أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد الخميسي - الوعي الفني والوعى السياسي















المزيد.....

الوعي الفني والوعى السياسي


أحمد الخميسي

الحوار المتمدن-العدد: 4709 - 2015 / 2 / 3 - 14:36
المحور: الادب والفن
    


د. أحمد الخميسي

رحل الشاعر اللبناني سعيد عقل عن عالمنا في 28 نوفمبر 2014 وترك خلفه الجدل الذي أثارته حياته وقصائده. من ناحية كانت مواقف سعيد عقل السياسية تضعه في صف أعداء بلادهم بعد ترحيبه بالغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982، واعتباره الغزو إنقاذا للوطن! كما أنه دعا اللبنانيين صراحة لقتل الفلسطينيين، ونادى بعزل لبنان عن محيطه العربي. من ناحية أخرى فإن سعيد عقل هذا هو نفسه الذي كتب بعد نكسة 1967 قصيدة " زهرة المدائن" التي دق فيها طبول تحرير فلسطين:" الآن .. الآن .. وليس غدا"! علاوة على تجديده دماء الشعر بموهبة واقتدار. هل كان سعيد عقل منجذبا إلي الاستبداد في أبشع صوره أي استبداد الاحتلال والغزو، أم كان من صناع الاستبداد؟ وكيف يمكن فهم ذلك التناقض الصارخ في مواقف الأدباء أحيانا؟. بهذا الصدد لفت نظرى مقال مهم لشاعرنا الكبير أحمد عبد المعطي حجازي في الأهرام 17 ديسمبر 2014 بعنوان " الشاعر ليس واحدا.. إنه اثنان". أهمية المقال تعود إلي محاولة إدراك الظاهرة في حالتها المركبة، خاصة أن سعيد عقل نموذج لحالة تمتد أبعد من سعيد عقل وتضرب بجذورها في تاريخ الأدب والأدباء الطويل. وقد ضرب الأستاذ أحمد حجازي عدة أمثلة أخرى توضح أن القضية أعم وأكبر مما يثيره الشاعر اللبناني، من ذلك موقف الكاتب الفرنسي فردينان سيلين الذي رحب بالغزو الألماني النازي لفرنسا، والشاعر إزرا باوند الذي سخر نفسه للدفاع عن الفاشية الإيطالية. وأضيف إلي ماقاله الأستاذ حجازي حالة الكاتب العظيم جون ستاينبك الحائز على نوبل والذي رافق أحد الطياريين الأمريكيين خلال غارة على فيتنام وكتب بعدها مقالا جاء فيه : " كانت أصابع المقاتل الجوي تضغط على مفاتيح إسقاط القنابل مثل أصابع عازف البيانو الماهر الذي يعزف أعظم كونشرتو في العصر الحديث"! ستاينبك هذا هو ذاته مؤلف مجموعة من أجمل الروايات في العالم: " تورتيلا فلات"، و" عناقيد الغضب" وغيرها. هل كان الكاتب العظيم منجذبا إلي الطغيان؟ أم صانعا له؟ أم مجاريا لانتصار العنف؟. وما السر في ذلك التناقض الشديد في مواقف كاتب طالما كان نصيرا للحرية فإذا به يؤازر العدوان على بلد مسالم؟. وإذا أخذنا روائيا سوفيتيا كبيرا مثل جنكيز أيتماتوف نشأ في أحضان التجربة الاشتراكية سنجد أنه كان أول من سارع بعد انهيار الدولة السوفيتية بالسفر إلي تل أبيب وتقديم رواياته هدية إلي حكامها أملا في أن يساعدوه في الفوز بنوبل! رغم أنه مؤلف العديد من الأعمال الرائعة مثل رواية" جميلة "، و" وداعا جولساري" وغيرها. وسنجد في تاريخ الشعر العربي أن حافظ إبراهيم الذي نعتز بقصائدة عن مصطفى كامل وبقصيدته التي أنشدتها أم كلثوم" وقف الخلق ينظرون جميعا" هو ذاته حافظ إبراهيم الذي كتب في يناير 1915 قصيدة يرحب فيها بتعيين اللورد ماكماهون معتمدا بريطانيا مخاطبا إياه بقوله:" أي مكمهون قدمت بال .. قصد الحميد وبالرعاية.. أنتم أطباء الشعوب .. وأنبل الأقوام غاية"! أما أحمد شوقي أمير الشعراء الذي وقف إلي جانب كفاح الشعب السوري ضد الاحتلال عام 1926 بقصيدة " نكبة سوريا" وضمت بيته الأشهر" وللحرية الحمراء باب بكل يد مضرجة يدق"، هو ذاته شوقي الذي حقر ثورة أحمد عرابي على الاحتلال بقصيدة في 15 يونيو 1901 يقول فيها:" صغار في الذهاب وفي الإياب.. أهذا كل شأنك ياعرابي .. عفا عنك الأباعد والأداني .. فمن يعفو عن الوطن المصاب"؟!
كيف لنا أن نفهم هذه التحولات؟ هل هي تعبير عن إنجذاب الكاتب إلي الطغيان ؟ أم أن ثمت ظروفا تاريخية واجتماعية تسوق الكاتب لتلك التحولات؟ وهل تسقط مواقف الكاتب السياسية أعماله الأدبية ؟ أم أن للتعبير الأدبي حقيقته الخاصة التي تنتصر على ماعداها؟. عندنا بهذا الصدد كاتب عظيم هو نجيب محفوظ كان يردد كلما لامه البعض على مواقفه أو كتاباته الصحفية السياسية " ارجعوا إلي رواياتي"، يقصد أن مواقفه الحق في أعماله الأدبية فقط. لمزيد من تفهم هذه الحالة أشير إلي وضع آخر مناقض، أي حين تكون مواقف الشاعر وتصريحاته سجلا للتصدى للظلم، لكن شعره أو أدبه رديء! هناك حالات غير قليلة كهذه حين يكون كل ما يقوله الكاتب أو الشاعر" ثوري"، وكل مايكتبه شعارات رنانة تعجز عن القبض على ما يختمر في أحشاء المجتمع من حالة ثورية وتعجز عن تجسيد ذلك في نماذج أدبية ورؤى فكرية. في واقع الأمر نحن نواجه في كل تلك الحالات مسافة بين الوعي الفني الوعي السياسي لدي الكاتب. وهي مسافة تكون ضئيلة أحيانا، وتمتد شاسعة أحيانا أخرى. في حالات ليست كثيرة مثل حالة الكاتب الألماني بريخت يتطابق الوعي الفني مع الوعي الفكري وتختفى تلك المسافة.
عام 1836 انتهى الكاتب الروسي العملاق نيقولاي جوجول ( الذي خرج الأدب الروسي من معطفه) من مسرحيته الشهيرة" المفتش العام" التي تحولت عندنا لأكثر من فيلم ومسرحية، وفيها هاجم جوجول البيروقراطية والفساد الروسيين وعرى بلادة النظام القيصري. وما إن عرضت المسرحية حتى جن جنون الأوساط الحكومية ورجال الكنيسة والبلاط والإعلام وتقرر منع العرض المسرحي. عاصفة الغضب الرسمي أصابت الكاتب الكبير بالذعر، فقرر السفر إلي إيطاليا وهناك عكف على عمل يصالح به القيصر والدولة والمجتمع. الوعى السياسي لدي جوجول يوحي له بأنه لايستطيع أن يواجه المجتمع، وأنه من غير المستحسن الخوض في المواجهة، بل ولابد من مصالحة أعمدة المجتمع وهيئاته الرسمية. بهذا الوعي السياسي بدأ جوجول كتابة عمله الثاني" نفوس ميتة"، وبينما هو يكتب قاده الوعى الفني إلي رؤية الحقيقة فحسب! الحقيقة التي لا يمكن من دونها أن ينبعث أدب عظيم، ومن ثم كتب " نفوس ميتة " التي صدرت في 1842واشتملت على حملة أشد على الدولة ونظام الحكم! فيما بعد قال الروائي الروسي العظيم ليف تولستوى تعليقا على ذلك : " إن عقل جوجول لا يرقى إلي مستوى موهبته العبقرية"! المعنى الذي أشار إليه تولستوي يشير إلي أن هناك وعيا سياسيا لدي الكتاب، تتحكم فيه مصلحة الكاتب الشخصية، وظروف حياته، وعزلته، والظروف التاريخية التي يمر بها وطنه، واضطراب الآراء وتنوعها ، وهذا الوعي السياسي قد يتقلب ويتغير ويتبدل، كما أن له أدواته الفكرية ووسائله الخاصة به في اكتشاف الواقع. أما " الوعي الفني" فإن له وسائل أخرى، وله " عين أخرى" يرى بها الواقع، والحقيقة، لأنه من دون الحقيقة لا ينهض إبداع كبير ذو أثر. وفي كثير من الحالات لا يتطابق الوعي السياسي والوعي الفني. تبقى مسافة بينهما، بالرغم من الوشائج والصلات التي تربط المجالين. سبب آخر مهم لتحولات الكتاب والشعراء نحو الاستبداد أوفي مواجهته، أعنى الظروف الاجتماعية والتاريخية المحيطة بهم والتي تسوقهم أحيانا من الأمل إلي اليأس، ومن التصدى للطغيان إلي التغني به. بالنسبة لي شخصيا فإنني قد أفهم تلك التحولات، لكني لا أعتبر أن تفهمي لها مبررا أو عذرا لأصحابها، خاصة حينما يخرج الكاتب أو الشاعر من دائرة الأسئلة المحيرة إلي دائرة خيانة الوطن، والشوفينية، ويصبح من صناع الطغيان أو المنجذبين إليه. قديما قال الكاتب الألماني كافكا " الكتابة هي أن نهجر معسكر القتلة". وعندما يصبح السؤال هو : فن عظيم يقف على أرضية العداء للحياة، أم حياة إنسانية بلا فن؟ فإنني أقف في صف الحياة التي تتجاوز دائما المهارة إلي الهدف من المهارة، وتتجاوز القدرة على التعبير إلي وجود البشر. إنني أتفهم التردد والحيرة والنفاق وإحناء الرأس لكي تمر العاصفة، لكنني لا أستطيع أن أتفهم أبدا خيانة الوطن بدعوى العبقرية الفنية وصناعة الطغيان بذريعة القدرة على التعبير.

***



#أحمد_الخميسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أسئلة حول عملية العريش الأخيرة
- شيماء الصباغ شهيدة مصر
- شارلي إبدو.. ضمير أوروبي
- المسرح القومي بيحلم لمصر
- وراء الزجاج - قصة قصيرة
- قهوة الملحدين !
- هنا القاهرة .. هنا دمشق
- نحلم بالأمس وليس الغد !
- محمد ناجي .. موت لا يشبه سواك
- غاية المراد من قصة المنطاد
- تاكسي إلي الشعب !
- لماذا ندوس الآمال وهي صغيرة ؟
- باتريك موديانو .. خدعة نوبل !
- جنود بلادنا .. أرواح السماء
- مقبول للموت مرفوض للحياة
- النجم السينمائي بين الوعي والجهل
- أشياء لا تشترى
- ماذا يبقى عندما يسقط الهرم؟
- الشعب جاهز .. الحكومة جاهزة ؟
- أوباما يسطو على شابلن


المزيد.....




- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...
- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد الخميسي - الوعي الفني والوعى السياسي