منال داود
الحوار المتمدن-العدد: 4721 - 2015 / 2 / 15 - 15:37
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
مازالت الشعوب العربية تسعى لاهثة للحاق بسراب الديمقراطية تلك النبتة الغريبة التي صدرت لنا عنوة من الغرب المتطور ليتم زرعها في عقولنا القاحلة لنجدها تحولت الى افيونة تاخذنا الى عالم الخيال والسباحة في الاحلام الوردية دون ان نفقه ادنى معنى لها خلا انها من صنع الغرب الذين ابدعوا في تزيينها و لم يطبقوها على انفسهم !! فلو عدنا قليلا الى المعنى الاصطلاحي للديمقراطية لوجدنا انها بكلمة موجزة تعني حكم الشعب فاي شعب هذا الذي يحكم نفسه وكيف يتم ذلك ورب مجيب يقول ان ذلك يتم من خلال الصفوة التي ينتخبها الشعب " بارادته الحرة !! " ويفوضه في ادارة شؤونه ولكن كيف يتم ذلك الا يحتاج التفويض الى رضا الشعب ككل على توكيل تلك الصفوة للتصدي لامور معينة وهذا الرضا بالطبع غير متحقق ولا يمكن ان يتحقق فلو عدنا الى المدن اليونانية القديمة وهي مهد الديمقراطية المزعومة نجد ان الشعب كان يجتمع في الساحة العامة ليعبر عن رايه مباشرة في شان من شؤونه فبالله عليكم كيف يمكن ان نجمع في الوقت الحاضر شعب قوامه الملايين لكي يقول كلمة الفصل في امر من الامور هذا اذا سلمنا بوجود الديمقراطية اصلا في تلك الحقب التي اعتبرت الولادة البكر للديمقراطية كون ان الشعب في ذلك الوقت والذي يشارك فعلا في التعبير عن رايه كان صفوة قليلة يستثنى منها النساء و الارقاء والفقراء وغيرهم وبهذا المفهوم نجد ان الواقع العملي للديمقراطية متهرئ لذلك نجدها ولدت مشوهة ومع ذلك ظل مفكري الغرب من انصارها ودعاتها يتغنون بالمسخ بل و ينشئون له المدارس والنظريات التي وان ساعدت الشعوب على نيل جزءا من حقوقها السليبة من قبل الدكتاتوريات الحاكمة الا انه لم يكن ما حصلوا عليه من حقوق طبيعية هي الديمقراطية عينها التي نادى بها انصارها .
وعود على بدأ نقول انه لما استمات انصار الديمقراطية في دفاعهم عنها وظهر لهم بالبرهان الساطع بانه لا يوجد شيئ اسمه ديمقراطية بعد ازدياد اعداد الشعوب واتساع الدول راحوا يبحثون عن حصون تعزز دفاعاتهم الواهية فاخترعوا ما يسمى بالديمقراطية غير المباشرة بعد ان عدوا ان الديمقراطية التي مورست في المدن اليونانية هي ديمقراطية مباشرة والتي تعني أي الديمقراطية غير المباشرة ان الشعب يقوم باختيار فئة معينة ( فرد او اسرة ) تقوم بالحكم باسمه ونيابة عنه وقد كان هذا الاختراع لابد منه لانقاذ الديمقراطية من الوأد فكانوا يختارون شخص يقوم بالحكم نيابة عنهم في كل الامور دون الرجوع الى الشعب الذي هو محور الديمقراطية لانهم اعتمدوا على ان هذا الشخص المختار لتمثيل الشعب انما يملك حقوقا من عند الله تعالى فمن حقه ان يعمل مابدا له حتى وان كان سيفا مسلطا على رقابهم وعليه أي الشعب الرضوخ لارادة الله التي خولها لذلك الحاكم ولكن بعد ان استيقظت الشعوب لاسترداد حقوقها بعد الثورة الفكرية التي اجتاحت اوربا والتي كانت تسعى الى الانسلاخ عن حكم الكرسي البابوي ودعوة لفصل الدين عن السياسة و عن كافة مجالات الحياة فظهرت بدعة اخرى تدعى الديمقراطية التمثيلية وذلك باختيار مجموعة من النواب يقومون بدورهم باختيار شخص الحاكم الذي سيتولى الحكم نيابة عن الشعب لمدة معينة وهذا بالطبع نأى بمفهوم الديمقراطية عن معناها الاول والتي هي حكم الشعب فلا يمكن تصور ان يكون الشعب كله رئيس او كله وزراء او كله قادة جيش ولا يمكن طبعا ان يقوم بالتشريع لان الذين اختارهم الشعب هم الذين سيقومون بهذه المهمة دون الرجوع الى اخذ رايه في أي امر من امور التشريع بناءا على التفويض الممنوح لهم وبالطبع والحالة هذه سيكون التشريع كله في خدمة هؤلاء الصفوة سواء كانوا نوابا ام قادة ام وزراء وفي خضم ذلك تضحى الديمقراطية مجرد اسطورة او محض سراب ..
لقد سعى القائلين بالديمقراطية الى الباسها كل ثوب كي تلقى مقبولية ورواجا لدى المتعطشين الى التشبه بالغرب واستيراد كل مظاهره حتى وان كانت تبدو في بعضها غريبة على مجتمعاتنا العربية بل حتى وان كانت مجرد فنتازيا وخيال جامح قال به احد المفكرين او المتفلسفين لتسويقها الى الشعوب البائسة الجائعة لالهائها عن مطالبها الاساسية وتحويل انظارها الى سراب يحسبه الضمان ماءا و اراقة الدماء قرابين لاصنامها التي لا حول لها ولا قوة فطفقت الجماهير العريضة في تبني الشعارات الزائفة التي كانت بمثابة افيونة تبعدها عن واقعها المثقل بالانتهاكات لا بسط حقوق الانسان في الحياة والتي كانت من الاولى ان تطالب بها قبل المطالبة بجنة الديمقراطية المزعومة والتي اعتقدت تلك الجماهير انها المفتاح لكل مشاكلها ولم تفطن الى ان كل ماقدمته من تضحيات كانت هباءا منثورا فهو لم يزحزحها قيد انملة صوب هدفها الاكبر وهو الديمقراطية فلم تنل من كل الدماء التي اريقت سوى امعانا بهدر الحقوق وضياعها .
ان ما يعانيه مجتمعنا العربي وخاصة بعد ثورات الربيع اثبتت ان الديمقراطية لم تكن سوى وهم فما ان تخلصت الشعوب العربية من نظمها السياسية السابقة وحاولت ان ترتدي لباس الديمقراطية التي تاقت لها الا واكتشفت كم انه ثوب بال ولا يصلح لها مهما حاولت ترقيعه والدليل القاطع على ذلك هو انحدار النظم الجديدة مدعية الديمقراطية والشعوب التي لهثت ورائها الى الحروب الاهلية او الفوضى والتخبط او الارهاب وهذا اثبت مرة اخرى ان الديمقراطية مجرد كلمة لا تصلح البتة للتطبيق العملي بل انها مجرد نظرية خيالية لا تمت للواقع بصلة لذلك ان الاوان لكي تستفيق الشعوب العربية وان تكف عن الانجرار وراء اضغاث احلامها وان تستيقظ للنهوض بواقعها ونيل حقوقها الطبيعية في الحياة فلقد اكتفينا من زيف الشعارات وبريقها الخادع .
#منال_داود (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟