أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ريهام عودة - العقل العربي و المؤامرة ...















المزيد.....

العقل العربي و المؤامرة ...


ريهام عودة

الحوار المتمدن-العدد: 4748 - 2015 / 3 / 14 - 02:58
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


منذ عدة قرون زمنية بعيدة، كانت تنتشر في أروقة البلاط الملكية و القصور ، فكرة "المؤامرة" و بدأت بعدها تتطور تلك الفكرة شيئا فشيء ، حتى أصبحت ظاهرة تتبناها مختلف طبقات المجتمع، فأصبح الغني يعتقد أن الفقير يحقد عليه ويريد أن يسرق ماله و بالعكس أصبح الفقير يعتقد أن الغني هو من يتآمر عليه لكي يسلب قوته اليومي.

و لقد كان مصطلح "المؤامرة" يطلق في العصور السابقة على أية أفكار جديدة يتم طرحها من أجل التغيير و الإصلاح الاجتماعي و السياسي و الديني، حيث كان يتم القضاء على تلك الأفكار بتصويرها كأشياء مشبوه و بأنها مخططات خفية لمحاربة الدين و القضاء على العادات و التقاليد الشعبية، لذا تم محاربة عدد كبير من العلماء و الفلاسفة و أصحاب الأفكار المستنيرة في تلك العصور ، فعلى سبيل المثال ، خلال العصر الروماني القديم تم تكفير الفيلسوفه الشهيرة ، هيباتيا السكندرية التي تعد أول امرأة في التاريخ يلمع اسمها كعالمة رياضيات و فلك، لكنها قتلت بسبب أفكارها المستنيرة على يد مجموعة من المسيحيين المتطرفين .

و لقد تطورت نظرية المؤامرة ضمن الشعوب و الحكومات، بدءاً من العصور القديمة و مرورا بالحربين العالمتين الأولى و الثانية حتى فترة الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الأمريكية و الاتحاد السوفيتي سابقا، و ذلك في منتصف الأربعينات حتى فترة التسعينيات ، فقد ظهرت في تلك الفترة من الزمن ، بعض الكتب و الروايات التي تناولت نظرية المؤامرة و الحرب الخفية من أجل إنشاء نظام عالمي جديد يسيطر على جميع شعوب العالم ، و بدأ الترويج لفكرة الغزو الفضائي و الأطباق الطائرة ، حتى أصيب عدد كبير من المواطنين الأمريكيين بأمراض نفسية غريبة قد ربطها البعض بتجارب علمية سرية يتم إجرائها على البشر.

و ساعدت السينما العالمية ، خاصة الأمريكية ، بالترويج لنظرية المؤامرة لدى المواطن الغربي ، عن طريق صناعتها لأفلام هوليودية خيالية تتحدث عن كيفية السيطرة على الشعوب و أن هناك أعداء خارجيين يستهدفون الشعب الأمريكي ، بالإضافة لبعض الأفلام التي تناولت الخطط السرية و التجارب العلمية التي تحاك للسيطرة على الجنس البشري ، فقد كان أشهر تلك الأفلام التي تناولت قضية العالم السري و المؤامرة ،الفيلم الأمريكي الشهير( The matrix) و فيلم ملائكة و شياطين للروائي الأمريكي دان بروان الذي تناول قضية الجمعيات السرية وصراعها مع الكنيسة.

و عند التحدث عن نظرية المؤامرة عند الشعوب الغربية في العصر الحديث ، فنحن نتحدث هنا عن ظاهرة كانت شائعة في حقبة القرن العشرين ،حيث كان الانترنت في بدايته ، و لم يكن هناك وسائل إعلام اجتماعية حديثة منتشرة ، كالتي نتعامل معها الآن منذ بداية القرن الواحد و العشرين مثل الفيسبوك و اليوتوب وغيرها من وسائل الإعلام الجديد .

لذا بسبب بعض الغموض السياسي و عدم الظهور الكامل للحقيقية أمام معظم أفراد الشعوب الغربية خاصة فيما يتعلق بالسياسة الخارجية لبلادهم ،كان سابقاً ، يتم نسب كل شيء غامض ومجهول إلي نظرية المؤامرة، وذلك عادة يحصل عندما يعجز المثقف أو المواطن من إيجاد إجابة منطقية وواضحة لتغيرات مجتمعية أو سياسية تحدث ببلاده .

و لقد انتقلت نظرية المؤامرة إلي المثقف العربي الذي تأثر بما كان يدور من صراع على الساحة الدولية بين القوى العظمى و بين أتباع الحركات السياسة العالمية ذات الانتماءات الفكرية المختلفة مثل الشيوعية و الليبرالية بالإضافة إلي حركات الدين السياسي ، وبدأ المثقف العربي يلعب دور كبير في التأثير على أفكار مجتمعه ، فتفشت نظرية المؤامرة و تغلغلت أكثر فأكثر في المجتمعات العربية، حتى أصبح العربي يبرر أي فشل سياسي أو كارثة أمنية أو أزمة إنسانية و اقتصادية و اجتماعية قد تحل في بلاده ، بأنها تعود لأسباب خفية و لمؤامرة دولية تحاك ضد العالم العربي.

لذا عند حدوث أي كارثة أو أزمة في عالمنا العربي يسارع بعض السياسيون و المثقفون العرب بربط أسباب تلك الأزمات بالمؤامرة و يبدءون تبرير فشلهم في إيجاد حلول لتلك الكوارث بالترويج لدى مواطنيهم لفكرة أن العالم يتآمر على العرب و يريد أن يقضي عليهم و يشوه تاريخهم و ثقافتهم و دينهم ، وذلك دون عمل أي تحليل منطقي و موضوعي لسبب الفشل و الهزائم و النكسات التي تحل في بلادهم .

و يعود هذا الخلل في التفكير العربي إلي طبيعة النظام الفكري الذي يتبناه العقل العربي التقليدي الذي يصدق أي شيء مكتوب أو يبث عبر وسائل الإعلام و يعتبره موثوق ، دون السعي للتحقق من أصل المعلومة و مصادرها ، و يعود ذلك لطبيعة البرمجة الفكرية الخاطئة التي تحتل مساحات كبيرة في العقل الإنساني، فقد عبر عن ذلك الحكيم الهندي الشهير "سادجورو" عندما قال أثناء مقابلة معه بأنه " يجب على الناس أن يتعلموا أن يعيشوا الواقع،و لكنهم ضائعون بسبب طريقة تفكيرهم التي تجعلهم يفترضون إجابات لأية أي أشياء يجهلوها ، و دائما يصدقون هذه الافتراضات، بينما الحقيقة الواحدة تحتاج إلي مئة عام لكي يتم التحقق من صحتها "

ومن أهم مظاهر تبني نظرية المؤامرة عند العقل العربي، هو عندما تطالب بعض مؤسسات حقوق الإنسان ، الدول العربية باحترام حرية التعبير عن الرأي و حقوق المرأة و غيرها من الحقوق المذكورة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ، عندها تبدأ الاتهامات تتوالى ضد تلك المؤسسات ، و تظهر على الساحة محاولات لتشويه صورة تلك المنظمات الحقوقية باتهامها تارة بأنها تعمل لصالح أجندة خفية استعمارية و تارة بأنها تعتبر تدخل سافر في الشأن الداخلي للبلاد.

ومن المظاهر الأخرى لنظرية المؤامرة أيضا ، هو عندما لا يعترف العرب ، أن هناك خلل ما في النظام الاجتماعي العربي بسبب ضعف نظام التعليم العربي ، الذي يعتمد على منهجية الحفظ و التلقين و لا يشجع على التفكير الإبداعي و النقدي ، الأمر الذي أدى إلي سهولة سيطرة أي جماعة متطرفة على عقول الشباب العربي عن طريق تلقينه ثقافة العنف و التطرف ، فلو تم تربية العقل العربي على التفكير التحليلي و النقدي ، ما وقع بعض الشباب العربي كفريسة سهلة للجماعات الإرهابية المتطرفة ، لكن للأسف المواطن العربي ينكر هذا الواقع ، لأنه يعتقد أن كل ما يدور حوله هو مجرد مؤامرة عالمية للقضاء عليه.

لذا دائما نحن العرب نربط عدم إدراكنا بالحقائق و أسباب الواقع الأليم الذي نعيش به ، بالمؤامرة الخارجية لدرجة أننا أصبحنا نعطي قوة مبالغة لتلك الدول الغربية التي تحاول أن تلعب عدة أدوار مختلفة في عالمنا حسب حاجتنا و مصلحتنا منها، فتارة تكون بمثابة الشيطان الأكبر الذي يهدف بطرق خفية لتفريق العرب و تارة تكون بمثابة الأخ الأكبر الذي يرعى السلام و الأمن في الشرق الأوسط الكبير،وهذا إن دل على شيء ، فهو يدل على ازدواجية التفكير العربي الذي دائما ما يحمل في طريقة تفكيره الشك و الريبة من كل شيء جديد على ثقافته أو غريب يأتي إلي بلاده من وراء البحار.

لذا إذا أردنا أن نلحق بركب الدول المتقدمة، يجب علينا أولاً كعرب أن نحسن النيه و في نفس الوقت أن نتوخى الحظر من الأعداء الحقيقيين الذين للأسف بعضهم خرج من بيئتنا ومجتمعنا ، و بالرغم من أن العالم الغربي قد أخطأ بالسابق كثيرا في حقوق الشعوب العربية ، حيث عانت الدول العربية على مر العصور من الاستعمار الأوروبي و الاحتلال الإسرائيلي و الغزو الأمريكي ، لكن تلك الدول الغربية بدأت تعترف بأخطائها حول ما سببته من انتهاكات في حقوق الإنسان ضد العرب، وبدأ بعضها يمد يد السلام للعرب ، فلا أحد يستطيع أن ينكر حجم المساعدات الإنسانية الغربية التي يوفرها الغرب للاجئين من الحروب في الدول العربية مثل سوريا و فلسطين و لبنان و لا أحد يستطيع أن ينكر حجم المساعدات المالية الغربية التي يتم تقديمها للحكومات العربية ، لذا فإنني أرى هنا ، بأن هناك مبالغة كبيرة من العرب بتصوير أن جميع الدول الأجنبية و التي لا تدين بديانة الإسلام ، بأنها مجرد دول كافرة و تتآمر على العرب ، بينما تستضيف تلك الدول أعداد ضخمة من المهاجرين العرب وتدمجهم ضمن مواطنيها الأصليين حيث الجميع متساوي أمام قانون و دستور الدولة.

و بغض النظر عن صحة نظرية المؤامرة أم لا ، فلابد للمواطن العربي بشكل عام و المثقف العربي بشكل خاص، أن يتبني دائما منهج التفكير العقلي و التحليلي، و أن يقوم بالحكم على الأمور و القضايا من وجهة نظر موضوعية و أن يتأكد من مصدر أية معلومات تنشر عبر وسائل الإعلام التقليدية أو الحديثة ، دون التسرع في افتراض الإجابة المطلوبة عن أية أمور قد تبدو غامضة له و لا يعرف حقيقتها .

و يجب أيضاً أن لا تكون كلمة " مؤامرة " هي أسهل إجابة يحصل عليها المواطن العربي عند تساؤله عما يحدث من حوله ، و عندما لا يمتلك المثقف أي معلومات حقيقية عن المشكلة ، فما أسهل أن نحيط أنفسنا دائما بأعداء ومنافسين وهميين ، تم خلقهم من بنات أفكارنا المشوهة بسبب الجهل و العنف و القمع المتواجد في بيئتنا العربية .

لذلك يجب علينا كعرب أن نتحمل المسئولية عن أخطائنا التاريخية و أن نعترف بأننا ساهمنا بخلق الواقع الذي نعيشه بحلاوته ومره ، و أن ما يحدث لنا هو نتيجة قراراتنا المتسرعة و طريقة إدارتنا للأمور، فالإنسان بشكل عام ربما لا يتحمل مسئولية ما يحدث له بنسبة 100% لكنه يستطيع أن يتحكم على الأقل بردة فعله لما يحدث له ، و ذلك في حال كان لديه وعي كبير و علم نافع ينيران له الطريق إلي الحقيقة.

و أخيرا ، أعتقد أنه إذا ما أراد الإنسان العربي ، أن يتطور و يتخلص من تبعية العالم الغربي، عليه أولا أن يدير حوار جدي مع ذاته ومن ثم مع مجتمعه من خلال تبني ثقافة المساءلة و التقييم الذاتي و المجتمعي لطريقة تفكير جماعية تطغى عليها ملامح نظرية المؤامرة و إنكار المسئولية الجماعية عما يحدث في المجتمع من خلل في كافة مجالات الحياة الإنسانية و الاجتماعية و السياسية و الاقتصادية .



#ريهام_عودة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إعادة إعمار غزة : قيود إسرائيلية و مخاوف فلسطينية
- لا لعبادة الأصنام !
- قيادة الأمل : هذا ما يحتاجه الشعب الفلسطيني !
- مقاومة فلسطينية من وحي الغزوات الإسلامية
- خبايا اتفاقية روما: هل يستطيع فعلا الفلسطينيون محاكمة قادة ا ...
- صيف مشتعل : كيف ستنتهي المعركة مع اسرائيل؟
- المعادلة تغيرت و اسرائيل تستعد لمحكمة الجنايات الدولية
- أبعاد الحملة العسكرية الاسرائيلية و أثرها على اقتصاد الضفة ا ...
- أثرياء فلسطين و التغيرات السياسية
- لعبة الشطرنج بين عباس و نتاياهو، لعبة التحدي...
- عرب ال48: صراع نفسي و أزمة هوية...
- لماذا تهتم اسرائيل بالاقتصاد الرقمي و الالكتروني ؟
- حكومة المصالحة والتحديات الاقتصادية المقبلة
- عمال غزة يكادون أن يشيخوا من شدة البطالة ....
- الحرية الدينية: هل ستسمح إسرائيل لمسلمي غزة أيضاً للصلاة بال ...
- فشل المفاوضات و عقاب إسرائيل الاقتصادي للسلطة الفلسطينية !
- غزة : مختبر تجارب حربيه!
- عنف المرأه ضد المرأه لا ينكر أيضاً
- مفاوضات السلام و عقدة الأمن الاسرائيلية
- أخلاقيات الحروب و النزاعات


المزيد.....




- أبو عبيدة وما قاله عن سيناريو -رون آراد- يثير تفاعلا.. من هو ...
- مجلس الشيوخ الأميركي يوافق بأغلبية ساحقة على تقديم مساعدات أ ...
- ما هي أسباب وفاة سجناء فلسطينيين داخل السجون الإسرائيلية؟
- استعدادات عسكرية لاجتياح رفح ومجلس الشيوخ الأميركي يصادق على ...
- يوميات الواقع الفلسطيني الأليم: جنازة في الضفة الغربية وقصف ...
- الخارجية الروسية تعلق على مناورات -الناتو- في فنلندا
- ABC: الخدمة السرية تباشر وضع خطة لحماية ترامب إذا انتهى به ا ...
- باحث في العلاقات الدولية يكشف سر تبدل موقف الحزب الجمهوري ال ...
- الهجوم الكيميائي الأول.. -أطراف متشنجة ووجوه مشوهة بالموت-! ...
- تحذير صارم من واشنطن إلى Tiktok: طلاق مع بكين أو الحظر!


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ريهام عودة - العقل العربي و المؤامرة ...