أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد عبد الرازق أبو العلا - المهمشون يدفعون الثمن في مجموعة ( عبق الشوارع) .. للكاتب - أحمد محمد حميدة-















المزيد.....

المهمشون يدفعون الثمن في مجموعة ( عبق الشوارع) .. للكاتب - أحمد محمد حميدة-


أحمد عبد الرازق أبو العلا

الحوار المتمدن-العدد: 350 - 2002 / 12 / 27 - 15:21
المحور: الادب والفن
    


        
     
     يحيلك عنوان المجموعة القصصية الأخيرة للكاتب ( احمد محمد حميدة) " عبق الشوارع " إلى الدلالة المباشرة له ، حيث إن الشوارع – في المجموعة ، لها رائحة خاصة مثل ( الطيب) اللزق بجسم صاحبه ، والشوارع - بالفعل- لها رائحة خاصة ، استطاع الكاتب اختيار اللحظات والمواقف والأحداث التي يدلل بها علي  ذلك التميز ، واستطاع اصطياد شخوصه بعناية تحسب له ، هؤلاء الشخوص ينتمون إلى شريحة اجتماعية أصبحت هي الشريحة السائدة الآن : الفقراء والمهمشين ، والكاتب - من خلال قصصه- يعلن انحيازه التام لهذه الشريحة الاجتماعية التي تتحمل – وحدها – عبء انتهاج السياسات الاقتصادية  الخاطئة ، لا تتحمل فقط، بل وتدفع الثمن . والكاتب حين يقدم نماذجه الإنسانية لا يغفل المتغيرات التي حدثت في مصر - في السنوات
الأخيرة - ومدي تأثيرها علي سلوك الشخصية القصصية ، وتأثيرها - كذلك - علي الرؤية التي يسعي إلى تقديمها للقارئ .                                     
   إن ( أحمد محمد حميدة ) هو ابن شرعي لتشيكوف وموباسان ، لأن قصصه تعكس وجوها متعددة لحالات الشجن والحزن والوحدة - وأحيانا - تحمل قدرا من التفاؤل .. تفاؤل الفقراء حين يستطيعون - بطريقتهم - مواجهة تكاليف الحياة ، قصصه تعبر عن الإنسان الفرد العاجز ، الحالم بعالم تتحقق فيه العدالة ، بقدر يتيح له الانخراط وسط الجماعة ، ومواجهة العزلة الإجبارية التي تشعره بالأسى الدائم ( أنظر قصة : طوق الصمت) .. وحين أقول انه ابن شرعي لموباسان فذلك لأن ( موباسان ) كان يري أن بالحياة " لحظات عابرة قد تبدو في نظر الرجل العادي لا قيمة لها ، ولكنها تحوي من المعاني قدرا كبيرا " وأحمد حميدة يبدو همه الأكبر في تصوير تلك اللحظات ، واستشفاف ما تعنيه ، وهذا هو السر الحقيقي من وراء انتشار فن القصة القصيرة - بشكل عام - حيث إنها تهتم باستكشاف الحقائق من الأمور الصغيرة العادية والمألوفة ، وهذا ما جعلها قريبة الصلة بشئون الحياة ..
   والمجموعة تعكس إحباطا اجتماعيا طبقيا تنوء بحمله شخوصها ، ويمكن أن تندرج معظم قصصها تحت إطار ( الواقعية النقدية) هذا الإحباط الاجتماعي الطبقي كان نتيجة مباشرة لسياسة الانفتاح الاقتصادي التي انتهجتها مصر منذ  عام 1974 .                
    لن تستطيع أن ننسي - بسهولة - ذلك المشهد الذي يصور فيه الكاتب المرأة العجوز
  ( المشلولة ) وهي تحمل طفلا صغيرا أثناء جلوسها داخل الأتوبيس المزدحم ، الطفل جائع ، لكنها لا تلتفت إليه ، بينما نراها تأكل لقمتها الجافة بمتعة شديدة ، ولا تهتم بنظراته المتلهفة للحصول علي لقمة صغيرة !! " قصة " طعام الليل "   وهل ننسي الأب في قصة ( يوم آخر) الذي يشغله سؤال واحد أثناء سيره في الشارع  وهو : كم ثمن كيلو البرتقال ؟ لأن أبناءه طلبوا منه أن يشتري لهم برتقالا؟ لكنه  يخشي ألا يتمكن من دفع ثمنه ، وهل ننسي الرجل في قصة: ( التيه) الذي جاء من بلدته البعيدة ، ليزور ابنته المتزوجة من رجل مريض بالصدر ، ولمجرد أن نزل لأداء صلاة الجمعة في المسجد المجاور ، لم يستطع العودة مرة ثانية ، لأنه نسي شكل البيت ، ولا يحمل عنوانا له ونراه تائها ، يسأل كل من يقابله فيبدو سلوكه أمام الناس سلوكا عبثيا تماما ، أن الرجل - في القصة - يعكس دلالة رمزية ، لتلك المتاهة التي يعيشها الفقراء ، حين يريدون التواصل ، لكن الحياة لا تساعدهم كثيرا علي تحقيق تلك الأمنية البسيطة ، والقصة تقدمه نموذجا محافظا علي شكل التقاليد الاجتماعية برغم العوز ، وبرغم الفقر ، فهاهو يجيء من قريته ومعه ( شيلة ) أي زيارة ، و أحيل إلى المعاش المبكر ، لأن الشركة التي يعمل بها استغنت عن معظم العاملين فيها !! ، وهذا هو نفس الشي الذي تعرض له بطل قصة ( الصعود إلى القاع) - لاحظ المفارقة الموجودة في عنوان القصة - الذي قام صاحب العمل بالتنكيل به واضطهاده ، لدفعه إلى ترك العمل برغم أنه واحد من الذين شاركوا في الحرب دفاعا عن شرف الوطن ، لكن من يدافع عن شرفه الآن ؟! ولذلك لا يملك إلا الإعلان عن عزمه علي الانتحار من أعلي برج المصلحة  لكي يحصل علي حقوقه الضائعة !! إن  السياسات الخاطئة التي جاءت لصالح فئة قليلة ، علي حساب فئة كثيرة ، أدت إلى اختلال منظومة القيم ، اختلالا عميقا  أثر علي السلوك الإنساني بشكل عام ، والكاتب يقدم موضوعات متنوعة ، تعكس هذا الخلل ، لعل من أبرزها : موقف الجارة التي تريد توفير شقة لأبنتها ، فتلجا إلى حيلة خبيثة ، حيث تقوم بممارسة طقوس مخيفة أمام شقة المرأة التي تعيش بمفردها بعد استشهاد ولدها الوحيد في الحرب .. ما ذا تفعل تلك الجارة ؟؟ تمارس طقوسا ليلية ، توحي للأم الوحيدة أن شبح ولدها هو الذي يفعل هذا ،   لتضطر إلى ترك الشقة وترحل !!                         
  عالم الفقراء الذين دفعهم المجتمع دفعا لممارسة سلوك غريب ، نتيجة للخلل الذي أشرت إليه !             
  ونتيجة لاتفاقيات السلام بين مصر وإسرائيل ، رأينا الصهاينة يتجولون في شوارع العاصمة والمدن ، وهذا الأمر أثار الكاتب ، فكتب قصتين في هذا الإطار .. في قصة ( التغلغل) يصفهم
( بأصحاب الوجوه الجيرية) ، وفي قصة ( طائر مغرد ) نري الشاب خريج الجامعة ،  لا يجد عملا ، فيلجأ إلى العمل ماسحا للأحذية ، ويعلق شهادته الجامعية فوق الصندوق الخشبي ، مما يلفت الأنظار إليه ، وبدلا من نشر موضوعة ليكون وسيلة لحل مشكلته ، نري الصحافة تنشره باعتباره تصرفا طريفا !! والأدهي من ذلك أن المحيطين بالشاب يعتبرون تصرفه هذا دليلا علي جنونه ، فيتصرفون معه من هذا المنطلق !! مجتمع جهم ، غابت مشاعر الإنسان فيه ، وغابت أحاسيسه ، .. هذا الشاب حين يري الرجل ذو الوجه الكالح ( الصهيوني) يقوم بتصويره ، يتصدي له ، ولا يشعر بالأمان بعدها أبدا !!                  
  لغة القص – في المجموعة – لغة متوترة ، مشحونة بالانفعالات والترقب ، أحيانا نراها تقترب من الشعرية ، حين يكون الأسى هو الشعور الغالب علي جو ومناخ المعالجة ، وينوع الكاتب أدواته وأساليبه ، فيلجأ إلى تكنيك المونتاج المتوازي في قصة ( رحيل ) ، فالمشاهد في القصة متواترة ، كل مشهد يقدم حالة مختلفة عن الحالة التي قبله ، أو حالة الذي بعده ، ويلجأ إلى أسلوب التذكر ، ومستويات السرد في قصص المجموعة ، متنوعة تعتمد علي ضميري : الغائب والمتكلم ، وأحيانا يجيء المتكلم منداحا مع الغائب ، ومتشابكا معه ، وضمير المتكلم الذي اعتمد عليه الكاتب اعتمادا كبيرا - في معظم القصص - نري المتحدث به ، يتحدث عن الآخر ، ولا يتحدث عن نفسه ، هو ضمير محايد تماما ، وهذا التناول أنقذ الكاتب من الوقوع في هوة الذاتية ، أو وضوح صوته ، وتلك آفة استخدام هذا الضمير إذا لم يكن الكاتب واعيا بطريقة استخدامه .                                  
 هذه مجرد قراءة سريع لمجموعة ( أحمد حميدة ) الأخيرة ، تلك التي صدرت ، بعد أن قدم عددا من الكتب في مجال  القصة القصيرة نذكر منها : النبش في الذاكرة – الهجرة إلى الأرض – القيظ والعنفوان – التائهون .             
 

 



#أحمد_عبد_الرازق_أبو_العلا (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ازمة النوايا الطيبة في قصص قصيرة من السعودية
- عن رشاد أبو شاو وروايته - البكاء علي صدر الحبيب
- هل تأثرت الثقافة في مصر عقب أحداث 11 سبتمبر 2001؟؟
- استجابتنا للشعر من أين تبدأ؟؟
- إسرائيل والتطبيع وعلي سالم - حول كتاب رحلة إلى إسرائيل
- القمع في الخطاب الروائي العربي
- حول الحوار المتمدن
- ثقافة العنف والإرهاب
- المثقفون والسلطة في مصر
- مقاومة التطبيع مشاهد من ساحة القصة القصيرة في مصر


المزيد.....




- بثمن خيالي.. نجمة مصرية تبيع جلباب -حزمني يا- في مزاد علني ( ...
- مصر.. وفاة المخرج والسيناريست القدير عصام الشماع
- الإِلهُ الأخلاقيّ وقداسة الحياة.. دراسة مقارنة بين القرآن ال ...
- بنظامي 3- 5 سنوات .. جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 الد ...
- مبعوث روسي: مجلس السيادة هو الممثل الشرعي للشعب السوداني
- إيران تحظر بث أشهر مسلسل رمضاني مصري
- -قناع بلون السماء-.. سؤال الهويّات والوجود في رواية الأسير ا ...
- وفاة الفنانة السورية القديرة خديجة العبد ونجلها الفنان قيس ا ...
- مطالبات متزايدة بانقاذ مغني الراب الإيراني توماج صالحي من ال ...
- -قناع بلون السماء- للأسير الفلسطيني باسم خندقجي تفوز بالجائز ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد عبد الرازق أبو العلا - المهمشون يدفعون الثمن في مجموعة ( عبق الشوارع) .. للكاتب - أحمد محمد حميدة-