أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد عبد الرازق أبو العلا - ثقافة العنف والإرهاب















المزيد.....



ثقافة العنف والإرهاب


أحمد عبد الرازق أبو العلا

الحوار المتمدن-العدد: 330 - 2002 / 12 / 7 - 10:43
المحور: الادب والفن
    



                                 
                              (الديني والسياسي)                       
             (مشاهد من ساحة القصة القصيرة في مصر )  
                                                                


 
 
   في أوائل السبعينيات من القرن الماضي ، قام (السادات) بمواجهة اليسار باليمين الديني ، لأنه كان يشعر أن اليسار لا يتفق مع سياساته ، ويعارض مواقفه ، خاصة بعد تصريحه الشهير ، بأن عام 1971 ، سيكون هو عام الحسم – أي الذي سيتم فيه تحرير الأرض التي أغتصبها العدو الإسرائيلي في 67 – ومرت الأعوام – بعد هذا التصريح ولم يتحقق ما صرح به !! فقامت مظاهرات الطلبة المناهضة ،  التي قادها اليسار، ففكر – علي  الفور – في إفساح المجال أمام التيارات الدينية لمواجهة المد اليساري داخل الجامعات .
   ومن المفارقات العجيبة أن تشكيل الجماعة الإسلامية من الطلاب الإسلاميين ، تم بمساندة من النظام ، فعندما تولي ( محمد عثمان إسماعيل ) أمين عام الاتحاد الاشتراكي – في ذلك الوقت – منصب محافظ أسيوط في عام 1972 ، اشرف بنفسه ، وبأوامر من السادات علي فض الاعتصام الشهير بجامعة أسيوط ، والذي قاده طلاب اليسار ، وكان للرجل نظرية مفادها : أنه إذا حصل الإسلاميون علي التمويل اللازم لأنشطتهم ، فانهم سيحلون محل الطلاب اليساريين المعارضين للسادات ، ولذلك انشأ مكتبا بالمحافظة كانت وظيفته إعداد الكوادر للتصدي للطلاب اليساريين ، وإجهاض قوتهم داخل الجامعة ، وكانت تلك هي البداية ، التي ساعدت علي ظهور عدد من التنظيمات المتطرفة ، المتسترة بالدين ، من أجل العمل علي تحقيق أهدافها الخاصة : تنظيم الفنية العسكرية – تنظيم التكفير والهجرة – الجماعة الإسلامية – الجهاد – وغيرها من التنظيمات الأخرى .                     
   والخطأ الذي وقع فيه السادات هو أنه حاول استخدام التيار الديني لخدمة أغراضه ، ولم يكن يعلم أنها سرعان ما تنتقل إلى العمل لحسابها الخاص ، وتمزيق الإطار الذي يراد منها أن تعمل في داخله ، لنه  (من الاستحالة حصر هذه الجماعات في إطار محدد سلفا )(1)                                               
  والدليل علي ذلك أن الإرهاب بدأ وافدا من الخارج ، حين وجد أصحابه المناخ مهيأ – في مصر – لممارسة النشاط المتطرف ، حيث ظهرت مجموعة العقيد ( صالح سرية ) الفلسطيني المولد ، الأردني الإقامة ، وأتهم هناك بالتآمر علي الملك حسين ، وحكم عليه بالإعدام ، ففر إلى العراق ، ومنها إلى بعض الدول العربية الأخرى التي طُرد منها ، ليجد مستقره الأخير في مصر ، فقام بممارسة مغامراته ، حين قام باحتلال الكلية الفنية العسكرية ، وقتل سبعة عشر شخصا ، معتقدا انه قد يحدث انقلابا في مصر في عام 1974 ، لكن مغامرته باءت بالفشل ، وتم إعدامه … وتسلل إلى مصر – أيضا إرهابي آخر يدعي ( محمد سالم الرحال ) الذي قام بجمع فلول تنظيم    ( صالح سرية) الذي كان يطلق عليه ( حزب التحرير الإسلامي ) لينشأ تنظيما جديدا هو تنظيم    ( الجهاد الإسلامي ) الذي حرم أكل ذبائح المصريين لأنهم كفار ، والصلاة في المساجد الحكومية لأن الحكومة – في نظرهم – حكومة كافرة ، وحرضوا أتباعهم ضد التجنيد ، وزعموا أن قتال المصريين أولي من قتال العدو الإسرائيلي !! وقاموا بسرقة أسلحة من الجيش ، وانكشفت مؤامرتهم ، وتم القبض عليهم ، وكان من بين المقبوض عليهم أربعين من الصبيان الصغار الذين حُفظ التحقيق بالنسبة لهم  علي أساس انه غرر بهم ، وانتهت مجموعة الجهاد الأولي لتقوم علي أنقاضها مجموعة الجهاد الثانية ، التي قامت بالصغار الذين تركتهم الحكومة رأفة بهم لصغر سنهم  و ارتكب بعض أفرادها حادثة المنصة  وقتل ( أنور السادات ) (2) 
 وحين قامت ( جماعة التكفير والهجرة)(3) بقيادة ( شكري مصطفي)(4) باختطاف وزير الأوقاف الشيخ ( حسن الذهبي) في عام 1977 - واغتياله برصاصة في عينه اليسرى ، لأنه أفتي بأنهم مارقون – كانت هذه هي الإشارة الأولي ، التي تكشف تعاظم نشاط هذه الجماعات ، وتكشف خطورتها ، خاصة أن تلك الجماعة لم تكن تعمل بشكل سري ، بل قاموا بطرح أفكارهم علانية ، وتلك الأفكار انتهجت نهج الخوارج في التكفير بالمعصية ، هؤلاء الذين قتلوا ( عثمان ابن عفان)  سنة 40 هجرية ، بسبب أنه كان يري الخلافة ( قميصا ألبسه الله إياه ) ، وهاجرت الجماعة من المجتمع ، الذي تراه مجتمعا كافرا ، ليعش أفرادها في الصحراء في منطقة تقع بين المنيا والوادي الجديد ، تمارس أعمالها ، وتدريباتها ووضع خططها وبرامجها .. وحين قبض علي أميرها  ( شكري مصطفي) تحدي المحققين ، وادعي أن أحدا لن يستطيع إعدامه ، لأنه المهدي المنتظر !! ولكنه أُعدم في 30 مارس صبيحة زيارة السادات للقدس !!
  وربما كان للثورة الإسلامية التي قامت في إيران عام 1979 ، تأثيرا علي أفراد تلك الجماعات ، ونموذجا يحتذي به للوصول إلى السلطة ، بدليل نجاحهم في اغتيال السادات ، واستمرار نشاطهم بعد ذلك ، وزيادة العنف ، ومحاولات الاغتيال الفاشلة التي انتهت في عام 1995 ، بمحاولة اغتيال ( حسني مبارك ) في أديس أبابا ، ومذبحة الأقصر في عام 1997 ، التي كانت بمثابة النفس الأخير لهذه الجماعات ، ونهاية لأيديولوجية العنف الديني في مصر .                       
     إن السرد التاريخي لنشأة تلك الجماعات ، والأحداث المرتبط بها ، أمر لا يعنينا إلا بالقدر الذي يساعدنا علي للوصول إلى إجابة علي السؤال التالي :
  تلك الأحداث تعد متغيرا كبيرا من المتغيرات التي حدثت في مصر السبعينيات ، فهل استطاع الكتاب – كتاب القصة موضوع بحثنا – التعبير عن هذا المتغير بشكل فني ؟! وكيف كانت وجهة نظرهم ورؤيتهم وموقفهم الفكري تجاه هذا المتغير الخطير ؟!
    وسوف تكتفي الدراسة بالبحث عن القصص القصيرة – موضوعها الرئيسي – التي تناولت ، أو تعرضت لهذا الموضوع بشكل مباشر ، وبدون تورية أو إبهام . خاصة وأن ظاهرة الإرهاب – كظاهرة عالمية – لم تكن بعيدة كل البعد عن كتاب العالم الذين تناولوها في بعض أعمالهم ، ولعل أخرهم كان هو الكاتب الإيطالي ( امبيرتو ايكو) الذي ينقلنا إلى عالم القرون الوسطى ومحاكم التفتيش، وذلك في روايته الشهيرة «اسم الوردة» التي صدرت عام 1980، وترجمها إلى العربية في تونس احمد الصمعي عام 1991. تحكي الرواية قصة دير إيطالي ترتكب فيه أربع جرائم قتل، من أجل إخفاء كتاب عن أعين الذين يريدون الاطلاع عليه، وبما أن الكتاب هو «فن الشعر» لارسطو كما يتضح في نهاية القصة، فإن الحرب المعلنة اذاً داخل الدير هي حرب ضد «المعرفة» وضد «منطق» أر سطو .                
  ولعلنا نتذكر – أيضا – رواية ( قدر الإنسان)(5) للكاتب الفرنسي ( اندريه مالرو) التي صدرت في عام 1933 "وتركز علي  على شرح التناقضات السياسية التي تحيط بثورة تستعد للانقضاض على السلطة، وكيف تؤدي هذه التناقضات إلى اقتناع القيادة بأن الظروف غير مناسبة لذلك، وعلى أعضاء التنظيم جميعا أن ينصاعوا حتى لو أدى الأمر إلى فشلهم ونزع سلاحهم، وقتل الكثيرين منهم على أيدي رجال تشان كاي شيك، وهنا يبرز مناضلون يتمردون على قيادتهم «الدولية» ولا يجدون مخرجا سوى التفكير في قتل الزعيم الذي تجبرهم القيادة على التحالف معه، أي اللجوء إلي الاغتيال والإرهاب الفردي بديلا عن الثورة المنظمة وقوانينها الاجتماعية الصارمة. إن الإرهابي في الرواية يرفض اعتماد قوانين الصراع الاجتماعي، ويصر على القفز فوق موازين القوى، ويؤمن بالتدخل الفردي لتغيير مسار التاريخ، ولتعجيل سير عربة التاريخ البطيئة، كما كان يقول الإرهابيون الروس"                          
  لقد أثرت ظاهرة العنف التي صاحبت نشاطات تلك الجماعات المتأسلمة ، تأثيرا بالغ الشدة علي حياتنا بشكل عام (6) وحياتنا الثقافية يشكل خاص .                             
   ففي أجواء انفجار عنفها ، استفادت حركة الإخوان ، ونشطت جبهة علماء الأزهر كجبهة معارضة للأزهر الرسمي ، وكانت وراء تكفير ( فرج فوده) الذي تم اغتياله علي أيدي الجماعات في عام 1993 .
    أقول استفادت ، لكنها لا تسعي إلى استخدام القوة  المسلحة ، وهذا ما يميزها عن الجماعات الأخرى التي تلجأ إلى استخدام القوة المسلحة لالحاق الضرر بالآخرين ، ولكنها تمارس نوعا آخر من القمع الفكري باسم الدين ، يعد  عنفا قوليا ينطوي علي ممارسات ضغط نفسي ومعنوي .
 وهذه الدراسة تتناول بعض ممارسات تلك الجبهة ، ضد الإبداع ، وضد المبدعين ، علي الرغم من انه تم تغيير اسم الجبهة – بآراء الجمعية العمومية -(7) لتصبح : الجمعية الخيرية للعالمين في هيئات الأزهر ، وتحدد نشاطها في الاهتمام بالأحوال الاجتماعية والحية لأعضائها ، إلا أنها مازالت تدلوا بآرائها تحت اسم الجبهة المنحلة ، وأبرزها البيان الصادر في 19 يناير 2001 بمطالبة وزير الثقافة بتطهير الوزارة والمجلس الأعلى للثقافة من الذين يهدفون إلى الفساد ، ووصفته بأنه يتبني ويدافع عن النماذج الشاذة ، ليس في مصر فقط ، وانما علي امتداد العالم العربي ، وطالبت الجبهة المنحلة وزير الثقافة بضرورة إبلاغ النائب العام بأسماء أصحاب الروايات الثلاث الفاجرة – التي أحدثت ضجة في أوائل القرن الحالي – لاتخاذ عقوبات رادعة ضدهم ، وجاء في  البيان أيضا قولهم فلا يكفي أيها الوزير مع الأفاعي قطع أذنابها بل لابد من الإطاحة برؤوسها إنقاذا للثقافة من التردي في أوحال الفساد والإفساد !!              
 ومن المدهش أن ( سيد قطب ) الذي تحول الي أصولي في جماعة الأخوان ، وتم إعدامه في عهد ( جمال عبد الناصر) ، كان يكتب النقد الأدبي – قبل التحول- ففي عام 1944 كتب عن رواية     ( كفاح طيبة ) يشيد بها وبكاتبها قائلا :
(كفاح طيبة هي قصة الوطنية المصرية، وقصة النفس المصرية، تنبع من صميم قلب مصري، يدرك بالفطرة حقيقة عواطف المصريين - ونحن لا نطمع أن يحس (المتمصرون) حقيقة هذه العواطف، وهم عنها محجوبون (...).                              
هؤلاء هم المصريون الخالدون، هؤلاء هم ثقة وعن يقين، لو كان لي من الأمر شيء لجعلت هذه القصة في يد كل فتي وكل فتاة، ولطبعتها ووزعتها علي كل بيت بالمجان: ولأقمت لصاحبها - الذي لا أعرفه - حفلة من حفلات التكريم التي لا عدد لها في مصر، للمستحقين وغير المستحقين!)(8)                            
  أقول من المدهش ، وذلك لأن أصوليا آخر جاء في نهاية القرن (1994) ليحاول قتل نجيب محفوظ بالسكين !                 
   ما الذي حدث بالضبط ، لتكوم الصورة هكذا ، وكما شاهدنا تفاصيلها في السنوات الأخيرة من القرن الماضي ، والآن سنتعرف علي تفاصيلها وملامحها عند بعض كتاب القصة القصيرة ، الذين انشغلوا بالتعبير عنها ..          

 

 

  قمع السلطة الدينية ..           
  قصة  (بعد صلاة الجمعة)  نموذجا                                      :
 
    نشرت القصة في عام 1991 في صحيفة الأهرام بعنوان ( إكليل من الزهور بعد صلاة الجمعة) ثم أعيد نشرها في مجلة ( أدب ونقد) 1991 (9) بعنوان : (بعد صلاة الجمعة) بعد حذف عبارة  ( إكليل من الزهور ) .. صحيح أن العنوان الأخير للقصة أوقع وأكثر دلالة من الناحية الفنية ، إلا أن حذف العبارة الأولي منه جاء – من وجهة نظرنا – تأثرا بما أثاره الكاتب الإسلامي ( محمد الغزالي ) حين قام بمهاجمة القصة وصاحبها (10) هجوما شديدا ، فتح ملف قضية          ( مصادرة الفن باسم الدين ) للمناقشة ، فقد رأي أن القصة بالصورة التي جاءت عليها ،  تثير العطف علي المجرم الذي يستحق القصاص ، وبرغم أن الكاتب لم يكتب قصته لتحقيق الهدف الذي أشار إليه ( الغزالي ) إلا أن رجل الدين ، ربما توصل إلى هذا المعني بسبب وجود عبارة     ( إكليل من الزهور) السابق لعبارة ( بعد صلاة الجمعة ) ! بمعني أن الكاتب أراد من القارئ أن يضع إكليلا من الزهور علي جثة الشاب المقتول ، هكذا رأي الشيخ الغزالي ، ولأن الكاتب لم يكن يسعي لتحقيق هذا الهدف وحده ، فقد قام بحذف العبارة حتى لا يحدث اللبس عند القارئ ، وربما استجاب لما أثاره رجل الدين !!
 والقصة تتناول موضوع إقامة الحدود – الذي تطبقه السعودية –   للخارجين علي القانون ، وتصف عملية قطع رقبة أحد المتهمين بالقتل علي مرأى ومسمع الجميع ، في  (ميدان القزاز ) ، وهو ميدان واسع ملحق بالمسجد الجامع ، تم تصميمه بحيث يستطيع رجال الأمن التحكم فيه فور سد الطريق حوله ، ويتعرض الكاتب ( محمد عبد السلام العمري ) – في قصته- لشخصية السياف الذي يقوم بتنفيذ الحد ، فقبل صلاة الجمعة بوقت كاف يقوم " بتكثيف أعداد الدجاج الذي يري دمه كافيا وشافيا ، والذي يصيح ويفرد أجنحته مستنجدا في خوف جماعي ، والذي أضحت قرقرته رعبا واستنجادا .. وعندما يستمع خياله لنداء لا اله إلا الله محمد رسول الله يقوم برص الدجاج ، بعضه بجوار بعض ، بواسطة حبلين متوازيين ، الأول لسيقان الدجاج وأجنحتها ، والآخر  لمناقيرها  والذي بواسطته يستطيع أن يشد رقبة الدجاج ، ويجعله مرتفعا وثابتا ، يبعد الدجاجة عن الأخرى بمسافة لا تقل عن متر ، يشد حباله بين سوري الحديقة المتوازيين بواسطة الحلقات الحديدية المثبتة في الحوائط ، يفتح الشبابيك لنسائه وأولاده ، ويصيح صيحاته الهستيرية مستشهدا ، ومكبرا ، وتندفع شبابيك الجيران ………… بسكينه الفضية اللامعة والباترة التي ما يفتأ يسنها علي الحجر العد خصيصا ، يقوم مؤديا طقوس الذبح الجماعي رافعا يده مبعدا بين ساقيه قاصا بتؤدة وهدوء واحكام شديد رقبة الدجاجة الأولي التي يندفع دمها ضعيفا وواهنا "                                                             
 
           وبعد أن نُشرت القصة ، كتب الشيخ محمد الغزالي مهاجما الكاتب – كما ذكرت – لأنه " أطلق العنان لخياله كي يثير الأحزان علي الشاب النحيل الذي قتل عدلا ، وحشد من الصور الكئيبة ما يثير العطف علي الضحية : هذا الفنان كان يكذب في كل حرف خطه ، وكان يفتعل حكايات مبتورة لا صلة لها بالواقع أبدا " وواصل هجومه قائلا : إن كاتب القصة زعم تمشيا مع خياله المريض أن السياف الذي ينفذ القصاص رجل لديه عشة دجاج يتأنق في صفها وذبحها وتعليقها لنه متعطش إلى سفك الدماء !! وينهي مقالته قائلا : فليهنأ المجرمون من قتلة ولصوص بدفاع هذا المحامي المبطل عنهم ، وليخالط الروع والفزع أفئدة الكبار والصغار ، لأن بعض الناس يكره التأديب والعقاب .                                     
  وكما نلاحظ فان رجا الدين ، خلط بين الخيالي والواقعي ، بين الفن والحقيقة ، وظن أن الكاتب إنما يعبر عن الواقع تعبيرا خالصا ، مع العلم بأنه إذا فعل ذلك ، كان ما يقدمه لا يمت إلى الفن بصلة ، ما هو الفرق – إذن – بين القصة الفنية والمقالة ؟؟                        
  إن الخيال هو دعامة من دعامات الفنان الأساسية أصبح متهما !! علينا حين نتعرض للفن أن نحاسبه بمعيار الفن وحده حتى لا نخلط بين ما هو واقعي وما هو خيالي ، وبين ما هو إبداعي وما هو حقيقي .. وتلك مسألة بديهية نضطر لذكرها إذا دفعتنا الحاجة لذكرها كما حدث - علي سبيل المثال وليس الحصر- إبان نشر رواية الكاتب السوري ( حيدر حيدر ) وليمة لأعشاب البحر في مصر ، حيث حدثت  بسببها مشاكل كثيرة : مظاهرات في جامعة الأزهر علي الرغم من عدم قراءة الطلاب المتظاهرين لها – باعترافاتهم في النيابة – وإغلاق حزب العمل والصحيفة التي قامت بنشر مقالات التحريض ضد الرواية ، فلقد كان لرجل الدين تأثيرا عظيما علي الرأي العام الذي لا يقرأ – أصلا - القصص أو الروايات .                        
  ومن هنا تأتي خطورة محاسبة الفن بمعايير دينية أو أخلاقية ، بعيدا عن المعايير الفنية ، التي تكون – في واقع الأمر أشد قسوة – في أحكامها – علي الإبداع والمبدع ذاته من أي معايير أخري ، بمعني دارج : أعطى العيش لخبازه !!                       
  التدخل الذي حدث لرجل الدين في أمور ليست من اختصاصه ، أثار الرأي العام الثقافي ، بعد نشر مقالات الشعب حول رواية ( وليمة لأعشاب البحر ) ، وبعد تقديم استجواب إلى مجلس الشعب ، بعد نشر ثلاث روايات بزعم أنها تخدش الحياء العام ، وبعد نشر مقال ( الشيخ محمد الغزالي )  - وهو كاتب مستنير بالقياس لرجال الدين المتطرفين في أحكامهم – في كل الأحوال نضطر للحديث حول قضية : ( حرية الإبداع ) وهل لهذه الحرية حدود معينة ، وضوابط ما .. الخ
  يتساءل الكاتب فهمي هو يدي – أثناء مشاركته لما أثاره الشيخ الغزالي – لماذا تصاغ علاقة المقدس " الدين " بالدنيوي ، باعتبارها علاقة رقابة وقسر ، ولماذا لا تعتبر – كما هي في الأساس – علاقة تفاعل وتكتمل واحترام متبادل ، تتم لصالح حماية المثل العليا للمجتمع ؟؟ لماذا هذا الضيق والتبرم بالمقدس ، واعتباره عبئا ثقيلا يراد إزاحته ، بينما هو في الأساس سبيل لا لاستقامة الخلق وسعادتهم في الدنيا والآخرة ؟!  (11)                                       
  ويكتب الدكتور محمد عصفور : إن العلاقة بين الأدب والدين علاقة شديدة الحساسية ، ولا يجوز استغلال هذه الحساسية للمسارعة بالتكفير أو الاتهام بالدعوة إلى تعطيل الحدود .(12)
  ويكتب فرج فوده حول هذا الموضوع – قبل مقتله – محددا أنه لا يعترف بأن هناك – أصلا – رجل دين ، فالإسلام لا يعرف ذلك ، والرواد الأوائل للفقه الإسلامي مثل أبو حنيفة وغيره كانوا يتفقهون في الدين ويكسبون من عرق أيديهم ، ومعني هذا أن حكم رجال الدين مقصود به حكم بعض المواطنين المتفقهين في الدين بطبيعة دراستهم ، وهو حكم لا يختلف في وزنه عن حكم أي مواطن مثقف ، إلا بقدر استيعاب صاحبه لأصول النقد الفني ، ولجوهر العمل الإبداعي ، ولأدوات التحليل النقدية .(13).                        
   ويدين الكاتب ( رجاء النقاش ) الفقه البدوي " ذلك الفقه الساذج المتعصب البعيد عن روح الدين ، وعن المعرفة الراقية والخالي من الاعتراف الصحيح بما حدث في عصرنا من تطورات هائلة في المجتمعات الإنسانية ، وما تركته هذه التطورات من انعكاسات وتأثيرات علي العالم الإسلامي والعالم العربي ، إن هذا الفقه البدوي الذي شن الشيخ الغزالي حملة صادقة أصيلة ، مازال يتصور أن الناس تعيش في خيام ، وأن الشمس تدور حول الأرض ، وان الأرض نفسها مسطحة ، وأن مصافحة الرجل للمرأة خطيئة ، وان عمل المرأة جريمة ، وامتد هذا الفقه البدوي إلى الفن ، فالرسم حرام ، والموسيقي كفر وضلال ، والتلفزيون والسينما والمسرح كلها جرائم تؤدي بأصحابها والمتابعين لها إلى نار جهنم … " (14)                        
  ويشير د.نصر حامد أبو زيد إلى المكانة التي يتمتع بها رجل الدين في ثقافتنا ، تلك المكانة التي تعطي لأحكامه ( قوة الدين ذاته) ، ولذلك يجب علي علماء الدين أن يتعلموا أولا ما يريدون تعليمه للشباب المتطرف .                                   
  لقد تعمدت استحضار بعض الآراء التي تدعم موضوعنا لكي نتبين – سويا – قدر الاختلاف والتباين ، إلى الحد الذي لا تستطيع معه الوصول إلى رأي نهائي ، وتلك المسألة تجعلنا نعود من جديد إلى استحضار عبارة ( أعطي العيش لخبازه) ، حتى لا نتوه في بحر الجدل اللانهائي .
  إن الأحكام الأخلاقية علي الإبداع أحكام نسبية ، توازيها نسبية الحكم الجمالي كما أوضح " وليم ديفيد روس " ومن ثم لا يوجد ما يدعو في هذه الحالة إلى أن نجعل من الأخلاق سيفا مسلطا علي رقبة الفن ، ولا العكس ، إذ إن أخلاقية الفن ( أو لا أخلاقيته) ، هي في الحقيقة مسألة نسبية يختلف تقديرها من عصر إلى عصر "(15) 
      وتدليلا علي حضور تلك النسبية ، نتساءل : لماذا لا يتم تصوير مشاهد تنفيذ الحدود تلفزيونيا ؟؟ ليراها جموع المشاهدين تطبيقا لمبدأ العلانية ، وحتى يتم ردع الآخرين ، لكي لا يقدموا علي الفعل الإجرامي – بصوره المختلفة - ، ولماذا يتم الاكتفاء بالمتحلقين في ساحة التنفيذ فقط ؟                                
  أعتقد أن الإجابة تؤكد بشاعة الفعل .. بشاعة المشهد الذي ربما يؤدي إلى العكس تماما ، لو شاهده الجميع ، ولذلك لا يتم تصويره تلفزيونيا ، إن الحكم علي مدي استقبال المشاهد لهذا المشهد ، وتأثيره علي وجدانه ومشاعره ، وبالتالي ما يتركه من أثر يجعله يتخذ موقفا في حياته بعد ذلك ، هذا الحكم نسبي هو الآخر !! لأنه يختلف من شخص إلى شخص ، يراه البعض طبيعيا تماما في حين يراه البعض الآخر بشعا ومكروها ولا إنسانيا – كما رآه الكاتب ( محمد عبد السلام العمري) ، وربما يراه البعض الثالث وسيلة من وسائل التسلية والاستمتاع والنشوة !!                  
    وإلا لماذا لم يتوقف المجرم عن القيام بتنفيذ جريمته ؟؟                   
  ومن الغريب أن الكاتب ( محمد عبد السلام العمري ) يتحدث عن قمع الذات – ذات الكاتب – قبل أن يتحدث عن قمع السلطة الدينية ، هو – في الحقيقة – لم يتحدث عن قمع هذه السلطة لأنه يشعر – من وجهة نظره – أن قمع الذات وصل إلى اوجه في قصة ( بعد صلاة الجمعة )     يقول : " كان قمعا متدرجا ، فيه مقومات القمع وأشكاله ، كان قمعا للذات ، وقمعا للعقل ، وقمعا للجسد ، وإجبارا للنفس علي الكتابة ، إذ اضطررت إلى كتابة هذه القصة تحت سطوة كل هذه الأنواع من القمع " (16)
   فهل كان يعلم وهو يكتبها أنها ستواجه بقمع السلطة الدينية ؟، ولو علم .. هل كان سيكتبها أم   لا ؟! ربما تكون تلك الأسئلة غير موضوعية ، لكنني أراها علي جانب كبير من الأهمية ، لأنها تلمس العصب الأساسي لدي كل كاتب ، وأعني به( الحرية ) ، الكتابة بدون رقيب داخلي تنتج فنا عظيما ، الكتابة بدون رقيب خارجي مسألة بديهية ، الصدق فيما نكتب هو المعيار الأساسي ، حضور الضمير الصاحي ، هو المحرك لكل كاتب .                                             
  إن ما حدث في نهاية القرن الماضي ، ومازال يحدث حتى الآن ، يؤكد أن هذه الأفكار التي كنا نحسبها من البديهيات ، مجرد أوهام ، أو قل أضغاث أحلام ، لا تتحقق علي أرض الواقع ، ولذلك فان الإبداع أصابه وهن ، وأصابته شيخوخة ، ربما بسبب ضيق مساحة الحرية التي يتحرك فيها الكاتب ، ربما لوجود الرقيب الداخلي ، أو الرقيب الخارجي ، وربما لوجودهما معا ..       في الثلاثينيات حوكم الشيخ ( علي عبد الرازق ) بسبب كتابه ( الإسلام وأصول الحكم )          " 1932" ، وتم إبعاد الدكتور طه حسين عن الجامعة بعد معركة دامت ست سنوات بسبب كتابه " في الشعر الجاهلي " حيث انه أُتهم بالردة والزندقة لأنه تعرض لقضية سيدنا إبراهيم   وإسماعيل في القرآن ، والقراءات السبع ، ولنسب النبي .                               
   وفي أواخر القرن العشرين ( التسعينيات ) حدث نفس الشيء ، إذ صدر حكم علي د. نصر حامد أبو زيد بالردة ، والتفريق بينه وبين زوجته ، لأنه حاول الاجتهاد ، وحاول التفكير اعتمادا علي العقل ، وبعيدا عن المسلمات ، حدث هذا علي الرغم من إعلانهما التمسك بالإسلام دينا وعقيدة ، ومازال الحكم ساريا حتى تاريخ كتابة هذه الدراسة ( أبريل 2002).
  في نهاية القرن يُحاكم الإبداع القصصي والروائي ، بمعايير أخلاقية ، ومعايير دينية ، وكأن   قضايا الدنيا قد انتهت ، وكأن المشكلات – كلها – قد ُحلت ، ولم يتبق أمام علماء الدين ، سوي الإبداع والمبدعين !!                      
 
الاغتيال إلى متي ..؟                                        

   يتعرض ( جمال الغيطاني ) في قصته : " حراسة " (17) لمظهر من المظاهر التي فرضتها ظروف الإرهاب الذي تم باسم الدين في مصر في أواخر القرن الماضي ، خاصة فيما يتعلق باغتيال الشخصيات العامة ، ومنهم الكتاب ، وأعني بالمظهر – هنا – الحراسة . حراسة بعض الشخصيات العامة ، وهذا الأمر شجع علي ظهور شركات للقطاع الخاص تمارس هذا العمل   مقابل أجر ، لمن يريد ، وفيما عدا ذلك فان الدولة تقوم-  بمعرفتها-  بتوفير ( حراسة ) لبعض الشخصيات التي تظن أنها مستهدفة من قِبل منظمات الاغتيال السياسي .                    
  وفي القصة يركز الكاتب علي المشاعر الداخلية لشخص القصة - الصحفي الكبير-  الذي وجد نفسه – فجأة – موضوعا في ظل حراسة تحميه من الموت مجهول المصدر !                     
  وبطل القصة وجد نفسه مسئولا عن أمين الشرطة الذي يقوم بحراسته ، أمام بيته   من التاسعة صباحا حتى التاسعة مساءا ، ومسئولا – أيضا- عن أمين الشرطة الآخر الذي يتسلم الوردية الليلية وهو لا يعرف سببا واضحا لكل هذه الإجراءات ، فعندما قام بالسؤال ، قالوا له : مجرد إجراءات وقائية ! وبدلا من أن يفكر في حياته هو ، اصبح يفكر في حياتهما هما ، ومعهما سائق سيارته أيضا ، فقد يفقدوا حياتهم جميعا لسبب غير معلوم لهم أو له ! والقصة تقدمه شخصا مسالما تماما " لم يتعارك . لم يشتبك مع أحد ، لم يصوب لكمة إلى شخص ، دائما كان بمنأى عن مشاغبات الفتيان ، احتد أحيانا وأوشك ، لكنه لم يتجاوز ، دائما استغرقته القراءة ,اتباعه وهج الخيال " ص 23                         
   ويبدو أن الكاتب انفعل بالحادثة التي تعرض فيها ( نجيب محفوظ) لمحاولة اغتيال ، في شهر أكتوبر 1994 ، حيث إن القصة كتبت في يونيه 1996.                              
 يقول الكاتب : بعض من يتم تدريبهم – الآن – للانقضاض عليه ، شباب يكن تعاطفا معهم ، بطالة ، انسداد مسارب الأمل ، معاناة يعرفها جيدا ، شيوع تفاصيل مفزعة عن الفساد ، عن الثروات ، ربما يلقي حتفه في ظل وضع ليس مقتنعا به ، أما البقاء مع وضع عطن يعرفه ، أو قبول بديل غامض ، عنيف ، يستهدف الكُتاب والكتابة .. هنا تكمن المأساة " ص 24    
    وجمال الغيطاني يستطرد – في قصته- حين يلجأ إلى ذكر بعض التفصيلات التي أراد بها التأكيد علي البعد الإرهابي في الممارسة ، والبعد الإرهابي في التفكير ، وممارسة الفعل حين يتخيل بطل القصة : إن هناك دراجة بخارية تقترب ، وهناك طلقات ، ويتساءل : هل يعي الإنسان دخولها إلى جسده ؟! " يتوقف المصير علي ثبات اليد ، أو ارتجافها علي درجة المهارة ، القدرة علي التصويب ، الموضع المقصود ، رأس ، رقبة ، صدر ، بطن ، ربما يتقدم أحدهم منه أثناء مغادرته البيت ، ما قرأه عن وقائع الاغتيالات التي تمت خلال الأعوام الماضية تمت كلها خلال المسافة الحرجة ، ما بين باب المبني وحافة الرصيف ، يتقدم شخص ما ، لا يمكن اكتشافه من ملامحه ، طبعا ينقض ، إشهار مسدس ، أو غرس سكين ، انهم مدربون ، مقتنعون بتأديتهم لرسالة مقدسة ، فثمة فتوى صادرة من شيخ ما ، أو أمير جماعة ، ربما يقيم هنا ، أو في مكان ما من العالم ، فتوى ملزمة لا يمكن ردها أو مناقشتها " ص 21
     لقد آثرتُ استحضار كل هذا الاستشهاد ، لكي أدّلل علي شيء هام ، هو أن القصة القصيرة المصرية لم تكن تعرف مثل هذه العبارات ، التي تصور ذلك المتغير،  ربما كان الخيال هو العامل الوحيد في سرده ، لكنه أصبح –الآن – واقعا لا يمكن إنكاره ، فهذا الذي يتحدث عنه الكاتب أصبح من كثرة ما شاهدناه ، اصبح أمرا عاديا جدا ، وهذا هو السبب الذي أدى بلغة القصة إلى أن تصبح – هنا – مباشرة ، وخبرية ، لا تعتمد علي الإيحاء وحده بقدر اعتمادها علي التصريح .     متغير جديد ظهر في حياتنا – المصرية – مع السنوات الأخيرة من القرن الماضي ، ومازال آثاره عالقة في الأذهان حتى اليوم ، وربما غدا ، هذا المتغير أثر علي الإبداع تأثيرا كبيرا ، شكلا ومضمونا ، لغة ومعالجة ، أرأيت معي إلى أي حد أصبحت المتغيرات وسيلة من وسائل التأثير علي كل شيء بما في ذلك الإبداع الأدبي والفني ؟!                                  

  عاشت بعض الأحداث التي قامت بها الجماعات الدينية المتطرفة ، في ذاكرة الكاتب ، خاصة تلك التي تمت ضد بعض الكُتاب : محاولة اغتيال الكاتب الصحفي ( مكرم محمد أحمد ) ثم  اغتيال الكاتب (فرج فوده )، ثم محاولة اغتيال نجيب محفوظ ، وكانت حادثة غريبة – بالفعل – لأن الكاتب لم يكن له موقفا  من الجماعات الإسلامية ، ولم يكتب عنها شيئا ، ولم يحرض ضدها السلطات ، بل انه حين علم برفض التيارات الدينية المتطرفة لروايته ( أولاد حارتنا) حث الناشرين علي عدم القيام بنشرها داخل مصر ، أي أنه لم يتصدي لهم بأي نوع من أنواع التصدي .. إذن لماذا حاولوا اغتياله ؟!                               
  الإجابة يضعها ( جمال الغيطاني )في قصته حين يقول : " انهم مقتنعون بتأديتهم لرسالة مقدسة ، فثمة فتوى صادرة من شيخ ، أو من أمير جماعة " .                           
  وتأكيدا لهذا المعني نري نجيب محفوظ يصرح عقب محاولة اغتياله ، وأثناء حديثه أمام النيابة " انه منذ سنوات أبلغه أحد الصحفيين في أحد ي الندوات أن ( عمر عبد الرحمن )(18) قد أهدر دمه ، وان جهات الأمن قررت تعيين حراسة عليه ، ورفض ذلك مكتفيا بحارس أسفل العقار ، كان غير موجودا يوم الحادث .. وقال انه في يوم الجمعة 14/أكتوبر 1994وفي الساعة الخامسة مساء ، نزل من منزله لركوب سيارة صديقه للذهاب إلى الندوة الأسبوعية بكازينو ( قصر النيل ) وبعد أن جلس في المقعد بجوار السائق ، فوجئ – علي حد تعبيره – بشيء مثل الوحش ، أو الكلب الوولف يهجم عليه بأضافره ثم أحس بجسم حاد يدخل في رقبته ، وشاهد شخصا كما لو كان يقفز من السيارة ، ويلقي من يده بخنجر ، ولم ير الجاني ، أو يشعر من أي اتجاه هاجمه ، أو كم طعنة ضربها ، أو كيف ألقي المطواة سواء في السيارة ، أو خارج السيارة . (19)                                        
  هذا القاتل كان عمره وقت ارتكاب الجريمة (21) سنة ، وحاصل علي دبلوم صناعي ، ويعمل في مجال إصلاح الأجهزة الكهربائية ، وبسؤاله عن مدي معرفته بنجيب محفوظ أجاب : أنه لا يعرف عنه شيئا !! إذن هو مكلف بأداء عمل ، مكلف بالاغتيال !
  هذا بالفعل هو ما تعرض له ( جمال الغيطاني ) في قصته ( حراسة ) ، فضلا عن أنه يعري المشاعر الداخلية لشخص القصة ، ويقوم بتكثيفها – في نهايتها  - حيث نراه يقوم بمراقبة الطريق من خلال النافذة ، فتختلط في ذهنه الأشياء والأشكال ، فلا يعرف إذا كان الشخص الذي يقف أسفل النافذة ، ورفيقه ، هو الحارس ، أم أنه شخص آخر " لا ليس الحارس النهاري ، يمكنه تمييز حضوره في العتمة ، أيهما الحارس ؟ أهو أحدهما ؟ وقفتهما فيها توثب ، يلتفت الأقصر يتبعه الآخر ، يتطلعان إلى أعلي ، ناحيته يتريثان قليلا ، يتجهان صوب المدخل " ص 29
  
الخوف الذي جسده ( جمال الغيطاني) في نهاية قصته ، خوف طبيعي تماما لرجل مسالم ، وجد نفسه – فجأة – معرضا للاغتيال والقتل في أي وقت ، لا يعرف من هو قاتله ؟! ولماذا يسعي إلى قتله ؟ وهذا الشعور بالخوف ، يؤجج مشاعره ويعيده إلى الأيام الأولي " زمنه القديم ، نفس الذين اعتقلوه ذات فجر ، يتولون حمايته الآن !! ما أوسع الفارق ، وما أقربه أيضا "  ص 27                    
  إن الرجل – في القصة – لم يتعرض لشيء ، ومع ذلك انتابه الخوف ، فما بالك بالذي تعرض للقتل فعلا ، وواجه الموت ؟ وأعني ( نجيب محفوظ) ، لقد ترك هذا الفعل أثرا بالغا عليه ، حتى لو أنكره .. هاهو يكتب قصصا قصيرة جدا ، أسماها ( أحلام فترة النقاهة ) ، نراه – في   معظمها – يعبر عن تلك المخاوف المتعددة ، والمتنوعة ، ويعبر عن الأحاسيس والمشاعر المتباينة ، التي تدور حول : العنف والخوف والمراقبة .                                
هاهو في حلمه رقم (23) يحدد شعور الغريب بأن هناك رجلا يراقبه أثناء سيره ، لا يعرف لماذا ؟ ويتصاعد شعوره إلى الحد الذي أوحى إليه خياله ، بأن الرجل مازال يطارده حتى دخل إلى حجرة نومه !! يقول :
 أسير في الشارع وأنا علي  بينة من كل مكان فيه ، فهو عملي ونزهتي وأصحابي وأحبائي ، أحي هذا وأصافح ذاك ، غير أني لا حظت أن رجلا يتعداني بمسافة غير طويلة وغير قصيرة ، وبين كل حين وآخر يلتفت وراءه كأنما ليطمئن إلى  أنى أتقدم وراءه . لعلي لم أكن أراه لأول مرة ولكن علي وجه اليقين لا تربطني به معرفة أو مودة ، وضايقني أمره فاستفزني إلى التحدي .. أوسعت الخطي فأوسع خطاه ، أدركت أنه يبيت أمرا فازددت تحديا ولكن دعاني صديق إلى شأن من شئوننا فملت إلى دكانه وانهمكت في الحديث فنسيت الرجل وأنهيت مهمتي بعد الأصيل فودعته ومضيت في طريق سكني وتذكرت الرجل فالتفت خلفي فرأيته يتبعني علي نفس طبيعته .. تملكني الانفعال وكان بوسعي أن أقف لأري ماذا يفعل ولكني بالعكس وجدت نفسي أسرع وكأني أهرب منه وأخذ يساورني القلق وأتساءل عما يريد .. ولما لاح لي مسكني شعرت بالارتياح وفتحته ودخلت دون أن أنظر خلفي ووجدت البيت خاليا فاتجهت نحو غرفة نومي ولكني توقفت بازاء شعور غريب يوحي إلى بأن الرجل في داخل الحجرة . (20)
 والممرضة – ملاك الرحمة – ورمزه ، حين تتحول إلى عامل شك ، تجعله لا يستريح ، بل يتراءى أمام عينيه الطريق مليئا بالمتاعب علي حد تعبيره – في القصة – يقول :
 
هنأني الطبيب المساعد علي نجاح العملية .. عقب إفاقتي من التخدير أشعر بارتياح عميق وبسعادة النجاة الصافية . دخلت الحجرة فجاءت الممرضة بكرسي وجلست مقتربة من رأسي تأملتني مليا ثم قالت لي بهدوء شديد :                 
طالما كانت أمنيتي أن أراك راقدا بلا حول ولا قوة                  
فنظرت إليها بدوري وقلت في ذهول               
- ولكني أراك لأول مرة في حياتي فلماذا تتمنين لي السوء ؟
قالت باحتقار وحقد
جاء وقت الانتقام                 
 وقامت وغادرت الحجرة تاركة إياي في دوامة من الحيرة والقلق والخوف ، كيف تتصور تلك المرأة أنني أسأت إليها علي حين أنني أراها لأول مرة في حياتي وجاء الطبيب الجراح ليلقي علي نظرة فتشبثت به قائلا :
أدركني يا دكتور فان حياتي في خطر :                
فأصغي إلى وأنا أقص عليه ما جري وأمر بعرض الممرضات المكلفات بالخدمة في العنبر علي ولكني لم اعثر علي الممرضة بينهن
وغادرني الدكتور وهو يقول :                              
أنت هنا في كامل الرعاية
 ولكن صورة الممرضة لم تفارقني                 
ولم تغب عني الوساوس وكل من دخل الحجرة نظر إلى بغرابة كأنني أصبحت موضع تساؤل وشك وتراءي أمام عيني طريق طويل مليء بالمتاعب (21)        

    إن الإرهاب – في واقع الأمر- إرعاب لا حدود له ، واري أن التسمية الواجبة هي
 ( الإرعاب) نظرا لما يخلفه من آثار  ، ونظرا لما يخلفه من أحاسيس بعدم الأمان ، أو الاطمئنان ، التهديد الدائم لا يتسق مع الرغبة في العيش آمنا مطمئنا ..              
 والقمع الذي تمارسه السلطة الدينية هو الذي أعطي لها الحق في تأويل بعض النصوص الإبداعية بمعاني وأهداف لا يقصدها الكاتب ، ولا يسعي إليها سعيا ، ذلك القمع مارسته علي رواية ( أولاد حارتنا ) حين تقدم أحد المحامين – من المنصورة – بدعوى ضد  ( نجيب محفوظ) (22)            
يطالب فيها بضرورة عقابه بالمواد 160،161،173 عقوبات .. لماذا ؟ لأنه رأي – علي غير ما قصد إليه الكاتب – أن ( الجبلاوي ) في رواية ( أولاد حارتنا ) هو الله !!
   وتلك الرواية نشرت علي حلقات في الأهرام في عام 1959 ، أي قبل الحادثة التي تعرض لها – بسببها – بحوالي خمس وثلاثين عاما ، فلماذا إذن يحاسب عليها – خطأ وبغير حق- عليها بعد كل هذه السنوات؟! علي الرغم من أنها لم تنشر داخل مصر بعد ذلك أبدا !
الإجابة هي : أن السلطة الدينية لم تكن قد اكتسبن سطوتها بعد ، ولم تقو شوكتها ، ربما كانت تمارس أعمالها في الخفاء ، إلا أن المتغيرات التي حدثت في نهاية القرن الماضي – العشرين – أعطتها فرصة الظهور من جديد لتمارس نشاطها ، وتمارس قمعها وسطوتها ، ومن هذه المتغيرات أن السادات أعطي الضوء الأخضر للتيار الديني ليمارس فرصته في الظهور علي الساحة السياسية ، ظنا منه ، بأنه يواجه التيار اليساري الذي ظن أنه موجود ، ويريد السيطرة علي البلاد ،   وكان يخشي أن يفقد السلطة ، بسب اعتراض بعض رموز هذا التيار علي سياساته ، خاصة بعد توقيع اتفاقية السلام مع إسرائيل  وزيارة القدس ، .. فمجرد رفع دعوي من محامي متطرف ، تتحرك الجماعات التي تتستر بالدين ، لتتدّخل وتصدر القرار أو الفتوى !
والرواية امتداد لفكر نجيب محفوظ، الذي جسده في معظم أعماله السابقة عليها واللاحقة ، الفكر الذي يجسد فيه عالم الحارة بوصفها نظاما اجتماعيا كان سائدا في مصر حتى السنوات  الأولي من القرن العشرين و( الجبلاوي) مجرد رمز لفكرة العدالة ، وفكرة الإيمان المفتقدين . لقد ركزت الرواية علي ضرورة تضافر الدين والعلم لاصلاح أمور الناس والحياة .
 تأويل السلطة الدينية للأعمال الإبداعية يسيء إلى هذه الأعمال ، ويجعلها تحمل معاني ودلالات لا يقصد إليها الكاتب ، ولعل ما أثير – كذلك- في مصر حول رواية الكاتب السوري ( حيدر حيدر) وليمة لأعشاب البحر ، في نهاية القرن الماضي (مايو 2000) ، وما أعقبها من أحداث أخري في يناير (2002) حين منعت ثلاث روايات أخري من التداول ، لأن واحدا من أفراد السلطة الدينية أعطي لنفسه الحق في الدفاع عن القيم والدين والأخلاق ، نيابة عن الشعب المصري كله الذي لم يقرأ شيئا ولن يقرأ .                                     
  إن المثقف التقليدي الذي ينقلب إلى متعصب ديني لا ينطوي في داخله   "   علي رغبة تدمير العالم المدني الذي لا يستجيب إلى نواهيه ، فضلا عن انحيازه إلى تيارات النقل الجامدة ، وآلية تفكيره الذي يقصر الحق علي ما انتهي إليه ، والباطل علي ما أنتهي إليه المختلف عنه مقرنا الحق بالحقيقة التي ينجو من يتبعها ، والباطل بضلالة المعصية المفضية إلى النار ، ويتعلم إيثار الاتباع علي الابتداع."(23)
  هذا النموذج حين يتخفي في عباءة الدين لكي يستمد القوة منه ، فينجو بفعلته ، علي الرغم من أنه – في معظم الأحوال – يقوم بتكفير المجتمع المدني لحسابات تتعلق بالمصالح الاقتصادية والسياسية – في المقام الأول – وليس لحسابات الدين . فهو لا يقر بأن ( الدين لله والوطن للجميع) ونحن لاننسي أموال البسطاء التي ضاعت ، وما زالوا يكابدون من أجل استردادها حتى اليوم ، بعد أن أوهمهم بعض أصحاب اللحى الطويلة ، بأنهم سيقومون نيابة عنهم بتوظيفها والحصول علي الربح الحلال ؛ والمنزه عن الربا ، ومارسوا لعبتهم وذهبوا بالأموال إلى بنوك سويسرا وأوربا ليكتشف الجميع بأنهم اشتروا السمك وهو مازال في الماء !!

   إن النموذج البشري للمثقف التقليدي الذي ينقلب إلى متعصب ديني ، دخل حياتنا – في بداية الأمر – علي استحياء وبدون أن يكشف عن وجهه الحقيقي ، وبعد أن وجد المناخ ملائما   ، أزال عن جسده رداء الاستحياء ، وارتدي رداء الاتباع ، فتحدث عن الهدي والخير ، وأعطي لنفسه الحق في أن يكون ناطقا رسميا باسم الدين !! هذا النموذج – للأسف الشديد – تأثيره أقوي ، وصوته أعلي ، ولعل مظاهرات جامعة الأزهر الصاخبة خير شاهد علي ذلك.(24)
  ونتساءل الآن : ما هو دور المثقف غير التقليدي ، المثقف الذي يدعو للمجتمع المدني الذي يحمي حرية الرأي والاعتقاد ، وهو في الوقت نفسه لا يعمل بعيدا عن القيم الدينية المتوارثة ، ولا يتعرض للمقدسات بشكل أو بآخر وانما يؤثر الابتداع علي الاتباع ، وينحاز لقيم الخير والحب والجمال بوصفها قيما إنسانية سامية ؟؟                             
 
   نقول : ما هو دوره ؟؟ ولماذا لا يواجه إلا حين تشتد الأزمات ؟ ويعلو صوت الباطل ؟؟
إن المثقف غير التقليدي ينبغي ألا يتنازل عن قدره ، الذي أوجب عليه ألا يصمت حين لا يتطلب الأمر الصمت ، ولا يتراجع حين يختلط الحابل بالنابل ، ونصبح كلنا ضحايا للاستسلام المقيت .
إن الارتكان إلى الصمت والدعة ، سيعطي الفرصة لظهور نموذج بشري آخر للمثقف السلبي الذي لم يحدد موقفه بعد في مواجهة الأحداث .علي المثقف الإيجابي /غير التقليدي ، أن يحتضن فكرة الدفاع عن المجتمع المدني الذي تختفي فيه السلطة الغاشمة لمحاكم التفتيش (25)
 - والسؤال الآخر الذي نود طرحه هو هذا : هل نستطيع الفصل – من حيث المبدأ- بين مصادرة الفن ، واحكام الرقابة عليه باسم الدين ، وبين أن يتم هذا كله باسم مقاومة البذاءة والفحش ، أي باسم الأخلاق؟!                               
  نتفق مع الرأي القائل بأننا لا نستطيع القيام بعملية الفصل " لئن كانت فكرة الحرام ، قد سبقت فكرة العيب ، أي أن الرقابة الدينية هي التي سبقت الرقابة الأخلاقية ، فإنها في الواقع هي التي أدت إليها ، ومعني هذا أن تقويم الفن من خلال ثنائية : الفضيلة والرذيلة ، ليس إلا امتدادا – أو إعادة توظيف – للثنائية القديمة : المقدس والدنيوي ، أو المدنس ، وربما يقابل هذا – علي الصعيد الأخلاقي النظري – ما يلاحظه بعض  علماء  الأخلاق من ثنائية أخري بين حرية الإرادة ، ومشكلة خلود النفس ، وغيرها من المشكلات ذات الطابع الديني ، وبين الأخلاق المستقلة التي لا تقوم علي أية فروض دينية "(26) 

 التمسح بالدين وتعارض المصالح:  

  للكاتب ( محسن يونس) قصة أسمها " الولاية" (27) يتعرض فيها لفكرة التمسح بالدين للحصول علي أكبر قدر من التبجيل والاحترام ، بل والحيثية ، الصياد ( خليفة) يحاول أن يوهم الناس من حوله انه "ولي"! ، فيقابلون كلامه بالسخرية ، حتى زوجته ( عايدة ) إلا أنه يمارس عليها القهر والقمع بضربها ضربا مبرحا ، أو يلطمها علي (بوزها) حتى يملأ الدم فمها ، فتضطر مجاراته خشية بطشه ، وتخلصا من عنفه بأن تخبره انه بالفعل ( ولي) ." والنور مسروج فوق دماغك، أشوفه في العتمة "ص10
    وفي مواجهته لأهل قريته الصغيرة ، لا يستطيع ممارسة بطشه أو عنفه ، ولضعفه ولوجود الشيخ مصطفي الذي يواجهه دائما ، ويسخر منه ، بل ويضطر إلى ضربه أحيانا .. ماذا يفعل إذن خليفة الذي أراد السيطرة علي الناس ، باستلهامه فكرة الولاية ؟! جعل حماره يقوم بهذه المهمة ، رباه علي العنف ، والقسوة ، فالحمار لا يهدأ إلا عندما يقدم له خليفة الطعام ، وعندما يجوع يدمر كل شيء أمامه ، حتى أنه عض يد خليفة نفسه ، ورقد في بيته أياما نتيجة لذلك ، والشيخ مصطفي حاول مواجهة خليفة ، حتى يتصرف مع الحمار العنيف ، لكن خليفة يقول له " إنما حمير الأولياء تكون  هكذا ، وانما هي هكذا حتى يمتحنوا بالصبر " ص10 ويقول – كذلك – إن الركوبة لازمة للولي ، سماها أتانا، وهو حمل نبيا من زمان أدخله بر مصر " ص11 والقصة تركز علي الصراع بين رجلين ، أحدهما ينتمي بالفعل إلى الدين بوصفه شيخا ، وإماما لمسجد القرية ، وهو الشيخ مصطفي ، والآخر لا ينتمي إلى شيء سوي الفقر والضعف فيريد التمسح بالدين ، والتمسح بفكرة الولاية ، ليستمد منها وجوده وقوته ، صراع سيظل حتى النهاية ، ويقول خليفة في السطور الأخيرة من القصة " أنا ولي .. أنا ولي ، هزمت الدابة التي تنفر ، جبارة ، أنا ولي ، وصلت الكلمات إلى الشيخ فرجع عجولا إلى حيث كان ، وأمام الناس ، فعل الذي منع نفسه من فعله ، جذب ياقة  خليفة ، وطوح به بعيدا عن الدابة ، وامسك هو بحبلها " لقد فعل هذا   لأن الكاتب أراد أن يقول : إن رجل الدين يخشي أن يفلت الأمر منه ، وينبغي عليه أن يقوم بقيادة الأمور وتسييرها ، وهو بنزع الحمار من خليفة ، سلبه أداة القوة .                 
 
   وتأتى قصة ( أقتلها ) (28) ليوسف إدريس لتؤكد علي فكرة ممارسة القمع باسم الدين ، ليس فقط علي الإبداع ، أو المبدعين ، أو الفكر والمفكرين ، ولكن علي الأفراد ، الذين أرادت لهم تلك السلطة الدينية  أن يكونوا تابعين لها ، منفذين لأوامرها ، بل وأدوات قادرة علي الفعل والتنفيذ .                     
 ولعل عبارات "الأمير" التي قالها لبطل القصة ( مصطفي ) مازالت ترن في آذاننا كما رنت في أذنه تماما :" توكل يا ولدي علي المولي ، فلقد قتلت فيك كل ما كان فيك يا مصطفي ، وهي بسبيلها الآن لتأخذ منك كل ما تبقي لنا فيك ، لتقتلنا هذه المرة كلنا ، إنها عدوة ، عدوتك وعدوتنا ، ولا حياة لك أو لنا لدعوتنا إلا مقتلها ، لقد جاءوا بها خصيصا ليطعنونا من خلالك ، وليصرعونا بعد هذا ، الشاب تلو الشاب ،ولقد كانت البداية بك فلا بد أن تكون البداية بها . أقتلها يا بني .. اقتلها وتوكل " ص 94 
 من هو مصطفي الذي سمع ، ولم يفكر فيما سمع ، ونفذ الأمر بإرادته الحرة ؟! ومن هي الفتاة التي صدر الأمر بقتلها ؟!
 كتب يوسف أدرس تلك القصة ، في وقت مبكر جدا ، ربما قبل الأحداث والعمليات التي اتسمت بطابع العنف والإرهاب ، خاصة في السنوات الأخيرة من القرن العشرين ، لقد كتبها عقب اغتيال السادات بوقت قليل (29) ، وفيها يقدم رؤية واضحة لتفكير تلك الجماعات المتأسلمة التي أعطت لنفسها الحق في تكفير الآخرين ، وتكفير المجتمع ، وإصدار الأحكام بلا دليل ، وبلا سند ، خرقا لأبسط مبدأ قانوني وهو : أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته ، وابسط مبدأ شرعي لا يجيز لأحد – مهما كان – أن يتدخل في عقائد الآخرين وحياتهم الخاصة . دعك من أن هذه الجماعات ، لا تملك حق إصدار الأحكام – أصلا- سواء اتفقت مع التشريع أو خالفنه ، لأنه لا سلطة لها علي المجتمع .
  " إن من أخطر الأخطاء التي يمكن أن ترتكبها جماعة معينة ، أن تتصور نفسها مسئولة وحدها عن الدين ، وتوهم الناس بأن الهجوم عليها هجوم علي الدين ذاته ، فهاهنا نجد توحيدا بين الجزء وبين الكل الذي هو أوسع منه بما لا يقاس " ( فؤاد زكريا)
  لقد نبه يوسف إدريس بقصته تلك ، إلى أن الأفراد الذين يقومون بتنفيذ المهام ، لا  دراية لهم بشيء ، ولا علم أيضا ، هم مجرد أدوات للتنفيذ في أيدي الكبار الذين يعرفون أهدافهم جيدا ، ولذلك نري الأمير يخاطب مصطفي بلهجة آمرة قوية ، تحمل تهديدا ، حين لمس ترددا لدي الشاب
- فلتطع إذن ، فالتردد عصيان قادم !!                         
  نعود – من جديد – للإجابة علي السؤالين المطروحين : من هو ( مصطفي) ومن هي الفتاة ؟!
( مصطفي) شاب صغير ، يرتدي جلبابا بلديا أبيض ، حليق الشارب والذقن رغم إيغاله في الإيمان بكل ما تؤمن به الجماعة التي ينتمي إليها ، صعيدي وسيم ، جاء إلى السجن متهما في جريمة قنبلة ألقاها في ملهي شارع الهرم ، لم يمت بها أحد     " لكنها جعلت منه كبيرا وبطلا ودخل السجن " ص  86                                     
  أما الفتاة فهي ( سوزان) التي جاءت إلى السجن بتهمة انتمائها لتنظيم شيوعي ..
هما – إذن – علي طرفي نقيض : إسلامي / شيوعي .. لكن القلب لا يفرق بين الاتجاهين ، فنراهما يلتقيان علي الرغم من كل شيء ، وترتعش قلوبهما رعشة الحب ، ورعشة الوجد " ما أغرب هذا القلب وهو يدق فكأنما لا مبادئ ، ولا عقائد ولا نيران تحول بينه وبين الدق إذا أراد أن يدق " ص 90
  لكن ( مصطفي) كان مراقبا داخل السجن من الأمير وجماعته ، وهو نفسه الذي أعطاه إشارة تنفيذ الجريمة خارج السجن ، يعطيه أمرا بتنفيذ جريمة القتل داخل السجن ، إذن هو مطارد من الأمير خارج السجن وداخله .، والأمير يلعب علي الوتر الديني داخل الشاب .. فهو يسأله : إن كان يريد دخول الجنة .. سؤال من هو متأكد مما سوف يكون عليه الجواب .. لهذا لم يأته الجواب ، وانما فرت من عين مصطفي دمعة ، وانحني علي كف الرجل وقبلها .. إن وسيلة الدخول إلى الجنة – من وجهة نظر الأمير – هي قتل الفتاة ، لا لجرم فعلته ، ولكن لأن الأمير خشي أن ينفلت الشاب من بين يديه ، ولا يستطيع السيطرة عليه ، واستخدامه فبما بعد ! يقول له : مادامت الشيطانة – يقصد الفتاة – قد ركبتك ، فقد حل دمك أنت قبل أن يحل دمها هي ، فإرادتنا من إرادته ، وأمرتا من أمره ، ومن يعصانا يعصاه  ويصبح أشد عداوة لنا من كل أعدائنا " ص  94                                                                     
   وفي تلك اللحظة ، يصدر أمره : أقتلها ، ولا تتردد، التردد عصيان قادم .                    
انظر معي كيف قام يوسف إدريس بتصوير لحظة القتل ، ولجأ إلى تكثيف العبارات مع إعطاء الدلالات البليغة التي لا تنسي ." بارتجافه أمسكها من كتفيها ، ووسط لبحر العميق قذف مرة واحدة بنفسه، التفت كل يد حول رقبتها النحيلة ، وأطبقت عليها ، ذهلت يداه ، انتظر انتفاضة ، انزعاج ، إشاحة . احتجاج ، ولكن الرقبة بقيت ساكنة ، وديعة بين يديه ، بل مالت الرقبة إلى ناحية كي تلمس الساحرة بخديها يده ، كما تفعل القطة حين تطمئن إلى اليد التي تربت عليها " ص 97 .. وعلي الرغم من حبه لها قام بخنقها ، وماتت بين يديه .. إلى هذا الحد تصبح أوامر الأمير نافذة ، وجازمة ، وقاطعة !! وتنفيذها يتم بلا تفكير .. إلى هذا الحد تصبح العلاقة بين التابع والمتبوع ، علاقة إذعان وخضوع ؟!                         
   ومن الذي قتل خليفة الموكب في قصة ( غموض )(30) للكاتب ( أمين بكير) ؟؟
قتله أحد الملتحين ، حين سدد إلى عنقه طعنة من مطواة ، فأرداه قتيلا .. ولماذا قتله ؟ تنفيذا لأوامر ( الأمير ) الذي كان يخشي أن يأخذ خليفة الموكب منصب الخلافة من كبيرهم " فتشوقوا لرؤيته ، وإنهاء مهمتهم" .                                
   والكاتب – في قصته- يعالج ظاهرة شعبية ن كانت – منذ سنوات – تصاحب احتفاليات الموالد ، وهي ظاهرة مسرحية بدائية ، قابلة للتطوير ، لأن عناصر : التمثيل والتشخيص والفرجة ، متوفرة فيها ، ولأن الكاتب من المهتمين بالمسرح – كتابة وإخراجا – فقد استحضر تلك الظاهرة وقام بمعالجتها قصصيا ن والظاهرة عبارة عن موكب يسير في الشوارع المؤدية إلى مكان الاحتفال بالمولد ، ترفع فيه البيارق ، وتسمع الأناشيد والذكر من السائرين علي أقدامهم في ركاب الموكب ، استجابة للأغنيات الصوفية التي ينشدها أحد المنشدين في مكبر الصوت المعلق في رقبته ، هذا بالإضافة إلى عربات الكارو التي تحمل أصحاب الحرف والطوائف " عربة صانع الفطير – عربة العتقي – عربة الحلاق - .. وهكذا " وعلي العربات يتم تشخيص المهنة بشكل كاريكاتوري يبعث علي الضحك ، وهذا هو هدف الموكب الرئيسي : أن يمتع الناس ويبهرهم ، ويجعلهم يضحكون ، هو – إذن – موكب هزلي ، ووجود خليفة الموكب الراكب فوق جواده المطهم ، رافعا في يمناه سيفا ، وبيسراه بيرقا عليه اسم الجلالة ، ما هو إلا عنصر من عناصر تلك الفرجة التي تكون – في واقع الأمر – هدف الموكب الرئيسي .
   فلماذا القتل إذن؟؟ ولماذا العنف الذي حدث ، وصوره الكاتب في قصته ؟ الخوف من ضياع الخلافة ؟! إن الكاتب أراد أن يقدم سببا من الأسباب التي تجعل الجماعات المتأسلمة المتطرفة ، تتخذ من مثل هذه الاحتفالات ذريعة لإحداث الفوضى ، وبث الذعر في نفوس العامة ، وإرهاب السلطة ، فلقد" صار الميدان وكأنه ميدان حرب !! سحابات من الأتربة ، ودخان القنابل المسيلة للدموع تغلف الساحة ، أصحاب المحلات يغلقون أبواب متاجرهم ، كل الأفواه تردد خيانة "ص 17                    

    ومن الذي قتل – أيضا – الطفلة ( ميريت) في قصة ( ميريت آمون) ؟(31) للكاتب ( طلعت رضوان) ؟ انهم – أيضا – مجموعة من الشبان الملثمين الذين فتحوا نيران رشاشاتهم علي السياح في معبد رمسيس الثاني بالأقصر .              
تناول الكاتب – في قصته- الحادثة الشهيرة التي حدثت في الأقصر في عام 1996، وراح ضحيتها عدد كبير من السياح الأجانب ، وعدد آخر من المصريين ، بينهم تلك الطفلة .                       
والكاتب في البداية يهدي قصته إلى روح الطفلة ( شيماء) التي قتلت أثناء محاولة اغتيال وزير الأعلام في منتصف التسعينيات ، تصادف وجودها في مكان الحادث ، ويهديها إلى روح الطفلة   ( ميريت ) والي أرواح كل  شهداء التعصب .
هدف جديد من أهداف تلك الجماعات المتأسلمة ، يقف وراء سلوكها العنيف ، وهو ضرب السياحة ، التي تعد رافدا من روافد تنمية الدخل القومي في مصر ، فضلا عن رغبتها في إثبات الذات ، والتعبير عن قدرتها علي الفعل .                      
  إن الإرهاب في السنوات الأخيرة من الفرن الماضي – وحتى الآن – أصبح سلعة سياسية ، فلم يعد قاصرا علي الأفراد وحدهم ، بل أصبحت تتبناه بعض الدول ، ولعل الصراع العربي الإسرائيلي ، يكشف لنا ما يسمي بإرهاب الدولة ، التي تريد الخلط بين مفهوم الإرهاب ، ومفهوم مقاومة الاحتلال ، والدعم الأمريكي لدولة إسرائيل الإرهابية ، هو نوع آخر من أنواع الإرهاب  الذي تمارسه أكبر دولة في العالم !!    إن الأفراد الذين يمارسون الإرهاب بهدف الإرعاب ، ولمصالح سياسية ، إنما يستمدون قوتهم، ويدعمون وجودهم بمساندة بعض الدول ومدهم بالأموال اللازمة ، والخبرات التي تساعدهم علي تأدية مهامهم بشكل جيد وفعال .
 وطلعت رضوان في قصته ( ميريت آمون ) يتخيل الطفلة ( ميريت)  وقد صارت فتاة جميلة تعشق الحياة ، وتحب الفن ، تعيش مع أسرتها في الإسكندرية ، وتتعرف علي شاب من الأقصر جاء إلى القاهرة للاشتراك في عروض  فرق الفنون الشعبية المشاركة في أعمال معرض القاهرة الدولي للكتاب ، وتدعوه لزيارتها إلى الإسكندرية لكي يتعرف علي أسرتها ، ويقوم – بالتالي بعد زيارته لها – بدعوتها هي وأسرتها لزيارة الأقصر ، وفي معبد رمسيس الثاني ، ووسط السياح المتواجدين ، تنهمر عليهم رصاصات الرشاشات التي لا تفرق بين أحد ، وينهي الكاتب قصته بهذه العبارات :" اختلطت صيحات الفزع بسريخ الملثمين ، ودم الضحايا اختلط بآيات الفن ، وثقافة التعصب اختلطت بمعاني الحب والخير والجمال ".             
  وهذا النوع من السلوك الإرهابي ،وعلي الرغم من وجوده في مناطق أخري من العالم ، إلا أنه يتخذ أداة لقمع إرادتنا من قبل بعض الدول التي تبحث عن مصالحها الخاصة ، فتقوم بتشويه صورة مصر والمصريين بغير حق ، لكي تضر باقتصادنا ، وبالتالي نظل تابعين ، لا متبوعين ، وفكرة التبعية ، هي جزء من المخطط الرئيس لفكر الهيمنة ، وهذا ما عبر عنه الكاتب ( سعيد سالم) في قصته ( حكايتي مع الخواجات )(32) بشكل أو بآخر، إذ يلفت انتباهنا إلى نظرة الأجنبي إلينا في ضوء أحداث الإرهاب باسم الدين ، التي جرت في السنوات الأخيرة من القرن الماضي ، وكأن الإرهاب لا يحدث في أي منطقة أخري من العالم سوي مصر !!   شخص القصة الذي سافر للعمل في أمريكا ، وتزوج من أمريكية نجحت في إيقاعه ، لكي تتحقق لها أمنيتها بالحصول علي فرعون صغير منه ، كما ذكرت له ، عندما يحاول العودة إلى بلده مصر ، بسبب موقف الخواجة   ( بربوني ) اليهودي الأمريكي المتعصب الذي حول حياته إلى جحيم من الغم والكدر ، وكان يسميه – في غيابه – بالمتخلف ، عندما أراد العودة إلى مصر ، بصحبة زوجته الأمريكية  وابنه ، رفضت قائلة له : إنها لا تستطيع الحياة في الصحراء ، لأنها تكره الجمال والحمير ، ولأنها لا تطيق الذباب والضجيج والزحام ، ولا يمكنها أن تطمئن علي فرعونها الصغير من طلقات رصاص الإرهابيين الدمويين المتعطشين إلى حكم دولة فقيرة تعاني من أعباء ديونها الخارجية الباهظة .                           
     لماذا الإرهاب؟!                                    

    والسؤال الآن هو هذا :                             
    ماذا يحدث بالضبط لهؤلاء القتلة ، حتى يقدموا علي أفعالهم برباطة جأش ، وبلا تراجع ؟؟
  لابد أن ثمة ممارسات يتم – علي أساسها – القيام بما يشبه ( غسيل المخ) للفرد العادي ، الذي يتحول إلى إرهابي ، محو المشاعر ، ومحو الأحاسيس ، ومحو الشعور بالانتماء ، ولعل القصة التي كتبها ( محمد كشيك) تحت عنوان ( المراسيم)(33) تؤكد علي هذا المعني .. صحيح أنه كتبها بأسلوب تجريدي ، لا يخلو من دلالة رمزية للحدث ، إلا أنها تعبر عن تلك المراسيم التي يتعرض لها الشباب الصغير ، الذي يوقعه حظه العاثر في براثن الأمراء ، المدربين ، الفاهمين ، فهاهي الآلة تصدر هديرا ، يشبه قعقعة التروس ، وزمجرة الجرافات ، وفي خارج المبني تحلق الجميع في صفوف متراصة ، حليقي الرؤوس ، بأرديتهم البيضاء الني تصل حتى الركبتين ، يجتمعون تحت الشجرة التي تم ترسيمها مركزا للتجمع ، نراهم يتحركون بآلية ، وكلما سمع أحدهم أسمه ، يتقدم مثل تلميذ صغير يهرول ناحية البوابة الكبيرة ، لم يكن أحد يعرف ما الذي يدور بالداخل ، لكن صوت الآلة يصير عاليا ، أكثر صخبا ، لكما ابتلع الباب وافدا جديدا ، ومن الناحية المقابلة يصير بالإمكان رؤيتهم بعد أن تم ترسيمهم ، كائنات رقيقة هشة ، تتحرك في صمت وريبة ، إن الآلة هنا تحمل تلك الدلالة الرمزية ، التي تتيح للقارئ فرصة التعرف علي هويتها ، إنها آلة الترسيم ، التجهيز، الإعداد .. آلة ( غسيل المخ) ، ومحو المشاعر والأحاسيس ، والشعور بالانتماء ، فهاهي طوابير الظلال ترتفع أصواتها بالصياح والتهليل ، بعد أن تنهي الآلة عملها !!                     
  إن هذا الشباب الذي وقع ضحية سهلة في أيدي الأمراء ، يفعلون به ما شاء لهم الفعل ، ويستغلونهم أبشع ما يكون الاستغلال ، هؤلاء – في واقع الأمر – ضحية للمجتمع الذي تخلي عنهم – منذ فترة طويلة – وجعلهم يشعرون بالدوران في دائرة مفرغة ، أشبه بالآلة الجهنمية التي لا تتوقف عن الدوران أبدا ، تلك الآلة يحركها مثلث : الأسرة – المجتمع – المدرسة . كل ضلع من الأضلاع الثلاثة مسؤول عما يحدث لشبابنا، ولنضرب مثلا بالضلع الثالث ( المدرسة ) : إن السياسة التعليمية في مصر تقوم علي تدريس مناهج قمعية ، لا تخرج سوي إرهابيين (16)  لماذا؟؟ 
لأن المناهج لا تقدم إلا الرأي الواحد ، والفكر الواحد ،وتعتمد اعتمادا كليا علي الحفظ ،واصبح الامتحان هو الغاية من التعليم ، دعك من انتشار ظاهرة الدروس الخصوصية التي عملت علي تفريغ المدرسة من مهمتها الأساسية ، فضلا عن انتشار المراكز التعليمية في الأحياء الفقيرة ، والتي يدعمها الأصوليون ، وربما يغذون الطلاب بالأفكار المتطرفة .                                  
   ويحدد المتخصصون في مجال المناهج ، وسائل النهوض بالمناهج الدراسية ، ومنها : أن تدفع المناهج الطالب لكي يقرأ أكثر من رأي في القضية الواحدة ، وأن يكون له رأي خاص .وأن يتم تدريبه علي التفسير والتعليل وإبداء الرأي ، وأن تكون الامتحانات أداة لقياس المستويات العقلية والتطبيق والتقويم والإبداع ، وأن تكون المناهج مرتبطة بالبيئة ، والمشكلات الجارية (34) .                    

   ويتناول الكاتب ( فتحي سلامة ) دور الضلع الثاني ( الأسرة ) في تفريخ الإرهاب في قصته:    ( رأيت السماء حمراء)(35) ، فالأب يسافر للعمل في جامعة عربية ، بعد حصوله علي درجة الدكتوراه ، ويأخذ معه زوجه وطفله الوحيد ( سامي ) . ويستمر هناك حتى أصبح سامي  شابا يافعا ، فتعود الزوجة بصحبته ليستطيع دخول الجامعة ، ويستمر الأب في عمله ، فلقد عرف الجوع والفقر ، وشعر بالذل  والهوان وهو طفل صغير ،ولا يريد هذا لولده ، كما يقول . وعندما يقرر الأب الرجوع – نهائيا – إلى وطنه يعلم أن ولده لم يعد يبيت في البيت ن وانه يزور أمه في بعض الأيام ، بعد أن ترك الجامعة ، وذهب للإقامة الدائمة في الجبل ، ويسمع الأولاد في الشارع يلقبون ولده بالأمير ، والكل يخشاه !! وينصحه أحد الرجال بألا يذهب إلى الجبل ، حين علم بنيه الأب ، لكنه يصر علي الذهاب من أجل إحضاره " جئت بالطائرة ، وتغربت من أجله ، وذاكرن من أجله ، كنت أراه وأنا أجمع دراساتي ، وأنا أشرح الدروس للطلاب ، وأنا أشتري ما يحبه من طعام ، كنت أشتري له كل ما يهواه من لعب " وعند الجبل يمنعه بعض الرجال من رؤية ولده ، وعندما سمع صوت طلقات النار ، وارتفاع سحب اللهب ، مع سلسلة م، أصوات الانفجارات ، ظل يصرخ مناديا ولده ، بلا فائدة ..
  لقد كان سامي – في طفولته- شرسا – بعض الشيء- " يحطم ألعابه في قسوة ، ويقوم بتقليم كل الأشياء التي سيمثلها أو رآها في التلفزيون، الذراع الحديدية القابضة ، القوة المهلكة ، الاندفاع نحو الهدف لتدميره ، وعند سماعه لشكوي الأب من تعنت المشرف علي رسالته العلمية ، وتصرفاته القاسية معه ، يقول  لأبيه : عندما أكبر سوف أقتل هذا المشرف !! إن الكاتب يرصد أمامنا  هذه الملاحظات البسيطة ، ليدلل بها علي حضور الروح العدوانية المبكرة ، ويرصد بعض مظاهر العنف التي أتسم بها الأمير منذ طفولته ، وربما أراد الكاتب التأكيد – أيضا- علي تأثير التلفزيون ودوره في إنماء وتأصيل ظاهرة العنف ، التي تظهر نتائجها بعد ذلك ، فعلي الرغم من أن سامي كان في صباه متفوقا في دراسته ، إلا أنه لم يكن منكبا علي الكتب ، بل كان متعلقا بالأجهزة الحديثة التي اشتراها الأب من أجله ، وكان لا يكف عن إخباره بالجديد الذي يكتشفه بتلك الأجهزة العلمية ، وكان يتابع الأفلام والمسلسلات بانبهار شديد .
  إذن ما الذي حدث بالضبط، وادي به إلى هذا الاتجاه؟!                        
إن مرض الأم الذي أشار إليه الكاتب في قصته ، وضعفها ووهنها الدائمين ، فضلا عن غياب الأب المسافر ، كلها عوامل جعلت سامي يشعر بالوحدة ، ويشعر بالاغتراب ، فلم يجد ملجأ يلجأ إليه ، ملتمسا فيه الأمان والسكينة ، سوس المسجد القريب من البيت ، وهناك تعرف علي الذين استغلوا نقطة الضعف الداخلية ، وقاموا بتجنيده ، وابعاده عن الجامعة والأم والناس جميعا ، ليعيش في الجبل ، بصحبتهم ، يخطط من اجل أهداف حددوها ، ورسموها لأنفسهم ، فالإيمان الحقيقي ، لا يتطلب تلك الهجرة غير المبررة : من الحياة ، من الأهل ، من الأصدقاء ، من أماكن العلم ، ليكون الجبل هو الملاذ في نهاية الأمر !!
غياب سلطة الأب لسنوات طويلة ، وعدم قدرة الأم المريضة علي الوفاء بمتطلبات الابن النفسية والعاطفية من العوامل التي تساعد علي تفريخ الإرهاب ، فهذا ( أمير ) يعمل والده أستاذا في الجامعة ، مفترض أنه يعيش في رغد من العيش ، والاحتياج المادي – لديه- ليس م الأسباب الدافع علي الانحراف ، والتمرد علي سلطة الأسرة – بشكل عام – لا نجد معه تبريرا يؤيد توجهات الشاب .                           
  إن تفريخ الإرهاب له أسبابه الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ، والقصة تؤكد علي السبب الاجتماعي لتأثيره القوي ، ودوره المؤكد في التنشئة : سلبا أو إيجابا
    هذا السبب الاجتماعي – نفسه – تؤكد عليه قصة ( زواج شرعي)(36) لمحمد محمود عبد الرازق ، في جو كابوسي غامض ، يطرح الحدث أمامنا مباشرة " سحبها من يدها بعنف ، كانت ضئيلة صغيرة ، اندسا في طيات أزقة مظلمة ، وجدت نفسها أمام شيخ معمم له لحية طويلة سوداء ، قال : زوجيني نفسك !، نظرت إليه في دهشة ، كانت طفلة ……." تلك الطفلة تم تزويجها قصرا ، وبمخالفة القوانين الوضعية والشرعية ، والعادات والتقاليد والأعراف التي تنظم عملية الزواج . والقصة تذكر أن الطفلة كانت بصحبة رجلين ، لا نعرف من هما ، فقط نعرف أنهما يطعمانها بينما يبادلنها علي حجريهما !! ثم يتركاها ويرحلا ! ليأت ذلك الرجل ذو اللحية الطويلة ، ليسبها ويتهمها بالفحش والكفر ، ويجبرها عل الزواج منه ، وتفعل خوفا منه ، وارتعادا من نظراته المحتقرة المشمئزة ، وفي الجامع يأخذها إلى غرفة صغيرة ، وسط غرف أخري عديدة ، ومتجاورة ، ذات أبواب خشبية متآكلة ، أو ستائر قديمة متسخة ، تتصاعد من تلك الغرف شتائم وبكاء ، وصوت وابور جاز وأبخرة وروائح .. وكل هذا إشارة إلى أن هناك من يسكنون في هذه الغرف ! والشيخ الملتحي يأخذها في غرفته  وبعد أن يطعمها بلقمة واحدة تنام ، لتجده يوقظها في الليل يسحبها من يدها بعنف في الصباح ، ويلقي عليها  يمين الطلاق ويخرج " كان يرتدي ملابس بيضاء ، وعليه مسحة غريبة من السكون" !
  هذا الغموض الذي يكتنف القصة ، إنما يعكس غموض الحياة الاجتماعية التي يحياها بعض المتزمتين ، الذين يتكئون إلى الدين ، لتبرير بعض أفعالهم الشاذة  و العبثية ، فالرجل أراد – من وجهة نظره وكما صور له عقله – أن يصون البنت ، ويدفع عنها الخطأ الذي ظن أنها ارتكبته مع الرجلين ، لكنه بدلا من أن يقوم بمساعدتها ، بشكل طبيعي ، نراه يمارس عليها نوعا من القهر الغريب والعجيب في نفس الوقت ، ويمارس قمعا ألجمها ، وشل تفكيرها ، فلم تستطع مجرد الدفاع عن نفسها ، وهي الصغيرة التي لا تستند لسياق اجتماعي واضح – في القصة – ولنا أن نفهم أنها ربما كانت ( مقطوعة من شجرة ) كما يقول المثل العمي ، فهل يعطي الدين الحق لي شخص يتمسح به ، أن يفعل بتلك الصغيرة البريئة ، ما فعله الشيخ الملتحي ؟! هذا هو السؤال الأول ..
    ولماذا يصمت المجتمع علي مثل هذه الممارسات العبثية المجنونة ، التي تحدث أمام أعين الجميع ؟!  هذا هو السؤال الثاني .                         
    ويبدو أننا سنظل نتساءل ، ونتساءل طالما أنه ما زال هناك من ينصب نفسه حكما علي أفعال الآخرين . وطالما مازال هناك ظالم ومظلوم ، وقوي وضعيف ، وطالما أن سلطة الجماعة مازالت غائبة ، وعاجزة عن مواجهة سلطة الفرد .            
 ويبدو أن سبب الصمت ، الخوف من المجهول ، أو بوضوح أكثر: الشعور بعد الحماية .                    
    الراوي في قصة ( كش ملك )  للكاتب محمد عبد السلام العمري ( 37)– هو في الوقت نفسه شخصها الرئيسي- يعيش حالة من الفزع   ، والترقب ، والخوف من المجهول ، لشعوره أنه مراقب ، وأنه سيكون ضحية ، وسيواجه كل صنوف العذاب ، والتنكيل من هؤلاء المجهولين الذين رأوه أثناء التقاطه لأرقام السيارة التي أنطلق منها الرصاص علي الجالسين في أحد المقاهي ،وفروا هاربين بسرعة رهيبة – وهذا الموضوع يذكرنا بالحادثة المشابهة التي وقعت في نهاية التسعينيات ، وبنفس التفاصيل في إحدى المقاهي الشهيرة الكائنة في ميدان التحرير – إن الملتحي الذي كان يجلس مع زميل له داخل المقهى رآه أثناء التقاطه لأرقام السيارة المارقة ، عندما شعر بذلك ، انتابته الهواجس والمخاوف ، وفكر في الرحيل بعيدا هو وأسرته اتقاء لشر هؤلاء المتربصين له .                                       
   القصة  تقدم فكرة مجردة ، اعتمادا علي سرد التفاصيل الصغيرة ، والكاتب لم يهتم بالإشارة إلى أشياء محددة تشير إلى هوية هؤلاء بشكل صريح وواضح ، لكنه ترك ذلك لحدس القارئ ، الذي لن يجد صعوبة في الوصول إلى هدف القصة ، وهو يؤكد علي أهمية مقاومة هؤلاء وعدم الاستسلام لهم ، مهما كانت النتائج ، والنهاية التي وضعها لقصته تؤكد علي هذه القيمة .                        
   إذ نراه وبعد أن اقتادوه إليهم ، وكبلوا يديه بالحبال ، نراه يدافع عن نفسه .. " أضم يدي الموثوقتين رافعا إياها بمحاذاة الفك الأيسر الذي بجواري ، صافعا إياه بضربة محكمة فأسمع مسرورا فرقعة انسحاق الفكين مع الأسنان … الخ " ص 87                                                   
 

       ثقافة العنف :                      
 
   ظلت ثقافة العنف سائدة لسنوات طويلة ، خاصة في السبعينيات ، وهي التي أدت إلى تفريخ الإرهاب .
  إن الرعب الذي شعر به السادات – علي سبيل المثال – من الفكر العلماني والليبرالي ، هو الذي دفعه لمساندة التيارات الدينية ن ودفعه إلى الحد من الهامش الديمقراطي الذي كان النظام يتشدق به كثيرا ، واصبح تهميش المثقفين وابعادهم ، وازلالهم أسلوب عادي للسلطة التي أرادت الحفاظ علي مقاعدها و" حين تلعب الأنظمة السياسية بالعواطف الدينية ، وحين تحاصر مواطنيها وتعمل علي إذلالهم وإهانتهم ، فان النتيجة المتوقعة هي ظهور الإرهاب وربما في أكثر صوره جنونا ووحشية "(38) 
    وتعبيرا عن هذا البعد " ثقافة العنف ودورها في تفريخ الإرهاب " تأتي قصة  ( اتجاه الجري) (39) للقاص : عبد المنعم الباز ، وفيها يتعرض لممارسات القمع والعنف التي تمارسها شرطة المرافق مع الباعة المتجولين ، هؤلاء الفقراء الذين لا يملكون إلا البضاعة التافهة ، يضعونها فوق عربة صغيرة ، أو داخل حقيبة ، وبطل القصة ( حامد أبن ستوته) واحد من هؤلاء الباعة ، قاده حظه العاثر للوقوف في الميدان لحظة مطاردة الشرطة للبائعين ، وفي لحظة خاطفة يتمكن منه أحد رجال الشرطة " يمسكه من ياقته ويصفعه علي قفاه ، ثم شلوت نقاوة جعله ينسي نفسه ، وينهال بالحقيبة – التي تحوي بضاعته- علي رأس الباشا الصغيرة ، وحين أفاق علي صراخ الاستنجاد والعساكر الثلاثة الذين احتشدوا في اتجاهه ، زاغ في أول ممر يمين ثم أول شارع شمال وهم خلفه .. ليلتك سوده يا حامد يابن ستوته . تضرب الحكومة ذات نفسها " !! ويتجه ناحية المسجد الصغير في أول حارة قابلته يلتمس فيه الحماية ، وهناك وجدهم متحلقين بلحاهم الطويلة حول شيخهم الجالس في مكان القبلة ، فألقي بنفسه يقبل يديه وقدميه أن يخفيه هو وبضاعته من العساكر ، وهنا أصدر الشيخ أوامره " عاونوا أخاكم عسي أن يهديه الله بكم " ، ويصور عبد المنعم الباز الإجراءات السريعة التي اتخذت فبدت أمامنا وكأنها مراسيم جديدة ، غير التي تعرض لها ( محمد كشيك ) في قصته مراسيم " امتدت أيدي مدربة تخفي حقيبته أسفل المنبر، وأيدي أخري تخلع ملابسه وتخفيها خلف مكتبة المسجد وتلبسه بنطا لا أبيض وجلبابا قصيرا يصل للركبتين ،وطاقية بيضاء مخرمة ، ولحية صغيرة ، وأخيرا أعطوه سبحة كبيرة ، وفتحوا أمامه المصحف قائلين : اقرأ " وعندما دخل الضابط يسأل عن البائع ، قال له الشيخ – بسخرية – أتفضل معانا شوية قرآن ، فتركه الضابط والعساكر ومضوا خارج المسجد ، وعند انصراف البائع ، أعطوه الحقيبة ، وأبلغوه بضرورة حضوره إليهم بين المغرب والعشاء ، وفهم أن هذا موعدا ، فترك لهم ملابسه التي يعرفها العساكر واحتمي بحليته الجديدة ، وعندما ذهب إلى المعلم ليسلمه الإيراد والبواقي ، فتح الحقيبة فلم يجد بضاعته ، لقد أعطوه حقيبة أخري بداخلها : دفاتر لجمع التبرعات وشرائط كاسيت ، وميكروفون يدوي ، وكتابين لونهما أصفر ، وثلاثة خناجر ومطواة ، وزجاجة ماء نار ومسدس سريع الطلقات ، وورقة صغيرة دقق فيها كثيرا ، ولنه لا يعرف القراءة فقد كاد ينفجر من الضحك .. وتنتهي القصة عند العبارة السابقة .                           
   لقد هرب البائع من قمع رجال الشرطة الذين يطلقون عليهم –الباعة- عبارة (التتار) ، لكي يمارس عليه قمع آخر من قِبل الأمير الذي غير هيئته ، وبدل حاجياته ، وأمره بالحضور كل يوم ما بين المغرب والعشاء .                          
   لقد استطاع الكاتب برؤيته الواضحة ،وبأدواته الفنية الجيدة أن يقول كلمته : إن تفريخ الإرهابي جاء نتيجة طبيعية للعنف الذي يمارسه بعض رجال الشرطة ،ولعلنا نتذكر أن الأفراد – في المجتمع – لم يتعاونون بالقدر الكافي ، عندما ظهرت أحداث العنف في السنوات الأخيرة من القرن الماضي ، وذلك بسبب سياسة القمع ، وسيادة ثقافة العنف علي أفراد المجتمع ، والأمير لا يعطي بدون مقابل ، بل انه يقوم باستغلال الظروف لصالحه. إن ثقافة العنف نجدها تسود أحيانا في مجتمع رجال الشرطة أنفسهم ، وبعيدا عن الأفراد ، ولعلنا نتذكر القرار رقم 23 لسنة 1998 الذي أصدره وزير الداخلية ، وتضمن إحالة أحد الكتاب الذي يعمل ضابطا للشرطة وهو العميد ، حمدي البطران إلى المحاكمة التأديبية بعد أن نسب إليه الخروج على مقتضى الواجب الوظيفي والسلوك المعيب ومخالفات التعليمات . وقد جاء ذلك على صلة بقيام العميد البطران بإصدار رواية له بعنوان  "  يوميات ضابط في الأرياف  " . وقد بدأت محاكمته تأديبيا بناء على مذكرة أعدها جهاز مباحث أمن الدولة ، ضمنها أن الرواية جرى طرحها في إطار سلبي وناقد لممارسات الشرطة بمحافظات الصعيد ، والتهكم على منهج القيادات الأمنية والشعبية والتنفيذية بها ، والربط بين تلك السلبيات واستمرار ظاهرة التطرف والإرهاب بتلك المحافظات ، واستنتج القائمون على إعداد المذكرة أن الرواية تلمح إلى وجود نوع من المنافسة بين الشرطة والنيابة على فرض النفوذ والسيطرة ، وأن ضباط أمن الدولة يعدون من أقوى الشخصيات التي لها سطوتها على مقاليد الأمور في تلك المحافظات .
وقد مثل حمدي البطران للتحقيق أمام مفتش الداخلية وقرر أمامه بأن الرواية ما هي إلا عمل فني وإبداعي لا يقصد من خلالها الإسقاط على الواقع . وقد جرت جلسات المحاكمة خلال الفترة من 26 أبريل حتى 27 سبتمبر 1998 متضمنا براءة العميد البطران من المخالفات العديدة المنسوبة إليه ، غير أن الحكم تضمن إدانته فيما يتعلق بنشر مؤلفه دون الحصول على أذن من وزارة الداخلية بذلك . وهو ما اقترن بمجازاته بالإيقاف عن العمل لمدة شهر .
وقرر العميد البطران الطعن بالاستئناف على هذا الحكم باعتبار أنه يمارس سوى حقه في الإبداع ، وبالنظر لقرار المجلس التأديبي ذاته نجد أنه أكد على أن الكاتب قد استخدم موهبته في الرواية ليفصح عن إبداعه وفكره دون أن يفشى سرا من أسرار وظيفته أو يمس أحد بما يسوئه  ( 40)                                    
   وحين يتحول رجل الشرطة إلى أداة قمع لجيرانه في العمارة التي يسكنها ، بحجة الدفاع عن نفسه و خوفا  علي حياته من الزائرين لأقاربهم وأصدقائهم ، فانه – بهذا السلوك وتلك الممارسة – إنما يخلق لنفسه أعداء جدد ، ربما لا يتعاونون معه أبدا ، ولا يتعاطفون ، وهذا ما تعرض له الكاتب ( إسماعيل بكر) في قصته ( حاكم العمارة ) (41) . ينقل لنا راوي القصة مشاعره حين يتحدث عن الموقف الذي تعرض له حين أراد زيارة صديقه الذي يسكن في العمارة المعروفة باسم ( المدخل المحروس) أي المدخل الذي توجد عليه حراسة من الشرطة ، بسبب أن أحد الضباط الكبار يسكن فيها ، وكيف أنه تعرض للإهانة حين رفض الأوامر التي أصدرها الضابط لرجاله علي مدخل العمارة ، ومنها ضرورة البراز تحقيق الشخصية لكل زائر ، ليس هذا فقط ، بل لابد من إرسال هذه البطاقة إلى الضابط في شقته للاطلاع عليها ، وبعدها يسمح بالزيارة ، أو لا يسمح ، وبهذا السلوك ، شعر راوي القصة أنه يزور سكنه عسكرية ، وليس صديقا له يعيش في بيت لا يتطلب كل هذه الممارسات   الأمر الذي آثار حفيظته ، وأراد أن ينقله إلى الضابط بنفسه ، فما كان من الضابط إلا أن انهال عليه بالسباب والاها نه غير المبررة " لن تنفعنا أنت ولا صديقك ، إذا أصيب ظفر من السادة الضباط.. أنا مش فضيلك وأتفضل من هنا .  وحين يخبره الزائر أن هذا الأسلوب لا يصلح للتفاهم .. يقول له الضابط الكبير : نعم لا أنت ولا   بلدك ص 35          
   ولا ينقذه من هذه الورطة إلا صديقه حين هبط ، وصعد به بعد أن دارت بينه وبين الضابط مشادة كلامية حامية ، انتهت بتهديده بأنه سيخبر رؤساءه بهذا الأمر .                         
 وهذا الراوي كان قد أتفق مع المسئولين علي إقامة ندوة جماهيرية تأييدا للشرطة ورجالها ، وكشفا لأولئك الإرهابيين المتسترين بالدين أمام الشعب ، اثر محاولة الاغتيال التي تعرض لها وزير الداخلية ، لكنه في نهاية القصة بتراجع نتيجة للموقف الذي تعرض له " عدت إلى منزلي ، تناولت الأوراق التي تحوي محاضراتي المرتقبة ، آخذت أقلبها بينما كست وجهي ابتسامة حزينة " ص36
   كيف إذن يدافع المثقفون عن رجال الشرطة ،وبعضهم يمارس القمع والإرهاب علي المواطنين ، إرهاب السلطة يتساوي مع إرهاب الجماعات المتأسلمة ، لا فرق بينهما ، إن ثقافة العنف ظل تأثيرها قائما لسنوات عديدة ، وما زال قائما في العلاقة بين رجال الشرطة والمواطن العادي .
  ثقافة العنف التي تنحي المشاعر جانبا ، وتضرب بالمصالح العليا عرض الحائط ، هل يصبح الخوف من الاغتيال مبررا لقمع الآخرين ؟ وتخويفهم ؟ وإجبارهم علي ممارسة السلوك الذي يتعارض مع الطبيعة الإنسانية ؟
  أسئلة كثيرة تطرحها هذه القصة وغيرها من القصص ، من خلال معالجة موضوعات لم تكن تهتم بها القصة من قبل ، ولعل هذه الملاحظة تؤكد أن الكاتب يستقي موضوعاته من الحياة ، وان المتغيرات المتواترة والمختلفة تترك تأثيرا كبيرا علي رؤيته وموقفه ، وتعينه – إذا أراد ذلك – علي الاختيار ، حتى يكون إبداعنا القصصي متصلا اتصالا مباشرا وحميما مع الواقع ، مع الحياة ، معبرا – في الوقت نفسه – عن الإنسان الذي يحيا في خضم كل هذا ، وتأكيدا علي هذا المعني نري الكاتب ( إسماعيل بكر ) الذي أدان موقف رجل الشرطة ، في قصة حاكم العمارة ، نراه يدين – أيضا – تلك الجماعات المتسترة بالدين في قصة أخري كتبها تحت عنوان: ( الكلاب ) (42)               
ويتخذ من ( المعادل الموضوعي ) أداة لمعالجة موضوع قصته فهو يقول – بالأحداث التي سردها – أن تلك الجماعات ، وما تقوم به من أفعال ، تمثل خطورة علي الناس والمجتمع ، تماما مثل الكلاب الضالة في الطرقات ، التي تنقض عليك من حيث لا تدري ، ومن ثم ينبغي اصطيادها كما كان يحدث منذ سنوات طويلة ، فحين تهاجمك تلك الكلاب ، تضطر إلى خوض معركة غير متكافئة ، فلا أداة أمامك للمقاومة إلا الحصي ، والطوب ثم الجري والاختباء .
  الكاتب – في القصتين – يدين الإرهاب ، ويدين العنف ، سواء كان دينيا أو سياسيا ، سواء كان من يمارسه رجلا يستند إلى الدين بغير حق ، أو رجلا يستند إلى السلطة بغير حق أيضا ، إن كلاهما يمارس القمع والإرهاب علي الآخرين ، وكلاهما تحكمه تلك الثقافة التي تهمش القانون والأعراف ، وتستند إلى المصالح الخاصة ، دون اعتبار للمصالح العامة ، الأولي بالرعاية ، وهذا السلوك يخلق – في المجتمع – توترات وأزمات تنسحب – بالطبع – علي نظرة الإنسان إلى الحياة والمجتمع ، وربما تغير وتؤثر علي نظرته إلى القوانين والأعراف ، فيخرج عليها متمردا لتسود الفوضى ، ويسود التوتر ، ويختلط الحابل با لنابل ، ولا يستطيع الضعفاء الدفاع عن أنفسهم ، فيفقدون الإحساس بالانتماء ، وتلك هي النتيجة التي لا نود الوصول إليها ، لأنها من الأسباب التي تساعد علي تفريخ الإرهاب .                              
  لقد وضع الكاتب ( صلاح عبد السيد ) رجل الشرطة الخارج علي القانون والأعراف ، وضعه في سلة واحدة مع الإرهابي الذي دمر وقتل وذلك في قصة  ( البنت اليمامة ) (43) مع فارق جوهري هو أن رجل الشرطة المستهتر ، لا يجد من يحاسبه ، بينما الجميع يطاردون الإرهابي ، علي الرغم من أن كلاهما مارس نفس السلوك ولكن بصورتين مختلفتين .
  الضابط في القصة استغل انبهار الفتاة الصغيرة بشخصيته ، وإعجابها به ، وحلمها الدائم بأنه فارسها الذي انتظرته ، والذي جاء لحمايتها ، استغل فيها كل هذا ، وقام باغتصابها ، صحيح أنها استسلمت له بإرادتها ، لكنها إرادة غير واعية تماما ، نظرا للظرف الذي مرت به ، كانت نائمة ، أو قل حالمة " أحست وهو يضمها إليه ، أنه عريسها .. جاء إليها ليأخذها / وأنها الآن بين يديه ، فأسلمت نفسها إليه ، وحين أفاقت كان بثقله قد استقر فوق جسدها ، وأحست بثقله فدفعته عنها ، وحين قامت مذعورة ، كان جسدها ثقيلا … . لقد لحقها العار ، ولحق جسدها ، ,أنزلها من سمائها العالية " 
 إن هذا الضابط جاء إلى قريتها ضمن القوة التي تم تكليفها بالقبض علي الجناة الذين فروا ، بعد هجومهم علي مخفر الشرطة ،وقتلوا من قتلوا ، وأصابوا من أصابوا ، واستولوا علي الأسلحة والذخائر ، وكان من بين هؤلاء الجناة ابن عم الفتاة : الملتحي الجهم الذي تقدم لعمه لكي يخطبها لنفسه ، لكن رفض ، بسبب سلوك ابن أخيه المتطرف ، الذي كان يحث والدها علي أن تترك المدرسة ، لأن المدرسة كافرة في دولة كافرة ، وعليه أن يعلمها فقط كتاب الله ، لكنه يرفض هذا الرأي ، ولا يبالي به ، لكن ابن أخيه ، ذلك الجهم لا يتركه إلى حاله ، فبعود إليه يطلب منه أن يدخلها الحجاب ،لكنه يرفض أن يلف وجهها البريء بذلك الحجاب ، فيعود إليه ابن أخيه الجهم الملتحي يطارده ، فالبنت قد كبرت ، والبنت تضوي ، وعليه أن يخفيها بداخل تلك الخيمة السوداء ، حتى لا يبين منها شيء ." فالمرأة عورة "  .. وأمام إصرار الأب بالرفض ، يجيبه ابن أخيه ، بأنه سيتزوجها رغما عنه ، وأنها لن تتزوج إلا به ، والويل لمن يتقدم إليها ، أنه سيرديه قتيلا ، لأنه يملك العشرات ، بل المئات من أتباعه الذين يأتمرون بأمره .                     
   كان اعتداء الضابط الجنسي علي الفتاة الصغيرة ، ذريعة لابن العم ( الأمير الملتحي ) لأن يترصدها ، حين ذهبن للبحث عن الضابط  -الذي خدعها – وسط العربات المصفحة ، لكنها لا تجده ،هي حتى لا تعرف اسمه ، وهنا تهمس لنفسها إن عليها الآن أن تموت بيدها اكرم لها ، ولم تكن تعرف أن ابن عمها الملتحي الجهم ، يترقبها ببندقيته ، وحين جلست فوق الأرض تندب حظها ، عارها ، انطلقت رصاصة الجهم الملتحي إلى قلبها فرفرفت ، زعقت ، نعبت ، وصعد نعيبها إلى أعلي …                  
  الكاتب يدين الضابط المستهتر ، كما يدين الجهم الملتحي تماما ، بل انه وضعهما – معا – في سلة واحدة ، فالأمير الملتحي خطط ونفذ ، فكان بذلك فاعلا أصليا ، والضابط استغل فرصة ضعف الفتاة ، وحاجتها إلى الحماية ، فأعطي – بفعلته- الفرصة لأبن العم ، لكي يقتلها ، ولذلك نراه شريكا في الجريمة ، بلغة القانون ، وهذا الذي يطرحه الكاتب في قصته هدف من أهداف القصة .                 
 فالبنت التي يشبهها باليمامة – نسبة إلى براءتها – يقع عليها القهر الجسدي والنفس من قِبل قوتين مختلفتين ، مفترض أنهما لا يلتقيان لتعارض مصالحهما : قوة الأمير وقوة رجل الشرطة ، تتعرض لعنف وقمع القوتين معا ، فتدفع الثمن – وحدها -  نتيجة لشيوع ثقافة العنف ، التي لا تفرق بين مَنْ يعتدي ، ومن يدفع الاعتداء ، ولا تفرق بين مفهوّمي   : الفوضى والنظام .. من الذين يُحدث الفوضى ومَنْ الذي يُعيد النظام ؟!
    لقد تأثرت منظومة القيم ، نتيجة لسيادة ثقافة العنف ، ثقافة القمع التي لا تفرق بين القامع والمقموع ، فظهرت أمامنا حالة فريدة من الفوضى ، قوامها أنه قد يبدو أمامنا القامع مقموعا في موضع ، ويبدو المقموع قامعا في موضع آخر !! أي اختلاط للمفاهيم هذا ؟! وكيف يتسنى لنا – بالفعل – مواجهة القامعين ؟! لقد حدث خلل في مفهوم الحماية ، أدي إلى خلل مماثل في مفهوم الحق .                                
   إن الكاتب يقدم قصته بمعالجة إنسانية ، رفيعة المستوي ، لتأكيد تلك القيم النبيلة ، التي تاهت وضاعت وتهرأت في واقع رديء ، اختلط فيه الحابل بالنابل ، ولم نعد نعرف من هو الظالم ومن هو المظلوم !!   الأب الذي ظل منتظرا مجيء الولد لسنوات كثيرة ، عاني فيها – هو وزوجه- ما عاني ، ثم تأتي البنت بعد طول انتظار ، لكي تذهب ضحية ،   للخلل الذي حدث في المنظومة التي نتحدث عنها ، وتذهب ضحية للتطرف الأعمى الذي لا يري أصحابه إلا مصالحهم الذاتية ، وهي مهما اتسعت ، مصالح صغيرة ، لأنهم لن يستطيعوا الوصول بأحلامهم حتى النهاية ، بسبب أن أعمالهم تتم في الظلام ، وبدون مساندة من الناس ، فكيف تساند من يقتل ولدك أو أخيك ، أو أبيك ، أو أمك ، سواء بقصد أو بدون قصد ؟! البنت اليمامة ، جاءت في ظروف غير مواتية ، لتذهب في ظروف غير مواتية – أيضا – نعمة الله – كما سماها أبوها " ترف بجناحها ، مثل يمامة ، وتهدل ، سيعلمها لتكون طبيبة تعالج الأمراض وتشفيها .." ولكن يبدو أن الأمراض ستستشري ، ولن تجد من يقاومها ، ومن يداويها . 
  وفي النهاية احب أن أؤكد أن القصة القصيرة – علي الرغم من ندرة النماذج – استطاعت تناول هذا المتغير الخطير ، واستطاعت أن تعبر – فنيا – عن الآثار الناجمة عن استعمال العنف والإرهاب ، سواء كان سياسيا ، أو دينيا ، وقدمت صورا متنوعة للقمع : القمع الذي تمارسه الجماعات المتأسلمة ، والقمع الذي تمارسه السلطة الدينية ، والقمع الذي يمارسه بعض ضباط الشرطة المنوط بهم دفع الظلم عن المظلومين ، وتطبيق القواعد القانونية والأعراف ، التي تحكم وتنظم العلاقة بين الأفراد والمجتمع . 
 
هوامش:
 
1- يمكن مراجعة مقال د.فؤاد زكريا المنشور في صحيفة الأهرام تحت عنوان : ثورة يوليو والجماعات الإسلامية – أغسطس1985
2- معظم هذه المعلومات جاءت علي لسان المستشار ( ماهر الجندي ) وكيل نيابة أمن الدولة ، الذي قام بالتحقيق في بعض قضايا هذه    التنظيمات ، ونشرت وقائعها في الصحف المصرية ، وقد عمل فيما بعد محافظا لمحافظة الجيزة ، حتى تمت أقالته بعد اتهامه في   قضية ( محمد فوده) المتهم باستغلال النفوذ والحصول علي رشاوى لتسهيل مهام بعض المستثمرين لدي المحافظة .
3- التكفير عنصر  أساسي في أفكار هذه الجماعة ، فهم يكفرون كل من أرتكب كبيرة ، وأصر عليها ولم يتب منها ، وكذلك يكفرون الحكام الذين لا يحكمون بما أنزل الله بإطلاق ودون تفصيل ، ويكفرون المحكومين لأنهم رضوا بذلك وتابعوهم أيضا بإطلاق ودون  تفصيل ، ويكفرون العلماء لأنهم لم يكفروا هؤلاء ، ولا أولئك ، كما يكفرون كل من عرضوا عليه فكرهم فلم يقبله ولم ينضم إلى  جماعتهم ويبايع إمامهم .!!                               
4- هو شكري أحمد مصطفي من مواليد قرية الحواتكة بمحافظة أسيوط ، أحد شباب جماعة الأخوان المسلمين الذين اعتقلوا عام 1965 لانتسابهم إليها ، وكان عمره وقتئذ ثلاثة وعشرون عاما ، تولي قيادة الجماعة داخل السجن ، وفي عام 1971 أفرج عنه بعد أن حصل علي بكالوريوس الزراعة وبدأ التحرك في مجال الهيكل التنظيمي لجماعته ، وتمت مبايعته أميرا للمؤمنين ، وفي سبتمبر 1973 أمر بخروج الجماعة إلى المناطق الجبلية بدائرة أبي قرقاص بمحافظة المنيا ، وفي عام 1973 اشتبه في أمرهم رجال الأمن  فتم إلقاء القبض عليهم ، وتقديمهم للمحاكمة في القضية رقم 618 لسنة 73 أمن دولة ، وفي 21 أبريل 1973 ، عقب حرب اكتوبر
 1973 صدر قرار جمهوري بالعفو عن شكري مصطفي وجماعته ، فعاود نشاطه من جديد وبصورة مكثفة .. وبعد إعدام شكري مصطفي ، بسبب اختطاف الشيخ الذهب وقتله ، اتخذت الجماعة طابع السرية ، الذي لم تكن تنتهجه من قبل ، إلا أن نشاطها كان محدودا ، بسبب الضربات الأمنية المتلاحقة لأفراد هذه الجماعة  . 
5-هذه الرواية نالت جائزة جونكور الأدبية ، وقام بترجمتها إلى العربية في مصر : فؤاد كامل في مطلع الستينيات .              
6- ذكرت بعض المراكز البحثية مؤشرات العنف علي النحو التالي :                                               
 من 1952-1997- وهو العام الذي تمت فيه أكبر عملية إرهابية قام بها تنظيم الجهاد وهي عملية الأقصر أو كما أطلق عليها مذبحة الأقصر – محاولتان انقلاب وقعتا في الفترة من 52 – 1970، وأيضا محاولتان وقعتا في الفترة من 71- 1981 ، ولم تقع محاولات من 82- 1997.
قبض- حبس- اعتقال : 14 ألفا في الفترة الأولي و 19 ألفا في الفترة الثانية و41 ألفا في الفترة الثالثة وكان ضحايا العنف السياسي 49- 205-3472 علي التوالي في الفترات الثلاث _ وكانت أحكام بالأشغال الشاقة علي النحو التالي : 42-64-212 ، واحكام   بالإعدام في قضايا سياسية : 21-20-54 ، إضرابات : 2-13-126 …… هذه البيانات نقلا عن صحيفة الأهرام الصادرة في 16/1/1998 من موضوع : الإرهاب إلى متي يستمر ..؟ ( ندوة) .
7- نتيجة لتعدد الصدامات بين الجبهة وشيخ الأزهر  صدر قرار محافظ القاهرة رقم 317 الصادر في 28 يونيه 19998 بحل مجلس     الإدارة ، وجاء القرار بناء علي مذكرة قدمها شيخ الأزهر د. طنطاوي للمحافظ عبد الرحيم شحا ته يطلب فيها حل المجلس وتعيين خمسة    من رجال الإمام الأكبر في مجلس الإدارة المؤقت ، ولجأت الجبهة إلى القضاء الإداري ، وفي 10 مايو 1999 قضت محكمة القضاء   الإداري ببطلان حل جبهة علماء الأزهر ، واستمرت القضية متداولة حتى أسدل الستار عليها في 21 يناير 2001 بقرار المحكمة الادارية العليا بمجلس الدولة ، بإلغاء حكم القضاء الإداري بوقف تنفيذ قرار حل المجلس ، وفي أثناء بحث مصير الجبهة أمام القضاء انعقدت الجمعية العمومية للجبهة بناء علي دعوة المجلس المعين وقرر تغيير اسم الجبهة  .                          .        
8- سيد قطب - الرسالة ، 2 (أكتوبر) 1944 .                           
9- أدب ونقد – العدد 74 – أكتوبر 1991 – الصفحات 12- 19                
10-  الشعب – 3/7/1991- العدد 611
 11-  الأهرام 1/10/1991           
12- أدب ونقد – المرجع السابق .           
13- المرجع السابق.                 
14- المرجع السابق .             
15- د.حسن طلب – الفن ورجل الأخلاق – مجلة فصول – العدد 58- شتاء 2002- صفحة 83                         
 16- حوار مع الكاتب أجر ته صحيفة القدس العربي تحت عنوان ( لذة القمع .. تجربة في الكتابة ) مارس 1994- -  قام الكاتب بنشر كل ما أثير حول هذه القصة من آراء في كتاب تحت عنوان ( بعد صلاة الجمعة –دار الحضارة العربية – القاهرة يناير 1999- الكتاب من القطع المتوسط ويقع في 146 صفحة .
 
- للكاتب ( محمد عبد السلام العمري ) قصة أخري يتعرض فيها لشخصية السياف الذي أصيب بالجنون ، ومات داخل المستشفي نشرها في صحيفة القدس العربي تحت عنوان ( أرواح القتلى ) ولم تنشر داخل كتاب حتى الآن ، وله قصة أخري حول نفس الموضوع نشرت في صحيفة العربي الناصري – القاهرة ولم يضمها – هي الأخرى كتاب حتى الآن ، تحت عنوان ( ملك الحكومة ) ، وفيها يتعرض لصاحب اليد المقطوعة ، الذي حاول حمل يده ، للطبيب الأجنبي لكي يعيدها له ، بعد قطعها بلحظات ، إلا أن الطبيب يقوم بإبلاغ السلطات التي تقوم بوضع صاحب اليد داخل السجن ، لأنه أراد التصرف فيما لا يملكه فاليد المقطوعة أصبحت ( ملك الحكومة) !!            
 
17 - حراسة – مجموعة ( شطف النار) – جمال الغيطاني – أصوات أدبية – العدد رقم 162 – الهيئة العامة لقصور الثقافة – 1996                                    
18- عمر عبد الرحمن - مفتي تنظيم الجهاد الذي نفذ جريمة اغتيال أنور السادات في أكتوبر 1980 ، وكان هو المتهم العاشر في تلك القضية ، عمل مدرسا بكلية أصول الدين ، وهو من مواليد المنزلة محافظة الدقهلية ؛ وهناك شاهدت البلدة بداية تطرفه ، حيث عاني كثيرا من الظروف الاجتماعية ، ولقد اعتقل في كل الحملات وقتها ، ضد الأخوان المسلمين في 54،65 ، ومنذ ذلك الحين انتقل إلى الإقامة في مدينة الفيوم ، وفي عام 1966 ، ونتيجة لإحساسه بيقظة رجال الأمن اضطر إلى الهرب   للسعودية ، حيث قضي هناك أكثر من أربع سنوات ، وبعد عودته عُين في كلية أصول الدين بأسيوط .وبعد أن افرج عنه في قضية السادات ، هاجر إلى الولايات المتحدة الأمريكية ، ودخل السجن هناك بعد اتهامه بالتخطيط لتفجير المركز التجاري في نيويورك ، ومازال داخل السجن حتى الآن ، وكانت هناك مفاوضات تجري مع الحكومة الأمريكية من قبل تنظيم القاعد في أفغانستان للإفراج عنه  مقابل إعادة بعض الرهائن ، لكن هذه المحاولات توقفت ، بعد التفجيرات التي حدثت في 11 من سبتمبر2001 .                                        
19- نقلا عن صحيفة الأهرام الصادرة في يوم الاثنين 17 أكتوبر 1994                 
20- الحلم رقم 23- نجيب محفوظ – أحلام فترة النقاهة – ملحق خاص لمجلة نصف الدنيا – مؤسسة الأهرام           –10 ديسمبر 2000                       
21- الحلم رقم 15 – المرجع السابق .                     
22- المحامي أسمه : السيد عبد الرحمن ، والدعوى تم رفعها في عام 19995 ، أي بعد محاولة الاغتيال ، وكأنها تؤكد علي ضرورة محاسبة الرجل !                       
23- د.جابر عصفور – عقلية التطرف – مجلة وليمة لأعشاب البحر الثقافة الجديدة - يونيه 2000
24- قامت هذه المظاهرات في شهر مايو 2000 بسبب صدور رواية  للكاتب السوري حيدر حيدر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة ، وقامت جريدة الشعب التابعة لحزب العمل المعارض ، والذي ينضوي تحت لوائه التيار الديني ، بشر عدد من المقالات التحريضية ضد الرواية وضد من قاموا بنشر الرواية من العاملين في وزارة الثقافة المصرية .                                                  
25- أحمد عبد الرازق أبو العلا _ افتتاحية مجلة الثقافة الجديدة الصادرة في شهر يوليه 2000

26- د.حسن طلب – الفن ورجل الأخلاق – مجلة فصول – العدد 58 – شتاء 2002- صفحة 76     
         27- الولاية من مجموعة ( الكلام هنا للمساكين) – محسن يونس – كتاب الغد 1989- الصفحات
من 5الي  20                                   
28- أقتلها من مجموعة تحمل نفس الاسم عنوانا لها – يوسف إدريس – دار مصر للطباعة – القاهرة – 1982 - الصفحات من 81-100                
29- نشرت القصة قبل إصدار المجموعة في صحيفة الأهرام في عام 1981
(فؤاد زكريا)-  ثورة يوليو والجماعات الإسلامية – صحيفة الأهرام – أغسطس 1985 
 
30 - غموض – من مجموعة ( همس العاشقين) – أمين بكير –مركز الحضارة العربية – 2001- الصفحات 13- 17 
31- ميريت آمون – طلعت رضوان – مجلة القاهرة – يونيه 1996- الصفحات 165-168                  
32- حكايتي مع الخواجات – سعيد سالم – صحيفة الأهرام – 12 أبريل  1994                           
33- المراسيم – من مجموعة أحوال – المركز المصري العربي – 1994                
34- العبارة للدكتور حسن شحا ته أستاذ المناهج – جامعة عين شمس – جريد الأسبوع 24 نوفمبر  1997                                
34-المرجع السابق.
35- نشرت هذه القصة في صحيفة الأهرام في 15 أبريل  1994                         
36- زواج شرعي – مخطوطة .                             
37-  مجموعة ( شمس بيضاء)- محمد عبد السلام ا لعمري – مختارات فصول – الهيئة المصرية العامة للكتاب – العدد رقم 71  - 1989               
 38- أحمد عباس صالح – دور العنف في تفريخ الإرهاب – نقلا من الانترنيت.              
39- اتجاه الجري – عبد المنعم الباز- مجلة الثقافة الجديدة – أسماء مضيئة في فضاء القصة  القصيرة في مصر- أحمد عبد الرازق أبو العلا – العدد رقم 110- نوفمبر 1997- ص96                     
40- نقلا من تقرير نشرته منظمة حقوق الإنسان المصرية في عام 1999، علي الانترنيت.
41- حاكم العمارة – مجموعة مدينة خاصة جدا- الهيئة المصرية العامة للكتاب –2000 – القصة ص5
42- المرجع السابق – صفحة  25                                                               
43- البنت اليمامة – صحيفة الأهرام – 12 ديسمبر 1997

المراجع :
 
قصص قصيرة:                                                             

إسماعيل بكر : الكلاب – مجموعة ( مدينة خاصة جدا) – الهيئة المصرية العامة للكتاب – 2000
                       حاكم العمارة – المرجع السابق.
أمين بكير         : غموض – مجموعة ( همس العاشقين) – مركز الحضارة العربية –2001
جمال الغيطاني   : حراسة – من مجموعة ( شطف النار ) – أصوات أدبية – الهيئة العامة لقصور الثقافة –                                                                   1996     
سعيد بكر          : حكايتي مع الخواجات – صحيفة الأهرام – 22 أبريل 1994                    
صلاح عبد السيد  : البنت اليمامة – صحيفة الأهرام – 12 ديسمبر 1997
طلعت رضوان   : ميريت آمون – مخطوطة .                                                                                                
عبد المنعم الباز    : اتجاه الجري – مجلة الثقافة الجديدة – العدد رقم 110- نوفمبر 1997
فتحي سلامة        : رأيت السماء حمراء – صحيفة الأهرام – 15 أبريل 1994
محسن يونس        : الولاية – من مجموعة ( الكلام هنا للمساكين ) – كتاب الغد - 1989
محمد عبد السلام العمري : بعد صلاة الجمعة – صحيفة الأهرام 19 يوليه 1991  
                                 كش ملك – من مجموعة ( شمس بيضاء) مختارات فصول – العدد رقم 71- 1990
محمد كشيك        :  المراسيم – من مجموعة ( أحوال) – المركز المصري العربي – 1994                       
محمد محمود عبد الرازق : زواج شرعي – مخطوطة .
نجيب محفوظ       :  الحلم 15 ، الحلم 23- مجموعة ( أحلام فترة النقاهة ) _ مجلة نصف الدنيا – مؤسسة                                  الأهرام – ديسمبر                                                
يوسف إدريس       : أقتلها – مكتبة مصر - 1982      
 دوريات :                                                        

صحف :                                             
1-الأهرام – 17 أكتوبر- 1994
2-جريد الأسبوع – 24 نوفمبر – 1997
 3- الأهرام 12 ديسمبر1997           
 
4-الأهرام 19 يوليه   1991                                           
5-الأهرام – 22 أبريل 1994                               
6-الأهرام 15 أبريل 1994
7-الأهرام 12 أبريل  1994                                       
8-الأهرام – أغسطس -  1985                                          
 9-القدس العربي- مارس -1994
10-الأهرام 16/1/1988                
11-الشعب 3/7/1991 


  مجلات :
1-الثقافة الجديدة – يونيه –2000      

 2-الثقافة الجديدة – يوليه-  2000    

3- مجلة فصول – العدد 58- 2002
 4- الثقافة الجديدة – العدد 110- نوفمبر 1997                                                                
 5-  مجلة  نصف الدنيا – ديسمبر 2000                                                 
6-الرسالة – 20 اكتوبر 1944               
7-أدب ونقد – اكتوبر1991                        
 


فصل من كتاب ( قصة نهاية القرن)- تحت الطبع                               



#أحمد_عبد_الرازق_أبو_العلا (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المثقفون والسلطة في مصر
- مقاومة التطبيع مشاهد من ساحة القصة القصيرة في مصر


المزيد.....




- “مواصفات الورقة الإمتحانية وكامل التفاصيل” جدول امتحانات الث ...
- الامتحانات في هذا الموعد جهز نفسك.. مواعيد امتحانات نهاية ال ...
- -زرقاء اليمامة-... تحفة أوبرالية سعودية تنير سماء الفن العرب ...
- اصدار جديد لجميل السلحوت
- من الكوميديا إلى كوكب تحكمه القردة، قائمة بأفضل الأفلام التي ...
- انهيار فنانة مصرية على الهواء بسبب عالم أزهري
- الزنداني.. رائد الإعجاز وشيخ اليمن والإيمان
- الضحكة كلها على قناة واحدة.. استقبل الان قناة سبيس تون الجدي ...
- مازال هناك غد: الفيلم الذي قهر باربي في صالات إيطاليا
- فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد عبد الرازق أبو العلا - ثقافة العنف والإرهاب