أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعود قبيلات - طويل اللسان.. محمَّد السنيد!















المزيد.....

طويل اللسان.. محمَّد السنيد!


سعود قبيلات

الحوار المتمدن-العدد: 4696 - 2015 / 1 / 21 - 21:42
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


رافقتُ شقيقيَّ، سليمان، وعبد السلام، وموسى ابن شقيقي عبد السلام، يوم أمس، لزيارة النقابيّ العمّاليّ المعروف محمَّد السنيد، رئيس نقابة عُمّال المياومة، الموجود الآن في سجن «الهاشميَّة». وقد «دُخْنا السبع دوخات»، بحسب تعبير أشقائنا المصريين، حتَّى تمكّنا من العثور على سجن «الهاشميَّة» في اللحظات الأخيرة قبل انتهاء موعد الزيارة.

وكان شقيقي عبد السلام قد حاول أنْ يزوره قبل ذلك بيومين؛ لكنَّه بصعوبة تمكَّن من العثور على السجن بعد انتهاء وقت الزيارة بدقائق، فلم يُسمَح له بزيارته. وفوق ذلك، فإنَّه لم ينجح في التعرّف على طريق السجن في زيارته الثانية له التي رافقناه فيها.

والسؤال الذي دار في أذهاننا ونحن نبحث عن الطريق المؤدِّي إلى السجن، هو: لماذا سجن «الهاشميَّة» بالذات؟ فمحمَّد السنيد محبوس على ذمّة قضيَّة منظورة أمام «محكمة أمن الدولة» (المحكمة العسكريَّة سابقاً)، وهذه مقرّها في عمَّان وليس في المنطقة الواقعة بين المفرق والزرقاء!

من الواضح أنَّ هذا نوع من العقاب الإضافيّ لا ينصّ عليه القانون في ما يتعلَّق بـ«الجناية» المنسوبة إلى محمَّد السنيد. وبالتالي، فهو يمثِّل نوعاً من التعسّف في استخدام السلطة ضدّ خصم سياسيّ، وشَخْصَنَة للخصومة السياسيَّة معه.

كما أنَّ هذا العقاب لا يقع على السجين محمَّد السنيد وحده؛ بل إنَّه، أكثر مِنْ ذلك، يقع على أسرته وذويه وأصدقائه ومحبّيه ممَّن يقومون بزيارته؛ حيث يضطرّ بعضهم لقطع مسافةٍ طويلة، مِنْ بلدة «مليح» في محافظة مادبا إلى أنْ يصل إلى «الهاشميَّة»، ليقوم بزيارة محمَّد، ومِنْ ثمَّ يقطع المسافة نفسها مجدَّداً في طريق العودة.

وهذا مع ضرورة أنْ نأخذ بعين الاعتبار أنَّ أسرة أخينا محمَّد تعاني مِنْ ضنك شديد وأنَّه لا دخل منتظم لها. ويجدر بنا، هنا، أنْ نتذكَّر أنَّ هذا كان، أساساً، أحد العوامل الرئيسة التي قادت محمَّد السنيد إلى السجن.

سئل محمَّد السنيد، في التحقيق معه، لدى اعتقاله في إحدى المرَّات:

هل أنت مدفوع مِنْ أحد للقيام بهذه الاحتجاجات (أعمال الشغب، بحسب التعبير الرسميّ)؟

فأجاب: نعم.

وعندئذٍ، سُئل: مَنْ هو الذي يدفعك إلى ذلك؟

فذكر لهم اسماً (أعتذر لأنَّني لا أذكره في هذه اللحظة)، وقال إنَّه أكبر محرّض له.

فقالوا: ومَنْ يكون هذا؟

قال: إنَّه ابني الذي بالكاد يبلغ من العمر سنتين ولا يجد الحليب.

ومن العقوبات التعسفيَّة الإضافيَّة، التي تعرَّض لها محمَّد السنيد، هي أنَّه وُضِع في مكانٍ واحد مع بعض المتَّهمين بتهريب المخدِّرات! لو كانت لمحمَّد السنيد علاقة، مِنْ قريب أو بعيد، بتهريب المخدِّرات، لما كان حاله وحال أسرته على هذا النحو الذي نعرفه.

أمَّا «الجناية» التي سُجِنَ محمَّد السنيد (ويُحاكَم) بجريرتها، فهي إطالة اللسان! وهذا تعبير كاريكاتيريّ مثير للسخرية وينتمي، شكلاً ومضموناً، إلى العصور الوسطى.

ترى كم دولة الآن في العالم ما زالت تحتفظ في مدوَّنة تشريعاتها بقانون يحمل مسمَّى قانون «إطالة اللسان» أو ما يشبهه في مضمونه؟

القائمون على دولتنا، في ما يبدو، لا يجدون في ذلك حرجاً!

في هذا القانون وأمثاله، يحصِّن المسؤولون أنفسهم ضدّ النقد والاحتجاج الذي يمكن أنْ يوجَّه لهم بسبب أسلوب ممارستهم للمسؤوليَّة العامّة وبسبب القرارات التي يتَّخذونها وقد يضرّ بعضها بمصالح قطاعاتٍ واسعةٍ من الناس وربَّما بالمصالح الوطنيَّة عموماً.

وهذا في حين أنَّه من المفاهيم المستقرَّة الآن في معظم أنحاء العالم أنَّ كلَّ مَنْ يصبح في موقع اتِّخاذ القرار يجب أنْ لا يكون محصَّناً من النقد والمساءلة، مهما علا شأنه؛ بل عليه أنْ يتقبَّل النقد ويتحمّله، مهما كان قاسياً، وحتَّى لو رأى أنَّه ظالم وبلا أساس.

وفي كلّ الأحوال، فإنَّه ليس مِنْ حقّ المسؤول أنْ يتعامل مع خصومه السياسيين، ومنتقديه، كخصوم شخصيين.. حتَّى لو غطَّى ذلك بستارٍ من «القانون». ومَنْ لا يستطيع أنْ يتحمَّل نقد الناس له، فعليه أنْ ينأى بنفسه عن تحمّل المسؤوليَّة العموميَّة حيالهم وينصرف إلى شؤونه الخاصَّة بالطريقة التي يراها مناسبة.

وفي كلّ الأحوال أيضاً، فنحن جميعاً «أولاد تسعة»، كما يُقال، (وحتَّى إنْ كان بعضنا لا يطيق صبراً على البقاء في رحم أمّه، فيعجِّل بالهبوط منه قبل الشهر التاسع؛ فهو أيضاً، رغم ذلك، «ابن تسعة»)؛ وكلّنا دمنا أحمر مثل كلّ الناس (رغم أنَّ كلّاً منّا يتوهَّم أنَّ دمه أزرق، بخلاف كلّ الناس).

ولذلك، فإنَّه إذا اعتقد مسؤول ما أنَّه أُسيء إليه مِنْ أحد مواطنيه بشكل شخصيّ، وفشل في النظر إلى نفسه (والتصرّف) كشخص عامّ، فبإمكانه، في هذه الحالة، مثله مثل كلّ إنسان «غير عامّ»، أنْ يلجأ إلى المحاكم المدنيَّة، ويطالبها بإنصافه بموجب القوانين العاديَّة.. وليس بموجب قوانين خاصَّة مفصَّلة على مقاسه.

وأبعد مِنْ ذلك، فقد آن الأوان لإلغاء المحاكم الخاصَّة (والقوانين الخاصَّة)، كلَّها، وتوحيد القضاء وأساليب التقاضي. فبحسب الدستور، المواطنون جميعاً أمام القانون سواء.

والمؤسف، أنَّه لا الأحزاب، ولا القوى السياسيَّة، ولا النقابات، فتحتْ فمها لو بكلمة واحدة بشأن القضيَّة العادلة لمحمَّد السنيد. كلّهم يتحدَّثون بلا انقطاع في موضوع الحريّات ويزعمون انتصارهم للفقراء والمظلومين؛ لكن في هذه القضيَّة العيانيَّة التي يجتمع فيها موضوع الإفقار مع موضوع التجاوز على الحريَّات مع المظلوميَّة الواضحة، صمتَ الجميع صمت القبور، ناهيكم عن أنَّنا لم نرَ زيارات جماعيَّة أو فرديَّة تنظَّم إلى هذا السجين الذي يكاد أنْ يكون مقطوعاً مِنْ شجرة (مع أنَّه يصرّ حتَّى هذه اللحظة على أنْ لا يبيع مصالح الناس وحقوقهم مقابل حلّ مشكلته الشخصيَّة ومشكلة أسرته)، ولم يسأل أحدٌ عن أطفاله وأسرته؛ في حين رأينا، حتَّى قبل وقتٍ قصير، كيف كانت البيانات تصدر تباعاً، وحملات التضامن تتواصل بصورة منظَّمة، تضامناً مع أشخاصٍ لا ترقى قضاياهم في وضوحها وعدالتها إلى مستوى وضوح وعدالة قضيَّة محمّد السنيد!

محمَّد السنيد من المنتظر أنْ يمثُل غداً الخميس 22 كانون الثاني 2015 أمام «محكمة أمن الدولة»، وهو ينفي التهم المنسوبة إليه وينفي أنَّه أساء إلى أحدٍ بشكلٍ شخصيّ. وفي هذه الأثناء، يتحضَّر زملاؤه في نقابة عمّال المياومة للتجمّع غداً في الموعد المحدَّد أمام المحكمة تضامناً معه (هم الوحيدون، مع الأسف!، الذين يتضامنون معه).

ولكن حتَّى لو كانت التهمة المنسوبة إلى محمَّد السنيد صحيحة، ففي رأيي أنَّ المحاكمة التي ستجري غداً في ماركا لن تكون في الجوهر له؛ بل لـ«قانون إطالة اللسان» والقوانين الأخرى المشابهة وللمسؤولين والأشخاصّ العامّين الذين يقبلون على أنفسهم أنْ يُسجَن مواطن مِنْ بلادهم ويُحاكم لمجرَّد أنَّه «أطال لسانه» على «مقاماتهم الرفيعة».. مع أنَّه لم «يطله» في خصومةٍ شخصيَّة بينه وبينهم.. بل في أمرٍ يتعلَّق بالمسؤوليَّة العامَّة المناطة بهم؛ كما أنَّها محاكمة للعقليَّة الرسميَّة التي تصرّ على أنْ تحبس الدولة والمجتمع في قمقم مفاهيم متهالكة تنتمي إلى العصور الوسطى وقيمها؛ ومحاكمة للسياسات التي تصرّ على استمرار وجود المحاكم الخاصَّة والقوانين الخاصَّة، ولسياسات التعسّف في استخدام السلطة وتجويع الناس وإفقارهم وتحميلهم أعباء الإثراء الفاحش لبعض الفئات وتدفيعهم ثمن تطاول البعض على المال العامّ.. بلا حساب أو عقاب أو مساءلة.

أمَّا السجن، فمحمَّد السنيد لا يهابه ولن ينحني تحت وطأته؛ بل إنَّه ليس لديه ما يخسره بسببه؛ فهو (بلا مؤاخذة!) «على الحديدة»؛ بالفعل، على الحديدة؛ ولهذا السبب، بالذات، خرج على الناس شاهراً لسانه*!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*مِنْ وحي مقولة الإمام عليّ بن أبي طالب الشهيرة: «عجبت لمن لا يجد قوت يومه كيف لا يخرج على الناس شاهراً سيفه!»



#سعود_قبيلات (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خاب ظنّهم!
- الأمازيغي.. حارس المعبد
- بُركان متنقِّل
- مشهدا إعدام.. مِنْ يوميَّات سجين
- استرداد الصورة الغائبة
- التاجر الشهم الطيِّب والفلَّاح الماكر اللئيم!
- الحَبُّ والمِكيال
- فهد العسكر والاستثناء الذي يصنع القاعدة
- ما جرى لأسد محمَّد قاسم.. قبل «داعش» و«النصرة»
- أوَّاه!
- حَلَبٌ إلى كلِّ الممالكِ سُلَّمُ
- ها أنا قد أعددتُ المائدة!
- الذي رأى صورة «جبل الهيكل» على الدينار الأردنيّ!
- مومو والسيّد إبراهيم ورومانسيَّة زمن الرأسماليّة المتوحّشة
- عين العرب كوباني
- صكوك غفران السيّدين شتاينماير والفيصل
- مدرسة السجن
- اليوم الثالث مِنْ «يوميَّات سجين سياسيّ اسمه زعل»
- إلى الخلف در.. إلى الأمام سر..
- اليوم الثاني مِنْ «يوميَّات سجين سياسيّ اسمه زعل»


المزيد.....




- مبنى قديم تجمّد بالزمن خلال ترميمه يكشف عن تقنية البناء الرو ...
- خبير يشرح كيف حدثت كارثة جسر بالتيمور بجهاز محاكاة من داخل س ...
- بيان من الخارجية السعودية ردا على تدابير محكمة العدل الدولية ...
- شاهد: الاحتفال بخميس العهد بموكب -الفيلق الإسباني- في ملقة ...
- فيديو: مقتل شخص على الأقل في أول قصف روسي لخاركيف منذ 2022
- شريحة بلاكويل الإلكترونية -ثورة- في الذكاء الاصطناعي
- بايدن يرد على سخرية ترامب بفيديو
- بعد أكثر من 10 سنوات من الغياب.. -سباق المقاهي- يعود إلى بار ...
- بافل دوروف يعلن حظر -تلغرام- آلاف الحسابات الداعية للإرهاب و ...
- مصر.. أنباء عن تعيين نائب أو أكثر للسيسي بعد أداء اليمين الد ...


المزيد.....

- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد
- تحرير المرأة من منظور علم الثورة البروليتاريّة العالميّة : ا ... / شادي الشماوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعود قبيلات - طويل اللسان.. محمَّد السنيد!