أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - علي لّطيف - جيل من الهالكين














المزيد.....

جيل من الهالكين


علي لّطيف

الحوار المتمدن-العدد: 4753 - 2015 / 3 / 19 - 21:49
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
    


"هنا منذ شهر مضى، هنا منذ عام مضى، هنا منذ قرن مضى قام سور، وسجن وجيل من الهالكين." *

أجلس في المكان ذاته الذي كتب به الشاعر هذه الكلمات. يمكنني رؤية كل شيء على ما هو عليه، صراع لا ينتهي، الموت ينتصر في النهاية و الشمس لن تُشرق أبداً.
الحوار انتقل من المغرب إلى الجزائر، ثم على شاشات التلفاز في برنامج حواري بين وزير سابق مغربي وآخر جزائري، كنت أظن في بداية البرنامج أنهم سيتكلمون على ليبيا لكن مع ثالث دقيقة تغير المشهد ليصبح صراع مغربي – جزائري تُستغل فيه الأزمة الليبية لغايات سياسية لدى الطرفين. "الوقت دائرة مسطحة" قال نيتشه، أي أن هذا الحوار سيتكرر مجدداً ومجدداً ومجدداً، ولا أحد يملك القوة ليغير أي شيء.
في ستينات القرن الماضي خرج بعض الليبيين في مظاهرات ضد النظام الملكي، وطالبوا بالحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، وكعادة الأنظمة الديكتاتورية تم قمع المتظاهرين وسُجن عدد منهم، أغلب السجناء كانوا يعتنقون أيديولوجية اليسار.. في بداية السبعينات تكرر المشهد إلا أن النظام كان مختلفاً، الديكتاتورية صمدت على رغم من تغير النظام، سُجن الطلاب والنشطاء السياسيون والفنانون والكُتاب والصحفيون الذين يعتنقون أيديولوجية اليسار، أُعدم البعض وهرب البعض منهم إلى الخارج ليواجهوا قسوة الغربة حيناً، وعروض الانضمام إلى وكالات الاستخبارات الأجنبية حيناً أخر. ومع بداية الثمانينات انتهى اليسار في ليبيا بكامله، تم هدم سجن الحصان الأسود الذي كان يحوي الشيوعيين والماركسيين والاشتراكيين وتم تحويل الأرض إلى مجمعات سكنية وحديقة صغيرة، و نُقل السجناء إلى سجن أبو سليم. بعد فترة قصيرة سقط الاتحاد السوفييتي وانتصرت الرأسمالية والليبرالية وخرج اليساريون من السجن ليصبحوا أي شيء آخر عدا اليسار.
"داخل سجن الحصان الأسود، كان يوجد تمثال ضخم ومتقن الصنع لحصان أسود." أمي قالت لي عندما كانت تزور أخاها الشاب السجين. الحصان الأسود كان يُطل ليس على السجناء والسجانين والزوار فقط، كان يطل على التاريخ وعبث وجود الإنسان على هذه الأرض، المعنى اللامرئي وراء كلمات السجناء على حيطان الزنزانة. كل هذا انتهى عندما هدموا السجن و أنهوا بناء سجن أبو سليم. الحديقة التي انشئت مكان السجن شبه مهجورة إلى اليوم إلا من بعض المجانين والمهمومين المدمنين على المخدر لغرض الهرب من الواقع المجرّد المتراكم من تاريخ لا يحمل في ثنايته أي أمل.
أجلس في المكان ذاته الذي جلس فيه شاعر جيل الهالكين، وأرى نبوءة نيتشه تتحقق أمامي دون أن يمنعها أحد، النظام تغير، الديكتاتورية صمدت، السجون تتقيأ آلام المساجين، وحرية المعاناة باقية أبداً.
في بداية العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين احترقت هذه الأرض، انشقت السماء بصواريخ التوماهوك، وانتشر الذعر والخوف في قلوب الجميع، كله باسم الشيء الوحيد الذي يستحق مقاومة لا تنتهي. "الحرية". وجدوه في النهاية بأنبوب مجاري بضواحي قرية صغيرة تُدعى جهنم، انتهى الخوف، هكذا تكلم الكلاشنكوف. إلا أن الأمر ليس بسهولة أفلام هوليوود؛ أعني لا يمكنك أن تقسم الصراع بين خير وشر، بين ضوء النجوم والظلام المحيط بها، الواقع مختلف تماماً عن ما يصنعونه لنا في استديوهات فوكس.
الواقع أنه إلى يومنا هذا عشرات الآلاف من الليبين فقدوا حياتهم، مدن مُهجّرة بالكامل، بيوت رموز النظام السابق تحولت إلى مستوطنات عقاب، الهوية "الغلط" تقودك إلى المشنقة، والمرأة كائن أقل من صرصور، والأبرياء يموتون ويُسجنون بسبب قلة الحظ، والأذكياء المحتالون سرقوا كل شيء ورحلوا، والخوف والذعر والعبودية تقيد الألسنة والأقلام، والكراهية والعنصرية تنتهك حرمة الروح.
الأربع سنين الماضية إن أخذنا العبرة منها بأي شكل، لابد أن تكون مجّردة من أي مجاملات، حقيقة مباشرة عن ما حدث؛ أننا كشعب حمل على أرضه أغلب حضارات ما قبل التاريخ لم نتعلم أي شيء عن الإنسانية، لا الهوية، لا التعددية، لا الحياة، وأننا فشلنا فشلاً ذريعاً في مشاركة العالم الحديث تقدمه وقيمه وحريته. نحن خرجنا من التاريخ عند صوت الرصاصة الأولى لبنادق فرق الإعدام الموجهة إلى رؤوسنا.
لقد رأيت جيل الهالكين وأنا جالس في مكان الشاعر، كانوا جائعين وهائمين ومنتحرين على باب المدينة، يُلَون كل واحد منهم داره بالدم، ويحمل كل واحد منهم على كتفه كلاشنكوف، يبكون أحلامهم الميتة بالشتائم، يقتلون ما تبقى من عقل بالمخدر والكراهية، وفي الليالي الموحشة عند وحدتهم ينظرون إلى السماء، إنهم يريدون إضاءة القمر.




* من قصيدة الشاعر الليبي محمد الشلطامي " كتابة على باب الزنزانة رقم 6."



#علي_لّطيف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المهاجر رقم 1
- رحلة إلى لبنان.
- إلى الدالاي لاما الرابع عشر - Dalai Lama The 14th.
- عن الذاكرة وطرابلس.
- سيلفيا بلاث - نِكْ والشمعدان (قصيدة مترجمة)
- عن ليبيا: الهاربون, المهجرون, اللاجئون.
- رسالة ألدوس هكسلي إلى جورج أورويل حول رواية 1984.
- يلعنُ مستشرقاً يُرشِد الجنرالَ الى نقطة الضعف في قلب شرقيّةٍ ...
- رسالة هنري ميلر لمحبوبته أناييز نين.
- رسالة هنري ميلر ل أناييس نين.
- ليبيا, ما بين الغرب والعرب.
- الشرق: ميلودراما الموت (I)*
- كيف أفهمُ الثورة؟
- تشارلز بوكوفسكي - مجموعة قصائد مترجمة - . (5)
- تحية طيبة ولا مؤاخذة ..
- تشارلز بوكوفسكي - مجموعة قصائد مترجمة - . (4)
- حذاري حذاري!
- تشارلز بوكوفسكي - مجموعة قصائد مترجمة - . (3)
- تشارلز بوكوفسكي - مجموعة قصائد مترجمة - . (2)
- تشارلز بوكوفسكي - مجموعة قصائد مترجمة - .


المزيد.....




- أجبرهم على النزوح.. أندونيسيا تصدر تحذيرا من حدوث تسونامي بع ...
- التغير المناخي وراء -موجة الحر الاستثنائية- التي شهدتها منطق ...
- مصر.. رجل أعمال يلقى حتفه داخل مصعد
- بوركينا فاسو تطرد ثلاثة دبلوماسيين فرنسيين
- أسباب تفوّق دبابة -تي – 90 إم- الروسية على دبابتي -أبرامز- و ...
- اكتشاف -أضخم ثقب أسود نجمي- في مجرتنا
- روسيا تختبر محركا جديدا لصواريخ -Angara-A5M- الثقيلة
- طريقة بسيطة ومثبتة علميا لكشف الكذب
- توجه أوروبي لإقامة علاقات متبادلة المنفعة مع تركيا
- كولومبيا تعرب عن رغبتها في الانضمام إلى -بريكس- في أقرب وقت ...


المزيد.....

- عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية / مصطفى بن صالح
- بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها / وديع السرغيني
- غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب / المناضل-ة
- دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية / احمد المغربي
- الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا ... / كاظم حبيب
- ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1) / حمه الهمامي
- برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب / النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
- المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة / سعاد الولي
- حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب / عبدالله الحريف
- قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس / حمة الهمامي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - علي لّطيف - جيل من الهالكين