم و حروق.
رياح الحرية تهب.. نسمة باردة من عبق الانعتاق تلامس وجوه المظلومين.. ها هو أخيراً قد أتى.. يوم موعود انتظرته الجماهير على جمرٍ أحّر من مآسي الوطن.. تغيّير فرضته قواعد الطبيعة على كل من يسير بعكس مسيرة التطور وإرادة الشعوب وتطلعاتها.. يوم أفرزته تناقضات دكتاتورية حمقاء، وجنون اعمى لحاكم مستبد لم يستأسد الا على ابناء شعبه الصابر، ساق العراق الى غياهب الظلام وعتمة المستقبل..... سقط الصنم.. ها هي النِعال تنهال على رموزه القبيحة مصحوبة ببصاق شعب أزدرى حقبة مريرة سوداء من عمر الوطن.. لتذهب مع صانعيها الى مزابل التاريخ.. الطاغية مرتعداً كالجرذ في أحد الجحور..... الام مع حمائمها تسمع الخبر الذي هز الدنيا.. فرحة حبيسة في الصدور قد تحررت.. أمل يعود لأرض الشهيد.. ستنبت براعم الحرية من جديد بعد أن روتها دماء الشهداء.. عودة لواحة الخير باتت وشيكة.. طيف الشهيد يبعث من عوالم المجد بابتسامة مفعمة بالأمل ليرافق أهازيج الحرية وفجرها الواعد.. مشاركاً شعبه فرحته بغبش أنعتاقه وأصيل تحرره... طغمة العفالقة ولت الى غير رجعة.. الشعب على موعدٍ مع شمس حياته الجديدة.. لقاء النهرين قد حان.. ساعة الرجوع دقت أجراسها.. هكذا قالت الحمائم وجموع الاوفياء المُبعثرين على خريطة العالم.. سنلحق بركب الأخيار الحالمين بعراق الأمل ومستقبل أرضه المعطاء.. الحمائم عُدن صغاراً كما كن، يتراقصن حول طيف الشهيد المتوج بأكاليل غار الجنان.. أخيراً سيلتم الشمل حتى ولو مع بقعة صغيرة من ارض الوطن احتضنت ذلك الجسد الشريف.. هناك سيكون الموعد واللقاء.
لكن ما هذا ؟؟؟؟؟؟؟ احتلال.. ضجيج.. فوضى.... من هذا.. من ذاك.. من هؤلاء.. أقدام غريبة متسخة تطأ ارض الوطن.. أشباه بشر.. أنصاف رجال.. أنصاف نساء.... أفواه عريضة مفجوعة تكشف عن أنياب قبيحة دامية.. دماء.. خراب.. تفجيرات.. دمار.. كواتم صوت.. قطع رؤوس.. الموت مرة اخرى.. القتل هواية ولعبة ومنهج.. الظلم من جديد.. لحاً وجبب ومسابح طويلة.. خواتم ضخمة كالتي في أصابع المشعوذين.. منظمات تكفيرية لقيطة.. غربان البعث بلباس آخر.. الدكتاتورية البغيضة تنهض من قبرها.. الهمجية والتطرف والطائفية أنبتت لها جذوراً في الارض بعد اقتلاعها أزاهير التمدن.. كل يريد فتكاً بنخيل النهرين..... طيف الشهيد يظهر مرة أخرى.. عابساً مُتجهماً.. عيونه حرى.. يعلو وجهه ذهول واضطراب.. متسائلاً بدهشة.. أين الوطن؟ هل سرق من جديد؟ هل أحرقت أحلام شعبه؟ هل ذبحت طيوره بسيوف الجلادين؟ هل اغتيل الشهيد مرة أخرى؟ لتلاقيه لوعة عيون الام المخضرمة بالحزن ترافقها دمعات حمائمها المتشحات بآلام السنين.. ليس عندهن الاجابة ولا عند غيرهن.. ليس لديهن سوى سؤال واحد صعب حيّر الجميع.... أي قدر هو قدرك يا عراق، أي قدر هو قدرك؟ أهكذا سيتم قتلك في كل حين، لتغدوا مجرد طيف هائم يلامس أنفاس الوجود؟ يجيب الوطن حيرتهن باسماً رغم غور جراحه وايلامها... هل يموت من تعمد بمياه الرافدين وجرت دماه في سواقيهما؟ قد أموت مرات ومرات.. لكني سأظل دوماً أبعث من جديد.. ممزقاً كفني، صارخاً بوجه الأيام.. حالماً بفجرٍ وليد.. مكتوب بخيوط شمسه وطن حُر وشعب سعيد.



#حامد_خيري_الحيدر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أستذكار لعالم آثار منسي
- مرثية أور
- وداعاً مدينة القمر ..... قصة من خيال بلاد ما بين النهرين الق ...
- أحدى وثمانون مضت ..... مهداة للذكرى الحادية والثمانين لتأسيس ...
- الكتابة المسمارية
- بوابة عشتار
- لابد أن نعود
- أستاذي ...... في ذكرى فقيد الآثار العراقية الدكتور فوزي رشيد
- الدولاب ...... قصة من خيال بلاد ما بين النهرين القديمة
- قراءة في التزوير التاريخي
- أنتظار ...... قصة من خيال بلاد ما بين النهرين القديمة
- خطوات نحو قدر مجهول ...... قصة من خيال بلاد ما بين النهرين ا ...
- أول ثورة شعبية عرفها التاريخ
- نظرة على الأفكار الدينية القديمة
- أحلامُ غرفة الدرس ...... قصة من خيال بلاد ما بين النهرين الق ...
- ذكرى اللقاء
- عُقدة تدعى الوطن
- نظرة على تطور النظم السياسية في العراق القديم
- القيثارة العتيقة ...... قصة من خيال بلاد ما بين النهرين القد ...
- سرقة آثارنا ... نزيف متى يتوقف؟


المزيد.....




- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حامد خيري الحيدر - طيف ومأساة وطن...... مهداة لعائلة الشهيد الخالد ستار خضير