صلاح يوسف
الحوار المتمدن-العدد: 4660 - 2014 / 12 / 12 - 09:37
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
ليست وظيفة الفكر أن يعلن الشر الكامن في الموجودات، بل أن يستشعر الخطر الكامن في كل ما هو مألوف، وأن يجعل من كل ما هو راسخ موضع إشكال !! – ميشيل فوكو.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كتب شامل عبد العزيز مقالاً – يعتقد هو – أنه يحمل فكراً جديداً، فهو يهاجم الشيوعية والليبرالية، ويحاول تبرئة الإيمان الديني ( خاصة الإسلامي ) من التخلف الذي يهاجم العقل العربي والإسلامي منذ ما يزيد على 1400 عام ..
المقال احتوى على أسماء كثيرة وإحصائيات وأرقام، لكنه لا يطرح لنا ما البديل ؟؟ هل البديل معتقدات الشيعة ؟؟! أم السنة ؟؟! أم الحركة الصهيونية التي لا يخجل بالدفاع عن ممارساتها الإجرامية ؟؟!
يطرح الكاتب مقارنة مسيحية أثيوبيا بمسيحية سويسرا للدلالة على أن الدين لا علاقة له بالتقدم والتخلف، دون أن يفهم أن أوروبا قد تجاوزت المعتقدات المسيحية منذ عصر النهضة. بل على العكس من ذلك، لقد كان للاكتشافات العلمية الأوروبية أثر هام في دحض المعتقدات المسيحية، وبالذات اكتشاف كوبرنيكوس لكروية الأرض واكتشاف جاليليو لدورانها حول نفسها واكتشاف – من ثم – مركزية الشمس بدلاً من الأرض ( المسطحة )، حيث كانت الكنيسة تؤمن بمعتقدات الإغريقي بطليموس حول الأرض.
لكن الكلام عن الاكتشافات يقودنا إلى كيفية زوال وانتهاء ما يسمى بعقيدة " الرعد " التي ميزت الأديان الإبراهيمية بل والهندوسية والبوذية القديمة، حيث اعتقد الإنسان القديم أن الرعد ( ملك موكل بالسحاب / محمد ) أو أنه صوت صادر عن الإله عندما يغضب ( الهندوسية )، وفي القرآن ( هو الذي يريكم البرق خوفاً وطمعاً ) ولنا أن نتخيل مدى خوف الإنسان القديم من ظاهرتي البرق والرعد. لكن هذا كان قبل اكتشاف الكهرباء عام 1600 على يد الطبيب الإنجليزي وليام هلبرت. الآن الرعد لا يخيف الأطفال لأنهم باتوا يفهمون أن الرعد ما هو إلا تفريغ كهربي بين الشحنات الموجبة والشحنات السالبة. عقائد الرعد انتهت فقط بعد اكتشاف الكهرباء !!
العقل Mind ليس هو الدماغ Brain وإن كان العقل من وظائف الدماغ، فالعقل هو التفكير أما الدماغ فهو الجهاز العصبي الموجود في داخل جمجمة الرأس. مئات العلماء ألفوا كتبهم عن مفهوم العقل وطبيعة تكوينه، ودور الرياضيات وألعاب التفكير مثل الشطرنج في تنمية القدرة على التفكير، وهناك العديد من ألعاب الفك والتركيب وإعادة البناء لتنمية التفكير الناقد critical والإبداعي creative.
ونعود إلى مقال السيد شامل الذي احتوى على مقارنات ومغالطات أقل ما توصف بأنها " غير صحيحة " لكي لا نقول " ساذجة "، فهو يطرح مقارعة الشعار ": الإسلام هو الحل " بشعار من عنده وهو " الإلحاد هو الحل " وكأن عدد الملحدين في العالم العربي قد يقارن بعدد المؤمنين الذين يتم توريثهم معتقدات الإسلام بالترغيب والترهيب قبل بلوغهم السن القانونية !
ورغم أن ماليزيا وتركيا بها شعوب مسلمة ( وليس إسلامية )، إلا أن مفهوم الإسلام كما تطرحه السعودية وتنظيماتها السنية ( القاعدة وداعش وجند الإسلام ولواء التوحيد وبوكو حرام وغيرها ) مختلف تماماً عن مفهوم الإسلام في تركيا العلمانية أو ماليزيا العلمانية كذلك.
أما بخصوص موجة الإلحاد العالمية، فإن نسبة المسجلين في دولة عظمى مثل ألمانيا تفوق 83 % كما بلغت نسبة الإلحاد في دولة متقدمة مثل السويد لأكثر من 85 %، أما نسبة الملحدين في الدول الإسلامية فغير معروفة ولا يمكن الجزم بها لعدم وجود حرية التفكير والاعتقاد في تلك الدول، أما الإحصائية المذهلة فهي تلك الصادرة عن الجمعية الوطنية الأمريكية للعلوم AAAS ( American Association for the Advancement of Science)عام 2011 والتي تقرر أن نسبة الملحدين بين العلماء تقدر ب 97 % .. هؤلاء هم المقياس والمعيار وليس الولايات الخمس التي لا تعادي نظرية التطور ( إن كان هذا صحيحاً ) ! لماذا هذه النسبة أقرب للواقع والحقيقة ؟؟! لأن العلماء بطبيعتهم يمتلكون عقولاً علمية " وليس ميتافيزيقية = غيبية ".
ويكيبيديا: أغلب علماء هذا العصر ملحدون لأنهم لا يؤمنون سوى بالمنهج العلمي (الملاحظة، الفرضية، التجربة، الاستنتاج)، فيعتقدون أن أي شيء خارج هذه المنظومة سيؤدي إلى التشويش على النتائج العلمية ويكون على حساب دقّتها، وأعني بأي الشيء (العاطفة، الدين، الجنسية، الأهواء الشخصية..إلخ).. فقد تخدش هذه الانتماءات في صحة الاكتشاف كأن يتغاضى أحدهم عن نظرية ما لأنها لا تتوافق مع دينه وعقيدته.
أتساءل ما معنى أن تكون هناك مدارس ومعاهد وجامعات ؟؟! لماذا يكون هناك تعليم ؟؟؟ لتحفيظ القرآن مثلا والسنة المطهرة كما لدينا ؟؟! أم للتحريض ضد العلم وضد نظرية التطور لترسيخ التخلف الذي يدفع شامل باتجاهه من خلال تلميحه لبطلان نظرية التطور ومثله الأعلى هو خمس ولايات أمريكية من أصل 50 ولاية !!
لو كان التطور ليس حقيقة، فكيف تنشأ البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية وهي بدون شك تعتبر كائنات حية جديدة ؟؟! كيف تتحول دودة القز في نهاية عمرها إلى فراشة تطير بدلاً من أن تزحف ؟؟! كيف تتطابق الخارطة الجينية للشامبانزي مع خارطة البشر بنسبة 96 % ؟؟! حتى الفاتيكان اعترف بحدوث التطور، ولم يبق في الكون سوى المسلمين الذي يرفضون التخلي عن فكرة آدم لوجود البشرية، رغم أن أي فحص للحمض النووي بين البشر يثبت بما لا يقطع مجالاً للشك بأنه لا يوجد أب واحد لكل البشر كما تفترض الأسطورة الإبراهيمية.
حتى تقدم العلوم في العصر العباسي الأول حدث رغماً عن أنوف رجال الدين والسلفيين والحنابلة، وهاكم برهان لعدم وجود الله قدمه أبو حيان التوحيدي عندما سئل عن الله:
1- الله شيء أو لا شيء .... ( ليس ثمة احتمال ثالث )
2- الشيء يمكن قياسه
3- الله لا يمكن قياسه
إذن الله لا شيء !!!
أما شيخ الملاحدة في عصره " ابن سينا " فقد تساءل ( لماذا خلق الله الكون ؟؟! هل كان الإله يعوض نقصاً لديه بهذا الخلق ؟؟! الله لو صح وجوده كامل .. إذن الكون غير مخلوق !! ).
ابن الرواندي " من أشهر ملاحدة العصر العباسي "، كتب ذات مرة يسخر من نزول الملائكة في معركة بدر فقال ( لو صح نزول الملائكة في معركة بدر فإن هؤلاء الملائكة مغلولي الشوكة قليلي البطش، فإنهم على اجتماع أيديهم وأيدي المسلمين لم يقتلوا من قريش سوى سبعين رجلاً !! ).
لذلك لا نستغرب من وجود مواقع سلفية تتهم كوكبة من علماء العصر العباسي بالكفر والإلحاد والفسوق، بضمنهم الرازي وابن الهيثم والتوحيدي وابن الرواندي والبيروني وابن قرة وجابر بن حيان وغيرهم من المبدعين.
لو كان التخلف غير ذي صلة بالمعتقدات الدينية ففيم قتل فرج فودة ؟ وكيف تم تكفير طه حسين ؟ ولماذا هاجر نصر حامد أبو زيد إلى هولندا ؟؟ ولماذا قتل الباحث والمفكر حسين مروة ؟؟! ولماذا كتب الهادي العلوي " تاريخ التعذيب في الإسلام " ؟؟! ولماذا يقوم الفلاسفة والمفكرون بنقد العقل العربي ( الجابري والأنصاري وسيد القمني وخليل عبد الكريم وغيرهم ) ؟؟!
مقال شامل الذي يساوي بين العلم والمعتقدات الغيبية ليس سوى شطحة غير موفقة بالمرة تعكس مدى جهل الكاتب بمفهوم العقل أو تاريخ تطور العلوم.
نلتقي على خير
#صلاح_يوسف (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟