يعرفون...او لا يعرفون.

رضا شهاب المكي

الحوار المتمدن-العدد: 4703 - 2015 / 1 / 28 - 11:24
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

جمعتني وتجمعني دردشات مع بعض من زملائي واصدقائي حول موضوع المعرفة ومكانتها لدى الناس، وكنا في كل مرة نتفق حول تصنيفات رغم اختلاف مرجعياتنا ومنطلقاتنا وعقائدنا ومن هذه الاتفاقات ان هنالك:
1. صنفا من الناس من الذين يعرفون انهم يعرفون، من مقدماتهم ومنطلقاتهم ان المعرفة لا حدود لها؛ فهي عندهم جهد، وسعي، وتأمل، وعسر، والم، وانفراج، وسعادة، وهكذا يستمرون طالما هم يعيشون. المعرفة عندهم تفكير دائم، والتفكير عندهم نقد مستمر، والنقد عندهم نضال يومي، والنضال عندهم انحياز اجتماعي. المعرفة عندهم هي طوق الى الصعود وطوق الى المطلق. من الام الاخرين واوجاعهم يستمدون قوتهم ويصنعون الامل والإصرار على المثابرة. هم يصنعون الحياة من الموت والحرية من الاستبداد والاغتراب. هم يتنقلون بين الناس كما هم الناس ويعيشون بينهم كما يعيش الناس ويستمعون الى الناس كما يتكلم الناس ويصغون الى الصوت والنبرة والانين والالم أيا كان مأتاه انسانا، او حيوانا، او ترابا، او هواء، او نباتا. انهم يجمّعون من الحياة كما هي الحياة، ويلتقطون الإشارة ولو كانت ضئيلة، او صغيرة، او تائهة، او منفردة ليصنعوا منها شروط تغير الحياة، حياة جموع الناس. انهم جزء من الكل والكل يسكن داخلهم انهم الجزء والكل، انهم العام والخاص، انهم شرارة في ظلمة، وصوت في غابة، انهم الحياة كما هي، انهم الحياة كما تطوق الى ان تكون، ان تكلموا أفادوا وأزعجوا، وان أخطأوا اعترفوا، وان اساؤوا اعتذروا، وان ظُلموا صفحوا، وان ملكوا تقاسموا وان عاشروا استمروا، وان أحبوا أخلصوا، وان غُدر الكثير منهم خلدوا...هذا الصنف من الناس يجلب الاحترام والحب ويفرض الخوف في قلوب الذين لا يعرفون انهم لا يعرفون.
2. صنفا من الناس من الذين لا يعرفون انهم لا يعرفون مقدماتهم ومنطلقاتهم ان المعرفة تكديس، وتخزين، وتقيؤ، وتسطيح، وتكرار، وتعميم، وثرثرة، ولغو لما تخونهم الذاكرة ولما يصطدمون بالحقيقة التي تزعجهم. المعرفة عند هؤلاء نقل وتكرار، والنقل عندهم كلام وعنعنة، والعنعنة عندهم تقديس وتاليه، والتأليه عندهم عقيدة في الحياة، والحياة عندهم تكرار لماض، والماضي عندهم ولاّد للنهاية، والنهاية عندهم هي البداية. يستمد هؤلاء "قوتهم من كثرتهم وكثرة شروط وجودهم وتناسلهم؛ ارقام يكررونها واقوال يسردونها، الم الاخرين عندهم رقم، ووجود الاخرين عندهم رقم. الحياة عندهم انتهت يوم بدأت وبين لحظة البداية ولحظة النهاية لا جهد عندهم الا جمع المال وتوسيع الاعمال وإدارة الفرجة وتنشيط الاحتفال، انهم يتكلمون ولا يسمعون ولا ينصتون، التفكير عندهم بدعة والبدعة ظلالة، والظلالة كفر اكانوا محافظين بعمائمهم او حداثيين ببدلاتهم، ان تكلموا فللأثارة، وان سكتوا فلانتهاء الذبذبة والاشارة، فلا هم جزء من كل ولا هم كل يسكنهم، هم جزء يأكل الكل وكل يقتل الجزء. ان أخطأوا برروا الخطأ وصنعوا منه صوابا، وان اساؤوا حولوا الضحية الى جلاد، وان ظُلموا ظلموا وتوحشوا، وان ملكوا جمعوا واستأثروا. ان رايتهم يتحدثون و"يتجادلون" فاعلم ان الجزء يتربص بالكل والكل يقتل الجزء حاقدون وهم في عناق ضاحكون وهم عن انيابهم يكشرون انهم في اقتصادهم ايكونوقراط، وفي علمهم تكنوقراط، وفي ادارتهم بيروقراط وفي سياستهم بوليتوكراط. هذ الصنف من الناس كابوس جاثم على صدور الناس وعلى الناس اسقاط الكوابيس.
3. صنفا من الناس من الذين لا يعرفون انهم يعرفون، المعرفة عندهم موقف ضد الجهل والدجل والخرافة، المعرفة عندهم لا تزال في طور الفعل التلقائي والقول التلقائي والمنهج التلقائي يقولون حكما دون الوعي بها، يفسرون الاحداث والظواهر بتجميع الأجزاء وادماجها في الكل وهم لا يدركون انهم جزء من كل وان الكل يسكن داخلهم. انهم خزان المعرفة وشروط انتشار الوعي بها كأداة للحرية واداة للتغيير. يتقاطع الذين يعرفون انهم يعرفون مع الذين لا يعرفون انهم يعرفون ليصنعوا معا ربيع المعرفة وربيع الوعي بالمعرفة.
4. صنفا من الناس يعرفون انهم لا يعرفون، المعرفة عندهم لا تسكن ديارهم، تراهم دوما يفوضون امرهم "للنخبة" وترى دوما " النخبة سعيدة بمن يعرفون انهم لا يعرفون، انهم خزان الذين لا يعرفون انهم لا يعرفون، ويبقى هؤلاء في اخر المطاف اخر من يلتحق بالتغيير حينما تتجذر شروط التغيير نفسه. انهم يحسمون التغيير ويفصلون على المدى الطويل بين عالم ينتهي وعالم جديد ينبلج...هكذا نحن. لكل منا دور ولكل منا زمن .

#رضا_شهاب_المكي (هاشتاغ)      

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل