أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - حمزة رستناوي - نحو لاهوت اسلامي جديد-الخروج من القوقعه-















المزيد.....

نحو لاهوت اسلامي جديد-الخروج من القوقعه-


حمزة رستناوي

الحوار المتمدن-العدد: 1321 - 2005 / 9 / 18 - 07:01
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


هل نستطيع فتح ملفات اللاهوت الإسلامي في ظلِّ ثقافة أحادية قمعية؟!
إن هذه المغامرة جديرة بالنقاش، مادام الإنسان، في المآل الأخير، هو مجرَّد سؤال!
فلو استطعنا، جدلاً، تفنيد المقولات الأساسية في اللاهوت الإسلامي – وهذا احتمال قائم – فإن الدين سيبقىذا حضور مجتمعي لافت، مادام الإنسان عاجزًا عن حلِّ ألغاز الحياة والموت والماورائيات.
يردد رجال الدين الإسلامي ديباجتهم المكرورة قائلين بأفضلية القرآن على العقل، وبأن الإسلام لا يحتاج إلى التطوير, فهو كمنظومة أيقونية نهائية، غير قابل للبحث – أي لإعمال العقل – باعتباره صالحًا لكلِّ زمان ومكان، وبأن «الدين عند الله الإسلام» (آل عمران 19), والإسلام كائن مكتفٍ بذاته، ويستطيع إيجاد الحلول للناس والمجتمعات والعقول، و هو غنيٌّ عنها , فالإسلام من وجهة نظرهم «أيقونة» هائلة منجزة، ذات مصدر إلهي؛ وقد تكفَّل الله باستمرارية انتصاره وضمانه حتى النهاية: «إنا نحن نزَّلنا الذكر وإنا له لحافظون» (الحجر 9)، «لا غالب إلا الله»، «فإن حزب الله هم الغالبون» (المائدة 56).
نزع القداسة وضرورته
إن نقطة البدء الحاسمة في تطوير اللاهوت الإسلامي تكمن في نَزْع القداسة، وإقناع المسلمين بضرورة طَرْحٍ كهذا وفائدته. غير أن مصطلح «نزع القداسة» désacralisation سيء السمعة لدى المتلقِّي في المجتمعات العربية والإسلامية؛ وهو يستفز المسلمين، ويدفعهم إلى التشكيك به، بل وإلى اتهام القائلين به بأنهم يسعون إلى ربط الإسلام بـ«دوائر الضلال»، معتبرين إياه، من منظورهم، «مؤامرة» مفضوحة على الإسلام: فالمسلم ال?اكستاني سيعتبرها مؤامرةً هندوسية؛ والمسلم التايلندي سيعتبرها مؤامرةً بوذية؛ والمسلم العربي سيعتبرها مؤامرةً يهودية؛ والمسلم النيجري سيعتبرها مؤامرةً مسيحية , وهذا لأن مصطلح "نزع القداسة" يُفهَم فهمًا شعبويًّا؛ وفي مجتمعات رجال الدين، يُفهَم بوصفه يهدف إلى تدمير المقدَّس الإسلامي لصالح مقدَّس «الأعداء»!
وفي ظلِّ السيطرة المطلقة لهذا «المقدَّس» على عقول المسلمين وضمائرهم، يتعذر طرحُ أية تساؤلات جوهرية. وبذا سيكتفي رجال الدين باجترار المقولات المكرورة، والعمل على توسيع مساحة التقديس، لتشمل شخوصَهم وآراءهم؛ في حين أن نزع القداسة ضرورة مرحلية تُمليها ظروفُ البحث العلمي الجادِّ في أية ظاهرة. وعندما تكون هذه الظاهرة دينية، تغدو الحاجةُ إلى نزع القداسة أكثر إلحاحًا، لأن البحث العلمي إنما ينطلق من الشكِّ بغية الوصول إلى الحقيقة، أو الحقائق، بينما المقدَّس يتأسَّس على مسلَّمات لا يَطالها الشك.
وقد يقول قائل: إن نزع القداسة عن فكرة الألوهية، مثلاً، يهدم الدين من أسُسه. ونقول: إن نزع القداسة ضرورة مرحلية، وليس هدفًا في ذاته. فمن خلال البحث في مفهوم الألوهية يمكن تبنِّي خيار الإيمان القائم على الحرية. ونزع القداسة لا يقتضي الإلحادَ أو الثنوية، بل البحث في ماهية مفهوم الإله، وفي ماهية العلاقة التي تربط بين الإله والإنسان؛ الأمر الذي سوف يؤكد على احتمالات متعددة، ذات طبيعة صراعية غير قابلة للحسم دون تدخُّل من سلطة زمنية ما. وإن استثمار هذه الحالة التعددية في المجتمع سيفسح المجال لمناخ تَداوُلي، عقلاني، يحلُّ محلَّ المناخ الأحادي القمعي الذي ينظر إلى الدين وكأنه طائفة أو عصبية.
نزع القداسة عن مَن، وعن ماذا؟
هل سنكتفي بنزع القداسة عن الإسلام المعاصر ورموزه: بن لادن وسيد قطب والشعراوي والبوطي والخميني والسيستاني وابن باز؟! أم سنستمر في ذلك وصولاً إلى إسلام الأولين: الصحابة وأئمة آل البيت ومؤسِّسي المذاهب السنِّية والخوارج والمعتزلة والمتصوفة إلخ؟ أم أننا سنمضي بعيدًا لنزع القداسة عن النصوص الأولية المؤسِّسة والنصوص الثانوية، كالقرآن والأحاديث؟
ينبغي التوقف عند كلِّ مستوى من هذه المستويات، لنكتشف، فجأةً، أننا أمام طبقات متراكمة من التقديس – وهذا لأن الفكرة الأولى التي تعيق تطوير اللاهوت الإسلامي هي فكرة التقديس، بكلِّ ارتباطاتها ومستوياتها. ولذلك هناك حاجة إلى الحديث عن مقولة «التقوقع» وضرورة الخلاص منها، بما يدعوه غوشيه بـ«دين الخروج من الدين».
يمكن وَسْمُ الثقافة المهيمنة عربيًّا وإسلاميًّا بأنها ثقافة دينية، تمثلها مرجعيات عليا، لا مناص من الرجوع إليها بغية اكتساب المشروعية في أيِّ عمل ومُنجَز. ومن هنا ظهرت مقولةُ «الإسلام دينٌ ودنيا»، ومقولاتٌ أخرى من نحو «الاقتصاد الإسلامي» و«السياسة الشرعية» و«علم النفس الإسلامي» و«النقد الأدبي الإسلامي» و«الفن الإسلامي» وهلمَّ جرَّا.
هذا ما أدعوه «التقوقع»: فنحن بإزاء تشكيك مطلق في عقائد الآخرين، من مسيحيين ويهود وبوذيين وهندوس وعَلْمانيين إلخ. فهؤلاء كلهم خارج «القوقعة»؛ ومن ثَمَّ، فجميعهم في النار! فكيف، إذن، نستطيع تفعيل التثاقُف acculturation والحوار المنفتح على الآخرين في ظلِّ سيطرة ثقافة التقوقع. والتقوقع، في نهاية المطاف، آلية دفاعية تلجأ إليها المجتمعاتُ المقهورة لمواجهة تهديد ما. ولكن: هل الإسلام مهدد حقًّا؟ وإن كان الأمر كذلك، فهل التقوقع هو الوسيلة الأنجع لمواجهة تلك التهديدات؟ ثم عن أيِّ إسلام يجري الحديث: الإسلام الشيعي أم الإسلام السنِّي، الإسلام الأصولي أم الإسلام المعتدل، إلخ؟
في الواقع أن القوقعة آلية دفاعية مزدوجة: فهي، من جهة، تعمل على إقصاء الآخرين وإهانتهم، حيث إن الغالبية العظمى من المسلمين ورجال دينهم لا يترددون في تكفير غير المسلمين؛ بل إن هناك مَن يكفِّر المجتمع بأسره – ناهيكم عن تكفير الطوائف الإسلامية بعضها بعضًا!
ومن جهة أخرى، يظهر الفعل الدفاعي الثاني من خلال عدم الاعتراف بمنجزات العقل في مجال العلوم الإنسانية، كعلم الاجتماع وعلم النفس والأنثرو?ولوجيا وعلم تحليل الخطاب إلخ. فالقرآن، وفقًا لزعمهم، هو خطاب متفرِّد، بل هو فوق–خطاب méta-discours، لا تنفع معه المقاربات المتَّبَعة في علم تحليل الخطاب؛ لذا ما تزال المقاربات المتبعة في تفسير القرآن، حتى الآن، تكتفي بتفسير القرآن بالقرآن، وبتفسيره بالحديث وأقوال الصحابة وآل البيت، بالإضافة إلى علم البلاغة والإعراب العربيين.
تمنع مراكزُ الثقل اللاهوتية المسيطرة لدينا الباحثين من مناقشة قضايا الدين الحساسة بحجة الخوف على الإسلام؛ ولكنها لا تدرك أن قمع هذه الأبحاث والدراسات لا يحمي الإسلام، بل يعمل على استمرار ثقافة التقوقع؛ مما يهيئ لانفجارات اجتماعية ذات طابع طائفي وإثني لا تُحمَد عقباها على المدى البعيد.
يتجنب أغلبُ المثقفين الحداثيين، من أكاديميين وأدباء وكتاب وصحفيين، الاصطدامَ بالمؤسَّسة الدينية ورجالاتها؛ وقلة منهم تملك فكرًا نقديًّا قادرًا على إخضاع التراث للقراءة النقدية الموضوعية – ناهيكم عن ضعف تأثير هذه القلة، التي تخضع، في استمرار، للمضايقات والتهديد بالقتل والنبذ الاجتماعي على المستويين الرسمي والشعبي. ولن تغامر أية سلطة سياسية بالدفاع عنهم، كما حدث مع فرج فودة ونصر حامد أبو زيد وسيد القمني ونوال السعداوي وآخرين؛ بل إن السلطة القمعية تستثمر وجود هؤلاء «الزنادقة» للظهور بمظهر المُدافع عن الدين لكسب الشعبية والشرعية المفقودتين.
هناك أسطورة رائجة في المجتمعات الإسلامية تقول بعدم حاجة الإسلام إلى العلوم والمناهج العقلية، بل تؤكد على إمكانية استخلاص تلك العلوم من القرآن والحديث النبوي. إن هذه الأسطورة كارثية بالمقاييس كافة، لأنها تؤدي، بشكل أو بآخر، إلى استقالة العقل في المجتمعات الإسلامية لصالح النقل وتقديس السلف.
اللاهوت الإسلامي جزء من اللاهوت، والإسلام هو دين المسلمين، وليس دين البشرية , دون أن يمنع ذلك وجود نزوع إنساني كامن في الدين الإسلامي أسوةً بباقي الأديان. وإن الإطلاع على لاهوت الآخرين (وخصوصًا اللاهوت المسيحي والبوذي) يمكن أن يوسِّع آفاق هذا اللاهوت، ويجعله ينقِّب عميقًا في الظاهرة الدينية لدى الإنسان، في أبعاده الجغرافية والثقافية والاجتماعية.
ولكننا، بكلِّ أسف، مازلنا نعيش في لاهوت القرون الوسطى! فنحن متخلفون حتى في علوم الدين، لأن التخلف ظاهرة شاملة يعاني منها مسلمو اليوم, وإن هذا الإصرار على امتلاك الحقيقة المطلقة سيؤدي إلى ردود فعل عنيفة على صعيدين اثنين: صعيد خارجي، يتمثل في العولمة والحرب على الإرهاب، وداخلي، مداره مشكلة الأقلِّيات التي لا يمكن التنبؤ بعواقبها.
لم يأتِ قبول الكنيسة بمفاهيم العقد الاجتماعي والعَلْمانية والديموقراطية وحقوق الإنسان من فراغ، على الرغم من مقاومتها العنيفة والطويلة لهذه المفاهيم، بل هو نتاج جهد قام به لاهوتيو الكنيسة المسيحية، متأثرين بثقافة الأنوار وثورة الحداثة وسيادة العقل النقدي. فالكنيسة لم تقم بهذه المراجعة النقدية بشكل طوعي، ولكنها وجدت نفسها في موقف ضعيف في أعقاب الثورة الفرنسية، مما فَرَضَ عليها سؤالَ الإصلاح، بما يضمن إعادة هيبتها ودورها، وتحقيق وجودها بما يتناسب مع المتغيرات العالمية الجديدة. من هنا فإن كبار اللاهوتيين كانوا فلاسفة ومفكرين مبدعين.
إن الدين المتحكِّم بمصير الشعوب لا يقبل التطوير، لأن كلَّ إصلاح أو تطوير يُعدُّ تنازلاً تقدِّمه المؤسَّسة الدينية المتحكِّمة؛ وهي لن تفعل ذلك لوجه الله، لأنها قامت، أصلاً، على مصادرة فكرة الألوهية. وبالتالي، فالفاعلون الاجتماعيون المعنيون بالإصلاح الديني لن تأتي بهم المؤسَّسةُ الدينية الرسمية والأصولية قطعًا. إنهم باحثون ومفكرون ينتمون إلى الله والحياة والإنسان و... الآخرين.
*** *** *** [*



#حمزة_رستناوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- .سوريا:بين الديمقراطية و نظرية الفصوص
- بين ثقافة الوعظ و صدمة الواقع
- نظرية الحب والإتحاد في التصوف الاسلامي
- جرائم الشرف أم جرائم قلة الشرف
- غرباء في عقر دارنا
- لماذا أحتفل؟!
- أحاديث الرفاق
- أولاد الحداثة الجديدة في مضارب بني غبار
- أرغون و القراءة التاريخية للنص القرآني
- من سلطة العشيرة الى عشيرة السلطة
- الشيطان وطلب اللجوء السياسي
- تخلف دوت كوم
- الرجل القائد للجماعة و صلاة الجمعة
- خدمة بلا علم
- التيار الفلسفي في وحدة الوجود
- المعري وبيداغوجيا المريدين الفاشلين
- حقوق الانسان بين الفاعل والمفعول به
- الفكر الاصولي واستحالة التأصيل
- الجامعات السورية ..منارات تجهيل
- رأس مالي... ورأس فقهي


المزيد.....




- ناشط يهودي: الضغوط تتزايد على المؤيدين لفلسطين في فرنسا
- القائد نخالة: يقدم أخواننا في المقاومة الإسلامية بلبنان النم ...
- القائد نخالة: سنبقى جميعا أوفياء لروح السيد نصر الله خلال قي ...
- أمين عام حركة الجهاد الإسلامي: التحية للأخوة في الجمهورية ال ...
- أمين عام حركة الجهاد الإسلامي: التحية للأخوة في الجمهورية ال ...
- العسكرة ومقاولات -المتنفذين- تطمس معالم عاصمة الحضارة الإسلا ...
- مجاهدو المقاومة الإسلامية في لبنان قصفوا تجمعا لجنود العدو ف ...
- المقاومة الإسلامية في لبنان تتبنى قصف مستوطنة كرمئيل بالجليل ...
- منتدى كوالالمبور: طوفان الأقصى شرارة نهضة للأمة الإسلامية
- فينكلشتاين للمقابلة: معركتي ضد إسرائيل من أجل العدالة ولا عل ...


المزيد.....

- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - حمزة رستناوي - نحو لاهوت اسلامي جديد-الخروج من القوقعه-