أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فؤاد النمري - أزاهير الربيع العربي لن تثمر















المزيد.....

أزاهير الربيع العربي لن تثمر


فؤاد النمري

الحوار المتمدن-العدد: 4635 - 2014 / 11 / 16 - 18:04
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


أزاهير الربيع العربي لن تثمر

كنت قد كتبت مؤكداً أن أزاهير الربيع العربي لن تثمر حين تفتحت أولى براعمه في 14 فبراير 011، وحسبت أن الأسباب التي قدمتها لتؤكد أن هذه الأزهار لن تعقد ثمراً كانت واضحة ولا سبيل لإنكارها أو النقاش فيها . غير أن ما فاجأني حقاً هو أن أحداً من مئات الكتاب الذين كتبوا عن الربيع العربي، ومنهم اليساري أو الليبرالي أو حتى الماركسي، وجميعهم عبروا عن دهشتهم لماذا أي من أزاهير الربيع العربي لم تثمر ثمراً طيباً زكياً، وهو ما يؤكد أن أحداً منهم لم يأخذ بأسبابي، الأمر الذي يستدعيني لأن أشكك في مستوى هؤلاء الكتاب على مختلف ألوانهم . إن الأسباب التي قدمتها برهاناَ على عقور أزاهير الربيع العربي هي دلالات قاطعة مانعة لا سبيل لإنكارها أو القفز عنها طالما أنها استحقاقات تاريخية ومن مقتضيات التطور الأولية .
قصور هؤلاء الكتاب من المثقفين وأنصاف المثقفين لا أعلله إلا بالمثالية وهي أشبه بالميكروب سهل الإنتقال والعدوى يصيب الكاتب دون أن يشعر، كأن يجتمع شابان عربيان في فضاء الحرية الرحيب الذي وفره خروج الاتحاد السوفياتي من الحرب كأقوى قوة في الأرض ويعبران عن أشواقهما في الوحدة العربية والحرية والاشتراكية ويشكلان حزباً لا تقوم له قائمة على الأرض خاصة وأنهما يسفّان في عدائهما لقوى الحرية الرئيسة في العالم التي مكنتهما من التعبير عن أشواقهما الفنتازية وهي الإتحاد السوفياتي . المثاليون لا يقرؤون التاريخ كما هو في حقيقته، بل يقرؤون تاريخاً آخر يصنعونه في مخيالهم مطابقاً لرغباتهم، على خلاف ما يقرأ الماركسيون التاريخ، حيث الماركسية إنما هي قبل كل شيء آخر قراءة التاريخ على حقيقته بموضوعية وبدقة تامة ، ولذلك ترى الماركسيين يستقرؤون التاريخ على أكمل وجه وخير مثال على ذلك هو أن أهل الإختصاص الماركسي توقعوا انهيار الاتحاد السوفياتي والثورة الاشتراكية في وقت مبكر، فقد تخوّف لينين من الإنهيار في رسائله إلى المؤتمر العام الثاني عشر للحزب الشيوعي في العام 1923، وتخوف ستالين من الانهيار في 1951 أثناء الندوة الاقتصادية وفي 1952 أثناء انعقاد المؤتمر العام التاسع عشر للحزب . وفي العام 1963 كنت أنا التلميذ الماركسي اللينيني قد حذرت الحزب الشيوعي الأردني من أن الإتحاد السوفياتي سينهار في العام 1990 إن ظل منتهجاً النهج التحريفي لخروشتشيف . كنا نتوقع نحن الماركسيين اللينينيين انهيار الاتحاد السوفياتي في حين اعتبره الكتاب البورجوازيون وأنصاف الماركسيين زلزالا عالمياً بدلالة المفاجأة غير المتوقعة ، ومن أطرف الطرائف هو أن الكتاب البورجوازيين الذين تفاجأوا بانهيار الاتحاد السوفياتي كزلزال يوردون الانهيار كحجة علينا !!
الذين يدهشهم عقور أزاهير الربيع العربي لا يقرؤون التاريخ على حقيقته، فهم لا يعلمون شيئاً عن ثورة التحرر الوطني التي اجتاحت العالم والعالم العربي بشكل خاص 1946 ـ 1972 وما انتهت إليه . لماذا تعالت الثورة العربية بقيادة جمال عبد الناصر 1952 ـ 1970 ثم فجأة انهارت بقيادة أنور السادات !! لماذا فشلت ثورة صن يات سن 1912 في الصين وخاب أملة في المستعمرين اليابانيين، ولماذا فشلت ثورة الشريف حسين في العالم العربي الأسيوي 1916 وخاب أمله في المستعمرين الإنكليز !! لعل أول من يعطي إجابة على هذه التساؤلات هو الحكيم والمناضل الوطني الصيني صن يات سن الذي تعاون مع الرأسماليين اليابانيين مؤملاً مساعدتة في إنجاز استقلال الصين ثمّ تبيّن له بعد سنوات أن أصدقاءه اليابانيين ما هم إلا إمبرياليون يمعنون في استعمار الصين واستغلال شعوبها فأدانهم وأعلن عداءه الصريح لهم وانضم فيما بعد إلى الأممية الشيوعية كعضو شرف مع بداية العشرينيات، وكذلك أعلن الشريف حسين خيبة أمله بعد أن نكث الانكليز بوعدهم له في تأييد اقامة مملكته المتحدة المستقلة والتي تضم الأقطار العربية الأسيوية، فكان أن قوض الإنكليز مملكته في الحجاز إعتماداً على آل سعود واعتقلوه ونفوه إلى قبرص حتى وفاته .

في مطالع القرن العشرين، وكان النظام الرأسمالي العالمي قد عبر إلى مرحلة الإمبريالية، إقتسمت عدة دول رأسمالية إمبريالية كامل سطح الكرة الأرضية تقريباً وهو ما مكّنها من تطبيق مبدأ القطيعة الرأسمالية الذي يحول دون وصول الدول الأخرى إلى بناء اقتصاد مستقل قائم على الذات . من خلال تطبيق مبدأ القطيعة الرأسمالية حالت القوى الإمبريالية من وصول الثورة الصينية والثورة العربية الكبرى إلى الهدف الرئيسي وهو الاستقلال وفك الروابط مع مراكز الرأسمالية الإمبريالية بالرغم من أن الثورتين الصينية والعربية تمتعتا بتأييد شعبي واسع . كانت الدول الرأسمالية الإمبريالية تمارس مختلف صنوف البطش والتنكيل بحق الشعوب التي تطالب بالحرية والاستقلال بل يصل بها الأمر لأن تتحارب فيما بينها لإعادة إقتسام المستعرات من جديد كالحرب العالمية الأولى التي أهلكت الحرث والنسل في أوروبا .

إنبثق عن الحرب العالمية الأولى دولة الشيوعيين البلاشفة في روسيا التي أعلنت ثورة التحرر السياسي والاجتماعي ضد الرأسمالية الإمبريالية في العالم كله . اجتمعت كل الدول الرأسمالية الإمبريالية ومستعمراتها التابعة في إئتلاف ضم أربع عشرة دولة أرسل تسعة عشر جيشاً إلى روسيا "لخنق البلشفية في مهدها" كما رفع وزير الحرب البريطاني آنذاك ونستون تشيرتشل شعار تلك الحرب غير أن البلاشفة الروس تمكنوا من سحق كل تلك الجيوش وردوها خائبة إلى بلادها لتنمو وتتعاظم أول دولة للعمال في العالم وتأخذ دورها في تقرير السياسات الدولية . فكانت المؤامرة الكبرى على الاتحاد السوفياتي التي اشترك فيها الرأسماليون الإمبرياليون ممثلين بدالاديه رئيس فرنسا وتشيمبرلن رئيس وزراء بريطانيا، والنازيون ممثلين بهتلر والفاشيون ممثلين بموسوليني . إجتمع هؤلاء في مؤتمر ميونخ في سبتمبر ايلول 1938 حيث أعدت الطبعة الزرقاء للحرب على الاتحاد السوفياتي وكان أن قدمت بريطانيا وفرنسا منطقة السوديت من تشيكوسلوفاكيا بالإضافة إلى النمسا عربون محبة ووفاء إلى صديقهم وشريكهم في العداء للإتحاد السوفياتي وللشيوعية أدولف هنلر.
مقابل ذلك الحلف غير المقدس لم يكن أمام القيادة السوفياتية لتحاشي الحرب سوى أن تعقد مع هتلر اتفاقية عدم إعتداء بعد أن رفضت كل من بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة عقد تحالف ضد النازية مع الاتحاد السوفياتي . إتفاقية مولوتوف ـ روبنتروب 23 أغسطس 1939 كان لها الفضل في تأجيل العدوان النازي على الاتحاد السوفياتي لعشرين شهراً ـ وليس لستة وعشرين شهراً كما توقع ستالين ـ وكان لها الدور الحاسم في انعطاف مسار السياسة العدوانية الهتلرية فتغدى هتلر بشركائه فرنسا وبريطانيا قبل أن يتعشى بالاتحاد السوفياتي . شدقا هتلر لم يتسعا للشيوعيين البلاشفة فكان أن تعشى الشيوعيون البلاشفة بهتلر قبل أن يتعشى بهم . خرج الاتحاد السوفياتي من الحرب كأقوى قوة في الأرض وأقوى من مجموع الدول الرأسمالية الأربعة الكبرى، الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا واليابان التي ما كانت لتنهزم أمام الولايات المتحدة بفعل قنبلتيها الذرينين اللتين استهدفتا المدنيين إنتقاما لبيرل هاربر، فالماكينة الحربية اليابانية لم تتأثر بإلقاء القنبلتين الذريتين واستمرت تحارب بكل قوتها لثلاثة أسابيع بعدهما إلى أن قام الاتحاد السوفياتي بسحق كامل جيوش اليابان البرية في منشوريا .

الوقائع التاريخية التي تنكرها البورجوازية الوضيعة ـ ولم تنكرها البورجوازية الدينامية الرأسمالية ـ تتمثل في أن ثورة التحرر الوطني التي اجتاحت القارات الثلاث، آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية، قامت وحققت استقلال عشرات الدول وامتلكت قرارها الوطني، ما كانت لتكون لولا المظلة السوفياتية الجبارة التي غطت العالم عقب الحرب العالمية الثانية. لذلك كان لينين صادقا عندما خاطب زعماء الشرق الإسلامي المجتمعين في باكو السوفياتية 1921 قائلاً .. أنكم لن تنجحوا في تحقيق طموحات شعوبكم في الحرية والاستقلال من دون التعاون مع البلاشفة . وضع لينين حجر الأساس لمشروع تفكيك الرأسمالية العالمية وهو الوحدة العضوية بين الثورة الاشتراكية وثورة التحرر الوطني التي أعلن تفكيكها خروشتشوف بكل وقاحة في العام 1961 في المؤتمر العام الثاني والعشرين للحزب الشيوعي . ليس مصادفة أن تفجرت ثورة التحرر الوطني العالمية في السنة التالية لانتهاء الحرب العالمية الثانية مباشرة وتنتهي في العام 1972 . وليس مصادفة أيضاً أن تنجح القوى الرجعية المتحالفة مع بقايا الاستعمار بالقيام بانقلابات عسكرية في العديد من بلدان آسيا وأفريقيا في الستينيات وتلحق الهزيمة المنكرة بالثورة المصرية التي كانت بقيادة جمال عبد الناصر طليعة ثورة التحرر الوطني العالمية في الخامس من حزيران 1967 .

إزاء كل هذه الوقائع التاريخية تقوم الحقائق التالية ..
1) ثورة التحرر الوطني في كافة الدول المحيطية كانت الإمتداد الطبيعي للثورة الاشتراكية التي إضطرتها قوى الرجعية والعدوان إلى بناء أقوى دولة ظهرت عبر التاريخ .
2) الوحدة بين الثورتين كانت وحدة عضوية لا سبيل لفصمها حتى لو عملت بعض القوى الرجعية على ذلك بدلالة الخمود المتزامن للثورتين .
3) بدأ هبوط قوى الثورة الاشتراكية مع اغتيال ستالين في مارس آذار 1953 وبدأ هبوط ثورة التحرر الوطني بالإنقلابات العسكرية الرجعية في العديد من الدول المستقلة حديثاً في الستينيات، فكان أن وصل الأمر إلى توجيه ضربة ساحقة للثورة المصرية في حزيران 67 ـ وما كان أصدق من ابن الشعب المصري جمال عبد الناصر حين وبخ بريجينيف عندما واجهه وجهاً لوجه في شباط 1970 بالقول .. نحن أسأنا مواجهة الامبريالية في حزيران 67 لكن الحرب كانت بالأساس ضدكم ونحن دافعنا عنكم وأنتم لم تحركوا ساكناً ووقفتم متفرجين علينا ننهزم !!
4) قبل انتهاء الستينيات وبداية السبعينيات بدا واضحاً لكل ذي عينين انهيار الثورة الاشتراكية، وأكد على ذلك الإنقلاب العسكري والإطاحة بخروشتشوف لصالح بريجينيف الآلة المطواعة بيد العسكر.
5) بعد تهرؤ المظلة السوفياتية وصلت البورجوازية الديناية في البلدان المستقلة حديثاً إلى الطريق المسدود ولم تعد قادرة على الاستمرار في ثورتها ليس لأنها فقدت القدرة على الحفاظ على أمنها وسيادتها الوطنية بل لأن مشروعها في بناء إقتصاد وطني مستقل غدا مستحيلاً حيث كان بناؤه يعتمد قصراً على تنامي الثورة الاشتراكية الإقتصادي قبل السياسي
حين تبدّى وهن الثورة الاشتراكية في موسكو وأنها لم تعد قادرة على مساعدة الدول المستقلة حديثاً على تحقيق مشروعاتها التنموية حتى لو أرادت ذلك ـ وهي لا تريد ـ حينذاك بدأت البورجوازية الدينامية، التي قادت ثورة التحرر الوطني العالمية بهدف إقامة إقتصاد مستقل يدر أرباحاً عليها، بدأت تختفي من على المسرح العالمي مع إطلالة السبعينيات وكان المثال الصريح على ذلك أنور السادات الذي قفز في العام 1974 بعد أن أعلن عجزه عن مواجهة أميركا من الحضن السوفياتي إلى الحضن الأمريكي . وبتخلي البورجوازية الدينامية عن قيادة المجتمع إلى الإستقرار والتنمية بأنواعها لم يبق هناك أي طبقة متنامية قادرة على استلام السلطة . إذاك وقد خلت المجتمعات من كل قوة شرعية لاستلام السلطة تهيأت الفرصة لعصابات عسكرية منعزلة عن الشعب لاقتناص السلطة وما كانت هذه العصابات لتنتهز الفرصة لاقتناص السلطة لو كان لديها أية مشاريع تستجيب لاحتياجات شعبها . كان همها الامتيازات التي توفرها سلطة الحكم للعصابة وقائد العصابة أولاً . مثل هذه العصابات المفلسة فكرياً وأخلاقياً استولت على السلطة في جميع الجملكيات العربية وليس الممالك العربية، الجملكيات حيث كانت البورجوازية الدينامية فيها قد نهضت في ثورة التحرر الوطني وحققت الإستقلال . العصابات العسكرية المنعزلة استولت على السلطة في العراق وسوريا والجزائر وليبيا ومصر والسودان وتونس واليمن . تحكمت في هذه الجملكيات عصابات متسلطة كان همها الوحيد هو الإحتفاظ بالسلطة ولذلك استخدمت هذه العصابات كل ثروات المجتمع للإنفاق على الأمن والبوليس السري . فتنحدر سوريا مثلاُ إلى الحضيض في التطور الاجتماعي بعد أن كانت في الستينيات على قمة السلم العربي وتصعد بالمقابل إلى القمة في البنية الأمنية والمخابراتية لتكون الدولة الوحيدة في العالم التي لديها 17 دائرة مخابرات مستقلة، وفي العراق يصل ملاك المخابرات إلى 400 ألف مجند . وتنجح هذه العصابات في أن تدخل في قاموس اللغة مفردة جديدة هي "الجملكية، حيث يحكم رئيس الجمهورية حكم الملوك لثلاثين عاماً أو أكثر كما حكم صدام حسين في العراق وحافظ الأسد في سوريا وعلي عبدالله في اليمن وحسني مبارك في مصر والقذافي في ليبيا وزين العابدين في تونس وحسن البشير في السودان وعاجل الموت بومدين فلم يحكم الجزائر أكثر من ثلاثة عشرعاماً . جميع رؤساء هذه العصابات هم من العسكر أنصاف الأميين ـ هم أصلاً توجهوا إلى العسكرية لقصورهم في التعليم .
ما يتوجب ألا يفوت على الباحثين والمحللين هو أن ثورة التحرر الوطني التي اجتاحت آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية وكانت السبب المباشر لانهيار النظام الرأسمالي في العالم كله إنما كانت امتداداً لتصاعد الثورة الاشتراكية العالمية في الحرب وما بعد الحرب، وبالمقابل فإن وصول عصابات تافهة لا وزن اجتماعي لها لاختطاف السلطة إنما كان إمتداداً لتفسخ الثورة الاشتراكية وبداية انهيارها حال رحيل ستالين .

في جميع هذه الجملكيات العربية أخذت شعوبها تتذكر أيام الاستعمار الجميلة حيث كان هناك قانون وأحزاب معارضة وصحافة حرة بحدود القانون، وكانت هناك محاكم تحاكم السياسيين المعارضين وتحكم عليهم بأحكام قاسية لا تصل حد الإعدام إلا في حالات نادرة . لم يعد شيء من هذا في جملكيات العصابات العربية، لا دستوراً ولا قوانيناً ولا محاكماً بل سجوناً ومقابراً جماعية تغطي أرض الجملكية ولتصل أعداد القتلى مئات الألوف في سوريا وفي العراق وفي الجزائر وفي السودان وفي ليبيا .
عصابات السلطة في الجملكيات العربية سامت شعوبها كل صنوف القهر والتجويع خلال نصف قرن أو نحو ذلك إلى أن انتهى الأمر إلى أن الشعوب لم يعد لديها ما تعطيه ولم تعد قادرة على التحمل أكثر وقد باتت أكثر تخلفاً منها قبل نصف قرن حين كانت متقدمة على الممالك العربية وانعكس الحال اليوم فغدت الممالك العربية متقدمة على الجملكيات .
من هنا ومن هنا فقط انطلق الربيع يوشّي الجملكيات العربية فتنهض الشعوب العربية في انتفاضة هدفها الواحد والوحيد هو كنس هذه العصابات وإلقائها نهائياً في مزبلة التاريخ . الذين أمّلوا أن يجنوا ثمراً من أزاهير الربيع العربي هم من المثاليين الذين أشرنا إليهم أعلاه . يقولون الشباب قاموا بالثورة دون أن يفكروا في مضامين هذا القول . صحيح أن الشباب هم الذين قاموا بالانتفاضة وليس الثورة، الأمر الذي لا يعني فقط أن أجيال الستينيات والسبعينيات كانوا قد اعتادوا الخنوع لهمجية العصابات المتوحشة ولم يواجهوها بشجاعة الشباب، لكنه يعني أيضاً دون شك أن الشباب المنتمي لجميع طبقات المجتمع هو من روّى أزاهير الربيع بدمائه . جميع الطبقات دون استثناء انتفضت لاستعادة حرياتها وكرامتها الإنسانية دون أن تستهدف أي تغيير في علاقات الانتاج ما قبل العصابات وكان أن عبر المنتفضون ضد عصابة الأسد بشعارهم القائل .. "نحن لا نريد الخبز بل الحرية والكرامة" . كل الطبقات، الرأسماليين قبل العمال والفلاحين، ساهمت في الانتفاضة دون أن تحمل أي مشروع اجتماعي ودون أدنى جنوح لأي صراع طبقي، ولذلك نقول الإنتفاضة السورية وليس الثورة حتى وإن تطورت إلى ما يشبه الحرب الأهلية نتيجة تداخل قوى أجنبية . إنهل ليست حرباً أهلية في واقع الأمر بل حرب البورجوازية الوضيعة الروسية ضد الشعب السوري وقواه النحررية .

بعد كنس العصابات التي حكمت في الجملكيات منذ الستينيات، كنتيجة مباشرة لتراجع الثورة الاشتراكية السوفياتية، وإلقائها نهائياً في مزابل التاريخ ستعود المجتعات في هذه الدول إلى ما كانت عليه في الستينيات عندما تهيأت الفرصة لعصابات عسكرية معزولة عن الشعب لاختطاف السلطة . ستعود هذه المجتعات إلى الفراغ ذاته في السلطة حيث لا وجود لأي طبقة متقدمة تمتلك وسيلة إنتاج ثرية تؤهلها لاستلام السلطة . ستعود هذه المجتمعات إلى ما كانت عليه في الستينيات حين تنازلت البورجوازية الدينامية عن مشروعها الإقتصادي المستقل وتخلت تبعاً لذلك عن السلطة، وحين كانت الطبقة العاملة طبقة هامشية لا حول لها ولا قوة . يبقى هناك الطبقة البورجوازية الوضيعة ووسيلة إنتاجها الخدماتية غير الثرية التي لا تؤهلها للحكم طالما أن البورجوازية الوضيعة هي دائماً بحاجة لمن يطعمها وهي لا تطعم أحداً . ومع ذلك سيبقى كرسي السلطة نهباً لشرائح متنوعة من طبقة البورجوازية الوضيعة دون أن تستقر أي شريحة منها على دست السلطة .
عدم الاستقرار الدائم الموعود في الجملكيات سابقاً يتوجب ألا يغوينا إلى استبدال إسم الربيع العربي باسم آخر كقول البعض " الخريف العربي "، فالربيع العربي يبقى ربيعاً طالما أنه يطرح على الشعوب العربية في الجمهوريات كما في الممالك مسألة ذات أهمية حديّة وهي الخروج من أزمة الفراغ في السلطة وعدم الاستقرار وهو ما يتم فقط عن طريق تنمية طبقية وتطوير وسيلة إنتاج ثرية، إنه حقاً ربيع ولو بأزهير عقور لا تثمر .

.
.



#فؤاد_النمري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عبد الرزاق عيد يهرف بما لا يعرف
- فؤاد النمري - الكاتب الماركسي - في حوار مفتوح مع القارئات وا ...
- الرفيق سابقاً عبد الرزاق عيد !
- نمط الإنتاج الرأسمالي
- البورجوازية في التاريخ
- رسالة مفتوحة ثانية إلى سعد الحريري
- في السياسة والاقتصاد
- في بيتنا تروتسكيُ
- الشيوعيون ليسوا وطنيين
- برهان غليون يرثي انحلال الطوائف
- رسالة مفتوحة إلى سعد الحريري
- الماركسية والخارجون على القانون (تابع 5)
- الماركسية والخارجون على القانون (تابع 4)
- الماركسية والخارجون على القانون (تابع 3)
- الماركسية والخارجون على القانون (تابع 2)
- الماركسية والخارجون على القانون (تابع)
- الماركسية والخارجون على القانون
- الماركسية هي دستور الحياة وناموسها
- ماو تسي تونغ صمت دهراً ونطق كفراً (3/3)
- ماوتسي تونغ صمت دهراً ونطق كفراً (2/3)


المزيد.....




- الحوثيون يعلنون استهداف سفينة ومدمرة أمريكيتين وسفينة إسرائي ...
- وزير الخارجية الأيرلندي يصل الأردن ويؤكد أن -الاعتراف بفلسطي ...
- سحب الغبار الحمراء التي غطت اليونان تنقشع تدريجيًا
- نواب كويتيون يعربون عن استيائهم من تأخر بلادهم عن فرص تنموية ...
- سانشيز يدرس تقديم استقالته على إثر اتهام زوجته باستغلال النف ...
- خبير بريطاني: الغرب قلق من تردي وضع الجيش الأوكراني تحت قياد ...
- إعلام عبري: مجلس الحرب الإسرائيلي سيبحث بشكل فوري موعد الدخو ...
- حماس: إسرائيل لم تحرر من عاد من أسراها بالقوة وإنما بالمفاوض ...
- بايدن يوعز بتخصيص 145 مليون دولار من المساعدات لأوكرانيا عبر ...
- فرنسا.. باريس تعلن منطقة حظر جوي لحماية حفل افتتاح دورة الأل ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فؤاد النمري - أزاهير الربيع العربي لن تثمر