أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود شقير - قصة: بيان














المزيد.....

قصة: بيان


محمود شقير

الحوار المتمدن-العدد: 4645 - 2014 / 11 / 27 - 12:12
المحور: الادب والفن
    


وصلنا القاعة متأخرين، فالمطر الغزير لم يتوقف عن الهطول منذ ساعات، وموعد الاجتماع المبكر لم يكن مواتياً، ومع ذلك فقد اختصرنا ساعة النوم اللذيذة في فترة ما بعد الغداء، واتجهنا الى القاعة متدثرين بمعاطفنا الصوفية بعد أن أوقفنا سياراتنا في الساحة التي يغسلها المطر، غادرنا السيارات وهن يرمقننا مثل نسوة شهوانيات فيما كنا نبتعد عنهن مضطرين.
صعدنا الدرجات النظيفة وكلنا يقين بأن بعض المتحذلقين لن يجعلوا الاجتماع ينقضي سريعاً كما نحب، ولا بدّ من أن يعكروا صفونا باقتراحاتهم الثقيلة. دلفنا عبر الباب الزجاجي الذي ينفتح تلقائياً وفق تعليمات جهاز تقني دقيق، فرحنا لأن سيارات الشرطة المعنية بمراقبة التحشدات لم تكن حول المبنى ولا في أية ناحية من نواحيه، فنحن في كل الأحوال لا نخرق القوانين، فهذا أمر لطالما حفظناه حتى أتقناه.
اجتزنا الممر الطويل الذي ترصع سقفه ثريات متألقة حالمة، وعلى السجاد ذي الوبر السميك داست أحذيتنا التي بللها المطر. انعطفنا يميناً نحو القاعة الرصينة التي تغطي نوافذها الواسعة ستائر الحرير. كنا نعرف أن الحوار قد يمتد وقتاً طويلاً بفعل حذلقة المتحذلقين الذين قد يجرّون علينا موقفاً لا تحمد عقباه، ثم إن لدينا مواعيد أخرى تنتظرنا ولا تحتمل التأجيل: في السادسة مثلاً علينا أن نكون في المطار لنودع أخانا السفير الذي لطالما سهرنا وإياه، وتداولنا في شؤون بعضها قريب وبعضها بعيد. في السابعة لا بد من أن نعود صديقنا الوزير الذي أقيل قبل الأوان، وهو الآن مريض أو متمارض، فالأمر سيّان، وقد يعود له ذات يوم النفوذ، فلا بدّ من أخذ الأمر بالحسبان، وفي التاسعة ثمة حفل راقص نستعد له منذ أيام، ولن نتردد الليلة عن مراقصة النساء الجميلات اللواتي يعشقن الرقص في جو المطر، لكي يزدن التصاقاً بنا ونزداد التصاقاً بهن، ونحن نخاصرهن في الصالة البهية تحت الأضواء التي تخفت حيناً ثم تندلع حيناً آخر.
وكما توقعنا، فقد كان المتحذلقون السفلة يترصدون كل فرصة سانحة، تحدثوا باستفاضة عن الدم النازف في المخيمات، ثم استنكروا مجرد الاكتفاء ببيان باهت – على حدّ زعمهم – لا يشير إلى الجريمة بوضوح. غطسنا في دفء المقاعد ولم نتفوه بكلمة، فنحن نعلم أن ثمة أخوة لنا جاهزين للرد على كل الحذلقات، لأننا لا نريد أن نغضب أحداً هنا أو هناك، ولا نريد أن يظن أحد ما أن بياننا موجه إليه دون غيره من عباد الله، صحيح أن ثمة دماً ينزف، وعلينا أن نثبت أن الدم لا يصير ماء، غير أن الأمور ليست بمثل هذه البساطة، ولا بد من توخي الحذر في كل ما نفعل أو نقول، ثم لماذا كل هذا التنفّج والتحذلق والخوض في المحظورات، ونحن لنا حدود بينات لا نستطيع تجاوزها بأية حال!
امتد الحوار وطال، كدنا نغفو في مقاعدنا الوثيرة تحت طقس القاعة الدافىء وبهاء الستائر الممتدة على الجدران بحشمة واعتدال، غير أن إخوتنا الذين لا يخيبون آمالنا في مثل هذه المناسبات، حسموا النقاش أخيراً، وأعلنوا أن الدم المراق عزيز على كل واحد منا، ثم قرأوا صيغة بيان لا يسبب إحراجاً لأحد. صفقنا بتؤدة ووقار، ثم غادرنا القاعة، ركبنا سياراتنا المستسلمات تحت المطر، وسارعنا إلى قضاء واجباتنا الملحة قبل أن نمضي في رحلة الليل البهيجة بين صالات الرقص وأجساد النساء الحسان، حيث نكون آنذاك قد نسينا البيان والدم المراق، والعالم كله بما فيه المخيمات.



#محمود_شقير (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصة: كلاب
- قصة قصيرة جدًّا: أرغفة
- قطط
- الاحتفال
- مطر
- زمن آخر
- الطفل ينام
- المرأة والحصار
- حالة
- زجاج
- أين نسهر هذا المساء؟
- عمي الحاج
- الحفلة
- رمل وماء وهواء
- إيقاع الحليب
- مقعد بابلو عبد الله
- جدار أكاديمي
- ابنة خالتي كوندوليزا
- عيون موراتينوس
- الوليمة


المزيد.....




- يتصدر عمليات البحث الأولى! .. فيلم مشروع أكس وأعلى الإيردات ...
- المخرج علي ريسان يؤفلم سيرة الروائي الشهيد حسن مطلك وثائقياً ...
- فنانون سوريون ينعون ضحايا تفجير كنيسة مار إلياس
- المفكر الإيراني حميد دباشي.. التصورات الغربية عن الهوية الإي ...
- فيلم -باليرينا-.. درس جديد في تصميم الأكشن على طريقة -جون وي ...
- التشادي روزي جدي: الرواية العربية طريقة للاحتجاج ضد استعمار ...
- ما آخر المستجدات بحسب الرواية الإسرائيلية؟
- تردد قناة ماجد الجديد لأطفالك 2025 بأحلى أفلام الكرتون الجذا ...
- -أسرار خزنة- لهدى الأحمد ترصد صدمة الثقافة البدوية بالتكنولو ...
- بمناسبة أربعينيّته.. “صوت الشعب” تستذكر سيرة الفنان الراحل أ ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود شقير - قصة: بيان