من وحي الثلج وصور البؤساء: ابقى ايها الثلج

محمود نزال

الحوار المتمدن-العدد: 4685 - 2015 / 1 / 8 - 02:34
المحور: الارهاب, الحرب والسلام
    

منذ زمن بعيد وصورة الثلج ترتسم في ذهني كرمز للنقاء والعفة والطهارة وربما جاء هذا التصور والإيحاء من لون الثلج الأبيض الناصع, ومنذ طفولتي وأنا اسمع بان فلان له قلب ابيض كالثلج لإعطاء صورة جميلة عن هذا الشخص وككنية عن طيبة قلبه ونقاءه وصفاءه، ولكن بالمقابل قد يكون الثلج رمزا للموت البطيء والقاسي بسبب تلازمه مع تيارات باردة ومتجمدة وهبوط درجات الحرارة بشكل حاد، أو قد يكون السبب الرئيس لجلطة دماغية في حال متابعة بعض القنوات الاخبارية، او قد يكون سببا لتوقف القلب في حال مشاهدة ما ينشر من مآسي أطفال عبر بعض مواقع التواصل الاجتماعي.
تجاهل الثلج أن الارث الصحراوي حين يجبل برأس المال اللاأخلاقي، يحتم على الانسان وجوب التجرد من فطرته وطبيعته الإنسانية ويتحول إلى قواد يعرض نفسه في سوق النخاسة يستجدي عبدا للعمل كعبد وضيع عند سيد العبد الأكبر (السمين) عله يستطيع تأمين لقمة عيشه وأطفاله أو ينال قسطا من المال يغطي بعض احتياجاته للنيل ببعض دفء لجسده على حساب روحه وكرامته في حال لم يكن الجشع قد استحوذ عليه بعد.
أيها الثلج ألا تعلم بان عدم قدومك خير للبشر؟! لقد علمتني الصحراء أن الألوان والفصول قد لا تحقق ما يفترض البشر أنها تحقق، فاللون الأخضر ينم عن الحياة والطبيعة والجمال، ولكن ما حدث في الصحراء جعلني أدرك أن ليس كل ما لونه اخضر ينبئ بالربيع حيث الربيع يعني الجمال والطبيعة والخصوبة والعطاء، تماما مثلك يا ثلج عندما تقتل، فأنت غالبا ما تبشر بالطهر والخير ولكنك في أوقات كثيرة تتسبب بالقتل، عهدتك يا ثلج بأنك تأتي لكل البشر(الخيرين والأشرار)، أترى (بضم التاء) اكتشفتهم وعرفت حقيقتهم المؤلمة حين يسرقون ويصادرون الخبز من أفواه الجائعين ليوفروه ويذهبوا به إلى قصور أسيادهم وبالمقابل يجوع العبد لصالح السيد، أتفهم أسبابك في قدومك حيث تريد أن تذوب في التراب كما يذوب صديقي العاشق المراهق في حبيبته وطن، متجاهلا حقيقة أن ترابنا مدنس، حيث نمارس جميع الجرائم والرذائل فوقه من سرقة الخبز الى قتل النفس التي حرم الله ودفنها فيه، نرى اطفالا يموتون جوعا، وآخرين يموتون بردا، في نفس الوقت الذي نرى فيه سيارات الدفع الرباعي يتم تخصيصها لكل ما يستفز الوجدان الانساني، خدعت نفسك حين قبلت لنفسك الذوبان في ارض غير نقية، وممارسة العشق مع أرض غير طاهرة، اعرف بأنك تعرف أن الكل يزني ويغتصب هذه الأرض.
أيها الثلج ابقى وقم باغراق العالم بالحب بدلا من إغراقه بالموت، قم بإيقاظ الضمير الانساني، بلل الثكالى والأطفال الحزانى بالحب والأمل والفرح، قم باحداث الأعاصير والفيضانات لعل تجار الموت والدين والوطنية يختبئون ويتوقفون عن إنهاء حياة البشر رغم ملكيتهم الحصرية لسيارات الدفع الرباعي وكافة وسائل الراحة التي تمنح لهم كامتيازات مقابل عرض انفسهم في سوق النخاسة وكبدل لانسانيتهم وكرامتهم التي تجردوا منها.
لا تيأس حين تألم لرؤية العالم متحولا الى كتل من الحقد والسادية، لا تخف ولا تتعجب حين ترى الكل يدعي الألوهية وبان مساعيه نظيفة وانه يسعى إلى تحقيق الخير لكل الناس، وبأنه المخلص والذي يمتلك العصا السحرية لتخليص البشرية، ولا تشعر بالاشمئزاز والقرف حين ترى البعض ينظرون ويبيعون شعارات بدون خجل عن الحب والخير والسلام والتنمية التي يكون فيها الانسان الغاية والوسيلة في حين تكون أيديهم ضاغطة على الزناد لتحقيق الموت وزرع البؤس والشقاء والظلم والقهر والفقر. لا تتراجع حين ترى العالم الثالث والمتقدم والصحراوي والمتحضر على حد سواء متحولا إلى كيانات وقطعان تعشق السادية وتستمتع بالكهنوت.
اصمد حين تجد البعض او الغالبية قد شوهوا الديانات وصورة الخالق، فكثير هم الذين يستغلون الدين لإدانة الآخرين، كل قطيع أو مجموعة دينية أو حزبية تكفر الآخرين أو تخونهم وتكن لهم كراهية قد تكون أسبابها اقتصادية أو سياسية، ولكنها تجد تنفيساً عنها في إطار ديني لأن الدين هو النافذة الشرعية التي لا يدينها الآخرون (عبدة الرموز والشخوص خاصة الحقيرة والقذرة) بل بالعكس يتعاطفون معها ويستغلونها اشر استغلال.
ايها الثلج اعصف بكل من لا يؤمن بعظمة الحب لكل البشر، قم بري النفوس وجردها من النجاسة والعهر الأخلاقي والأنانية القاتلة على حساب البؤساء، لعل وعسى أن يتقاسموا الخبز.
اقتل كل من يقتل وينهب باسم الثورة، لأن الثورة الحقيقية هي التي تنتج الحب والسلام لا الكراهية والأحقاد والأموات. سلح العالم بسلاح فتاك يفتك بكل الأشرار شريطة أن يكون تعميريا وليس تدميريا، سلاح يعمر العالم اجمع، سلاح تتقاسمه البشرية جمعاء، سلح وتسلح بالحب.

#محمود_نزال (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات