السرقة العلمية، ودروسٌ ألمانيةٌ بالمجانِ

غسان أكرم الدليمي

الحوار المتمدن-العدد: 4736 - 2015 / 3 / 2 - 21:32
المحور: التربية والتعليم والبحث العلمي
    

في العام 2003 وبعد الحرب مباشرة وعلى أثرِ انهيار الدولة بشكل تام وإنعدام الأمنِ وشيوع حالات السرقة والخطف والسلب والنهب والقتل دون رادع او وزاع وغياب سلطة القانون بحيث اصبحت عمليات سرقة السيارات اثناء سيرها في بغداد أمراً شبه عادي ويتكرر عشرات المرات يومياً وربما كانت تعتبر تلك من الجرائم "الخفيفة" قياساً لما كان يجري . في تلك الاثناء وفي حادثة شهيرة سمع بها اغلب البغداديين، أن مجموعة من السرَاق حاولوا السطو على سائق سيارة أجرة أثناء استأجارهم له بفرض انهم يرغبون الذهاب لمنطقة ما، ولكنهم انقلبوا عليه عند وصولهم لأحد الطرق السريعة وقاموا بضربه ثم حاولوا سحبه الى خارج السيارة للأستيلاء عليها ولكنهم تفاجئوا ان الرجل كان يرتدي ساقاً اصطناعية وأنه من ذوي الاحتياجات الخاصة وقد بترت ساقه في واحدةٍ من حروبنا الكثيرة وأنه يعمل سائق اجرة بالرغم من عَوقهِ لحاجته الماسة ولم ينجرف لعمليات السرقة و"الحواسم" الي شاعت انذاك.
هؤلاء السراق المجرمون وبعد ان صُدموا بحالة هذا الرجل البائس فقد تراجعوا عن اكمال عملية سرقة السيارة واعتذروا له واعانوه على ارتداء ساقه الأصطناعية مرة اخرى وحملوه الى سيارته وطلبوا منه المغادرة. إن من دواعي الاستغراب في هذه القصة أن المجرمين واللصوص والقتلة قد يمتلكون احياناً بعضاً من الرحمة ومن العطف وربما ماتزال عندهم بقايا من بقايا اخلاق الفرسان وانهم تعاملوا ببعض ماتبقى لديهم من انسانية مع هذا المسكين فقرروا تركه.
فاذا كان لهؤلاء اللصوص بعض القيم وبعض الاخلاقيات فلماذا الكثير من باحثينا والكثير من اساتذة الجامعات عاجزين على ان تكون اخلاقياتهم بما يوزاي مكانتهم في المجتمع وفي الجامعة؟
إن مادعاني لهذه التساؤل أن في السنوات الاخيرة وعندما بدأت اغلب المؤسسات العلمية والاكاديمية في العراق تعتمد معيار النشر العلمي كأساس وركيزة في الترقية العلمية والوظيفية مما افرز نمطاً جديداً وسلوكاً شاذاً بين الطبقة الاكاديمية بالإعتماد على سرقة وانتحال البحوث المحلية والعالمية ونسبها لهم دون اي اعتبارات مهنية واخلاقية. هذه الظاهرة اصبحت شائعة اليوم وتكاد تكون هي السائدة ونادراً ماتجد استاذاً قد احترف بشكل فعلي الكتابة والنشر العلمي دون ان ينتحل من هنا ومن هناك بعض البحوث السابقة اذا ما استثنينا البحوث المنشورة لطلبتهم والتي غالباً مايكون دورهم فيها اشرافياً، لكني هنا اقصد البحوث التي تنجز من قبل الباحث نفسه وبشكل منفرد.
ان ما ساهم بأستفحال هذه الظاهرة هو جهل اغلب المؤسسات العلمية ولجان التقييم بآليات كشف عمليات السرقة والتشابه (Similarity) والانتحال (Plagiarism) واعتمادهم على محركات البحث مثل كوكل سكولار (Google Scholar) كوسيلة لكشف تلك السرقات وأستبعادهم كثير من الادوات العالمية القياسية لكشف حالالت السرقة والانتحال والتشابه مثل تيرنتن (Turnitin).
قد لايبدو للبعض ان هذا الأمر مثيراً او ذو أهمية ولكن السرقة العلمية تعتبر جريمة يعاقب عليها القانون في اغلب دول العالم وقبل سنتين كان لنا درس في وزيرة التعليم الالمانية أنيته شافان والتي استقالت بعد تجريدها من درجة الدكتوراه بسبب مزاعم انتحال علمي بعد اربعة ايام فقط من إعلان جامعة دوسلدورف الالمانية أن شافان قد انتحلت من آخرين أجزاء من رسالتها التي نالت عنها درجة الدكتوراه بشكل منظم ومتعمد وبالتالي جردتها الجامعة من الدرجة التي كانت منحتها إياها قبل أكثر من 30 عاما !. وقبل شافان اضطر ايضاً وزير الدفاع الالماني غوتنبرغ الى الأستقالة بعد الكشف عن فضيحة نسخهِ فقرات كثيرة من رسائل أكاديمية ومقالات صحفية في رسالة الدكتوراه التي حصل عليها عام 1999 دون الإشارة إلى مصدر الاقتباس مما جعل جامعة بايروث الالمانية الى سحب اعترافها برسالة الدكتوراه التي منحتها لوزير الدفاع ووصفه الأستاذ المشرف عليه بانه مخادع وكاذب.
فكم من وزيرٍ واستاذٍ سنضطر بعد سنوات أن نجردهم من القابهم ومناصبهم ودرجاتهم العلمية والأكاديمية بعد أن نكتشف سرقاتهم، وكم بحثٍ سنعرف بعد سنوات ان لها أصحاباً شرعيين آخرين وان حاملها الحالي ليس سوى أبٌ مزيف.

#غسان_أكرم_الدليمي (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات