أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد عبد الرازق أبو العلا - ازمة النوايا الطيبة في قصص قصيرة من السعودية















المزيد.....



ازمة النوايا الطيبة في قصص قصيرة من السعودية


أحمد عبد الرازق أبو العلا

الحوار المتمدن-العدد: 345 - 2002 / 12 / 22 - 02:00
المحور: الادب والفن
    


    
                                                                المتتبع  للقصة القصيرة السعودية ؛ يجدها ماتزال في أزمة النوايا الطيبة ، وسوء فهم طبيعة هذا النوع من الابداع  الأدبي ، بمعني أن القصة كفن ، من أعقد الفنون جميعا بما تتطلبه من تكثيف وتركيز ؛ يشترك معها في هذه الصعوبة مسرحية الفصل الواحد ، والسوناتا في الموسيقي ، فكل هذه الأنواع من أشكال التعبير الأدبي تستلزم من الفنان وعيا كاملا بها ؛ بقوانينها ، بانجازاتها .. بطبيعة التعبير وأسس التجريب ، ولن يتأتي هذا الأمر الا اذا أجهد الكاتب نفسه في التعرف علي الانجازات المعاصرة التي قدمت الجديد لغة ومضمونا وشكلا؛ فعلي سبيل المثال لم يعد التكنيك قاصرا علي تكنيك واحد ؛ بل خرج منفتحا ومستفيدا من الأشكال الفنية والتعبيرية الأخري من سينما ومسرح وموسيقي وشعر .. الخ وتلك المسالة في الحقيقة هي   التي تجعل الناقد يقف حائرا أمام القصص السعودية المعاصرة لوجود بعض التحفظات الفنية والتكنيكية علي ما تقدمه المطابع    من كتب تتناول هذا النوع من الابداع الأدبي .. فعلي سبيل المثال نجد الكاتبة السعودية ( خيرية السقاف ) تقرر من خلال مجموعتها ( أن تبحر نحو الأبعاد) – وهي بمعرض الحديث عمن يقومون بتقديم القصص نقدا أو تقويما " ليتهم لا يبحثون عن أي تكنيك تعارفوا عليه عند تقديم الأعمال القصصية " وربما يكون في هذه العبارة مغالطة لاسبيل الي مناقشتها الآن ؛ ولكنني أطرح هذا الكلام مستهلا به حديثي عن مجموعة ( الزحف الأبيض) للكاتبة " لطيفة ابراهيم السالم " . وقد جاء في تقديم الكتاب ( ان نادي القصة السعودي يصر علي تقديم هذه المجموعات القصصية لكتاب القصة الشباب في بلادنا ؛ وهذا الاصرار دليل علي المواكبة والمشاركة لدفع عملية الثقافة والفن وتقديم الكلمة الناضجة للقاريء ليس داخل حدود الوطن ؛ وانما للقاريء العربي في كل مكان ."1"                                             
مجموعة ( الزحف الأبيض ) هي المجموعة الأولي للكاتبة تحتوي علي ثلاث عشرة قصة ؛ تشمل تسع قصص بطلتها امراة ؛ والقصص متعددة التجارب ولكنها تقدم دلالة واحدة ؛ وأقصد بالدلالة – هنا – أن الكاتبة تعبر عن المرأة تعبيرا مستهلكا ؛ لا جديد فيه ؛ فالمراة – لديها – دائما مقهورة .. مطحونة .. لا تملك أمر نفسها ؛ فنجد البطلة في قصة قهقهة تقول : ( لقد عشت مسلوبة .. مسلوبة الارادة ، مسلوبة التفاعل )   وفي قصة  ( الحوار الأخرس )                                                            تقول البطلة ( متي كان بيد مثلي أن تضع حلولا ) .
  وفي قصة ثالثة تقول :  ( ارادتي مقيدة دائما ) تعبيرها عن المرأة الشرقية جاء مستهلكا لا يتعدي ماسبق تقديمه في معظم الأعمال التي تعرضت لقضية المرأة . هناك قضايا أخري تهم المرأة الشرقية وينبغي الاهتمام بها غير قضية التحرر ؛ منها ضرورة أن تبحث المرأة عن وجودها الفكري  ودورها في الحياة السياسية ؛ وضرورة تأصيل قضية البحث عن وجودها الفعلي كعقل انساني فعال .                           
 - البطلة في قصة ( التجربة ) عندما تعبر عن الرفض ؛ نري رفضها يجيء  لا بسبب التمرد علي الوضع القائم ؛ ولكن بسبب شعورها بعدم قدرة الرجل علي ضمان المستقبل المضمون لها .. وهي في قصة ( المنطقة الوسطي ) نراها عاجزة عن مواجهة عواطفها تجاه الرجل الذي تحبه ؛ فلا تملك القدرة علي مصارحته ؛ بل تتساءل : الي أين أمضي ؟؟ وهي في قصة ( بكاء في حلقي ) عاجزة عن مواجهة ومناقشة زوجها الذي تحس معه بعدم الاستقرار ؛  و في قصة ( عرض علي المسر ح الأخر)     لا تعرف الحقيقة الابعد فوات الأوان ؛ حيث انها لاتملك حرية الاختيار وحرية الحوار .                                          
وتأتي بقية قصص المجموعة ( الميت الذي ضاع – الوهم – الزحف الأبيض – الزمن الأسطورة – قطرة دم – الأمل الذي أرادت ) كي تقدم تجارب مستهلكة ؛ وفي شكل بدائي جدا .. وبأدوات ضعيفة ، ويبقي أن نقول إن الكاتبة تملك حسا إنسانيا عاليا يمكنها أن تستغله في تقديم تجارب إنسانية عظيمة ، فقط لو أنها اهتمت أكثر بفهم طبيعة الفن الذي تتعامل معه بقوانينه الخاصة جدا .                                                                                            
                                                             (2                                                 ( وقصص ( عبد العزيز مشري)"2" تتسم بالغموض أثناء تناول التجربة الفنية بحيث لا تتبين ما هو الموضوع بالتحديد ، وبالتالي فان مضمون القصص لا يبدو ملموسا علي وجه اليقين ، الأمر الذي يجعلنا نتساءل : هل تستلزم التجربة القصصية ذلك التناول الذي يبعدنا عن الشخصيات ، فلا نعرف أبعادها ، ولا نعرف – بالتالي – مقدار تأثرها بالواقع بما يحمله من أبعاد خاصة ؟ الإجابة علي هذا : لابد للقصة أن تقدم لنا واقعا حيا وملموسا  من خلال الشخصية واللغة والتناول وكافة أدوات الفن القصصي التي هي في المقام الأول وسيلة لتوصيل التجربة ذاتها ، ونجد أن الكاتب  عندما حاول الاستفادة من لغة الشعر  في قصصه ، أدي هذا الاستخدام إلى ضياع المعني ، وأصبح الاسترسال العاطفي هو الغالب ، وأصبحت العبارات نفسها بلا معني وهذا منزلق خطير وقع فيه الكاتب ، فنقرأ مثلا في قصة ( الفارس قديما داخل المدينة ) " حين عاد صاحب الأوتاد كان يحمل بين يديه جذوعا ، ينثرها علي طول الطريق العريض ، يتشبث بأقاصي الملاحم ، ويطارد عناوين الحروب ، ثم يخرج مجدوع الأنف ، لا يري علاقة من أجلها رحل بالأوتاد ).                                                                    
ومن عبارات الكاتب غير ذات الدلالة في قصة ( غزال يلتحف أوراق الماء) يقول : الحوافر تقرع زمن الهبوب ؛ نمزق رحم الركود الصامت ص34                                    
ونجده يأتي – في قصصه – بألفاظ غريبة لا تعطي معني محددا واضحا ولا تحمل – أيضا – جمالا مثل : ( تموسقت) ص41                                         

  وكذلك يلجأ الكاتب إلى التكرار الذي لا يقدم جديدا ؛ ولا يدفع بالأحداث إنما هو استرسال زائد مثل قوله   ( عينا صالح نجمتان يسيل منهما وهج قلبه .. عيناه يسيل منهما وهجا ، جرة حزن طويلة ) ص70                           

           وعناوين القصص لا تحمل دلالة ، والعنوان في القصة عليه ألا يفصح عن الموضوع ؛ وعليه – أيضا – ألا يكون غامضا لا دور له                                           .
أما عن اللغة فهي  - بشكل عام – ينبغي أن تكون مختارة ؛ وتؤدي دورها كاملا في توصيل ما يريد الكاتب أن يوصله لنا ، والقصة الحديثة في مسار تطورها ؛ وفي محاولة تميزها تعتمد علي دلالة اللفظة إلى حد بعيد ؛ فلم يعد السرد العادي والتكرار هما الشكل الأمثل للاستخدام اللغوي بل أن القصة الحديثة تبحث لنفسها عن اللفظة التي تحمل التوتر داخلها ، وعلي الكاتب أن يجهد نفسه أكثر في اختيار الاستخدام الأمثل للغة القصصية التي هي الوسيلة الأولي لتوصيل المعني ، ولقد جاء في تقديم الناقد      ( علي الدميني) لتلك المجموعة    قوله : إننا أمام القصة العواطف ؛ ولسنا أمام القصة الفكر .ص3                                          
ولا أجد مبررا موضوعيا يستلزم مثل هذا التقسيم الذي لجا إليه الناقد ؛ فالقصة في البداية والنهاية توضح موقف الكاتب تجاه الحياة بوجه عام وهي – بالتالي – تحوي في داخلها العاطفة التي تستلزم الصدق ، ولو أنها فقدت إنسانيتها لتاهت وتاهت معها الحقيقة ؛ وكذلك فإنها تحوي الفكر الذي هو فحوي الموضوع المتناول ؛ وهذا التقسيم فيه تعسفا يجعلنا نقف حياله موقفا لاعادة النظر والمراجعة .                                                                               (3)                                          
                                                                                                                                     والقاص ( محمد علي قدس ) يعد واحدا من المتمردين علي الشكل التقليدي للقصة يحاول في مجموعته القصصية الثالثة ( هموم صغيرة )"3"  أن يعكس بعض ملامح التجديد ، اللغة تغلفها روح الشعر وإيقاعاته ، ويعتمد علي إبراز الدلالة أكثر من اهتمامه برسم الموقف القصصي أو بناء الشخصية ، واللحظة عنده قصيرة في محاولة للتخلص من رتابة السرد القصصي ، بالإضافة إلى أنه يستفيد من أدوات القصة الحديثة كالمونولوج والتداعي .                    
- والقضية في قصص المجموعة حاضرة ، لأن التجارب تعبر  - في مجملها – عن الإنسان وطموحاته واصطدامه من أجل تحقيق الطموحات حتى   أقلها وأبسطها .                       
وفي المجموعة قصص يتضح فيها الأثر المصري – إن صح التعبير – وأعني بالأثر ؛ أن الكاتب كتبها وكأنه في مصر وليس في السعودية ؛ ويتمثل هذا في : وجود المثل الشعبي العامي المصري مثل ( ما ينوب المخلص ألا تقطيع هدومه ) .. في قصة ( في الفم دم وتراب ) يقدم بطله وهو تائه وحائر ؛ يبحث عن الحقيقة ؛ ويؤكد قيم الحب والجمال ؛ لكنه يصطدم بالآخرين الذ ين يجهضون فيه كل الآمال . فهو يشاهد صراعا بين اثنين لا تربطه بهما أية علاقة ، لكنه أندهش لهؤلاء القوم الذين يقفون وهم يشاهدون الصراع ؛ يتساءل في عجب ( كيف يحلو لأولئك الجبناء الأوغاد  رؤية صراع كهذا ؛ كأنهم يستمتعون بمشاهدة ( ديوك) تنقر في حرافة وإتقان رؤوس بعضها ؛ هم والله ليسوا ببشر ) ص14                             
-  وشمر عن ساعديه ؛ ودخل الصراع للعمل علي إنهائه ؛ لكي يناله من الأذى الكثير وتتهمه الشرطة ؛ ويتحمل وحده مسئولية ما حدث وما يحدث لا لشيء إلا أنه أراد أن يكون إيجابيا في الفعل .
والكاتب لم يكن همه أن تأتي التجربة ترجمة للمثل العامي المصري ، بل جاءت تعبيرا عن حقيقة عامة مؤداها : ضياع الحقيقة لغلبة الأفعال السلبية في الحياة المعاصرة علي الأفعال الإيجابية المسئولة .
ونجده – كذلك يستفيد من الأغنية العامية المصرية في قصة ( تداعيات شوق عند الغروب ) . حيث نجد البطل المحب يتداعي متذكرا تلك الحبيبة المجهولة لنا ، والمعلومة لديه ؛ يبثها أشواقه وأحزانه ؛ لحظة غروب الشمس ، يتناجي مع تلك الأغنية الهامسة التي تدعو إلى ( عد أوراق الشجر .. عد النجوم .. عد حبات المطر . عد البشر ) .               
  ويستمر التداعي ؛ إلى أن يبتلع الأفق قرص الشمس ، إذن هي لحظة قصصية جاءت من جزء ضئيل من الزمن ؛ نجح القاص في التعبير عن مشاعر بطله وما يجيش في نفسه ، وواضح تأثير العامية المصرية علي اللغة القصصية لديه ، فنراه مرة أخري يلجأ إلى الأغنية ، فها هي أغنية         ( وتعال شوف أد إيه بحبك ) يضعها داخل السرد القصصي الفصيح ؛ وفي الوقت نفسه يأتي بمفردات فصحي لا تستخدم كثيرا في حياتنا المعاصرة مثل : برصاء في عبارته ( الشمس برصاء) ص19 _ يتموسق في عبارته ( ينسكب في أعماقه .. يتموسق مع الحزن والوجد ) ص30
ونجد تأثره بالقصيدة الفصحى العربية كما في قصة ( المهر الحرون) يعبر – من خلالها – عن تناقض العواطف واختلاف النظر إلى المشاعر ومحاولة ترجمتها ، فالرجل في القصة يشعر أن ارتباطه بتلك المرأة هو قدره لا أكثر ، والمرأة في القصة تريد منه التعبير عن حبه , وتحسب عواطفه –  لغياب ما تريده منه – بليدة . تقول ( كنت أري العيب في انتمائك للخيال إلى الحد الذي أبعدك عن الواقع . لكني اليوم أري فيك عيبا شائنا . وهو أنك بليد العواطف .. أريدك أن تجهر بجنون حبك لي ، وتعلن للناس بأنك لي ؛ تقبلني في جنون جهارا ، وتلثم الأرض التي أقف عليها ، لأمتص غرورهم ) ص26                       
لكن البطل عاجز عن تلبية احتياجات المرأة إلى العشق والحب ، وهو يشعر  - بالتبعية – بغياب
    
 عواطفها تجاهه .                
كل يحس بنقص ما ، لكن لا يحدث التقاء في المشاعر ، لغياب المصارحة والعفوية في العلاقة ، انه ميراث للنظر المتخلف لطبيعة العلاقة بين المرأة والرجل في الشرق ، عبر عنه الكاتب بلغة شعرية أفسدها في أحيان صوته ككاتب يقول : صمت ، وهل للمهزوم غير الصمت ) ص26 . ويكرر نفس الجملة ص27                   
-  وعن تأثره بالأغنية العربية الفصحى يقول في إحدى قصصه : ( قال وهي تنظر إليه مسبلة أهدابها ، وشعرها يسافر في كل الدنيا كما وصفه نزار ( ص25                                   
ونري أن قصة ( قراءة في وجه حبيبتي) تخرج عن نطاق القصة بمفهومها الفني فهي لوحة عشق لمدينة جدة كتبها القاص مقالا في صورة أدبية ،وليست مقالا قصصيا ، فالمقال القصصي  شيء والقصة القصيرة شيء آخر ، انه شيء أقرب إلى النمذجة الصحفية منه إلى القصة القصيرة .                                 
وفي قصة ( وتوالي سقوط الأشياء ) يعبر الكاتب  - من جديد – عن أزمة الإنسان المعاصر في مواجهة أشياء لا دخل له فيها بحثا عن الحقيقة ، كما حدث في قصة ( في الفم دم وتراب ) البطل يري حادثا لعربة انقلبت ومات سائقها ، والمحقق يستعين به ، وصولا لحقيقة الحادث لكن البطل يشعر بالخوف والارتباك ، فيلحظ المحقق هذا فيخبره ( عليك أن تفهم أولا وقبل كل شيء أنك هنا كشاهد وليس متهما ، لا داعي للخوف والارتباك ، يمكنك أن تقول أنك لم تر شيئا البته وينتهي الأمر .. الخ ) ص32 وكن البطل يسرد ما حدث وتنتهي القصة وهو علي حالة من الارتباك والارتعاش .                          
والتعبير عن حالة الضعف الإنساني نجده في قصة (المتسلط) فالإنسان ضعيف أمام الموت ، مهما كان قويا أو متسلطا ، فحامد الزعفراني يسميه الناس ( حامد الشراني ) لأنه متسلط ويأتي أفعالا كلها افتراء وتسلط " بورقة صغيرة قلب بيتا من البيوت رأسا علي عقب ، كان متسلطا حتى علي ابنه ، أرغمه علي تطليق زوجته التي انتفخ بطنها بحمل ، هو ثمرة زواج قصير ..) ص42                                           
لكن حامد الزعفراني يضعف ويحزن حزنا يهد الجبال – علي حد تعبير الكاتب  -  عندما يموت ولده الوحيد ، ولكن القصة مليئة بالعبارات التقريرية والمباشرة ، وتعليقات الكاتب مثل ( حامد الزعفراني بشر بشر وان تحجر قلبه ) ص45                      
( حينما تتداعى أمامه الآن كل الصور ) ص45                                         
( صمت موحش يسود الشارع ) ص46                                                        
-  مثل هذه العبارات كان يمكن للكاتب أن يعبر عن مدلولاتها بمواقف قصصية أو بفعل درامي داخل السرد القصصي ذاته ، يحدث تلك الهزة المطلوبة داخل المتلقي ، ويحدث – كذلك -  الصدق الفني معيار العمل الجيد .                          
أما قصة العنوان ( هموم صغيرة) ، فيعبر فيها الكاتب عن غيرة الزوج من ولده الصغير ، لأنه استولي علي حب المرأة الزوج ، وظن الأب أن الطفل قد شاركه في حب المرأة ، فعاش هذا الهم ، لكنه -  في الواقع -  هم صغير جدا ..                    
 إن هذا الموقف يذكرنا بمسرحية الكاتب النرويجي ( هنريك ابسن ) " أيولف الصغير " الزوج وزوجه معا ، وشهوة ( ريتا ) الملتهبة تشتعل ، وتود أن تمتلك زوجها وأن لا يشاركها فيه أحد . ولهذا تكره الكتاب الذي يؤلفه ، وتغار من آيولف الصغير ، وتتمني لو لم تكن قد ولدته ، بل تلمح إلى رغبة آثمة .                  
 _ وصوت الكاتب كان واضحا في بعض أجزاء القصة مثل : ( إحساسك بالظمأ يتلاشي حين تجد من يشاركك فيه وهو شحيح ) ونجد كذلك بعض الألفاظ المهجورة مثل : أسيخ في العبارة ( استشعرت كأني أسيخ في مال متحركة ) ص49                       
      وقصة ( الخوف ) تعبير عن حالة الخوف الذي يشعر به الزوج ، الخوف علي مصير زوجه المريض ، الكاتب يعبر عن ذلك الخوف مرورا بكل المعاني الإنسانية النبيلة التي تكشف عن حب ذلك الزوج لزوجه ، والزوجة المريضة لا يهمها من  أمر مرضها شيئا ، فكم هي سعيدة بحب زوجها لها واهتمامه بها ( تعلقه بها ، تدفع حياتها ثمنا لنبضة حب وخوف ، نبض بها قلبه من أجلها ) ص58                         
      وفي قصة ( ويكبر السؤال ) يعبر الكاتب عن تلك الشجون التي يحياها بطل القصة ، حيث مات والده وقد تركه في كنف عمه ورعايته ، العم يعامله معاملة سيئة والوالد يتساءل لماذا ؟؟ وأبوه قد ترك مالا كثيرا ومتجرا ، لكن العم استولي علي كل شيء ويعمل الولد في متجر أبيه كالأجير . ونلاحظ أن صوت الكاتب كان واضحا في بعض عبارات القصة مثل : ( وما أكثر المرات التي يصاب فيها حلقه بالجفاف ) ص63 و( الظلمة الحالكة ) .                             
وعلي العكس من تجربة ( قراءة في وجه حبيبتي ) تجيء قصة : ( البحث عن مرفأ  آخر ) رغم اتفاق الموضوع ، وأعني به ( حب الجدة ) حيث نري الكاتب وقد وضع التجربة في قالب قصصي ، فالبطل   يتعرف   أثناء السفر بالطائرة علي امرأة يحادثها وتحادثه فنعلم أنه قد ماتت زوجته منذ فترة وهو يبحث عن مرفأ يستريح إليه ومن خلال الحوار الذي اعتمدت عليه التجربة يقرر أن مرفأه القادم    ( جدة) . المرأة والوطن وجهان لعملة واحدة ، هي حب الانتماء لشيء محبب إلى النفس .                                                           
ولكن ما يعيب هذه القصة  -  من زاوية المعالجة الفنية – هو المباشرة في اختيار الموضوع ذاته ، والنهاية كانت أداة لهذه المباشرة ، يقول فيها : ( وتطلعت نحوي وفي عينيها إشراقة أمل .. فاستطردت قائلا ( جدة مرفئي القادم ) .                                      
 وحب الكاتب لمدينة جدة  يظهر تأثيره في أغلب قصص المجموعة . ، فالمرأة البيروتية في قصة          ( أحزان امرأة بيروتية ) جاءت   إلى جدة هربا من الحرب والدمار ، فقدت زوجها وابنتها وبقية أهلها ، جاءت لتأمن من الخوف ، طفلها علي صدرها ص74                                                          
-  ولكن ظاهرة وضوح صوت الكاتب في قصص المجموعة ، يتضح  - كذلك – في هذه القصة مثل عباراته : ( ما أقسي أن يصبح الوطن كفنا لأهله ) حزن بيروت يصبح موال قهر يتغلغل في الأعماق ، يصبح سكينا ملتاثا يخترق الصدور ، حزنها يتفجر في اللحظة ص73 .                                   
ويبقي في النهاية أن نقول انه ينبغي علي الكاتب أن يتخلص من تلك المباشرة والخطابية التي تجيء بسبب حضور صوته ككاتب ؛ فلو راعي هذه النقطة فسوف تكون تجاربه القادمة أكثر نضجا وأكثر فنية ؛ خاصة أنه يملك قدرا كبيرا من فهم العلاقات والقدرة علي تحليلها بالإضافة إلى وعيه بطبيعة العمل الفني محل الإبداع .  
                                                                            ( 4)                                                 
                                                                                                                                       وعن المحاولات الأولي في كتابة القصة في المملكة العربية السعودية ؛ يحدد الناقد السعودي د. منصور إبراهيم الحازمي في كتابه ( فن القصة في الأدب السعودي الحديث )"4" أن هذه المحاولات تعود علي وجه التقريب إلى نفس التاريخ الذي تحدد بظهور محاولات القصة الطويلة ، إذ ظهرت أولي محاولات القصة عام 1926 ؛ حيث كتب ( محمد حسن عواد) في كتابه " خواطر مصرحة " -  في ذلك العام – قصة قصيرة أو محاولة قصصية بعنوان ( الزواج الاختياري ) ويخلص إلى أن نشأة القصة السعودية القصيرة كانت نشأة قلقة متعثرة ؛ تنظر إلى التراث مرة و إلى القوالب الحديثة للقصة مرة أخري ؛ وهي في بداياتها من الناحيتين الزمنية والفنية لا تختلف كثيرا عن مثيلاتها في معظم البلدان العربية الأخرى ، وتأتي مجموعة ( لا ليلك ليلي ولا أنت أنا ) "5" للقاص " عبد العزيز صالح الصقعبي " وهو واحد من الكتاب المنتمين إلى نادي الطائف الأدبي  الذي يقف إلى جوار المواهب الأدبية الشابة وقفة جادة وأصيلة ؛ يأتي هذا الكتاب لكي يؤكد علي  شيئين أولهما:  أن هناك من الكتاب الجدد من فهم طبيعة هذا الفن ، فلم يقع في أخطاء وقع فيها من سبقوه من كتاب القصة ( الرواد) وهذه مسالة تؤكد حرص الكاتب الجديد علي أن يتعدي من سبقوه ، خروجا عن دائرتهم المحددة ؛ وبحثا عن طريق جديد يري فيه كتاباته المتميزة .                                      

والشيء الثاني : هو وقوع هذه المجموعة في كثير من الأخطاء الإبداعية التي يقع فيها كل كاتب مبتدئ لا يحاول الاستفادة من إنجازات القصة المعاصرة في العالم وفي مصر -  بوجه خاص – وأقول مصر ؛ لدورها الرائد في هذه النقطة ؛ إذ نري الكاتب السعودي  ( أحمد السباعي ) يقول :                                   

أعترف لكم أن مصر بصحفها ومجلاتها ومؤلفاتها ومحطة إذاعتها وقادة الفكر فيها علي العموم أساتذة لنا . ويوافقه علي هذا الرأي الكثير ، ويرجع البعض الآخر مصادر الاستفادة في التطور الإبداعي في السعودية إلى الأدب المهجر ثم الأدب المصري . أقول هذا الكلام مؤكدا ضرورة اطلاع الكاتب الجديد في المملكة علي إنجازات القصة الحديثة في العالم ومصر خاصة ، لتوحد الهموم والمشاعر المشتركة لأبناء المنطقة العربية .                            
-  والمجموعة تحتوي علي خمس وعشرين قصة تتناول قضية الإنسان وأزماته الذاتية في مواجهة المثال .                                                                                                                   
 فمثلا في القصة التي تحمل المجموعة عنوانها ( لا ليلك ليلي ولا أنت أنا ) يقدم الكاتب موقفا تقليديا في أسلوب قصصي باهت ، فالزوجة تتزوج من رجل كبير في السن ، ضعيف ومريض وصاحب ثروة طائلة ، يموت ويتركها وحيدة في هذا العالم ، أرادت أن تعود لمن أرادها يوما زوجا له ، لكنه   ( كان أضعف من أن  يبقي رغم أنها لم تطلب منه بل طلب هو منها أن تشاركه وأدت عمله بإخلاص ) ص72                       
وفي الجزء الثاني من القصة يقدم الكاتب وجهة نظر البطل ( المحب القديم ) انه لن يتزوج بتلك المرأة ؛ لأنه يتساءل : كيف أنظر إلى بقايا تزوجت قسرا رجلا في عمر أبيها ؟؟ ص72 وعليه فهو يتركه في وحدته رافضا الاقتران بها . والكاتب يقدم قصته _ وغيرها _ من قصص المجموعة في أسلوب تقريري مباشر يغلب عليه صوته الخاص ، ولكنه ينجح في قصة ( الليل وهاجس غريب ) في نقل هواجس البطل التي تنتابه في الليل ؛ فهو يحلم بأن يكون صاحب منزل كبير ومتجر يقدم هذا من خلال لغة بسيطة وموحية برغم وجود بعض التراكيب المستهلكة والمباشرة ؛ وحالة الحلم أيضا تنتاب بطل قصة  ( آمال واهية ) والموضوع تم بمعالجة مكررة لا جديد فيها .                                                                    
 ورحلة البحث هي سمة من سمات قصص كثيرة في هذه المجموعة مثل ( البحث عن التراب )                          
و( السراب ) ولا يهتم الكاتب بالخلفية أو الوضعية الاجتماعية أو الاقتصادية أو السياسية التي تحكم كل هذا ، وتقوم بتبرير أفعال الأبطال في القصص فتبقي – في النهاية – تلك الموضوعات بلا هوية واضحة ، وبلا معالم محددة .             
الكاتب يعتمد علي التقسيمات الرقمية في بعض قصصه ، فمثلا قصة ( ممارسة اللعب مع شاب ) يقدمها الكاتب في خمسة عشر جزءا جاءت بطريقة دعائية وخطابية ، ولا يوجد في القصة ما يبرر هذا التقسيم علي المستوي    الفنى وهو في قصة ( الشمس طفلة ) يقدم حالة هي  إلى الشعر أقرب منها إلي   القصة القصيرة، فالقصة القصيرة لها خصوصيتها وليس كل كلام مرصوص يعد قصة ..                       
                      
                                                              (5)
 
    وينتمي القاص(محمد منصور الشقحاء ) إلى الكتاب الذين يحاولون تشكيل ملامح محددة للقصة القصيرة السعودية المعاصرة ، وينتمي – مرحليا -  إلى الجيل الثالث الذي ظهرت إبداعاته في السنوات الأخيرة ، ويضم كتابا كثيرين منهم : سليمان سندي وعبد الله السالمي وحسين علي حسين وأنو عبد المجيد وفهد الخليوي وأحمد إبراهيم يوسف وعلي حسون وسباعي عثمان ولطيفة السالم ومحمد علي دس .. وغيرهم ، والجيل الثالث جاء لاحقا لجيلين سابقين : أولهما يمثله الكتاب الذين ظهرت أعمالهم القصصية في الثلاثينات ومنهم : أحمد رضا حوحو ومحمد علي المغربي ومحمد أمين يحيي ومحمد عالم الأفغاني ؛ وفي تلك الفترة غطي الاهتمام بالشعر علي الاهتمام بالقصة وكان الاتجاه الفني الذي ساد في إنتاج الأول هو الاتجاه الرومانسي ، وكذلك الاتجاه نحو ( الواقعية ) أو     ( الطبيعية ). والجيل الثاني وفيه تألقت أسماء مثل ( عبد الله الجفري ) وعلوي طه الصاوي ود. محمد عبد يماني ود. عصام خوقير وحامد الدمنهوري وخديجة السقاف وعبد الله جمعان وعبد العزيز صالح الصقعبي                          

والقصة – بمعناها الواسع – " معروفة في المجتمع السعودي في مرحلة النشأة ومنتشرة مثل : قصص العرب وأيامهم وحكايات الأسمار والسير والملاحم والقصص الشعري والمقامات وقصص الأمثال والقصص القرآني ؛ وقد كان يصاغ علي منوال هذه القصص ؛ قصص شعبي يتسامر به الناس في البيوت والمقاهي " (6 )    
                وكانت أول أشكال الأسلوب القصصي قد ظهرت في صورة مقالات كتبها بعض الأدباء الشبان في كتابي ( أدب الحجاز ) و( خواطر مصرحة) ( 7)                   
 ويحدد بعض الباحثين أسباب اللجوء إلى كتابة القصص ؛ ونجد علي رأس هذه الأسباب ؛ إحساس       ( الأدباء بخطورة سلبيات الحضارة الغربية المادية علي مجتمعهم الإسلامي ؛ فهبوا للكتابة وهدفهم الأول إيقاظ المجتمع للمحافظة علي قيمه وأخلاقياته ؛ وكانت إحدى وسائلهم كتابة القصص)    " 8 "                     

- ونعتقد أن هذا السبب وحده لم يعد كافيا وواقعنا المعاصر ، ليكون دافعا من دوافع الكتابة ، لأن المتغيرات المختلفة في أي مجتمع تعد من العوامل إلى تحرك دوافع الكتابة ؛ بل وتكون خلفية حاضرة للإبداع ؛ وهذا ما لمسناه في بعض قصص ( الزهور الصفراء) .                                         
إن قصص( محمد منصور الشقحاء ) لم تجيء بمعزل عن كل ماسبق طرحه ؛ فهي وان خالفت بعض القواعد التي استندت إليها أعمال الرواد في المملكة ؛ إلا أنها  -  وبشكل غير مباشر – تعد امتدادا لكل أعمال السابقين من عدة زوايا أهمها : أن الكاتب حاول  - من خلالها – التعبير عن كافة المتغيرات التي أصابت المجتمع السعودي خاصة بعد اكتشاف البترول ؛ ودخول المملكة إلى عصر التقدم التماسا لأسباب الحضارة والرقي ، بالإضافة إلى رصده لظاهرة فرضت نفسها في المجتمع السعودي خاصة بعد الحرب العالمية الثانية ، وأعني بها الهجرة من الريف والبادية  إلى المدينة بحثا عن فرص معيشية أفضل ، والتماسا للرزق .                                              
 - هذا بالإضافة إلى انتماء الكاتب إلى المدرسة الواقعية ؛ تلك المدرسة التي انتمي إليها رواد القصة في السعودية ؛ ممن مثلوا الجيل الأول الذي سبق تحديده .                                         
-   وبقدر ما جاءت قصص المجموعة امتدادا لأعمال السابقين ؛ ألا أنها التمست بعض جوانب التجديد استنادا إلى ما أنجزته إبداعات كتاب هذا النوع الأدبي عالميا وعربيا ؛ وبخاصة معطياتهم في القصة الحديثة شكلا وموضوعا .                           
إذن فالكاتب ( محمد منصور الشقحاء ) لم ينفصل كلية عن سابقيه بقدر اتصاله بهم ؛ ولم ينفصل -  كذلك – عن معاصريه بقدر محاولته الاستفادة منهم ؛ فهو  - إن صح التعبير – ينطلق من القديم بأساليب معاصرة جديدة ؛ وهذا ما لمسناه علي مستوي الشكل والمضمون ، وأيضا في طريقة معالجة الموضوعات . وإذا كنا أوضحنا أن ( الشقحاء ) ينتمي  - ابد اعيا – إلى تيار الواقعية ، فإننا نحدد هذا من أجل الوقوف علي تجاربه والتعرف علي طريقة معالجة الموضوعات ؛ ومدي استفادته من متغيرات العصر ؛ لأننا نعلم أن مفهوم الواقعية في الفن غير واضح بشكل نهائي ، حيث إن البعض يشير إلى أنها طريقة التعامل مع الواقع ؛ والبعض الآخر يقدمها كمذهب أدبي ؛ ولذلك فإننا نجد هذا الخلط الدائم بين الواقعية والطبيعية ؛ ونحن نميل إلى الرأي الذي يري أن ( المدلول الاصطلاحي للفظة الواقعية كمذهب أدبي ؛ لا ينفصل انفصالا كليا عن المدلول الاشتقاقي المستفاد من كلمة واقع ، فالواقعية تسعي إلى تصوير الواقع وكشف أسراره وإظهار خفاياه وتفسيره ؛ ولكنها تري أن الواقع العميق شر في جوهره ؛ وأن ما يبدو خيرا ليس في حقيقته إلا بريقا كاذبا أو قشرة ظاهرية ) "9" 
 
-  وموضوعات الكاتب متعددة ومتنوعة ومعبرة – في الوقت ذاته – عن الإنسان المعاصر في لحظات اصطدامه مع الواقع والحياة ؛ بل واصطدامه مع نفسه والآخرين ، والصراع هو سمة هذه الأعمال ، انه صراع من أجل الوصول إلى أهداف محددة في زمن لا يحدد أهدافا واضحة ، لغلبة العناصر المادية علي العناصر الروحية ، ولغلبة الظلم الإنساني علي العدل الواجب .وبالقدر الذي وجدنا فيه قصصا تندرج تحت الواقعية ؛ وجدنا قصصا أخري لم تستند إلى الواقع استنادا حميما ، بل كان  الواقع في الخلفية تماما ؛ وكانت الفكرة التي يريد الكاتب توصيلها إلينا في المقدمة ؛ فغلبت الفكرة علي الموضوع أثناء المعالجة ؛ وكانت تلك التجارب أقرب إلى التجريدية منها إلى الواقعية  ؛ لكنها ليست تجريدية بحتة لأن الكاتب – كما ذكرنا – كانت عينه علي الواقع ولكن من بعيد . ولذلك فقد غلبت الذهنية علي هذا النوع من القصص .                              
 
وما يعنينا الآن هو تناول القصص التي تندرج تحت تيار الواقعية ، وهي علي الترتيب التالي : البحث عن بقية – في انتظار الحافلة – أهازيج ميلاد جديد – أوراق اليانصيب – رجل يبحث عن وظيفة – أوراق امرأة عاملة – الليل الذكري المرتخية . وهو في هذه القصص قد عالج موضوعات شتي ؛ وقدم أفكارا مختلفة من حيث الرؤية الفنية ؛ فكانت محاولة التعبير عن المتغير الكبير الذي حدث في المملكة ؛وأعني به اكتشاف البترول ، وانعكاس هذا المتغير علي سلوك الشخصية ؛ ونظرتها إلى الحياة والي نفسها ؛ والي الآخرين ؛ كل هذا كان هو المحور الذي اعتمدت عليه قصة ( البحث عن بقية ) وقصة    ( أهازيج ميلاد جديدة ) وقصة ( في انتظار الحافلة ) فالكاتب لم ينفصل عن ماضي وطنه ولم ينفصل – كذلك – عن حاضره ؛ بل انه وضع تاريخ الوطن في ذاكرته باحثا فيه عن دوافع التغيير . فعندما قامت المملكة العربية السعودية في 21 جمادى أول 1351ه -  22 سبتمبر 1932 م ؛ ودخلت البلاد كدولة مستقلة في عصر البناء ؛ نجد أن       " الفترة التي سبقت انتهاء الحرب العالمية الثانية ، كانت الحالة   الاقتصادية البلا د فيها ضعيفة ؛ فموارد الدولة قليلة وعدد كبير من السكان يعتمد علي الرعي والزراعة والقليل منهم يعمل في مجال التجارة ، وكانت الغالبية العظمي من الشعب تحت خط الفقر ، ولم تبدأ الحالة الاقتصادية  في الانتعاش إلا في أواخر عهد الملك  عبد العزيز الذي توفي عام 1373 ه – 1953 م ليتولي بعده ابنه الملك سعود ؛ فيتدفق البترول في عهده بكميات كبيرة ويبدأ في تطوير المؤ سسات التي أنشأها والده ؛ ويتحقق في عهده الكثير من الإنجازات الحضارية ، وتنتعش الحالة الاقتصادية والاجتماعية للمواطنين ، ويستمر  ذلك طيلة حكمه التي دامت عشر سنوات ؛ حيث تم خلعه عام          (  1384   –1964م ) لتدخل البلا د بعد ذلك في مرحلة جديدة .(10 )

- تلك المرحلة طرحت بعض الظواهر الجديدة من أهمها :الهجرة من الريف إلى البادية ونري            ( الشقحاء ) يعبر عن تلك الظاهرة في قصة ( البحث عن بقية ) نجد بطل القصة ( ناجم ) قد أحيل إلى التقاعد ؛ وكان يعمل بإحدى الدوائر الحكومية علي بند العمال ؛ يتجه بعربة أكبر أنجاله إلى القرية التي غادرها في شبابه ؛ متذكرا كل ما حدث له وما مر به من مواقف أثناء جلوسه بجوار ولده ؛ ونعرف أن أباه ( رافع ) قد أكلته الوحوش ذات شتاء حين تاه في الشعاب والأودية حين همس صوت مجهول بأن   ( رافع) قرر سرقة أغنا م جماعته والهجرة إلى الشرق لشراء قطعة أرض يبني فوقها مقهى ؛ ونشأ ( ناجم ) في ظل تلك الظروف القاسية نفسيا واقتصاديا ؛ تزوجت والدته ؛و أنجبت غيره ، لكن ( ناجم ) أراد أن يحقق حلم أبيه القديم ، فغادر القرية بعد أن جلس في صدر مجلس الشيخ بملابس نظيفة وبشت غال الثمن ؛ غادر القرية تاركا ( بشته ) دون رجعة ووصل إلى الشرق وتوجه مع العمال واستخرج بطاقة عمل من إحدى الشركات ثم التقي مع ( جمانة ) التي كان يحبها فتزوجها ، ترك الشركة وافتتح مقهى علي الطريق الجديد واستعان بأطفاله الثلاثة في تأمين طلبات الزبائن ، إلا أنه قرر أن يلحق أولاده بالمدارس وتم له ما أراد واستقر في مسكن صغير في أطراف المدينة والتحق بإحدى الدوائر الحكومية ، لقد استطاع أن يحقق كل الأحلام التي عاشها والده ولم يستطع تحقيقها ؛ كنه اشتاق إلى القرية والي الماضي وعندما عاد إليها لم يجدها ..لجأ الكاتب إلى أسلوب التذكر لكي يحل به المعادلة الفنية الصعبة التي تعطيه فرصة استعراض أكثر من حدث في وقت واحد ، إن   التكنيك الذي لجأ إليه الكاتب يمكن أن يندرج تحت ما يمكن تسميته بتتبع تاريخ الشخصية ولو في حيز ضيق ؛ هو الحيز الذي يسمح بع تكنيك القصة القصيرة ؛ وذلك التتبع وجدناه بشكل ملحوظ في بعض أعما ل ( نجيب محفوظ ) خاصة روايته " عصر الحب" وكذلك رواية  " مجيد طوبيا " ريم تصبغ شعرها "، ومحمد مستجاب وروايته " من التاريخ السري لنعمان عبد الحافظ" وغيرها من الأعمال التي تعتمد علي الشخصية القصصية فتكون هي المحور الذي تدور من حوله كل الأحداث ؛ وما دونها إنما يكون في خدمتها ؛ للعمل علي تطورها نحو الغاية التي تطمح من ورائها القصة .                                              
 وفي قصة ( أهازيج ميلاد جديدة ) نجد الكاتب يعالج نفس الموضوع ؛ فشخص القصة الذي أتم ثمان عشرة سنة من عمره ؛ يرغب في الرحيل حيث الجميع يبحثون عن الذهب ؛ يعيش مع جدته التي أصرت علي مرافقته في رحلة الغربة ، والكاتب يرصد الحالة النفسية التي يكون عليها الاثنين         ( الشاب / الجدة ) وهما في رحلة السفر إلى أرض الذهب ، يرصد – كذلك – ما يحدث من حولهما في المكان ؛ والطريق ؛ حيث الكل يعيش رغبة الحياة التي " هي بدورها دافع للبحث عن عمل ، انهم يذبحون الأبقار في الشوارع ويلطخون الجدران بالبقايا " ص28                                           
وهذا الهرج الذي ساد الشارع حيث تم العثور علي قتيل مجهول الهوية في إحدى الدور الخربة التي يأوي الغرباء أثناء الليل بحثا عن الراحة .
إن الكاتب يحاول التعبير عن تلك المتاعب والمخاطر التي صاحبت التحول في المجتمع السعودي نتيجة اكتشاف البترول ، وتلك الرغبة في تحقيق الطموحات في ظل هذا المتغير الجديد .إن تحقيق الطموحات جاء محاطا بالموت والعذاب ، دعك من الغربة ، ورغم هذا فإننا نجد البطل في القصة سعيد .. سعيد برغم المخاطر التي يراها بعينيه ، وبرغم الصعوبات المحيطة به .                                   
  العلاقة بين الشاب / الجدة ؛ علاقة بين الجديد الراغب دوما إلى التغيير ، والقديم الخائف من المستقبل  المحفوف بالمخاطر والمتوجس من تبعات هذا الجديد المجهول ورغم أنها علاقة تسير في اتجاهين متضادين من زاوية رؤية الواقع ؛ ومن زاوية النظر إلى الحياة ؛ إلا أنها في النهاية تلتقي عند نقطة واحدة هي : حتمية مواجهة المجهول ؛ والبحث عن هذا الميلاد الجديد .                         
ولكن ما يؤخذ علي التجربة – من زاوية المعالجة – هو : أن الكاتب لم يهتم بتعميق العلاقة القائمة بين الجدة والشاب ، رغم أنها علاقة تحتمل   الكثير من الدلالات التي تخدم الموقف القصصي ؛ وكما بينا أنها علاقة تقوم علي قانونين مختلفين تماما في التفكير والحلم والرغبة ، نري شخص القصة في انتظار الحافلة التي ستقله إلى مكان آخر ، تنتابه مشاعر شتي موضوعية وذاتية : المشاعر الذاتية حين استباحت الهواجس واقعه ، فيشعر أن هناك  من يقتلون مرحلة الصحو التي تنتابه ، فيأخذ في الهذر في محاولة لإسكات من حوله رغم المقاطعات الواضحة ، يرصد الحالة التي آل إليها جانب من الوطن يقتلون فيه الجياد الأصيلة والكلاب الضالة ؛ حتى القطط لم تسلم من حجارة الأطفال ، ولذلك فان دكاكين الأطراف الصناعية تكثر في تلك المنطقة حتى يوجد المشوه أو مبتور أحد الأطراف ؛انه يرصد هجرة المزارعين من أرضهم ، حيث تم غرس مداخن ذات دخان أبيض ، البطل وسط كل الهواجس التي تنتابه لم يستطع اللحاق بالشاحنة رغم حرصه علي الرحيل قبل الموعد بثلاثة أيام وهو يسأل عن تلك المرأة التي اعتلت المقعد بجواره ذات مساء ؛ لكنه لا يعرف أين ذهبت عندما صعد إلى الحافلة وجدها تحتل مقعده المدون رقمه في بطاقته ، وعندما حدث عطل في جهاز الحافلة ، تعطلت عن السير ، وظل شخص القصة يبحث عن تذكرته فلم يجدها ، فطلب منه الترجل ، وأفسح له الطريق للعودة إلى   صالة الانتظار . الشاحنات أقلعت أمام عينيه فارغة ، فهم لا يريدون تأخير الرحلة ، ويعود شخص القصة إلى صالة الانتظار باحثا عن اسمه في قائمة الأسماء ، لكي يستطيع أن يستقل حافلة جديدة ، وعندما يشير وموظف شباك التذاكر إلى اسم المرأة التي وضع تحته خطا أحمر ، سائلا إياه : أليست هي ؟؟إلا أن شخص القصة لا يتذكر  أسمها ومن ثم ينفي أنها هي ..ويشك الموظف أن شخص القصة معه أطراف صناعية ، إلا أنه ينفي ذلك لقدرته علي الحركة وحمل الأشياء ، ويتسلم البطاقة لكنها لم تحمل رقم المقعد أو المكان المخصص .                                           
والكاتب ( محمد المنصور الشقحاء ) يحاول التعبير عن البراءة المفقودة في في عالم الكبار المليء بالعنف والدمار والكراهية ؛ إن البراءة تسحق بأقدام هؤلاء الذين لا يريدون لها أن تحبا في عالم جميل ؛ كل هذه المعاني نجدها في قصته : ( أوراق اليانصيب )"11" فهو قد التقط موقفا عالجه بذكاء ؛ وبأدوات فنية حققت جوانب جيدة أثناء المعالجة انه يعبر عن موقف الطفل تجاه ما يحدث حوله ، موقفه أمام نفسه وأمام الآخرين .. الآخرون جاءوا إلى المبني الكبير في عربة ( جيب) محملة بمتفجرات  وقفت أمام المبني الذي انفجر وتناثر الغبار في الفضاء ، ومات بعض الناس والطفل لم يهتم بأوراق اليانصيب التي تناثرت علي الأرض أثر الانفجار ، بقدر اهتمامه بالبحث عن تلك الفتاة التي دخلت مع رفيقها إلى المبنى ( قبيل الانفجار ) انه يخشي عليها من الموت ، لأنها اشترت منه بعض أوراق اليانصيب وتنازلت عن بقية القطعة النقدية له ، بعد أن مسحت علي شعره ، إن لمسة الحنان أثلجت صدر الصغير ، انه لا يعلم أنها هي التي قامت – ورفيقها – بنسف المبني ، ما أن رآها ورفيقها حتى أخذ يعدو وراءهما ، لكنها ظنت به الظنون   ( فاكتسي وجهها الأشقر بالفزع ، وأعدت العربة للانطلاق ثم تأملت رفيقها في المقعد ، كان صامتا ، تجلدت تقاسيم وجهه ، تحجرت أطرافه ، وأنصب نظره علي الصبي الذي أخذ يقترب من العربة ، راقبت اتجاه نظرات رفيقها المتجلدة ، لم يبق للصبي سوي خطوات ويلامس العربة وهنا رفعت قدمها من فوق الكابح ، ومرت العربة فوق جسد الطفل الذي تضرج بدمه وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة ) ص44                                                     
-  تعبيرات الكاتب جيدة  ، وألفاظه ذات دلالة ؛ والقصة مفعمة بالموقف الذي أعطاها قيمة إنسانية عالية ، إلا أن ما يؤخذ علي المعالجة  - في جانب منها – هو   الغموض الذي أحاط بالمرآة وزميلها وعربة الجيب ، من أين جاءوا .. ولماذا قاموا بكل هذا ؟؟ بالطبع لا نريد أن يقدم لنا الكاتب تفسيرا لكل شيء في التجربة ، ولكن عليه ألا يتركنا لا نفهم بعض ما يحدث . فعلي حد تعبير ( فرانك أوكونور ) إن القصة القصيرة " قادرة علي التعبير عن الوعي الحاد بالتفرد الإنساني ، تفجر طاقات الموقف الواحد بتسليط الضوء علي نقط التحول فيه ، فمن يقف علي المنحني تتاح له رؤية اتجاهي ا لطريق والذي يفجر نقط التحول في الموقف الواحد يتاح له أن يجمع الماضي والحاضر والمستقبل في بؤرة واحدة ماثلة للعيان ، بحيث تظهر هذه الأزمنة  وكأنها لحظات معاصرة " (12)  
-  في قصة ( رجل يبحث عن وظيفة ) نجد الكاتب يتعرض لموقف شخص القصة " أحمد " الذي يستعد للدخول إلى صالة الامتحان ، باحثا عن موقع في كادر موظفي الدولة ؛ حيث انه قرر التخلي عن وظيفة علي بند العمال ، استطاع الحصول عليها بواسطة ، لكي يعمل موزعا لصور المذكرات الرسمية في إحدى الإدارات الحكومية للحصول علي وظيفة داخل الهيئة ، لكنه يدخل الامتحان للمرة السابعة ، ونعرف من خلال السرد القصصي أن هذه الشخصية تعيش حياة أقرب إلى الفوضوية منها إلى النظام ، حيث يشعر أن النظام قبر والتعليمات غرف من الجبس ، واثناء الامتحان يتذكر العديد من الأشياء التي تبعده عن أوراق الإجابة ، وتقربه من نفسه ومن ذاته ، فهو يتذكر تهديد القتل الذي دائما ما يسمعه في داخله ، وبحثه عن الحب الضائع ، وأخبار سرقة الأطفال ، وبيعهم في أماكن كثيرة من العالم ، ويتذكر – أيضا – موقف الدولة المنظمة لمسابقة في الكرة ، تجاه الدولة التي فاز فريقها بالمركز القومي ، وكيف أهملت هذه الدولة ذلك الفريق بسبب الخلافات الأيديولوجية بين الدولتين ، تذكر كل هذا ، فابتعد عن جو الامتحان ، ولم يضع شيئا له قيمة في أوراق الإجابة ، فنفرت ( دمعة أخذت تنساب علي خده ، وتذكر أنه لم يبق علي نهاية المهلة لتقديم أوراق الإجابة سوي عشر دقائق ؛ وهنا أغمض عينيه ، وأخذ يملأ الفراغات بدون مبالاة ، ثم نهض من المقعد وقدم الورقة ملطخة بخطوط وفراغات في غير مواقعها ، ثم وقع في كشف تسليم الأوراق وخرج إلى الزحام ) ص49/50                                                        
-  وما يؤخذ علي هذه القصة الاستطرادات والتفصيلات التي لجأ إليها الكاتب فجاءت خارجة علي الإطار النفسي المحيط بشخصية شخص القصة ، فالأمر كان يتطلب من الكاتب الاهتمام بالتعبير الداخلي وليس الرصد الخارجي ، إن الاستطرادات والتفصيلات والمقاطع المتعددة عملت علي جمود السرد القصصي، وأدت إلى استاتيكية اللحظة التي أراد التعبير عنها .                                                                   
إن الشخصية التي أوردها الكاتب – في قصته – كانت تتطلب منه الاهتمام بالداخل ، حيث إنها شخصية تعيش في وسط نفسي مقبض ومحبط ، إن أحاسيس هذه الشخصية تنطلق أول ما تنطلق من الذات ، ولكن الكاتب لم يهتم بالتعبير عن هذه الذات ، وعندما يلجأ كاتب القصة -  بشكل عام – إلى الشخصية ، فان الشخصية تصبح ذات أهمية عالية في القصة ، ولابد أن نميز بين الشخصية السطحية والشخصية الممتلئة الكاملة ( فالفرق في طرق المعالجة لا ينطوي في التفصيل المتوافر في صورة الشخصية فحسب ، ولكنه يتناول أيضا المعني الذي لدينا عن فردية الشخصية في تطرفها وتفردها) "13"               
          - وعن المشكلات التي تواجه المرأة العاملة تجيء قصة          ( أوراق من يوميات امرأة عاملة ) والتي لجأ فيها الكاتب      ( محمد الشقحاء ) إلى أسلوب المذكرات في سرد أحداث قصته ، وهذا الأسلوب إذا لم يكن الكاتب علي وعي بطبيعته الفنية أثناء المعالجة ، أصبح عبئا عليه ؛ لأنه يقع – بواسطته  . في هوة المباشرة والصوت العالي والخطابية لغلبة الذاتية علي الموضوعية  . وهذه العيوب قد لمسناها – بالفعل – في هذه القصة ، فالمرأة تعبر عن كل ما يعتمل بداخلها من مشاعر شتي علي الأوراق فنعلم أنها تتعرض لأحداث مضي عليها مدة طويلة تبلغ عشرة أعوام ، تعيش مع والدها بمفردها بعد وفاة أمها ، تركها زوجها وحيدة مع أولادها الثلاثة بعد أن  رفض زوجها تطليقها أو الصرف عليهم ، وقد رضيت بهذا الأمر خفا من أخذ الأولاد منها ن ولأن الأمر هكذا فإنها تشعر بالوحدة والخوف معا .تعيش هذا الإحساس بعد أن وجدت في عيون من حولها الشك في تصرفاتها كامرأة مثقفة ومتعلمة وموظفة ( تستطيع من خلال ما تلقنته من المدرسة أو الجامعة أن تفرق بين العمل الطيب والعمل السيئ  المكروه الذي يفقد الإنسان كرامته ) .   
 تزوجت في البداية عبد الرحمن كرها ، فلم تكن راضية عنه ، أجبرها أبوها علي هذا الزواج حيث إنها اكتشفت أنه يشاركه – أي الأب – السهرات التي لا تخلو من المحرمات في نهاية كل أسبوع خارج المدينة ، وهي وسط هذا كله وبعد مرور أربع سنوات واصلت دراستها حتى أصبحت موظفة ، ورغم  هذا فزوجها لم يكن لها احتراما ، إلى أن تسرب الشك إلى نفسه بسبب اعترافها له بأن صديقا له يتصل بها عن طريق التليفون يواسيها في المحنة التي تحياها ، يتهمها الزوج بالخيانة ويعتدي عليها بالضرب محدثا بها عدة كدمات ،و رغم هذا ترفض تقديم بلاغ إلى الشرطة ، إنها تسرد كل هذا  بعد عشر سنوات من الزواج ، والزوجة الابنة لا تريد من والدها أن يعتذر لإحساسها بأنه لو أعتذر فلن يكون هناك شيء تعيش من أجله . إن الكاتب يتعرض للمتغيرات الجديدة التي تركت تأثيرها علي المرأة تفكيرا وسلوكا ، وفي نفس الوقت فانه يقدم نموذجا لامرأة مغايرة .                                   
ومن القصص الجيد في مجموعة ( الزهور الصفراء) تأتي قصة ( الليل الذكري المرتخية ) أجاد فيها الكاتب تصوير المشاعر ، ورسم الجو العام المحيط بالجدث القصصي ، بالإضافة إلى تدفق لغة السرد بشكل طبيعي دون تدخل -  إلى حد بعيد – من الكاتب .شخص القصة ( عابد)  في ليلة عرسه مع هناء  ( جميلة بنات الحي وكبري بنات جابر ، مثقفة وتعمل معلمة بإحدى المدارس الأهلية ، تساهم بقسط وافر من أسهم الشركة التي أقامتها ) ص61 وهو يحمل قرار تعيينه في إحدى الإدارات الحكومية بعد أن شارك في الامتحان الذي أعلن عنه ديوان الخدمة المدنية ، والقاص يحاول التركيز علي نقطة واحدة في القصة وهي : تفجير الذكري المرتخية داخل( عابد ) والتي ظلت قائمة داخله منذ خمسة عشر عاما ، وموضوعها أنه كان يقيم مع مجموعة من رفقاء الليل ، إذ تسللت سيدة من سيدات دار الشيخ إلى دار       ( عابد ) بحثا عن" الحياة التي فقدتها وراء البوابة الحديدية الكبيرة "  ص62 ودخلت هذه المجموعة السجن بعد أن داهمتهم الشرطة , وعلي الرغم من أن (عابد) كان بمفرده ، إلا أنه أنكر وجودهم ولأن لهم سوابق فقد تم الوصول إليهم ومواجهتهم بما تم العثور عليه من ممنوعات . و( عابد) يعيش حالة الإحساس بالمهانة  ، حيث دار الهمس في الحي بأنه اعترف علي رفاقه حتى لا يسجن مدي الحياة ، كل هذه الأحداث يتذكرها وكان مفجرها ذلك الشيخ الخرف الذي لا يدري أحد من أين جاء ، حيث ( وجده الجميع أمامهم يجلس في صدر المجلس يرحب بالقادمين ، يسائل جلساءه عن الأهل والصحة ، وعندما رأي عابدا الشيخ ظن أنه هو نفسه الذي كان يسكن في إحدى الدور ، وظن أن رفقاء السوء جاءوا من أجل معاكسته والوقوف في طريق سعادته التي سوف تتحقق مع زوجته    ( هناء ) رغم معرفته بأنها مطلقة ، اكتشف زوجها أنها ليست عذراء . ظلت كل هذه الهواجس تدور بداخله ولم يخرج من شروده إلا بعد أن جاءه الرجل مادا يده يشده الي صدره ( انهالت دمعة صغيرة فوق خد عابد ، تأملها الرجل قليلا ثم رفع يده ومسحها بأنامله واحتضن عابد مرة أخري وهمهم بصوت متهدج مبارك يا ابني ) ص64                                       
إن الكاتب في هذه القصة يعبر عن فكرة الإنسان في مواجهة الخوف ، وكيف أن الخوف ربما يأتي لأسباب حدثت في الماضي ولم تحدث في الحاضر ، ويمكن للقصة أن تطرح فكرة الإنسان عندما يكون أسيرا لماضي مدنس في حياته ، وكيف أن هذا الماضي يظل يطارده فيفسد عليه حلاوة الحاضر ، معاني كثيرة تطرحها هذه القصة ، وهذا هو سبب من أسباب نجاحها . أجاد الكاتب متابعة التوتر النفسي للشخصية بشكل جيد .                        
أما عن القصص التي جنحت إلى التجريدية ، بمعني أن الأفكار كانت هي المحور الرئيسي الغالب أثناء المعالجة ؛ وربما تكمن أسباب هذا الجنوح – في اعتقادي – إلى محاولة الكاتب مجاراة التجارب الجديدة في القصة ، تلك التجارب التي حاولت الخروج علي القواعد الكلاسيكية ، بالإضافة إلى اصطناع أساليب وطرق جديدة للمعالجة .                                        
إن البحث عن الجديد لم يأت من فراغ.                                               

ومن عناصر التجديد التي لجأ إليها ( الشقحاء ) ما يتعلق بالشكل الفني ، ومنها ما يتعلق بأسلوب العرض القصصي ، ففي الشكل الفني لجأ في قصتيه إلى ما يعرف بالأقصوصة أو ما يسمي ب (ا لقصة القصيرة جدا تلك التي لا تتعدي مساحتها صفحة أو صفحتين صغيرتين . في قصتي ( النار وأعياد الميلاد ) و( الصورة ) ونجده  يلجأ إلى المونولوج الداخلي في قصتي ( النار وأعياد الميلاد – رجل يبحث عن وظيفة )  ، أيضا يلجأ إلى ( المونتاج )  وهو وسيلة من وسائل الفن السينمائي .                                            
- كيف قام بتوظيف كل هذا ؟؟                                          
- في قصة ( هروب ) يصور الكاتب حالة الهروب التي قد يعيشها الإنسان لأسباب تتعلق في المقام الأول بما يعتما في نفسه من شجون وأحاسيس شتي ، فالشاب يركب مع الحسناء العربة ( تحركت العربة ، لم ينبس السائق بكلمة ، كأنه يعرف الوجهة التي يقصدونها ، فجأة توقف ، ثم التفت إلى الخلف ، فإذا بالمقعد خال وأوراق بيضاء متناثرة فوقه                                                                                                                     ، تحرك قليلا من موقعه حتى وجد مكانا أمينا ) ص33
      إن شخص القصة في مواجهة المرأة لا يملك تفسيرا لهروبها  المفاجئ منه ، إنها تذكره بسهام التي التقي بها يوما وكانت تقذف الحجارة في جميع الاتجاهات ، فتخلق الشغب في شارع الحي الرملي ، إنها تزرع الخوف في العيون ، أما هو فقد كان فتاها الذي تختفي معه عن العيون ، حتى اختفت فجأة منه . البطل محاصر بحالة الفقد في الماضي والحاضر ، في الماضي حيث فقد الحبيبة ( سهام) والحاضر حيث هروب الحسناء من العربة ، علي الجانب الآخر نجد الفتاة التي تقف مع رفيقة لها في انتظار الحافلة تبحث عنه وتقول : كان يقف هنا           ص34                                     
إنها – كذلك تشعر بأنه قد هرب أو فقد منها . انه الفقد الناتج عن هروب الإنسان من نفسه ، ومن الآخرين ، ربما لأنه محاصر بالموت ، ذلك الذي يرسم له الكاتب صورة أقرب إلى الفن التشكيلي منه إلى التعبير القصصي للرغبة في إعطاء الدلالة المباشرة والحادة ، إذ يقول ( لأنهم يغرقون المقل في الكحل الأسود ، لتبدو مستديرة تسبي عيون الناظرين ، كما يجب أن يكون لها محور ارتكاز وبداية انطلاق لترسم خطوطا عرجاء محدودبة فوق الزفت ، تقشع ما سبقها من رسوم تسابق أصحابها علي إلقاء أجسادهم أمام العربات المارقة ليرسم الدم المتطاير من الشرايين صورا صادقة لواقع مؤلم )  ص               
ويقدم الكاتب ( محمد منصور الشقحاء ) في قصته: الزهور الصفراء "14" حالة أقرب إلى الحلم منها إلى الواقع ، حيث إن الزهور الصفراء تهتز في خيلاء معربة عن النشوة القادمة من الشمال ،و أزاد شخصية القصة تتجول في غرفتها ، يأتيها شقيقها الصغير بزهرة صفراء تناثرت بغض أوراقها بين قدميه ، إنها تمارس حياتها العادية مع أخيها مثل كل يوم ، تشاهد التلفاز وتسجل حلقة المسلسل العربي ، ووسط هذه التفصيلات الواقعية يأتي الكاتب ( محمد المنصور  الشقحاء ) بأحداث خارج النسيج الواقعي ، فهناك أنفاس غريبة بدأت تتسلل وتندس بين المواطنين وقد ارتدت كمامات ضد الغبار المسموم ، وانهر أخذ يرتفع منسوبه ويرسل رائحة تقتل الحياة ، بالإضافة إلى العديد من الخوذات المكممة تركض في جميع الاتجاهات ، وتمخر عباب النهر قوارب مطاطية .. يحدث كل هذا وتراه       ( ازاد ) فتذهب إلى فراشها وتنام و بعد هذا نري الزهور الصفراء تقاوم الغبار المسموم رغم انسحاق البعض تحت أحذية الغرباء الذين قاموا باحتلال المكان كاملا ، وعندما تصحو من نومها تري كل شيء علي طبيعته كما كان ، وإذا بالماء – ماء النهر – يلمع  والزهور الصفراء تهتز والقوارب الصغيرة تمارس عملها اليومي ص39                    
القصة أقرب إلى القصص التعبيري منها إلى القصص الواقعي الصرف ، انه الخوف من المجهول ؛ ذلك الذي يميت الجمال ، ويقضي علي البساطة والبراءة ، ذلك المجهول الذي يسمم الواقع بأشياء تقضي علي الحياة الحلوة في عيون الناس حتى الصغار . كل هذه المعاني نجدها في القصة ، ونلمس أن الكاتب لم يتخذ من السعودية مكانا للأحداث ، فهو يتحدث عن بلد فيها نهر وزوارق وصيادين ، بالإضافة إلى رسمه لصورة  لا توجد في المملكة حيث ( الثلوج تذوب لتجري بين الصخور ، في طريقها الأزلي نحو النهر الذي تحف به المجمعات السكانية إلى لم تعد تبالي بالفيضان ) ص36                  
- لجأ الكاتب إلى تقسيم قصته إلى عشرة مقاطع تتفاوت طولا وقصرا وهو تقسيم قصد به حرية الانتقال الزماني والمكاني ، بالإضافة إلى حرية التعبير عن حالات متعددة ، إلا أنني أري أن التقسيم تسبب – في بعض مقاطع القصة – في بطء تدفق الأحداث ، ونموها ، بل وأحيانا الخروج علي الحدث الأصلي والابتعاد عنه ، ابتعادا كبيرا .                                            
والكاتب يستفيد – في هذه القصة وغيرها- من معطيات الفن التشكيلي ، حيث انه اعتمد علي رسم اللوحة الملونة عن طريق الكلمات ، فأصبحت بديلا عن الألوان ، وتبدو اللوحة القصصية وكأنها لوحة فنية بكل ما تحمله اللوحة الفنية من معاني في التعبير  وفي التأثير (15 )
وفي قصة ( النار وأعياد الميلاد ) يعالج الكاتب فكرة الإنسان والخوف ، وكما وجدناها في قصة         ( الليل الذكري المرتخية ) ولكنه قدم الفكرة من خلال موقف بسيط جدا مؤداه أن البطل وجد صوتا أجشا يصرخ فيه ، فلم يملك شيئا حياله سوي الجري حتى يغادر المكان ، وعندما توقف وجد الصوت مصحوبا بعبارات نارية تتناثر حوله ، وأخذ يجري فلم يجد مكانا يأوي إليه حيث إن الجميع مشغولين بأعياد الميلاد ، وعندما حاول الدخول إلى ذلك الكوخ الذي وجده ، يري الوجوه ، يتأملها فيشعر أنه شاهدهم ولكن أين ؟؟ لا يتذكر أحدا ، ولا أحد يتذكره ، وأثناء التأمل انبثق الدم من العيون ، عندما فتح الباب مجددا ، وجري تبادل إطلاق النار ، والبطل لا يشعر بشيء حوله ، إلى أن عاد الصمت للمكان بعد طلقة واحدة أخيرة ..                
وكما هو واضح فان الكاتب اهتم في تجربته بالتعبير عن حالة الخوف ، واحساس الإنسان بالمطاردة  المجهولة ، لكن التعبير عن هذه الحالة لم يكن  - وحده – كافيا للوقوف والتعرف علي شخصية  شخص القصة . وفي قصة ( الصورة )  يتناول فكرة التعارض الذي يمكن أن يحدث بين الفن والواقع . المرأة زوج فنان تشكيلي ( يهرب إلى ألوانه بهستيريا غير مقبولة ، تاركا عمله  الرسمي منطويا في مرسمه ) ص72 ويختلط في ذهن المرأة صورة الرجل الذي رأته في الصباح داخل محل بيع الزهور والعصافير الملونه ، فوجدت يدها تمتد له مسلمة " دافع في داخلي شدني إليه يدفعني إلى الالتحام به ، هاجس يقول هذا توأم ، مشاعر انكفأت ذات يوم " ص72، اختلطت في ذهنها صورة هذا الرجل ، بالرجل الذي وجدت زوجها يرسمه      ( تسمرت في مكاني وقد احتبست صرخة مجهولة في داخلي  )        ص73. ولم تجد الزوجة في نهاية الأمر سوي أنها أسرعت نحوه ( انحنيت القي برأسه علي صدري ، أخذت أداعب شعره بأناملي ، وأنا أتأمل الصورة ) ص73                                         
 - الكاتب يعبر عن تلك اللحظة التي يختلط فيها الواقع  بالخيال ، فتتوه بينهما حقيقة الأشياء ، وهذه الفكرة  تبدو من أول وهلة ( فكرة مجردة ) الا أن الكاتب لجأ  إلى مفردات واقعية من خلال السياق القصصي  الذي قام ببنائه ، وشيده بمهارة وعلي مساحة قصيرة جدا من السرد .


من استعراض القصص الأربع السابقة نلاحظ أن الكاتب لم يوفق في معالجة بعض موضوعاتها ، خاصة قصة ( الزهور الصفراء) فالموضوع غير محدد والفكرة غامضة ، ربما لأن الذهنية غلبت ، وربما لافتقاد الدقة في رسم الشخصية والموقف القصصي وفي قصة ( النار وأعياد الميلاد)  غلبت الفكرة علي المعالجة ، وربما كان اصطناع الفعل القصصي في التجربتين السابقتين هو الذي أوقعنا في مأزق عدم الفهم ،- أو بمعني آ خر- أوقع الكاتب في هذا المأزق ، ففي بدء سياق " الفعل القصصي  " توجد حالة يسميها ( لين أو لتبنيرند) : حالة التوازن بين الأطراف المتصارعة ثم تنهي استقرار الموقف الاستهلالي حادثة مثيرة ، وتبدأ الصراع ، وشد الصراع طور من أطوار " الفعل القصصي"
المتصاعد إلى أن يأتي بما يسمي ب( الأزمة ) صحيح أن هناك أزمات في القصتين ، لكنها أزمات لم تأت بشكل متواتر للفعل الدرامي في القصة بقدر ما جاءت أزمة ذهنية في المقام الأول ، والتأثير علي المتلقي لا يأتي عن طريق الإلغاز بقدر ما يأتي عن طريق العرض السهل ، لمنها السهولة البعيدة عن التسطيح ، أما عن الجانب الآخر ، وأعني به لجوء الكاتب إلى شكل القصة القصيرة جدا ، أجد انه كان موفقا في قصته ( الصورة ) اكثر من قصته ( النار وأعياد الميلاد) تلك التي تشترك معها في هذه الخاصية ، والسبب يرجع إلى أن الكاتب كان واعيا بطبيعة اللحظة  محور التجربة القصصية ، فلم يحاول الخروج عن تلك اللحظة بل دار حولها ولم تتسع دورته ، فجاءت التجربة متماسكة تماما ومعبرة عن الفكرة تعبيرا فنيا وموضوعيا ، تلك الميزة لم تتحقق في قصة ( النار وأعياد الميلاد) لأن الكاتب لم يتخير لحظة واحدة تحيط بالشخصية ، فظل متتبعا للشخصية ، متنقلا بها من مكان إلى مكان في هذا الحيز الضيق الذي اختاره ، وهو حيز لا يسمح بهذا التنقل المكاني .
 فالقصة القصيرة استمرارية محدودة تتعارض مع ( عدم الاستمرارية غير المحدودة ) للرواية ، والقصة القصيرة كما يقول ( لوكا تش )) نسق مغلق نسبيا من التداعيات والمصاحبات والإدراك التركيبي               
التشكيل الجمالي :                                                                           
جاءت لغة المجموعة مباشرة وخطابية ، بالإضافة إلى التراكيب الأقرب إلى الشعرية ، التي تتسم بالغموض ، وجاءت في قصص أخري لغة موحية ، وذات دلالة ، فعلي سبيل المثال نجد ذلك التوجه الخطابي في جملة ( انه ابن رافع ) ص13 في قصة ( البحث عن بقية ) ، والتكرار في عبارة ( بيت ناجم أمرا   ) في نفس القصة   .. العبارة تقريرية ، إذ إن الفعل القصصي المتمثل في محاولة البطل التغلب علي ما يواجهه من قبل الآخرين ، وكذلك محاولة تحقيق رغبة الأب الذي أكلته الوحوش ، كل هذا يكشف مابيته ناجم في نفسه من أمر ، فلا حاجة لنا إذن للاستناد إلى هذه العبارة .
- هذا بالإضافة إلى جنوح الكاتب للإكثار من التعبيرات التي لم تخدم التجربة بقدر ما تعد استطرادا زائدا عن الحاجة الفنية ، وهذا ما لاحطناه في مقدمة قصة ( أهازيج ميلاد جديدة ) يقول: " تتناثر الأفكار ، تنهال الرؤى باحثة بقسوة عن لحظة حب ، هي إيمان راسخ لموطن عاثت فوق ثراه أيام الطفولة والصبا في سذاجة مبنية علي وهم كبير هو خليط من الخوف والطيبة " ص27
- إن القصة الحديثة لا ترتكز – الآن – علي المقدمات التي لا تستند إلى نسيج القصة بشكل عام ، ولكنها تعمل علي تقديم الحدث أو الموقف القصصي مباشرة ، إن الدخول إلى الموقف مباشرة ، وهناك سمة أخري ينبغي علي الكاتب الاستفادة منها ، لأنها سمة تعمل علي حيوية الحدث ، وتخلصه   من الرتابة الناجمة عن الاستطرادات الزائدة.                  
وفي قصة ( في انتظار الحافلة ) تجنح اللغة إلى التراكيب التي تغلف المعني بالغموض ، وتجعله معني غير محدد ، يرهق المتلقي ، ويجعله يتساءل عن المعني ، فعلي سبيل المثال نقرأ هذه العبارات التي جاءت في مقدمة القصة : " أعي أنني عمل مصادر ، حتى في عيون أبنائي ، حيث استباحت  الهواجس واقعي ، فغدت ذرات يصعب متابعتها ، تنسكب كل صباح مع أشعة الشمس التي تلج الدور كل صباح عبر فتحات وهمية "ص21، الوصف في العبارات السابقة غير محدد ، ولم يعط دلالة فنية تخدم السياق الفني الذي جاء بعد العبارات ، فبدت هذه المقدمة وكأنها منفصلة عن السياق أو النسيج
الكلي العام                    
لجأ الكاتب في جزء من القصة إلى ضمير المخاطب ، رغم أن هذا الضمير الذي استندت عليه القصة منذ البداية حتى النهاية هو ضمير المتكلم – الراوي- ولم يكن استخدام ضمير المخاطبة استخداما فنيا   بل نجده مقحم ولم يوظف داخل العمل بدليل أن الكاتب لم  يلجأ إليه في القصة إلا في موقعين فيها      ( عندما سألت بائع القسائم عنك قال : لقد رحلت ) ص22.                                   
                ( أنت ، وكنت المجيب الأول  لا أدري لماذا أجبت رغم أن عيون السائل الذي يقف علي باب الشاحنة تتأمل الفراغ ، ترصد السحب) ص23                         
وقد جاءت بعض التعبيرات مباشرة وحادة في قصة ( رجل يبحث عن وظيفة ) مثل : ( لأنهم يسرقون الأطفال في المنتزهات العامة ) ص47 و( فوجئ الجميع بجنونه ، انه مجنون  الآن ، عليه أن يرحل ) ص49 و( منذ زمن لم يذق طعم الدموع ولم يحاول ) وما يؤخذ علي قصة ( أوراق من يوميات امرأة عاملة ) هو أن اللغة المستخدمة كانت علي مستوي واحد ؛ بمعني أنها لم تعبر عن الداخل ، بالإضافة إلى كثرة التفصيلات دون التركيز علي لحظة واحدة .، يقوم الكاتب بالتعبير عنها بغية أضاءتها ، أنظر مثلا  قو له علي لسان الشخصية في القصة :                                     
-  أنا امرأة مهجورة ..، أو : كامرأة مثقفة ومتعلمة ص 53                         
-  هذه التعبيرات مباشرة ، وكان علي الكاتب أن يستبدلها بمواقف قصصية لا تفتقد إلى الدرامية ،  وتؤدي في النهاية إلى إعطاء نفس المعني .
 ويلجأ الكاتب إلى التكرار غير المبرر فنيا في قصة ( هروب) وذلك في عبارته ( الواقع الأليم) إذ إن إحساسنا بأن الواقع مؤلما لابد أن يستند علي مواقف قصصية توحي ولا تصرح ، لأن التصريح فيه جفاف وغلظة في التعبير القصصي تضر ولا تنفع ؛ فقد جاءت في عبارة ( في مرحلة هروب من الواقع المؤلم الذي انداح قلقا في غياهب الوجود ) ص32، وعبارة ( ( ليرسم الدم المتطاير من الشرايين صورا صادقة لواقع مؤلم ، أما عن اللغة في قصة ( النار وأعياد الميلاد) فقد نجحت في نقل التوتر والإحساس به ، حيث اعتمد الكاتب علي الجمل القصيرة المتلاحقة .، وكذلك كانت اللغة في قصة ( الصورة ) موحية وسريعة ، ونجحت في إعطاء الدلالة والإحساس بالتوتر .
نقطة أخيرة لها أهمية كبيرة في طريقة الكتابة ، وأعني بها أن الكاتب أكثر من استخدام ( التنقيط) بلا مبرر فني في العمل ، ولم يستخدم الفاصلات في اغلب قصصه .. إن المحافظة علي علامات الترقيم من الأمور الهامة والحيوية ، وينبغي أن يضعها الكاتب – أي كاتب _ في اهتمامه .


هوامش:                              
(1) الزحف الأبيض – لطيفة إبراهيم السالم – نادي القصة السعودي – 1984                      
(2) موت علي الماء – النادي الأدبي بالرياض –1979-94صفحة.                      
(3) هموم صغيرة – قصص – محمد علي قدس – النادي الأدبي الثقافي رقم 25- الطبعة الأولي 1984- جدة – 94صفحة .                        
(4) فن القصة القصيرة في الأدب السعودي الحديث – دار العلوم السعودية – 1981
(5) لا ليلك ليلي ولا أنت أنا – قصص : عبد العزيز الصقعبي – مطبوعات الطائف – السعودية –96 صفحة .
(6) سحمي ماجد الهاجري – القصة القصيرة في المملكة العربية السعودية – النادي الأدبي – الرياض – ط1 1408ه – 1987م – ص58- 59.
(7) المرجع السابق – ص61                       

 (8) المرجع السابق – ص 74            
(9) د.محمد مندور – الأدب ومذاهبه – دار نهضة مصر – القاهرة – بدون تاريخ – ص93                                 
(10) سحمي ماجد الهاجري – المرجع السابق – ص 25                                 
(11) لا حظنا أن هناك خطأ في وضع عناوين القصص : فقصة ( أوراق اليانصيب) وضع بدلا منها عنوان قصة (  رجل يبحث عن وظيفة ) والعكس بالعكس ، ويمكن للقاريء تدارك هذا الخطأ بعد قراءة القصتين ، وبعد الوقوف علي مضمون كل قصة علي حدة .                                 
(12) فرانك  أوكنور- الصوت المنفرد – مقالات في القصة القصيرة- ترجمة : د. محمود الربيعي – الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر  - 1969 المكتبة العربية / رقم 99
(8) (13) لين اولتبنيرند –ليزلي لويس – الوجيز في دراسة القصص – ترجمة : د. عبد الجبار المطلبي – الموسوعة الصغيرة – ع 137 – 1983 – وزارة الثقافة والفنون – العراق                                 
(14) الزهور الصفراء – قصص – محمد المنصور الشقحاء – نادي الطائف الأدبي – السعودية – 1984 – 74صفحة .                         
(15) أنظر مقدمة القصة _ المقطع الأول – ص36



#أحمد_عبد_الرازق_أبو_العلا (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عن رشاد أبو شاو وروايته - البكاء علي صدر الحبيب
- هل تأثرت الثقافة في مصر عقب أحداث 11 سبتمبر 2001؟؟
- استجابتنا للشعر من أين تبدأ؟؟
- إسرائيل والتطبيع وعلي سالم - حول كتاب رحلة إلى إسرائيل
- القمع في الخطاب الروائي العربي
- حول الحوار المتمدن
- ثقافة العنف والإرهاب
- المثقفون والسلطة في مصر
- مقاومة التطبيع مشاهد من ساحة القصة القصيرة في مصر


المزيد.....




- مصر.. وفاة المخرج والسيناريست القدير عصام الشماع
- الإِلهُ الأخلاقيّ وقداسة الحياة.. دراسة مقارنة بين القرآن ال ...
- بنظامي 3- 5 سنوات .. جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 الد ...
- مبعوث روسي: مجلس السيادة هو الممثل الشرعي للشعب السوداني
- إيران تحظر بث أشهر مسلسل رمضاني مصري
- -قناع بلون السماء-.. سؤال الهويّات والوجود في رواية الأسير ا ...
- وفاة الفنانة السورية القديرة خديجة العبد ونجلها الفنان قيس ا ...
- مطالبات متزايدة بانقاذ مغني الراب الإيراني توماج صالحي من ال ...
- -قناع بلون السماء- للأسير الفلسطيني باسم خندقجي تفوز بالجائز ...
- اشتُهر بدوره في -أبو الطيب المتنبي-.. رحيل الفنان العراقي عا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد عبد الرازق أبو العلا - ازمة النوايا الطيبة في قصص قصيرة من السعودية