أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - أوراق كتبت في وعن السجن - سعود قبيلات - مدرسة السجن














المزيد.....

مدرسة السجن


سعود قبيلات

الحوار المتمدن-العدد: 4603 - 2014 / 10 / 14 - 09:37
المحور: أوراق كتبت في وعن السجن
    



لقد تشرَّفتُ، ذات زمنٍ بعيد، بالعمل كمعلِّم في مدرسة سجن المحطَّة، عندما كنتُ سجيناً فيه. وقد تولّيتُ، آنذاك، بشكلٍ خاصّ، مهمّة تدريس الصفّ السادس الابتدائيّ (محو أُمِّيَّة)، في تلك المدرسة، كلَّ الدروس المقرَّرة له. وأذكر أنَّه كان مِنْ تلاميذي، في ذلك الصفّ، سجين محكوم بالإعدام بجناية القتل العمد. وقد كتبتُ مِنْ وحي مشاهدتي اليوميَّة له، وتأمّلي الدؤوب لحالته كإنسان ينتظر الموت في أيّ لحظة، وتأثّري العميق بذلك، قصَّتي «رحيل»، ذات الطابع الإنسانيّ الوجوديّ، المنشورة في كتابي «بعد خراب الحافلة». كما كان مِنْ تلاميذي، أيضاً، لصوص محكومون بقضايا مِنْ نوع «الكسر والخلع»، و«السطو المسلَّح»، و«النصب والاحتيال».. الخ؛ وكان منهم، كذلك، سجين محكوم بجناية التعامل مع العدوّ، وآخر كان مناضلاً في تنظيمٍ سياسيّ معروف وأصبح الآن عضواً في قيادته.
وكنتُ، آنذاك، أدرِّس، أيضاً، منهاج التاريخ لصفّ التوجيهيّ، في المدرسة نفسها. وأحد تلاميذي، في ذلك الصفّ، أصبح في التسعينيَّات إعلاميّاً معروفاً، وكان لفترة طويلة مديراً لمكتب إحدى الفضائيَّات العربيَّة الشهيرة في عمَّان.
وكان مِنْ بين زملائي في التعليم في تلك المدرسة (وجميعهم كانوا سجناء): هاشم غرايبة، الأديب الأردنيّ المعروف، وعماد الملحم، وهو الآن معلِّم في التربية. وقد كان دائم الحركة في أرجاء السجن؛ يُدرِّس تلاميذه، ويعلِّم نفسه أشياء كثيرة، ويخدم كلّ مَنْ يحتاج إلى خدمته من السجناء، بغضّ النظر عن أنواع القضايا التي سجنوا بسببها ومواقفه منها. ولذلك، فقد كان هاشم غرايبة يشبِّه عماد بالفراشة لكثرة تنقّله بين أماكن السجن والمساجين. وكان مِنْ زملائي المدرِّسين، كذلك، نبيل الجعنينيّ، رفيقي في الحزب الشيوعيّ الأردنيّ، وابن مدينتي مادبا، الذي كان مسيحاً حقيقيّاً؛ يتفقَّد جميع السجناء، يوميّاً، على اختلاف أسباب سجنهم؛ ويساعدهم، ويرعاهم، ويحلّ مشاكلهم؛ بوصفه، آنذاك، رئيس لجان السجناء المنتخب. وبصفته هذه أيضاً، كان مديراً لمدرسة السجن. وهذا إضافة إلى مشاركته بالتدريس في تلك المدرسة، ومسؤوليَّته عن سينما السجن ومكتبته، وإشرافه على الدورات التثقيفيَّة والتأهيليَّة التي كانت تُعقد في السجن آنذاك. ويجدر بي، هنا، وأنا أكتب مقالي هذا بوساطة الكمبيوتر، بأصابعي العشرة وبسرعة جيّدة، أنْ أشير إلى أنَّني تعلَّمتُ الطباعة بأصولها الصحيحة مِنْ خلال مشاركتي في دورةٍ مِنْ تلك الدورات كانت متخصِّصة بالطباعة وقد دامت ثلاثة أشهر. وكان نبيل، أيضاً، بحكم تخصصّه في المختبرات الطبيَّة، يعمل منفرداً في عيادة السجن.
ولذلك، كلّه، كان السجناء ينتخبونه، باستمرار، رئيساً للجنة الثقافيَّة ولكلّ اللجان الأخرى.
لقد كان سجن المحطَّة، آنذاك، يعيش وضعاً غريباً جدّاً؛ إذ بينما كانت البلاد، بمجملها، ترزح تحت وطأة الأحكام العرفيَّة، وبينما كان البرلمان معطَّلاً، وبينما كانت الأحزاب ممنوعةً (باستثناء «الإخوان المسلمين»)، كان السجناء في سجن المحطّة يملكون حقّ إدارة شؤونهم اليوميَّة المشتركة، وحلّ مشاكلهم بأنفسهم، وتنظيم مسارات حياتهم، وانتخاب ممثّليهم والمشرفين على إدارة شؤونهم الداخليَّة.. مرَّةً كلَّ عام، وينشطون سياسيّاً بصورة علنيَّة، وأحزابهم وتنظيماتهم معترفٌ بها عمليّاً (في السجن فقط، طبعاً).
ويجدر بي، الآن، أنْ أنوِّة بذكاء وحنكة مدير السجن في تلك الفترة، العقيد غالب الضمور، الذي كان مسؤولاً، بشكلٍ خاصّ، عن هذه المفارقة الفانتازيَّة بين سير الحياة في السجن وبين سير الحياة في البلاد ككلّ. أقول ذلك وأنا أتذكَّر أنَّنا كثيراً ما اصطدمنا به، آنذاك، نحن السجناء السياسيين، واشتدَّ الصراع، بيننا وبينه، لأسباب لا مجال لذكرها هنا. وليس نادراً ما وُضع بعضنا بسبب تلك الصراعات في قبو السجن الموحش. بل إنَّ كاتب هذا السطور، نفسه، تشرَّف بالإقامة في ذلك القبو بضع ساعات قبل انتهاء مدَّة محكوميَّته بعدَّة أشهر؛ لكنَّني، رغم ذلك كلّه، أجد أنَّ مِنْ واجبي، الآن، الإفصاح عن إعجابي بأسلوب العقيد غالب الضمور الحكيم ذاك في إدارة سجن المحطَّة، الذي عمل مِنْ خلاله على امتصاص أكبر قدر ممكن من المشاكل التي كان من الممكن لولا ذلك أنْ تقع في السجن. وبالتأكيد، هذا لا ينفي أنَّ كلّ ما تحقَّق للسجناء مِنْ مكاسب وحقوق، آنذاك، رافقته أو سبقته نضالات باسلة وصلبه للسجناء السياسيين.
كانت مدرسة السجن، في ذلك الوقت، تابعة لوزارة التربية والتعليم، وتحديداً لمديريَّة تربية منطقة المحطَّة (خارج السجن). وكان ثمَّة مشرف تربويّ يأتي مِنْ تلك المديريَّة، لزيارة السجن، مِنْ حينٍ لحين، لكي يفحص أوضاع المدرسة ويطَّلع على العمل الجاري فيها. كان اسم ذلك المشرف حمزة منصور. وهو، نفسه، الأستاذ حمزة منصور القياديّ المعروف الآن في «الإخوان المسلمين» وفي «جبهة العمل الإسلاميّ».
وختاماً أقول: لقد قصرتُ الحديث في مقالي، هذا، على مدرسة السجن؛ أي على المدرسة التي كانت فيه؛ أمَّا السجن، نفسه، كمدرسة، فيحتاج إلى حديثٍ يطول ويطول.



#سعود_قبيلات (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اليوم الثالث مِنْ «يوميَّات سجين سياسيّ اسمه زعل»
- إلى الخلف در.. إلى الأمام سر..
- اليوم الثاني مِنْ «يوميَّات سجين سياسيّ اسمه زعل»
- ماركس وأنجلز وبنو خالد
- شيءٌ مِنْ «يوميَّات سجين سياسيّ اسمه زعل»
- في «مليح» صرتُ ماركسيّاً*
- شيوعيّ وتكفيريّ في زنزانةٍ واحدةٍ!
- الشركات النفطيَّة في الثكنات..
- كلمة افتتاح الاجتماع الثاني ل-المجلس المركزيّ لاتِّحاد الشيو ...
- سعود قبيلات -رئيس اتِّحاد الشيوعيين الأردنيين - في حوار مفتو ...
- كلمة افتتاح المؤتمر التأسيسيّ لاتِّحاد الشيوعيين الأردنيين
- استعادة الذات
- معاً مِنْ أجل «اتِّحاد الشيوعيين الأردنيين» على طريق الجبهة ...
- اتِّحادٌ مِنْ طرازٍ جديدٍ
- إلى اليسار دُرْ
- الوحدة.. الوحدة
- شيء عن تجربة اتّحاد الشيوعيين الأردنيين..
- الماغوط .. الشاعر الجميل الأكثر جنوناً
- تلك الغيمة في بنطال تيسير سبول وماياكوفسكي
- الرحلة الروسيَّة


المزيد.....




- شاهد.. لحظة اعتقال اكاديمية بجامعة إيموري الأميركية لدعمها ق ...
- الشرطة الاميركية تقمع انتفاضة الجامعات وتدهس حرية التعبير
- صحف عالمية: خيام غزة تخنق النازحين صيفا بعدما فشلت بمنع البر ...
- اليونيسف تؤكد ارتفاع عدد القتلى في صفوف الأطفال الأوكرانيين ...
- يضم أميركا و17 دولة.. بيان مشترك يدعو للإفراج الفوري عن الأس ...
- إيران: أمريكا لا تملك صلاحية الدخول في مجال حقوق الإنسان
- التوتر سيد الموقف في جامعات أمريكية: فض اعتصامات واعتقالات
- غواتيمالا.. مداهمة مكاتب منظمة خيرية بدعوى انتهاكها حقوق الأ ...
- شاهد.. لحظة اعتقال الشرطة رئيسة قسم الفلسفة بجامعة إيموري ال ...
- الاحتلال يشن حملة دهم واعتقالات في الضفة الغربية


المزيد.....

- في الذكرى 103 لاستشهادها روزا لوكسمبورغ حول الثورة الروسية * / رشيد غويلب
- الحياة الثقافية في السجن / ضرغام الدباغ
- سجين الشعبة الخامسة / محمد السعدي
- مذكراتي في السجن - ج 2 / صلاح الدين محسن
- سنابل العمر، بين القرية والمعتقل / محمد علي مقلد
- مصريات في السجون و المعتقلات- المراة المصرية و اليسار / اعداد و تقديم رمسيس لبيب
- الاقدام العارية - الشيوعيون المصريون- 5 سنوات في معسكرات الت ... / طاهر عبدالحكيم
- قراءة في اضراب الطعام بالسجون الاسرائيلية ( 2012) / معركة ال ... / كفاح طافش
- ذكرياتِي في سُجُون العراق السِّياسِيّة / حـسـقـيل قُوجـمَـان
- نقش على جدران الزنازن / إدريس ولد القابلة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - أوراق كتبت في وعن السجن - سعود قبيلات - مدرسة السجن