أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - جمعة الحلفي - افتتاحيات جريدة الصباح البغدادية















المزيد.....


افتتاحيات جريدة الصباح البغدادية


جمعة الحلفي

الحوار المتمدن-العدد: 1323 - 2005 / 9 / 20 - 11:04
المحور: الارهاب, الحرب والسلام
    



شرعنة قتلنا
لم يبق أمامنا سوى الدخول في مناقشات فقهية مع الإرهابي الزرقاوي وفلول الظلاميين والمرتزقة، حول شرعية قتلنا وسفك دماء أهلنا وأبنائنا، ما دام هذا القتل وسفك الدماء يروي الغرائز الشريرة ويتخذ من الجهاد المزعوم حجة وذريعة.
هذا ما تريده بعض القوى، التي لم تعد ترى بأساً في حمامات الدم والمذابح البشعة، التي ينفذها هذا الإرهابي، ويذهب ضحيتها الأبرياء من أبناء شعبنا بالعشرات وبالمئات، و لهذا فهي لا ترفع، بل لا تستطيع أن ترفع حتى سبابتها بوجه الزرقاوي، إنما تخاطبه بكامل الإحترام والتبجيل وتردف أسمه بأسم الخالق الكريم.
بل إن هذه القوى، التي أقامت الدنيا ولم تقعدها بعد، حول جهاد الإحتلال والمحتلين، لم تعد تخشى من الإعلان، جهاراً، عن شراكتها الجهادية مع الزرقاوي، في مشروعه الدموي لتقتيل عراقيين، لاناقة لهم ولا جمل بالإحتلال والمحتلين، إنما يقتلون على هويتهم، وعلى لون بشرتهم، وعلى درجة فقرهم وبؤسهم، فأين هؤلاء من جهادهم وجهاد الزرقاوي؟
ومما يؤسف له، شديد الأسف، أن دعاة مقاومة الإحتلال، أؤلئك، وهم مغمورون في حمى الغرائز الشريرة للقتل والحرق والتدمير، ما عادوا يتذكرون الإحتلال والمحتلين إلا في البيانات والفضائيات، إما سياراتهم المفخخة وإنتحاريوهم وقذائفهم، فهي تعرف طريقها جيداً، تعرف أين تذهب وأين تسقط وأين تقتل ومن تقتل.
لقد سقط المئات من العراقيين الأبرياء، خلال الأسابيع الماضية، بأحزمة وسيارات مجاهدي ومقاومي الإحتلال، المفخخة والملغمة، ولم يسقط من جيش الإحتلال نفسه سوى بضعة جنود، ومع هذا لا يزال علينا أن نتحاورعلى كيفية وشرعية قتلنا واستباحة دمنا !



حكومة أم حكومتنا؟
علمتنا عقود المظالم والاستبداد والقهر أن نظهر للحكومة خوفنا وتملقنا واحترامنا الزائف، وأن نحقد عليها ونبغضها في قلوبنا وأرواحنا. فهي باطشة على الدوام، تنظم حياتنا كما تشاء، هي، وليس كما نشاء نحن. تشغّلنا وتكرمّنا وتتحدث باسمنا وتحارب نيابة عنا وبذريعتنا، ولكنها تجوعنا وتطردنا وتسجننا وتقتلنا إذا شاءت. هي تمتلك كل شيء، الثروات والأرض والهواء والماء والكهرباء والسجون والمعتقلات والأصفاد. بوسعها أن توزع علينا خيراتنا أو تحجبها عنا.
لذلك نتعامل معها بمكر الذئاب ووداعة الحملان، ونواجهها بطريقتين، طريقة مكشوفة عمادها التملق والخوف والرهبة، وطريقة مستورة جوهرها الحقد والضغينة والسخرية. وما أن تتاح لنا فرصة الظفر بها، أو بأي شيء من ممتلكاتها وأسلابها (ممتلكاتنا وأسلابنا) حتى نجهز عليها تدميراً ونهباً وتخريباً. هكذا هي صورة الحكومة، كما رسمتها وكرستها الأنظمة الدكتاتورية، في عقول الناس، طوال العقود الماضية، فهل من فكاك عن تلك الصورة؟ هذا السؤال موجه لحكومتنا الحالية، مثلما هو موجه لنا نحن عامة الناس..والجواب المفترض هو ليس هناك كثير تغيير على هذه الصورة، نقول الصورة ولا نقول الواقع، فهناك، على الأرض، مزايا كثيرة تحققت ويشعر بها الناس، في المقدمة منها حرية التعبير وانزياح الخوف من أجهزة القمع والملاحقات، لكننا مع ذلك لا نزال نخشى الحكومة ونتملق لها وننظر إليها بريبة، وهي لا تزال بدواوينها ومؤسساتها وأجهزتها وأنظمتها القديمة.. الفارق الوحيد يكمن في أنها حكومة منتخبة من قبلنا، رضينا بذلك أم لم نرض، وهذا يستلزم منا أن نتخفف من ضغائننا وأحقادنا تجاهها، وأن نتعامل معها بروح المسؤولية والنقد البناء والاحترام الحقيقي، وأن نحاسبها كلما دعت الحاجة لذلك، وإن لم تنتصح ولا تحترم إرادتنا، فبيننا فيصل الدورة الإنتخابية المقبلة.




حكومة أم حكومتنا؟
2
كل الحكومات، التي تعاقبت على السلطة في العراق، خرجت من برج الدبابة، ما عدا الحكومة الحالية، فقد خرجت من صندوق الاقتراع. لكن أي ثمن باهظ دفعه العراقيون للوصول الى هذه النتيجة؟ وكم هو الثمن المطلوب منهم دفعه، كي تتعزز وتتكرس هذه التجربة الديمقراطية الحضارية، كبديل عن حكومات العسكر والانقلابات والاستبداد والتفرد؟
لبلوغ هذا الهدف السامي، هناك دزينة من الشروط الواجب توافرها: تصفية تركة النظام السابق، السياسية والفكرية، توفير الأمن والاستقرار في البلاد، إعادة الإعمار، مواجهة الأزمات الخانقة وحلها. معالجة ملف الفساد بكل أشكاله.
لكن هل علينا إنجاز كل هذا، ومن هو المؤهل لإنجازه، ومتى؟
هذا سؤال واجب ومشروع، وجوابه الشافي ليس لدى عامة الناس، إنما لدى القوى والأحزاب السياسية، دون استثناء، وفي المقدمة منها تلك التي تتألف منها الحكومة، فإذا كانت هذه القوى والأحزاب جادة وماضية في وضع شعاراتها عن الديمقراطية والتعددية والتبادل السلمي للسلطة والاحتكام لصناديق الاقتراع، موضع التطبيق الفعلي، فستكون أمينة على مصالح الناس وحقوقها المشروعة في حياة حرّة كريمة، وعند ذاك لن يكون صعباً ولا مستحيلاً عليها، إنجاز هذا الاستحقاق التاريخي، الذي ينتظره العراقيون بفارغ الصبر والأمل.
أما خلاف ذلك، فليس هناك سوى شبح برج الدبابة، الذي لا تزال قوى الظلام والاستبداد، بتحالفها غير المقدس، تراهن عليه... لكننا، مع ذلك، سنظل ننظر إلى نصف الكأس المملوء.



جيوش المرافقين


لو جمعت وزارة الدفاع، الحراس الشخصيين، المرافقين لرجال الدولة والوزراء والمسؤولين السياسيين، لشكلت منهم فيلقاً يمكن أن تواجه به الإرهاب وربما تقضي عليه. لكن للأسف، لا يفعل هذا الفيلق شيئاً سوى الجلوس والثرثرة طوال النهار، بانتظارانتهاء دوام المسؤول والعودة به إلى بيته.
طبعاً من حق أي مسؤول في الدولة، وأي قائد أو زعيم سياسي، أن يحتفظ بحراس شخصيين يرافقونه في ذهابه وإيابه ويؤمنون له الحماية من أعمال العنف والاغتيال والإرهاب، فهذا أمر طبيعي ومنطقي في ظل الظروف الأمنية السائدة، لكن هل من الطبيعي بشيء أن يحيط المسؤول نفسه بجيش من الحراس الشخصيين، تدفع لهم الدولة مبالغ طائلة كرواتب ومخصصات؟ وهل من المنطقي أن تتحوّل مواكب بعض المسؤولين إلى تظاهرات مسلحة تقض مضاجع الناس عند مرورها في الشوارع؟
أنا شخصياً أعرف وزيراً لديه أكثر من ثمانين عنصراً من الحراس الشخصيين، يبلغ مجموع رواتبهم ومخصصاتهم الشهرية أكثر من ستين مليون دينار. وعندما ذكرت ذلك لصديق، مطلع على بواطن الأمور، ضحك وقال لي : وزيرك هذا يعد من البخلاء في عدد حراسه!
لا نريد هنا، بكل تأكيد، أن نقطع خبزة حراس المسؤولين، فلهؤلاء عوائل وهم بحاجة إلى العمل، لكن المشكلة تكمن في كونها ظاهرة غير حضارية وغير ديمقراطية وتعطي الناس انطباعاً سلبياً ، إذ ليس المسؤول وحده من تعزّ عليه حياته في هذا البلد، ثم أن الناس بحاجة لرؤية من يقودونهم، يعيشون بينهم وفي أوساطهم، ليقوّوا من عزائمهم ويرفعوا من معنوياتهم، فهذه، أيضاً، واحدة من مهمات قادة البلاد والعباد.

انصروا راضي الراضي


عندما تُنتزع أنياب الاسد يمكن للأرانب أن تضع يدها في فمه. هذا ما هو حاصل مع مفوضية النزاهة التي يريد بعض الوزراء والمسؤولين، الحكوميين وغير الحكوميين، انتزاع أنيابها وتحويلها إلى ديكور ديمقراطي يتباهون به لكنه لايحل ولايربط. وفي مؤتمره الصحفي، الذي عقده قبل أيام، استغاث رئيس المفوضية القاضي راضي الراضي، طالبا ً النجدة ممن بوسعه تقديم النجدة، لكننا نشك أن أحدا ً بعث على السيد الراضي وطيب خاطره بالتزام أو بوعد.
والسيد الراضي يشبه صياد الأفاعي، مهنته خطرة لكنه لايملك سوى يديه وقراءة بعض التعاويذ، وهو لهذا عاجز عن اصطياد الأفاعي الكبيرة، على الرغم من ان جحور بعض الوزارات مليئة بها.
ومما قاله السيد الراضي، في مؤتمره الصحفي، إن أحد القضاة أخبره أن التحقيق في واحدة من قضايا الفساد الكبيرة، المعروضة على القضاء، قد يستغرق عشر سنوات.. ومعنى هذا واحد من اثنين إما أن يكون صاحب القضية كبير الجاه والوجاهة وإما أن القضاء هو الفاسد، والمعنى الأخير هو أن جهود النزاهة قبض ريح.
كما قال السيد الراضي ايضا ً أن بعض الوزراء يتدخلون، على نحو سلبي في شؤون المفوضية، وبعضهم الآخر يطلب من دوائر وزارته عدم التعاون مع دائرة المفتش العام، وهذا يعني، مرة أخرى، واحدا ً من احتمالين إما أن السيد الوزير يخشى على نفسه أو أنه يريد التستر على الحرامية في دوائر وزارته، لأن مهمة المفتش العام هي البحث عن هؤلاء فماذا يعني التوجيه بعدم التعاون معه؟
مالم يقله السيد راضي الراضي، في مؤتمره الصحفي، نقوله نيابة عنه: إن لم نساعد مفوضية النزاهة على الاحتفاظ بأنيابها، عبر احترام القانون ( 57 ) الذي ينظم عملها وصلاحياتها وارتباطها المباشر بالقضاء، فلن نستطيع الإمساك بأرنب واحد وليس بالقطط السمان، التي تأكل الأخضر واليابس ولا تشبع.




بين كاترينا وجسر الأئمة


ربما لا أحد، أو قلة من العراقيين، تعرف السيد خوسيه لوي رودريجز، لكن الغالبية منهم تعرف الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، بكل تأكيد. والموضوع، هنا، لا يتعلق باختبار معلومات القراء الأعزاء، إنما يتعلق بإختبار عروبة العرب وشهامتهم وكرمهم الحاتمي.
فالشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، رئيس دولة قطر، تبرّع يوم أمس بمئة مليون دولار لضحايا إعصار كاترينا في الولايات المتحدة الأميركية، أما السيد خوسيه لوي رودريجز، رئيس وزراء أسبانيا، فقد تبرع بعلاج 45 عراقياً من جرحى فاجعة جسر الأئمة، في مستشفيات مدريد. وقد يقال لا فرق، فالضحايا، أميركيين كانوا أم عراقيين، هم ضحايا، ويحتاجون لمساعدة فاعلي الخير، لكن هناك من أدهشته اليد الكريمة للشيخ حمد، بحيث وصلت الى شواطئ كاترينا البعيدة، وعجزت عن الوصول إلى شواطئ دجلة المجاورة. بل هناك من شكك بالخبر أصلاً، معتقداً أن خطأ ما قد وقعت به وكالات الأنباء، لأن المفروض هو أن يحدث العكس، أي أن يتبرّع الشيخ حمد، بإعتباره سليل الكرم العربي، لضحايا جسر الأئمة الأشقاء، فيما يتبرع السيد خوسيه لضحايا كاترينا، فهذا هو المنطقي، كما يعتقدون، لكن هل بقي من منطق في فصاحة العرب؟ وهل بقي من عجب لم يأتوا به بعد؟ فبالأمس عاتب عمرو موسى، الساسة العراقيين لأنهم لم يشيروا، بالوضوح التام والمطلوب، الى الانتماء القومي العربي للعراق والعراقيين، في مسوّدة دستورهم، لكنه، نفسه، كان غامضاً كل الغموض في عروبته المزعومة، عندما لاذ بالصمت ولم يسمع أنين المئات من ضحايا فاجعة الجسر، وهم أعرب منه في آلامهم وجراحهم وفي انتمائهم وعلى سوية عمرو موسى، أو على دربه، في النفاق السياسي، كشف كثيرون من ساسة الأمة ومثقفيها، عن جحود عجيب ونكران جميل لم يسبقهم إليه أحد، وهم يطالبون العراقيين أن يكونوا ملكيين أكثر من الملك.
إذن ما المانع، أو ما العجيب أن يكرّم الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، ضحايا كاترينا وينسى ضحايا جسر الأئمة، فآسم كاترينا، لوحده، يسيل له لعاب الشيوخ، فيما أسماء ضحايا الجسر تقض المضاجع؟


الديموقراطية لنا ام علينا؟
1


يرفض الرئيس جلال الطالباني التصديق على أحكام الإعدام الصادرة بحق عدد محدود من المجرمين القتلة، الملوثة أيديهم بدماء الأبرياء من أبناء شعبنا، التزاماً منه بموقف إنساني يدعو إلى تحريم عقوبة الإعدام بوصفها عقوبة قاسية وغير إنسانية، وهو يقدم
بذلك، على بادرة أخلاقية وحضارية لم يسبقه إليها أحد من قادة الدول ورؤسائها، في العراق وفي المنطقة، وربما في العالم. لكن المواطن العراقي، الذي ظهره في العراء، لا يستطيع أن يفسّر، هذا الموقف، التفسير الذي يريده الرئيس أو يرنو إليه، ليس لأن هذا المواطن قليل الإنسانية، إنما لأنه مكتو ٍ بنار الإرهاب والجريمة، ومتلهف إلى تطبيق القواعد القانونية والدينية، التي تؤكد ضرورة عقاب المجرم بهدف حماية المجتمع منه وردع الآخرين عن ارتكاب الجريمة.
طبعاً كل الناس، في بلادنا وفي سواها، تتمنى لو أن عقوبة الإعدام تختفي يوماً، عن العالم، لكنهم يتمنون، قبل ذلك، أن تختفي الجرائم والفظاعات التي تستوجب مثل هذه العقوبة.
ولو أن الجرائم التي ارتكبت وترتكب في العراق، هي من نوع ما يرتكب في بقية دول العالم، لهان الأمر على العراقيين، لكن هل شهدت باريس أو كوبنهاكن أو نيويورك أو حتى دمشق والقاهرة وعمّان، ما شهدته ساحة النهضة، الأسبوع الماضي، أو بغداد الجديدة أو المسيب أو الحلة قبلها؟
وهل كانت حكومات هذه الدول ستنتظر طويلاً، لعقاب مجرمين من هذا الطراز، كما انتظرنا وننتظر؟
ليسمح لنا الرئيس العزيز جلال الطالباني بمثل هذه الأسئلة، على أن أسئلتنا الأكثر حرقة وسخونة هي تلك التي يجب أن تطرح على القضاء العراقي، فالناس في حيرة من تفسير موقف القضاء، الذي كان بالأمس فقط يحكم بقطع لسان من يشتم صدام، فما باله اليوم وهو يتفرّج على قاطعي رقاب الأبرياء وباتري أطراف الأطفال، وهم يعيدون تمثيل جرائمهم البشعة على شاشات التلفاز؟




الديمقراطية لنا أم علينا ؟
2


لم يعد المواطن العراقي يكترث كثيراً للأنباء التي تتحدث عن اعتقال قوات الشرطة أو الجيش لهذا العدد أو ذلك من المجرمين، لأنه بات يدرك أن الأمر بعد ذلك، لن يتعدى الاحتفاظ بهؤلاء القتلة واطعامهم، وفي أفضل الحالات تقديمهم على شاشة الفضائية العراقية لكي يدلوا باعترافاتهم عن بشاعة الجرائم التي ارتكبوها، ليفسدوا بذلك امزجة الناس ويقلقوا نومهم.
وإذا كانت هذه من المآثر العجيبة للديمقراطية في بلادنا، فإن هناك مآثر اخرى تتحدث عن إخلاء سبيل البعض من هؤلاء المجرمين والقتلة، إما من جانب القوات الاميركية التي تفتقد ، كما يبدو لمترجمين يتقنون اللغة العربية جيدا، أو من قبل متنفذين عراقيين من قابضي الرشاوى، أو من جراء روح التسامح الفائضة التي يبديها بعض رجال القضاء العراقي”المستقل”، ومن بين آخر المآثر على هذا الصعيد الحكم الصادر على مجرم شهير اعترف بقتل وذبح العشرات، إذ لم يتعد العشر سنوات سجنا.
ومما يزيد في الطين بلة أن احداً من المسؤولين عن هذه الملفات الساخنة لم يكلف نفسه عناء تقديم أي تبرير لهذا المواطن المكرود، فلا الداخلية ولا الدفاع ولا القوات الاميركية ولا القضاء العراقي، كشف مرة عن السر الكامن وراء هذا التغيير الدراماتيكي في التعامل مع المجرمين والقتلة، هل هي رحمة نزلت على قلوب اولي الأمر أم نقمة يراد بها اقلاق راحة المواطن والسخرية من عقله ومن معتقداته؟
لهذا كله لم يعد المواطن يعرف، على وجه الدقة، هل الديمقراطية وحقوق الإنسان له أم عليه؟




الديمقراطية لنا أم علينا؟
3


عندما وصلت القوات الأميركية أطراف بغداد من جهة الكرخ، رفع حراس القصر الجمهوري ملابسهم الداخلية فوق رؤوسهم، علامة على الاستسلام، وتسللوا مع حواف شاطئ دجلة، فارين بجلودهم، تاركين قصر صدام الرئاسي المنيف، لجنود الاحتلال يعبثون به ويتبولون في غرفه ومكاتبه الأنيقة. واليوم، بعد كل الذي جرى ويجري على العراق والعراقيين، يعود أيتام النظام المهزوم، ليرفعوا صور صدام، على رؤوسهم، في تظاهرات وتجمعات، مطالبين بعودة البعث إلى السلطة. فكيف حدث هذا ولماذا؟
حدث هذا لأن هؤلاء تأكدوا من أنهم في منأى من أي عقاب، إذا ما فعلوا ما فعلوه. وحدث هذا لأن سيدهم ما يزال حياً، يأكل ويشرب ويجادل القضاة ويربي الدجاج والصيصان، دون محاكمة تقتص منه ومن أعوانه عن جرائمهم الوحشية، التي ارتكبوها بحق العراقيين، طوال أكثر من ثلاثين سنة.
وحدث هذا لأن قوات الاحتلال، التي لم تحم العراقيين من الإرهاب ومن بقايا نظام البعث، لم تترك للعراقيين حق حماية أنفسهم.
وحدث هذا لأن عتاة الإرهابيين والقتلة، ممن اعترفوا بارتكاب أبشع الجرائم، لا يزالون يتمتعون بكامل حقوق المواطنة، ولم تطبق بحقهم لا قوانين السماء (السن بالسن) ولا قوانين الأرض.
وحدث هذا لأن النفاق السياسي، عراقياً وعريباً، بلغ حدوداً لا سابق لها، فأصبحت حقوق الإنسان مثل شعار صدام عن الحصار الدولي، هو يتاجر به والناس تموت من جرائه. وهكذا أصبح قتل امرئ في غابة جريمة لا تغتفر وقتل شعب كامل مسألة فيها نظر.
وحدث هذا أخيراً وليس آخراً، لأننا نعيش في عصر الديمقراطية... الديمقراطية التي تعني، من بين ما تعني، التعامل بقفازات من حرير، سواء كان من نتعامل معه يحمل غصن زيتون أم سكيناً جاهزاً للذبح..
وما عدنا نعرف الديمقراطية لنا أم علينا؟


قبل فوات الأوان


تعامل نظام البعث مع خصومه السياسيين بالحديد والنار ولم يرحم حتى عوائلهم، وقوائم من أعدمهم، ومن دفنهم أحياء في المقابر الجماعية، لم يسبق لها مثيل في التاريخ المعاصر.
ولم يحقق هذا النظام للعراق والعراقيين، أو للأمة العربية، التي يدعي تمثيلها، نصراً واحداً في معاركه وحروبه العبثية المشبوهة، إنما بالعكس من ذلك جر العراق من كارثة الى كارثة ومن محرقة الى أخرى.
ولم يكن الاحتلال الأميركي البريطاني للعراق في نيسان 2003 سوى النتيجة المنطقية لسلسلة الهزائم والنكبات والسياسات الحمقاء، التي انتهجها هذا النظام، طوال أكثر من ثلاثين عاماً. وكان ينبغي لأعوان هذا النظام الدموي، بعد هذا كله، أن يحمدوا الله على ما آلت إليه الأوضاع السياسية بعد هزيمة النظام المخزية وسقوط الدكتاتور في قبضة العدالة، إذ لو كانت التطورات والأحداث قد سارت على غير ما سارت عليه، لكان هؤلاء دفنوا، هم وعوائلهم، تحت الأرض، مثلما فعلوا بالأمس مع عشرات الآلاف من العراقيين، لكنهم أشبه بالعبيد، للأسف الشديد، لأن من رفع صور الدكتاتور في بعقوبة وتكريت، بعد كل الذي جرى ويجري للعراق والعراقيين، لا يمكن إعتباره سوياً أو شجاعاً، لأنه أذكى، بذلك، كل ما سكن وخبا من مشاعر السخط والثأر والضغينة، في قلوب الملايين من العراقيين، فهل يريد هذا النفر أن يجر البلوى على من لم تطله البلوى، وهل هذا هو المطلوب؟ لقد لخص الدكتور إبراهيم الجعفري، في كلمته يوم أمس الأول، ما كان يجب أن يقال لهؤلاء وأمثالهم من أيتام النظام المباد، وكان واضحاً وجلياً في تذكيره لهم بأن لا عودة لحزب البعث، مرة أخرى، فهذا هو المستحيل بعينه، مثلما كان متسامحاً وحضارياً عندما تعهد بحماية واحتضان من لم يرتكب جريمة بحق العراقيين، بل وحماية عوائل من أجرموا كذلك. وإذا كان هذا المنطق المنصف والحصيف لم يألفه العراقييون من قبل، وقد لا يفهمه أعوان النظام، الفهم الصحيح، فعلى العقلاء من أهل بعقوبة وتكريت وسواهما، أن يحملوا ذلك النفر الضال على إعادة حساباته والركون الى العقل والحكمة وحسن العاقبة، قبل فوات الأوان.




#جمعة_الحلفي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وباء القرن
- دويّ الصمت
- رهان الأمل
- حكمة الجغرافيا
- حقوق الإنسان .... المجرم!
- شكراً عمرو موسى
- مظفر النواب ... العراق بانتظارك
- هذا من فضل ربي !
- أرمم نهاري بشيء من شمسك
- السياسي والبهلوان !
- شخصية العراقي -6-
- شخصية العراقي -4-
- شخصية العراقي - 3 -
- شخصية العراقي - 2 -
- - 1 - شخصية العراقي
- الساحر الدمشقي !
- ناجي شيزوفرينيا !
- قل لي ماذا تقرأ ؟
- يكولون غني بفرح!
- الهويات القاتلة !


المزيد.....




- الصفدي لنظيره الإيراني: لن نسمح بخرق إيران أو إسرائيل للأجوا ...
- عميلة 24 قيراط.. ما هي تفاصيل أكبر سرقة ذهب في كندا؟
- إيران: ماذا نعرف عن الانفجارات بالقرب من قاعدة عسكرية في أصف ...
- ثالث وفاة في المصاعد في مصر بسبب قطع الكهرباء.. كيف تتصرف إذ ...
- مقتل التيكتوكر العراقية فيروز آزاد
- الجزائر والمغرب.. تصريحات حول الزليج تعيد -المعركة- حول التر ...
- إسرائيل وإيران، لماذا يهاجم كل منهما الآخر؟
- ماذا نعرف حتى الآن عن الهجوم الأخير على إيران؟
- هولندا تتبرع بـ 100 ألف زهرة توليب لمدينة لفيف الأوكرانية
- مشاركة وزير الخارجية الأمريكي بلينكن في اجتماع مجموعة السبع ...


المزيد.....

- كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين) ... / عبدالرؤوف بطيخ
- علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل / رشيد غويلب
- الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه ... / عباس عبود سالم
- البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت ... / عبد الحسين شعبان
- المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية / خالد الخالدي
- إشكالية العلاقة بين الدين والعنف / محمد عمارة تقي الدين
- سيناء حيث أنا . سنوات التيه / أشرف العناني
- الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل ... / محمد عبد الشفيع عيسى
- الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير ... / محمد الحنفي
- عالم داعش خفايا واسرار / ياسر جاسم قاسم


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - جمعة الحلفي - افتتاحيات جريدة الصباح البغدادية