أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - أوراق كتبت في وعن السجن - سعود قبيلات - اليوم الثاني مِنْ «يوميَّات سجين سياسيّ اسمه زعل»














المزيد.....

اليوم الثاني مِنْ «يوميَّات سجين سياسيّ اسمه زعل»


سعود قبيلات

الحوار المتمدن-العدد: 4585 - 2014 / 9 / 25 - 15:48
المحور: أوراق كتبت في وعن السجن
    



8/9/1979
موعد النوم المُتَّفق عليه في غرفتنا هو الثانية عشرة ليلاً. بعدها يتوقَّف السهر الجماعيّ والأحاديث بصوتٍ عالٍ. وهذا النظام ناتج عن اتّفاق داخليّ بين سكّان الغرفة أنفسهم. ولذلك، تختلف مواعيد النوم أو الصحيان وأنظمة الحياة مِنْ غرفةٍ إلى أخرى في الشبك، بل وفي السجن عموماً. أمَّا موعد الصحيان النهائيّ في غرفتنا فهو الثامنة صباحاً، ولا يجـوز بعدها – عُرفاً – أنْ يستمرَّ أحدٌ بالنوم. ومِنْ حق أيّ رفيق أنْ ينام باكراً في المساء، لكن بعد أنْ يتعشَّى، وليس مِنْ حقه في هذه الحالة أنْ يعترض على سهر الآخرين وما يسبِّبه مِنْ تنغيصٍ لنومه، إلى أنْ يحين موعد النوم الرسميّ في الثانية عشرة.. بعدها مِنْ حق أيّ رفيق أنْ يسهر أيضاً، لكن شريطة أنْ لا يتسبَّب سهره بإزعاج النائمين، كما أنَّ مِنْ واجبه أنْ يستيقظ صباحاً في الموعد المحدَّد.. بغضّ النظر عن مدّة سهره.
الآن الساعة تعدَّت الثانية عشرة ليلاً، وفي البرش المجاور لا يزال «نهار» سهراناً يكتب شيئاً ما. يليه زياد عمر وقد جلس في برشه يحضِّر دروساً في اللغة الإنجليزيَّة؛ حيث أنَّه يشرف على دورة للسجناء في هذا المجال. وفي الجهة الأخرى، أرى «عمران السبع» يقرأ ويكتب في الوقت نفسه. . ثمَّ هناك حسام نصري ورشود الجفَّال يجلسان متجاورين ويتحدَّثان بصوتٍ خفيض. أمَّا حسن، فأراه منكبّاً على تدوين شيءٍ ما في دفتره.. بينما يتردَّد خافتاً، مِنْ مذياعٍ صغير، صوتُ صباح فخري: يا مال الشام يللا يا مالي.. طال المطال يا حلوة تعالي.
أمَّا في الخارج، فالأشجار العالية، الَّتي تحدَّثتُ عنها أمس، يداعبها ريحٌ خريفيٌّ هو الأوَّل مِنْ نوعه منذ جئتُ إلى هنا. وهو ما يبعث في نفسي نوعاً رقيقاً من الحزن.. حيث أنَّ مشاعري في مثل هذا الطقس تصبح مرهفةً جدّاً.
وفي هذه اللحظة أفكِّر بأنَّني عشتُ حياتي بعمق.. وربَّما لهذا أجدني، بل ويجدني آخرون، أكبر مِنْ عدد سنوات عمري الحقيقيّ. نعم، أنا ما زلتُ في الثالثة والعشرين مِنْ عمري، لكنَّني أحسُّ أنْ زمناً طويلاً قد انقضى منذ فتحتُ عينيَّ على الحياة. والَّذين لا يعرفون عمري الحقيقيّ يتفاجؤون عندما يعرفونه، ويقولون مستغربين: لكنَّك تبدو أكبر مِنْ ذلك بكثير!
أستطيع القول إنَّ الحياة لم تمنحني فرصةً كافية لالتقاط الأنفاس ومراجعة الذات؛ فكانت هناك دائماً حالة من التسارع واللهاث تسيطر على حياتي، لا سيِّما في السنوات الأخيرة. لكنَّ هذا منحني، بالمقابل، القدرة على تذوّق بهجة الحياة بعمق، والتعرّف على أجمل المشاعر وأرهفها، الأمر الذي يمنحني شعوراً قويّاً بإنسانيتي.
الريح في الخارج ما زال يزأر. وقبل قليل جاء الرفيق نايل محمود، وهو رئيس منتخب لجميع لجان السجن.. وفي العادة يتأخَّر في الخارج بعد إغلاق الأبواب لمتابعة قضايا السجناء والعمل على حلِّها.
لقد جاء نايل وهو يشكو مِنْ برودة الطقس، أنا أيضاً – المسرور بموقع «برشي» المطلّ، والمتفاخر به حتَّى يوم أمس – بدأتُ أشعر بالبرد العابر إليَّ مِنْ خلل القضبان.
جاري «نهار» يحدِّثني هذه الأيَّام عَنْ قريته في الكرك. وقد شوَّقني بحديثه لزيارتها بعد الخروج من السجن.
واليوم هدأتْ حدَّة المناوشات بيني وبين حسن.. وحين رآني أعقد «معاهدة صداقة وحسن جوار» مع عمران السبع – بعد مناوشات طالت بيننا كذلك – قال إنَّه يشكُّ في إمكانيَّة استمرار هذه المعاهدة طويلاً.. غير أنَّه في أجواء الصلح تلك، ما لبث أنْ عرض عليَّ مشروعاً مماثلاً. لكن لمَّا كانت مناوشاتي معه تتَّسم بطابع أكثر عمقاً، دعوته إلى تأجيل البحث في هذا الأمر إلى إشعارٍ آخر.
غداً في السادسة صباحاً، سيخرج إلى ساحة السجن، للمرَّة الأولى، فريق «الأسد المرعب» الَّذي أسَّسه رفيقنا العزيز «نهار». وتنحصر أهداف هذا الفريق في ممارسة رياضة التمارين السويديَّة الصباحيَّة وإشاعتها بين سجناء الشبك رقم (1). وقد وعدتُ «الرفيق المؤسِّس» (وهو أيضاً الأمين العامّ للفريق) بأنْ أكون واحداً من المنتسبين إلى فريقه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


في سجن المحطَّة، قبل حوالي خمسة وثلاثين سنة. من اليمين (بالنسبة للناظر إلى الصورة): سعود قبيلات، الرفيق نبيل الجعنينيّ (شيوعيّ)، الرفيق سالم الشطرات* (مِنْ فتح)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*لطول المدّة التي مرَّتْ على التقاط هذه الصورة، لستُ متأكِّداً تماماً مِنْ أنَّ الجالس مع الرفيق نبيل الجعنينيّ (ومعي) هو الرفيق سالم الشطرات وليس سواه؛ فأرجو المعذرة إذا ما حدث أيّ خطأ في هذا المجال.



#سعود_قبيلات (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ماركس وأنجلز وبنو خالد
- شيءٌ مِنْ «يوميَّات سجين سياسيّ اسمه زعل»
- في «مليح» صرتُ ماركسيّاً*
- شيوعيّ وتكفيريّ في زنزانةٍ واحدةٍ!
- الشركات النفطيَّة في الثكنات..
- كلمة افتتاح الاجتماع الثاني ل-المجلس المركزيّ لاتِّحاد الشيو ...
- سعود قبيلات -رئيس اتِّحاد الشيوعيين الأردنيين - في حوار مفتو ...
- كلمة افتتاح المؤتمر التأسيسيّ لاتِّحاد الشيوعيين الأردنيين
- استعادة الذات
- معاً مِنْ أجل «اتِّحاد الشيوعيين الأردنيين» على طريق الجبهة ...
- اتِّحادٌ مِنْ طرازٍ جديدٍ
- إلى اليسار دُرْ
- الوحدة.. الوحدة
- شيء عن تجربة اتّحاد الشيوعيين الأردنيين..
- الماغوط .. الشاعر الجميل الأكثر جنوناً
- تلك الغيمة في بنطال تيسير سبول وماياكوفسكي
- الرحلة الروسيَّة
- أفضل مِنْ أن أكون على حق
- مثل كتلة من الرخام العاري
- رسائل حبّ عاملة النحل


المزيد.....




- مسؤول في برنامج الأغذية: شمال غزة يتجه نحو المجاعة
- بعد حملة اعتقالات.. مظاهرات جامعة تكساس المؤيدة لفلسطين تستم ...
- طلاب يتظاهرون أمام جامعة السوربون بباريس ضد الحرب على غزة
- تعرف على أبرز مصادر تمويل الأونروا ومجالات إنفاقها في 2023
- مدون فرنسي: الغرب يسعى للحصول على رخصة لـ-تصدير المهاجرين-
- نادي الأسير الفلسطيني: الإفراج المحدود عن مجموعة من المعتقلي ...
- أمريكا.. اعتقال أستاذتين جامعيتين في احتجاجات مؤيدة للفلسطين ...
- التعاون الإسلامي ترحب بتقرير لجنة المراجعة المستقلة بشأن الأ ...
- العفو الدولية تطالب بتحقيقات دولية مستقلة حول المقابر الجما ...
- قصف موقع في غزة أثناء زيارة فريق من الأمم المتحدة


المزيد.....

- في الذكرى 103 لاستشهادها روزا لوكسمبورغ حول الثورة الروسية * / رشيد غويلب
- الحياة الثقافية في السجن / ضرغام الدباغ
- سجين الشعبة الخامسة / محمد السعدي
- مذكراتي في السجن - ج 2 / صلاح الدين محسن
- سنابل العمر، بين القرية والمعتقل / محمد علي مقلد
- مصريات في السجون و المعتقلات- المراة المصرية و اليسار / اعداد و تقديم رمسيس لبيب
- الاقدام العارية - الشيوعيون المصريون- 5 سنوات في معسكرات الت ... / طاهر عبدالحكيم
- قراءة في اضراب الطعام بالسجون الاسرائيلية ( 2012) / معركة ال ... / كفاح طافش
- ذكرياتِي في سُجُون العراق السِّياسِيّة / حـسـقـيل قُوجـمَـان
- نقش على جدران الزنازن / إدريس ولد القابلة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - أوراق كتبت في وعن السجن - سعود قبيلات - اليوم الثاني مِنْ «يوميَّات سجين سياسيّ اسمه زعل»