أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - حمزة رستناوي - الجامعات السورية ..منارات تجهيل















المزيد.....

الجامعات السورية ..منارات تجهيل


حمزة رستناوي

الحوار المتمدن-العدد: 1079 - 2005 / 1 / 15 - 10:47
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


أتذكر في شتاء 1994 حيث فوجئنا بإعلان في كلية الطب جامعة حلب عن موعد لمحاضرة إضافية سيلقيها الدكتور وجيه السباعي أستاذ علم الأدوية و العقاقير الساعة الثالثة ظهراً , و هو الأستاذ المشهور بهمته العالية , و محاضراته الإضافية و الباكرة دائماً , حيث تبدأ حوالي السابعة صباحاً , أي قبل ابتداء الدوام الرسمي بساعة كاملة , و لكن الشغف العلمي قادنا إلى موعد الظهيرة المحتوم , و كان الحضور دسماً بعون الله , و لكن فجأة و بدل أن يدخل الدكتور وجيه قام الزملاء أعضاء المكتب الإداري للإتحاد الوطني لطلبة سوريا و آخرين لم أتعرف عليهم بإغلاق أبواب المدرج الجامعي و تنبيه الطلاب من مغبة الهروب لأنه سوف ينعقد المؤتمر السنوي للإتحاد في المدرج و هناك العديد من الضيوف الدسمين .
أتذكر و بعد عام من هذه الواقعة و في أحد الأيام المخصصة للتدريب الجامعي تم إبلاغنا شفوياً بضرورة الدخول إلى المدرج الكبير , و أنه سيكون هناك تفقداً اسمياً , و كل من يتغيب عن الحضور سيتعرض للمسائلة و العقوبة , فرئيس الجامعة سوف يحضر مع أعضاء قيادة فرع الجامعة للحزب , و أعضاء المكتب الإداري للإتحاد الطلبة , و سيكون مهرجاناً خطابياً مركزياً بمناسبة حرب تشرين التحريرية .
أتذكر الدكتور يوسف إبراهيم و هو في مختبر الأدوية في جلسة عملية , و هو يبتدئ الجلسة العملية بكلمة " تخيلوا "
تخيلوا لو أن هناك فأراً و حقناه بمادة المورفين و قمنا بتسخينه على صفيحة معدنية , فإنه سوف يتأخر شعوره بالألم .
تخيلوا لو أن هناك قطعة من أمعاء أرنب و ربطنا نهايتيها بخيط , و أضفنا مادة الأستيل كولين فإنه سوف .......
تخيلوا لو أن لدينا عضلة حمراء مخططة و حقناها بمادة السوكسنيل كولين و قمنا بإجراء تخطيط عضلات كهربائي لها فإنه سوف .......
أتذكر عميد كلية الطب الأستاذ الدكتور منذر بركات أستاذ جراحة جهاز الهضم المادة المقررة في الفصل الثاني للسنة الرابعة , و أتذكر أنه بعد ما يزيد عن ثلاث أشهر و انتهاء العطلة الصيفية و بدء الدوام في السنة الدراسية الجديدة , و لم تصدر بعد نتائج امتحان مادة الجراحة "2" , و أن هناك العديد من الزملاء لا يعرفون مصيرهم معلقين بين السنة الرابعة و الخامسة ينتظرون فرج الله و صدور النتائج , مما تسبب في إشكالات تخص الوضع القانوني لهؤلاء الزملاء . ؟!
فهل تغير الواقع كثيراً إلى الآن ؟!
في إطار تنظيري بحت يمكن وصف الجامعات و المعاهد الرسمية بأنها منارات ترفد المجتمع بالخبرات العلمية و التقنية و النقدية , و تعمل على إنتاج و تصدير الباحثين و العلماء و المفكرين في القطاعات المختلفة للمعرفة , لأنها و ببساطة صممت ليكون لها هذا الدور الريادي , و هي الأماكن الجدير بها أن تبقي على الحوار المفتوح و الحر بين الباحثين من جميع الاتجاهات و المشارب , ففي الجامعة يمكن للمتدين أن يحاور العلماني أو الماركسي على قدم المساواة , و يمكن للأبيض أن يحاور الأسود أو الأصفر على قدم المساواة , و يمكن للطالب الغني أن يحاور الطالب الفقير المعدوم على قدم المساواة و من المفترض بالجامعات أن تملك فضاء من الحرية يتيح المجال للمناقشة التعددية و الخلافية المبدعة في النهاية , فدائماً نسمع عن اكتشاف الدواء الفلاني أو الفيروس الفلاني في مخابر جامعة ما , و كذلك نسمع عن إصدار موسوعات علمية أو اجتماعية أو اقتصادية تحت إشراف مجموعة من الباحثين في جامعة أخرى , وكذلك نسمع عن صياغة نظرية جديدة في النقد الأدبي على يد أحد الأساتذة المدرسين في جامعة ما , و كثيراً ما نسمع عن اعتصام الطلاب الجامعيين للمطالبة بحقوق تخصهم , أو تخص الجماعة في الإطار الوطني , و كثيراً ما ذكر لنا الأجداد عن المظاهرات المطالبة بالاستقلال و الجلاء المنطلقة من الحرم الجامعي في جامعة دمشق , أو المظاهرات المطالبة بالإفراج عن الزملاء الطلاب المعتقلين من قبل السلطات , أو المظاهرات المعارضة للانقلابات العسكرية , و المطالبة بالديمقراطية و الحريات العامة , أو المظاهرات المتفاعلة مع ما يحدث في الساحة السياسية العربية من رفض حلف بغداد إلى العدوان الثلاثي على مصر, إلى المظاهرات المنددة باتفاقيات السلام العربية – الإسرائيلية و التطبيع .
و لكن للأسف فقد انطفأت هذه المنارات ؟!
بالتأكيد لم تنطفئ لنفاذ الوقود , أو لموت بروميثيوس سارق النار , بل انطفأت بفعل فاعل عن سبق إصرار و ترصد . حيث نظر إليها من قبل السلطة الحاكمة كمصدر تفريخ للمشاغبين , وحجر عثرة في وجه تحقيق مجتمع التقدم و الاشتراكية المنشود , و نظر إليها من قبل الأخوان المسلمين كحقل خصب لزراعة أفكارهم و الترويج لها بغية الوصول إلى السلطة . و في النهاية تم اتخاذ القرار بتحويل الجامعات إلى مؤسسات موالية , إلى منارات لا تشع إلا الحداد , منارات تشعل نهاراً و تطفئ ليلاً , منارات يقصدها طلاب المستجدين طلباً للشهادة الصفراء و فرص العمل و الرزق و السترة , لا طلباً للعلم و المستقبل الحضاري على الصعيد الشخصي و الوطني , منارات وضعت خطأً وسط أبنية إسمنتية بلهاء و شوارع إسفلتية عمياء , يحيط بها و يعمل على سدنتها عمداء هبطوا من سترة الحزب و النضال , و دكاترة قضوا سنوات عسلهم في منتجعات الدول الاشتراكية الصديقة قبيل انقراضها , وطلاب لا هم لهم إلا تطبيق البنات و تشفيط السيارات , و طالبات يقتربن من هذا المضمون .
إنها منارات تجهيل لا تشع المعرفة إلا عرضاً , فكلية جامعية مصممة لتعليم و تأهيل مئة طالب يدخلها سنوياً خمسمائة طالب , فطاولة التشريح في مخبر الجثث مصممة لفئة طلابية لا تتجاوز العشرة يلتف حولها و على عدة دوائر الطلاب , الدائرة الأولى وقوفاً و الثانية وقوفاً على رؤوس الأصابع و الثالثة وقوفاً على الكراسي , و الدائرة الرابعة وقوفاً على الطاولات المجاورة , و سعيد الحظ من يتاح له رؤية الشريان الفلاني أو العصب العلّاني بالعين المجردة .
و تم إضافة مقررات جديدة تشمل الثقافة القومية الاشتراكية و اللغة العربية و التدريب العسكري بغية خلق جيل وطني ثورجي, وكذلك من أجل تصنيع طلاب يفورون بالوحدة و الحرية و الاشتراكية , طلاب عروبويون جداً , و ربما طليعة جنرالات يتقنون فن الرمي بالدبابة و الكلاشنكوف و ملئ أوقات فراغهم تحت المظلات في معسكرات التدريب الجامعي الصيفية . و تم تسمين الطلاب السوبر وطنين من حملة البكلوريا بإطعامهم علامات و درجات إضافية تؤهلهم الدخول في الكليات التي يشتهون , ابتداءً بدورات المظليين و دورات الصاعقة و المعسكرات الإنتاجية و درجات الأعضاء العاملين في الحزب و الشبيبة , و أبناء الهيئة التدريسية و أبناء الشهداء و أبنا حملة وسام الجمهورية , و درجات الطلاب المدعومين المزورين في امتحانات الشهادة الثانوية . أهكذا يتم ربط الجامعات بالمجتمع ؟!
يتخرج الطالب " الطبيب " من كلية الطب و لم يمسك إبرة الحقن الوريدي بعد
و يتخرج الطالب " المهندس " و هو يخاف من محرك السيارة
و يتخرج الطالب من كلية الأدب العربي وهو لا يدري هل انقرض الشعر العربي في عام 1950 أم إنه استمر بعد ذلك
و يتخرج الطالب من كلية الأدب الإنكليزي , وهو لا يستطيع التلفظ بجملة إنكليزية مفيدة عندما يفاجئه سائح و جده عاثراً في الطريق
و يتخرج الطالب من كلية الجغرافيا , وهو يتأتأ ليلاً نهاراً آن شروق الشمس , و موعد أفول القمر مستفسراً عن المسابقة للتوظيف و أمين فرصة عمل
و يتخرج الطالب " الفقيه المحدث " من كلية الشريعة ليجد نفسه و فجأةً في العصور الحديثة , و أنه لا يرى الصحابة و الشافعي و أنس بن مالك في الشارع و مقاهي المدينة
فعلى مستوى المؤسسات تبدو الجامعات السورية مثلها مثل أي جامعة في العالم، فهناك أبنية ومخابر ومقررات دراسية وامتحانات وحلقات بحث وشهادات، ولكن على المستوى الإبداعي والبحث العلمي(علوم تطبيقية-بحتة- إنسانية) تبدو الجامعات السورية متمايزة تماماً عن جامعات العالم المعاصر ،فلو جلس رئيس جامعة البعث وتشرين وحلب وجامعة دمشق في مجمع أو مؤتمر علمي عالمي فماذا لديهم ليقدموه ؟!!!!!! .
بالتأكيد ليست المشكلة في الطالب، فالفرد (الطالب) السوري لديه إمكانيات كامنة عديدة وفي مناحي متعددة ، ولكنه في ضوء تخلف المنظومة التعليمية الجامعية السورية يتم العمل على إبراز وجه واحد لهذا الطالب يدخله في مناخ السلبية واللامبالاة ، ولكن هذا الفرد (الطالب) السوري ما إن يغادر أرض (الوطن) حتى تُفعّل إمكانياته الكامنة في إطار منتج وفاعل مما يجعلنا نفاخر بالسوريين المغتربين ، فنحن ليس لدينا شيء، وفي الوقت نفسه نملك كل شيء، فإلى أي مدى نحن مجرمين بحق مجتمعنا ومؤسساتنا.
و لنتساءل الآن لماذا يعبث " الوطن " بأعز ما يملك , و هل الجامعات السورية مختبرات تجارب ؟!
عميد الكلية يتم تعينه بقرار فوقي , و رئيس القسم يتم تعينه بقرار فوقي , و الموافقة على أطروحة الدبلوم أو الماجستير أو الدكتوراه تحتاج إلى موافقات من مؤسسات داخل و خارج الجامعة .
و أخيراً سأعود عشرة سنوات في الزمن لأتذكر أنه أشد ما كان يقلقني أثناء الدوام و حضور المحاضرات الجامعية هو عدم وجود دورة مياه نظيفة و صحية تليق بكلية الطب و أطباء المستقبل .
قديماً قيل إذا أردت أن تأخذ فكرة عن رقي مؤسسة أو منشأه ما و حضاريّتها عليك أن تذهب إلى دورة مياهها, فهناك تكمن الإجابة
د. حمزة رستناوي



#حمزة_رستناوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رأس مالي... ورأس فقهي
- الشاعر السوري عباس حيروقة : يسقط في مدار نهد
- نانسي عجرم ..... والفقه الافتراضي
- العرب وشيطان اللغة الابتر


المزيد.....




- فيديو لرجل محاصر داخل سيارة مشتعلة.. شاهد كيف أنقذته قطعة صغ ...
- تصريحات بايدن المثيرة للجدل حول -أكلة لحوم البشر- تواجه انتق ...
- السعودية.. مقطع فيديو لشخص -يسيء للذات الإلهية- يثير غضبا وا ...
- الصين تحث الولايات المتحدة على وقف -التواطؤ العسكري- مع تايو ...
- بارجة حربية تابعة للتحالف الأمريكي تسقط صاروخا أطلقه الحوثيو ...
- شاهد.. طلاب جامعة كولومبيا يستقبلون رئيس مجلس النواب الأمريك ...
- دونيتسك.. فريق RT يرافق مروحيات قتالية
- مواجهات بين قوات التحالف الأميركي والحوثيين في البحر الأحمر ...
- قصف جوي استهدف شاحنة للمحروقات قرب بعلبك في شرق لبنان
- مسؤول بارز في -حماس-: مستعدون لإلقاء السلاح بحال إنشاء دولة ...


المزيد.....

- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - حمزة رستناوي - الجامعات السورية ..منارات تجهيل