أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - محمد عادل زكي - التبادل متكافيء















المزيد.....


التبادل متكافيء


محمد عادل زكي

الحوار المتمدن-العدد: 4759 - 2015 / 3 / 26 - 00:04
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    


(1)
الفرضية الصائبة الَّتي يقدمها الاقتصاد السياسي، في بداية تبلوره، كعلم مهمته الكشف عن قوانين نمط الإنتاج الرأسمالي، هي أن القيمة الزائدة، الَّتي ينتجها المجتمع، بفضل العمل الإنساني، إنما تتوزع بين الطبقات الاجتماعية المختلفة، وليس بالضرورة أنّ يتم هذا التوزيع على قدر مساهمة كُلّ طبقة في العملية الإنتاجية، وإنما بالضرورة وفقاً للشروط الموضوعية المحددة لهيمنة طبقة معينة على طبقة أخرى أو على باقي طبقات المجتمع. ولقد كان الاقتصاد السياسي على صواب أيضاً حينما رأي هذا التوزيع بوضوح؛ إذ أرجع الربح والريع والأجر والفائدة، مع اختلاف التفاصيل، كدخول للطبقات المختلفة في المجتمع، إلى مصدر واحد هو العمل.
فالرأسمالي إنما يشتري (ق ع) من سوق العمل، ولنفترض أنه اشتراها بـ 4 وحدات، ويشتري (م ع) (القطن مثلاً) بـ 3 وحدات، ويشتري (أ ع) (آلة الغزل مثلاً) ولنفترض أيضاً أنه إشتراها بـ 3 وحدات، ثم يترك قوة العمل (ق ع) كَيْ تتفاعل مع مواد العمل(م ع) باستخدام أدوات العمل (أ ع) وحينما يخرج الناتج (مِعطف مثلاً) يكون لدى الرأسمالي، قبل البيع أيْ قبل النزول تارة أخرى إلى السوق من أجل بيع المنتج، ليس 10وحدات، وإنما (حتماً) أكبر منها فلا يمكن للرأسمالي أن يُقدم على اتخاذ قرار الإنتاج إذ ما كانت المحصلة النهائية لعملية الإنتاج مساوية للصفر؛ فهو يبدأ بـ 10 وحدات وينتهي بـ 10 وحدات؛ وهذه النهاية لا تُرضي الرأسمالي على الإطلاق، والرأسمالي لا يستطيع أن يتفاوض مع المواد، ولا مع الآلات، على مستوى الأثمان على الأقل، ولا يستطيع أن يحصل منهم على أكثر من القيمة المحددة لهم، فهو حينما اشترى مواد العمل (القطن في مثلنا) بـ 3 وحدات يعلم أنَّ القطن سوف يدخل العملية الإنتاجية ويخرج منها دون أن يغيّر من قيمته (رأسمال ذو قيمة ثابتة)، وكذلك الأمر بشأن الأدوات والآلات، فهي تستخدم في العملية الإنتاجية بقيمتها ويحسب معدَّل استهلاكها وفقاً للفنون المحاسبية المعروفة، الأمريكية في الغالب، أيْ أنها تدخل العملية الإنتاجية بقيمتها وتخرج بقيمتها (رأسمال ذو قيمة ثابتة) ولذلك فلا مناص من أن يتفاوض مع رأسمال يغيّر من القيمة بالزيادة أثناء العملية الإنتاجية، أَيْ يتفاوض مع رأسمال متغيّر (رأسمال ذو قيمة متغيّرة) أَيْ مع هذه السلعة الَّتي تطرح نفسها في السوق، وهي قوة العمل، فيعطيها ثمن استعمالها، 4 وحدات في مثلنا، ويأخذ منها ما يساوي 8 وحدات مثلاً، لِمَ؟ كَيْ يتمكن من دفع الريع لصاحب الأرض، ودفع الفائدة للرأسمالي المالي، ويتحصل هو نفسه على ربح للرأسمال الموظَّف في عملية الإنتاج. وذلك بالطبع بعد أن تكون قوة العمل قد عوضته عن الأجرة. هنا يتوقف الاقتصاد السياسي. إذ لم يُثرْ إشكالية لا تقل أهمية في حقل التوزيع؛ وهي أين تذهب، بعد ذلك، تلك القيمة الزائدة الَّتي تتخذ من الربح والريع، وربما الفائدة أو الأجور، صوراً لها، تعكس وجودها كدخول للطبقات الاجتماعية المختلفة؟
أَيْ أين تذهب تلك الصور من الدخل الَّتي تتخذها القيمة الَّتي زادت بفعل الإنتاج في الاقتصاد القومي خلال فترة زمنية معينة؟ فما هو اتجاه الريع الَّذي تحصّل عليه مالك الأرض؟ وما هو اتجاه ربح الرأسمالي؟ أين تذهب تلك الوحدات الَّتي هي بمثابة الزيادة الَّتي حققها المجتمع على صعيد القيمة؟ ونحن هنا، طبعاً، نتساءل أين تذهب تلك القيمة الَّتي أنتجتها سواعد الشغيلة في وطننا العربي؟
(2)
إن سؤالنا عن اتجاه القيمة الزائدة نظن أنَّ له وجاهته، ليس فحسب على صعيد تعقب القيمة، وإنما أيضاً على صعيد مهم آخر وهو الَّذي ينشغل بشرح (ما الَّذي أتى بالقيمة الزائدة الَّتي أنتجتها سواعد الشغيلة في الأجزاء المتخلفة، إلى خزائن رجال المال في الأجزاء المتقدمة؟) لأن الإجابة على هذا السؤال هي الَّتي أدت إلى "اختراع" التبادل غير المتكافيء؛ كنظرية تحاول أن تشرح (بمزيد من اللف والدوران حول نصوص ماركس ولينين) كيف أتت القيمة الزائدة الَّتي أنتجتها سواعد الشغيلة في القاهرة أو كمبالا إلى الرأسماليين في باريس أو لندن؟
ابتداءً من البحث في هذه الإشكالية يمكننا البحث في الأساس الَّذي يمكن معه إجراء المقارنة بين العمل البسيط والعمل المركب، إذ نفس المنطق الَّذي نقترحه والفرضية الَّتي نقدمها للمقارنة بين ساعة عمل فلاح صيني وصانع ساعات سويسري، نقترحه، كمنهج، ونقدمها، كفرضية، بصدد التعرف إلى كيفية المقارنة بين العمل البسيط والعمل المركب. والواقع ان الاقتصاد السياسي حينما ينشغل بتجدد الإنتاج الاجتماعي على نطاق متسع، عندما يصل إلى قمة نضجه على يد كارل ماركس، فهو لا يبحث تسرب القيمة الزائدة المنتجة بداخل الاقتصاد القومي إلى خارجه، وهو ما سنفعله، وإنما يكتفي بتحليل عملية خلق القيمة الزائدة وتداولها بين الطبقات في المجتمع والشروط الموضوعية لسيطرة طبقة أو طبقات معينة على هذه القيمة. وأفضل ما تحقق في تحليل تبادل أو/و تداول القيمة على الصعيد العالمي هو مساهمة ديفيد ريكاردو بنظريته في النفقات النسبية، ابتداءً من افتراضه سهولة تحرك اليد العاملة، وسهولة تحرك الرأسمال (توزيع متساو لمعدل الربح) بيد أن ما تحقق على يد ريكاردو، وما لحق نظريته من تطوير على يد ايمانويل وبتلهايم وأمين وسنتش؛ لم يتعد حدود افتراض أن التبادل غير متكافيء، إلى ما هو أبعد وأهم وهو (تسرب) القيمة الزائدة المنْتَجة في الأجزاء المتخلفة إلى خارجها لتغذية الصناعات المختلفة في الأجزاء المتقدمة، فالفرضية الَّتي يقوم عليها التبادل غير المتكافيء تعتمد على فهم التبادل على الصعيد العالمي ابتداءً من تفوق العامل في الأجزاء المتقدمة على العامل في الأجزاء المتخلفة؛ فما ينتجه العامل الأوروبي في ساعة عمل واحدة ينْتجه العامل الأفريقي في 12 ساعة عمل، ويتعلق الأمر هنا، وفقاً للتبادل غير المتكافيء بإنتاجية العمل؛ فالفلاح الأفريقي مثلاً، طبقاً لمثال د.سمير أمين، يحصل لقاء مئة يوم عمل شاق جداً، في السنة، على مُنتجات مستوردة لا تكاد تعادل قيمتها قيمة عشرين يوماً من العمل العادي يقوم به عامل أوروبي ماهر. ونظرية التبادل غير المتكافيء لا تقول أكثر من ذلك، ولا يمكنها أن تقول أكثر من ذلك، والأخطر أنها لا تملك أن تقول، صواباً، لماذا ذلك! أَيْ لماذا يحصل الفلاح الأفريقي لقاء مئة يوم عمل شاق جداً، في السنة، على منتجات مستوردة لا تكاد تعادل قيمتها قيمة عشرين يوماً من العمل العادي يقوم به عامل أوروبي ماهر؟
(3)
ابتداءً من محاولتنا تقديم إجابة على هذا السؤال يمكننا طرح منهجية تمكنا من تكوين الوَعيْ ليس فحسب بصدد التبادل بين القيم على الصعيد العالمي، وإنما أيضاً بشأن كيفية هذا التبادل بما يتضمنه من عمل بسيط وعمل مركب. والواقع أننا نذهب خطوة أبعد برؤية الجانب الآخر، الأهم، من عملية التبادل على الصعيد العالمي. فما ننشغل به ليس التبادل غير المتكافيء؛ لأننا نتصور أن التبادل، كما سنرى، دائماً متكافيء؛ وإنما ننشغل بظاهرة التسرب في القيمة الزائدة؛ أيْ ننشغل بمحاولة تحليل جدلية تسرب القيمة الزائدة المنتَجة في داخل الأجزاء المتخلفة إلى الأجزاء المتقدمة كَيْ تنمي صناعاتها المتطورة والمعقدة. فالَّذي يهمنا هو الذهاب أبعد من تصور التبادل على الصعيد العالمي كمجرد تبادل غير متكافيء للقيم بين أجزاء متخلفة وأجزاء متقدمة إلى حيث تركيز الضوء المباشر والساطع على عملية "تسبق" هذا التبادل غير المتكافيء، وهي عملية التسرب في القيمة الزائدة.
فطبقاً لمثلنا التقليدي أنتج الاقتصاد القومي في الجزء المتخلف ما مقداره 12 ملياراً وحدة زائدة، وفي مرحلة أولى من التوزيع سوف تختص كُل طبقة بنصيبها، فالعامل سيحصل على الأجر (ولكن ليس من القيمة الزائدة وإنما من قوة عمله شخصياً) والرأسمالي سيحصل على الربح، وملّاك الأراضي سيحصلون على الريع. والمصارف أيضاً، وربما المرابي، سوف تحصل على الفوائد. وفي مرحلة ثانية تبدأ كل طبقة في إنفاق الوحدات الباقية بعد خصم الادخار، و(الضرائب الحكومية) فما هو الطريق الَّذي سوف تسلكه تلك الوحدات؟ انها سوف تتجه نحو الخارج. نحو الأجزاء المتقدمة؛ من أجل الحصول على منتجات استهلاكية (للطبقة العاملة، والطبقة الرأسمالية، والطبقة الريعية) ومنتجات صناعية (للرأسمال، لتجديد الإنتاج: آلات، ومعدات، ومواد) غالباً ما تتوقف عليها عملية تجديد هذا الإنتاج في الأجزاء المتخلفة، وسوف نبرهن لاحقاً على فرضيتنا المتعلقة بالتسرب في القيمة الزائدة، حينما ننتقل إلى اختبار مجمل فرضيتنا على أرض الواقع متخذين من الاقتصاد المصري، والاقتصادات العربية، أمثلة لهذا الاختبار.
وقبل أن تتم عملية التبادل تتم عملية أهم وأخطر، في الغالب لا يتم الاهتمام بها، وهي عملية خروج/تسرب القيمة الَّتي زادت بداخل الاقتصاد المتخلف خلال السنة إلى خارجه، وبدلاً من أن يعاد ضخ تلك القيمة بداخل مسام الاقتصاد المتخلف الَّذي أنْتَجها من أجل مشروعات تنموية وإنتاجية وطنية، فإنها (تخرج/تتسرب) من أجل تدعيم الصناعات المختلفة في الاقتصاد المتقدم. فهم التسرب هنا إذاً يسبق مناقشة التبادل، بل أن المسألة برمتها (تسرب) وليس (تبادل) ولكن الوضوح في بعض الأحيان قد يكون أكثر الأشياء خداعاً. إن المهم هو التحكم في هذا التسرب؛ وعياً بوجوده وخطورته، ومن ثم منعه، دون اللف والدوران حول نظرية، مضللة، ومن ثم مضللة، بسبب عدم التكافؤ في الأجور، فعدم التكافؤ في الأجور على الصعيد العالمي هو الَّذي ضلل، ومن ثم قاد أصحاب "التبادل غير المتكافيء" إلى اختراع هذه النظرية، لأنهم لم يستطعوا، ربما بدوافع إنسانية، أن يعلنوا بوضوح أن العامل هو آلة مرتدية "أفاروول". ويستغربون كيف أن حلّاق في باريس يتلقى أجراً أعلى من حلّاق في دكار. ثم يزيلون دهشتهم، بافتراض (دون تعليل دائماً) أن الأجر في باريس أعلى، وأن القيمة تنتقل من حلّاق دكار إلى حلّاق باريس من خلال (تبادل غير متكافيء!). الدهشة الحقيقية تتملكنا نحن؛ حينما نرى هذا التحايل التجريبي الفج، وتزداد دهشتنا حينما نرى كيف، إلى مثل هذا الحد، أن نفقة إنتاج حلّاق دكار ملتبسة بنفقة إنتاج حلّاق باريس!
(4)
نحن نتصور، على الأقل في عصرنا الراهن، أن آلة باريس دائماً أفضل من آلة دكار، وبعبارة بسيطة نحن نعتقد أن آلة باريس (العامل الفرنسي) أغلى من آلة دكار (العامل السنغالي) ومن ثم يتعين أن لا تكون قيمتها فقط في السوق مختلفة، وإنما أيضاً ثمنها. ولكن لمَ آلة باريس (العامل الفرنسي) أغلى من آلة دكار(العامل السنغالي)؟ نحن نفترض أن آلة/عامل باريس دائماً أفضل من آلة/عامل دكار، لأن آلة/عامل باريس تحتوي على عمل مختزن (تربية، تعليم، ترفيه، طعام، ملبس، صحة، مسكن،...) يفوق العمل المختزن الَّذي تحتويه آلة/عامل دكار. ومن ثم يتعين أن لا تكون قيمتها فقط في السوق مختلفة، وإنما أيضاً ثمنها بالتبع. بيد أن الاقتصاد السياسي لا ينظر إلى العمل المختزن إلا بشأن الآلة! ولا يمد قوانينه إلى الآلة المرتدية جلد البشر! فهو لا يساير منطقه حين يدخل في حساباته مأكل العامل (الخبز)، ومأكل الآلة (الطاقة) ثم يتوقف عند ذلك بشأن العامل، ولكنه يستكمل حساباته بشأن الآلة حين ينظر إليها مرة كآداة لإنتاج عمل حَيْ (المنتج) ومرة كآلة تحتوي على عمل مختزن، وهذا يعد تقليداً متبعاً في الاقتصاد السياسي من جهة إغفال العمل المختزن بصدد العمل، فلا ينظر الاقتصاد السياسي إلا إلى ما يحتاجه العامل كَيْ ينتج السلع، ويجدد إنتاج نفسه (أيْ يجدد إنتاج جنسه) ولا ينظر على الإطلاق إلى نفقة إنتاجه. تلك النفقة الَّتي جعلت منه عاملاً يمكن الدفع به إلى سوق العمل.
(5)
إن ماركس نفسه لم يُساير منطقه؛ فعلى الرغم من وعيه التاريخي والموسوعي إلا انه أغفل تماماً اعتبار العامل آلة مادية، وأدخل في حساباته، حين تعرضه للقيمة، ما يحتاج إليه العامل كَيْ ينتج، ولكي يجدد إنتاج نفسه. لكنه، أَيْ ماركس، لم يمد ما أخذه عن ريكاردو بشأن العمل المختزن إلى العامل، فلم ير سوى ما يحتاج العامل إليه كَيْ يعيش، ولم ير كيف تكون هذا العامل بالأساس! فلقد نقل ماركس، في رأس المال، عن الصقلي:"انه لا يمكن أن نصدق كيف أن تربية الصغار لا تكلفهم سوى اليسير من التعب والنفقات، فهم يُطعمون هؤلاء الصغار أول غذاء بسيط يَقع تحت اليد، ويعطونهم الجزء السفلي من سيقان القصب كَيْ يأكلوه، بمقدار ما يصلح للشواء على النار، كما يقدمون لهم جذور وسيقان بعض نباتات المستنقعات، أما نيئة أو مسلوقة أو مشوية. ويسير أغلب الصغار حفاة عراة، بسبب اعتدال الهواء. لذا فإن تنشئة الصغار حتى يقوى عودهم، لا تُكلف الأبوين، بوجه عام، أكثر من عشرين دراخماً. وهذا، بالدرجة الرئيسية، ما يُفسر لماذ نجد سكان مصر بهذه الكثرة، ولماذا يمكن بالتالي تشييد مثل هذا العدد من الصروح العظيمة". أَيْ أن ماركس لديه الوَعيْ بأن العامل نفسه له نفقة إنتاج. تلك النفقة الّتي تجعل منه عاملاً يصلح لبيع قوة عمله في السوق. ومع ذلك لم يستكمل ماركس منطقه؛ واعتد فقط بما يجب دفعه للعامل كَيْ يعيش ويُجدد إنتاج نفسه، أَيْ يُجدد إنتاج جنسه:"ان صاحب قوة العمل سوف يموت يوماً. وبالتالي يجب على بائع قوة العمل، من أجل أن يظهر في السوق بصورة متواصلة، كما يتطلب ذلك تحول النقد إلى رأسمال بصورة متواصلة، أن يُخلّد نفسه، كما (يُخلّد نفسه أيْ فرد، أيّ عن طريق التكاثر) وان قوى العمل الَّتي تذهب من السوق بسبب الموت يجب أن تُبدل دائماً بنفس الكمية على الأقل من قوى العمل الجديدة. ولذا، يتضمن مجموع وسائل المعيشة الضرورية لإنتاج قوة العمل وسائل المعيشة لأولئك البُدلاء، أيْ أطفال العمال، وبذلك يُخلد في سوق السلع جنس مالكي السلع المتميزين هؤلاء".
وكلام ماركس على هذا النحو غير صحيح. فمن جهة أولى: إذ ما افترضنا أن الأجر ينشطر إلى شطرين: الشطر الأول: كَيْ يعيش العامل، والشطر الثاني: من أجل البدلاء. يتعين أن يكون أجر العامل متغيراً وفقاً لعدد البدلاء الَّذي أنجبهم! وهذا غير واقعي.
ومن جهة أخرى يتعين، وفقاً لكلام ماركس، أن نعترف بأنَّ الطبقة العاملة، القادمة، بأسرها مدينة إلى الطبقة الرأسمالية بأسرها، قبل أن تطرح نفسها في السوق كسلعة، لأن الطبقة الرأسمالية هي الَّتي تكفلت بالانفاق عليها حتّى صارت جاهزة كَيْ يُدفَع بها في سوق العمل، ولا يقوم العامل (رب الأسرة) إلا بدور الوسيط، وهذا أيضاً غير واقعي.
ومن جهة ثالثة: يتعين، وفقاً لكلام ماركس أيضاً، أن يكون أجر العامل الأمريكي مساو لأجر العامل المصري، إذ ما قام الأمريكي بالعمل في مصر، وهذا أيضاً غير واقعي، بل أن الأمريكي أو الأوروبي الَّذي يعمل في أحد المنشأت في مصر إنما يتلقى أجره بالعملة الأجنبية، ويكون أجره أعلى من نظيره المصري. أَيْ أَن العمل المختَزن بداخل العامل نفسه يعد ركيزة أساسية في تحديد قيمة قوة العمل.
(6)
هكذا صارت نظرية القيمة مهددة بإلقائها خارج نِطاق ما هو علمي لتلك الانتقائية المفرطة الَّتي ترتع بداخلها. إن تلك الانتقائية، أَيْ إغفال نفقة إنتاج العامل أَيْ إغفال العمل المختزن في داخل العامل نفسه،(بمعنى أوضح: إغفال ثمن إنتاجه) هي الَّتي أدت إلى هذا التشوش بصدد حلّاق دكار، وحلّاق باريس. إن حلاق دكار يا أيتها السيدات، ويا أيها السادة، لا يتكلف منذ ولادته حتى يُمسك بأدوات العمل وآلاته ومواده سوى كسرات خبز معدودة، وشربة ماء غير آدمية، ومسكن خرب، وتعليم استعماري مشوه، وكل ذلك يمكن حسابه بوحدات حسابية محددة منذ الميلاد وحتّى الممات. ليس بشأن حلّاق دكار فقط، وإنما أيضاً بصدد حلّاق باريس، الَّذي، وقبل أن يدفع به في سوق العمل، يأكل ويشرب ويرتدي ويتعلم ويتدرب ويتنزه أفضل عشرات المرات من حلّاقنا السنغالي، رديء الصنع!
مع ذلك، لم ير الاقتصاد السياسي سوى ما يجب دفعه للعامل كَيْ يعيش. كَيْ ينتج، كيْ ينجب المزيد من العمال (أن تجدد الطبقة إنتاج نفسها) ولم ير ما الَّذي يجب دفعه للعامل عن العمل المكدّس الَّذي يحتويه بداخل أعصابه وعضلاته وأنسجته وخلاياه.
وبصدد العمل الحيْ، والمظهر النقدي لقيمة قوة العمل، فيجب الوَعيْ بأن التراكم الأوّلي للرأسمال (في أوروبا،ثم الولايات المتحدة، كوريث تاريخي للهيمنة الاستعمارية) كان له الدور الحاسم في ارتفاع الدخول النسبية، والمستوى العام للأثمان في هذه الأجزاء المتقدمة من النظام الرأسمالي العالمي المعاصر.
ولنر الآن كيف يكون التبادل، وفقاً لتصورنا، متكافئاً. فطبقاً لقانون القيمة، ومن أجل إنتاج معطف في مصر بأيدي عمالة مصرية، ومعطف آخر في إنجلترا بأيدي عمالة إنجليزية، فسوف نكون أمام الإفتراضين التاليين:
- من أجل إنتاج معطف مصري، بأيدٍ مصرية (اقتصاد رأسمالي متخلف):
ساعة عمل:
5 أدوات العمل + 3 مواد العمل + 2 قوة العمل (حَيْ 1) + (مختزن 1) + 2 قيمة زائدة = 12
- من أجل إنتاج معطف إنجليزي، بأيدٍ إنجليزية (اقتصاد رأسمالي متقدم):
نصف ساعة عمل:
5 أدوات العمل + 3 مواد العمل + 2 قوة العمل (حَيْ 1) + (مختزن 1) + 2 قيمة زائدة = 12
وبغض النظر عن أن الرأسمال سوف يسارع بالهروب (بتقنيته) ناحية مصر للاستفادة من العمالة الرخيصة، وهو ما يحدث فعلاً على الصعيد العالمي، بل يعد ذلك آداة تهديد دائمة من قبل الرأسمال للطبقة العاملة في أوروبا بوجه خاص، فالمثال يوضح أن ساعة عمل في إنجلترا، تعادل ساعتين عمل في مصر، من جهة الأجر والإنتاجية.
فوفقاً للمثال أعلاه، وبافتراض أن المعطف يساوي ساعة عمل، يساوي كيلو جراماً من اللحم؛ فإن ساعة عمل في إنجلترا تساوي ساعتين من العمل في مصر، أيْ أن العامل الإنجليزي يستطيع أن يبادل معطفه بكيلو جراماً من اللحم، في حين لا يكون للعامل المصري سوى نصف هذه الكمية لقاء ساعة عمل واحدة. ومن ثم فإن المعطف في إنجلترا يساوي كيلو جراماً من اللحم. على حين أنه ضعف هذه الكمية في مصر. وعلى العامل المصري أن يعمل 2 ساعة عمل من أجل الحصول على كيلو اللحم الَّذي يحصل عليه العامل الإنجليزي في مقابل ساعة عمل واحدة، فالتبادل إذاً متكافىء، وعادل. ويمسي واضحاً لِمَ يعمل المصرى 10 ساعات، مثل صديقنا الفلاح الأفريقي، ولا يحصل في مقابل هذه الساعات العشر سوى على نصف أو ربع أو ثلث ما يحصل عليه عامل واحد من العمال في أحد الأجزاء المتقدمة من النظام الرأسمالي العالمي المعاصر.
نحن نرى لذلك أنَّ التبادل دوماً متكافيء، ولا يكون دائماً إلا كذلك ابتداءً من الوَعيْ بالعمل المختزن الَّذي يحتويه العمل الحيْ. وهذا الأمر لم يعره الاقتصاد السياسي الاهتمام الكافي.
(7)
بناءً عليه، وبنفس المنطق، يمكننا معرفة كيف نُقارن بين العمل المركب والعمل البسيط. فلا نعتد بالعمل الحيْ المنفق في سبيل إنتاج السلعة فحسب، إنما نأخذ فى اعتبارنا أيضاً العمل المختزن الَّذي تحتويه أنسجة العامل وأعصابه وخلاياه. وحينئذ سيمكننا المقارنة بين ساعة عمل مهندس معماري وساعة عمل عامل بناء. مثلما تماماً يمكننا المقارنة بين ساعة عمل عامل مصري وآخر إنجليزي.
.



#محمد_عادل_زكي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أرسطو (المنطق، والقانون، والاقتصاد)
- محاضرات مدرسة الإسكندرية (6)
- محاضرات مدرسة الإسكندرية (5)
- المدرسيون: من الإقطاع إلى الثمن العادل
- من أجل الزيت!
- نهاية الاقتصاد السياسي: من العلم إلى الفن التجريبي
- من الاقتصاد السياسي إلى الاقتصاد
- مدرسة الإسكندرية للاقتصاد السياسي: المحاضرة الأولى
- ماتت شيماء
- جدول محاضرات الدورة العلمية السادسة
- مدرسة الإسكندرية للاقتصاد السياسي
- من ريكاردو إلى ماركس عبر قانون القيمة
- العصور الوسطى: تعليق على المصطلح
- محاضرات مدرسة الإسكندرية (4)
- محاضرات مدرسة الإسكندرية (1)
- محاضرات مدرسة الإسكندرية (2)
- محاضرات مدرسة الإسكندرية (3)
- الفكر الاقتصادي عند أرسطو
- محاضرة ثمن الإنتاج عند كارل ماركس
- من التخلف إلى التبعية عبر القيمة


المزيد.....




- ماذا قالت إسرائيل و-حماس-عن الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين ف ...
- صنع في روسيا.. منتدى تحتضنه دبي
- -الاتحاد الأوروبي وسيادة القانون-.. 7 مرشحين يتنافسون في انت ...
- روسيا: تقديم المساعدات الإنسانية لقطاع غزة مستحيل في ظل استم ...
- -بوليتيكو-: البيت الأبيض يشكك بعد تسلم حزمة المساعدات في قدر ...
- -حزب الله- يعرض مشاهد من رمايات صاروخية ضد أهداف إسرائيلية م ...
- تونس.. سجن نائب سابق وآخر نقابي أمني معزول
- البيت الأبيض يزعم أن روسيا تطور قمرا صناعيا قادرا على حمل رأ ...
- -بلومبرغ-: فرنسا تطلب من الاتحاد الأوروبي فرض عقوبات جديدة ض ...
- علماء: 25% من المصابين بعدم انتظام ضربات القلب أعمارهم تقل ع ...


المزيد.....

- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع / عادل عبدالله
- الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية / زهير الخويلدي
- ما المقصود بفلسفة الذهن؟ / زهير الخويلدي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - محمد عادل زكي - التبادل متكافيء