أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سيهانوك ديبو - المعارضة المعتدلة هي النهج الثالث















المزيد.....


المعارضة المعتدلة هي النهج الثالث


سيهانوك ديبو

الحوار المتمدن-العدد: 4621 - 2014 / 11 / 1 - 13:41
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


المعارضة المعتدلة هي النهج الثالث
سيهانوك ديبو

ملخص تنفيذي
المشهد الكلي الموصول إليه في سوريا اليوم؛ ما هو إلا نتيجةَ مجموعة من التفاصيل ؛ تتطاول حجما وكيفاً بفعل قراءات مختلفة ومتناقضة نجمت عن الحراك الشعبي في سوريا بالنكهة الآذارية في العام 2011بحناجر رددت آلاف المرات: الشعب يريد التغيير. وإرادة التغيير حتى تصل إلى النتيجة المتوخاة انقسمت فيما بينها وتحولت بعد إفضاء عامل الزمن إلى مشاهد متكونة تحملها -اليوم- ثلاث إرادات متحصلة؛ بعضها موجود بالفعل وبعضها تم إيجاده. وقد نُصيب القول بشكل كلي حينما نميزها إلى ثلاث: زمرة الاستبداد، وزمر الاستبداد الرد فعلية، وهاتين الزمرتين نحت السير بمنحى الفعل ورد الفعل السلطوي؛ أي أن التغيير المتزعم وجوده لديهما ظل أسير النظرة الاصلاحية الشكلية مبزوغة على شكل تصاريح غائمة واستصدار قوانين لم تفي حجم المطالب التغييرية في حال ترجمتها على أرض الواقع أساسا؛ كما تم الزعم بها في الزمرة الأولى، وبعكسها غدت الزمرة الثانية الانقلابية أو كما أبرزت كنهها أشد وضوحا حينما وضعت الاستئثار بالسطلة فقط مطلبها وذلك من خلال تقديمها من قبل قوى خارجية على الأغلب بالنحو إلى السلطة بتغيير اصلاحي سطحي شابهت الزمرة الأولى، وعدمية تلاقي الزمرتين – على الأقل في الجانب الظاهري من تحركهما- أفضت إلى عدمية العيش بينهما؛ فالتغيير لكليهما هو من يسحب كرسي الرئاسة أولا وأخيراً. وبعكس الاتجاهين باتت مسألة بروز النهج الثالث مسألة مرتبطة بأساسيات التغيير؛ بل عدت ذلك إلى حيز الالتصاق بين مفهوم التغيير كمطلب حقيقي من مطالب الشعب السوري وبين دخوله حيز التنفيذ الفعلي، والخط الثالث أو النهج الثالث قارب آليات الحراك وأمكنته بنظرة مغايرة مركزة. وعلى سبيل دقة المشهد من غير الصواب أن تقتصر آلية مسألة التغيير والتعبير الرفضي وتكون مقرونة بأمكنة خاصة؛ مسألة ارتباط آليات التنفيذ بمكان دور العبادة فقط وخاصة الجوامع وفي أيام الجمع فقط مسألة تؤدي – كما أفضت النتائج- إلى بعد الإلحاق القسري لمسألة التغيير، والأخيرة ليست متطلبة من جهوية معينة وتقع على عاتق نمطية معينة، التغيير حتى يكون لا بد أن يكون شاملا وموزعا بسبب دلالاته التي تُعنى بكل الأنماط والجهات.
وفق النهج الثالث فإن مشكلة الشعوب الشرقية والشرق الأوسطية بشكلها الخاص لها حلول فقط من الشرق نفسه، وقد يكون الحل الأوفر تقدما وفي اللحظات الحرجة المعاشة؛ مَكْمن في حل الأمة الديمقراطية بمشروع الإدارة الذاتية الديمقراطية الذي يضمن شبه الاستقلال الديمقراطي، أي كونفدرالية الشرق وكونفدرالية شعوبها، والشعوب تصبح كونفدرالية حينما يُعمل في كافة مناحيها بمبدأ كونفدرالية المؤسسات وإدارة الشعب لنفسه، وعملية التغيير لن تصطدم بقيم العالم الحر وإنما عكسها فهي داعمة لها ومستمدة من أشكالها التي تناسب البيئة المجتمعية وخاصة في مجال التعايش السلمي والجمهوريات المتمدنة.
تاريخانية النهج الثالث
لا شك أن البدايات المتعمدة في رسمها للشرق الأوسط – احتاجت- من أجل أن تكون على هذه الصيغة الملبية فقط لتلبية طموح اللااستقرار كمطلب استراتيجي لراسمي الخرائط، واحتاجت حتى غدت بالصورة القلقة إلى مجازر وإبادات وأخيراً خرائط مقرة في( فيرساي) 13 نوفمبر 1918 حين احتلت القوات الفرنسية إسطنبول، وتبعها دخول القوات البريطانية في اليوم التالي، وأدى الاحتلال إلى إشعال حرب تحرير تركيا، وفي 1923 تمت معاهدة لوزان التي قضت باستقلال تركيا وتوزيع إرث الامبراطورية العثمانية- دون وطنا للكُرد- الذي كان قد تم الاتفاق عليه سرياً منذ عام 1915 – 1916 والموسومة باتفاقية سايكس بيكو.
هل يعني مما تقدم أن فك الارتباط من هذه الخرائط المكتوبة على رمال لا يمكن أن يكون؟ وإن كان فهل سيكون على شاكلة عدمية تستجلب منها مجازر جديدة؟
سوريا التي تأنُّ لعامها الرابع تحت كبوات أرهقت العام السوري فقط، من انزياح للحراك الثوري إلى استبداد التسلط البعثي – شريك شريك قوى الاستبداد الخارجي مناصفة مع القوى الإسلاموية، إلى امكانيات وجود تسوية للحل ومرة أخرى متدرجة، إلى تمظهر النهج الثالث.
لكن بالمقابل من ذلك؛ فما يحدث في روج آفا لا بد النظر إليه وإلى ثورته المجتمعية أنها فك الارتباط الأولي عن التاريخ العدمي وبمثابة المشروع الوطني : السوري- الكردي، وأيضاً من أجل إعادة رسم مستقبل المنطقة وفق تاريخها وتاريخ حضاراتها. وهذا بالتأكيد لن يكون إلا من خلال السياسة الجديدة- السياسة الديمقراطية والتي هي المكمن التعريفي للنهج الثالث.
ما هي محددات النهج الثالث؟
يقول الفيلسوف أوجلان عن ثورة روج آفا: (“روج آفا مستقبل الشرق الأوسط”، ” لا بد من التقدم بهذه الثورة”.)
هذه النتيجة تأكيد على المؤكد المخصوص بتأثيرات الثورة وتخطيها للحدود المفروضة، وتأكيد أن حامل مشروع الثورة هو نهج مغاير عن القديم، وتأكيد أن ثورة 19 تموز لم تعد ثورة المكونات في روج آفابكردها وعربها وسريان آثورها وأرمنها وتركمانها وشيشانها؛ مسلمين ومسيحيين وإيزيديين؛ هي نواة للثورة الشعبية في سوريا والشرق الأوسط والعالم الحر الذي بات ملتفتا وملتزما بمثل هذه الثورة.
مثل هكذا ثورة لم تنشأ من الفراغ إنما نتيجة من نتائج فلسفة ورؤية ثورية اعتمدتها حركة الحرية الكردستانية منذ خمس وثلاثين سنة مقررة هذه الحركة بأن أكثر الشعوب التي عانت من الظلمين الطبقي والقومي هي أكثر الشعوب قدرة على التغيير لها ولغيرها من الشعوب الشرق- أوسطية التي لم تتحرر بالرغم من مصنوعات مجسمة لها (الدولة) تحولت إلى سجون كبيرة قبعت على صدورها وسلبتها الروح؛ الإرادة؛ الوعي (الحرية). مثل هكذا ثورة هي من فكر المعارضة المعتدلة وهي النهج الثالث. فما محدداته؟
1، الفردية الحرة في المجتمع الأخلاقي بدلا من الفردانية المنعكفة على ذاتها
الفرد الندي بدلا من الفردانية المجزأة التي صوِّرت لها أنها ارتكاز المجتمع في فردانيته وليس كعضو في مؤسسة ومجتمع؛ الفردانية مصطلح مشحون بالتناقضات إلى أبعد الحدود. وهي بوجهها الآخر، طليقة حرة؛ وكأنها تحررت من قيودها للتو، على حساب مصلحة المجتمع. إننا نسمي الحياة المضبوطة – دون رادع أو عنف – في المجتمع، بالأخلاق. ولكن الفردانية تضيق الخناق على هذه الأخلاق. أو بالأحرى، فالفردية في الحضارة الغربية تتطور ضمن سياق إضعاف الأخلاق وتهشيشها. وبينما يعد الفرد أساساً في الحضارة الغربية، يكون المجتمع هو الأساس في الحضارة الشرقية. نستخلص من هذا التعريف نتيجتين متباينتين: بينما يسمو الفرد الاستعماري الحاكم إلى الطبقة الإمبراطورية، يحيا الفرد المستعمَر والمظلوم أشد درجات العبودية والذل. وليس مصادفة أن يظهر الوجه الوحشي الفظيع للقرن العشرين من بين أحضان العبودية المتفشية والمتجذرة في عموم المجتمع، على يد النظام الرأسمالي. إذ ما من طيش أو تهور يستعصي على هذا النظام السيادي المنتشر لهذا الحد، بغرض الربح والمنفعة، بعد أن فقد قيمه المعنوية الأساسية. ..كما يصفها الفيلسوف الشرقي عبدالله أوجلان.
فكونفدرالية الشرق الأوسط التي يسعى إليها النهج الثالث مستمدة من كونفدرالية شعوبها، والأخيرة تستمد استقلالها الديمقراطي في كونفدرالية المؤسسات التي تعج بالفرد النديِّ الرافض للممارسات السلطوية والتي لن تغيب في الممارسات الأولية وفي مراحل التشكيل الأولى، سيّما أن الحبل السري في مراحل الانقطاع الأوليّة يبقى لأن عملية البناء تُشاد في مجموعة من الركامات الممتدة لمئة عام.
2، نسوية الثورة في النهج الثالث
الشرق والغرب وكل متنفذي السلطة على مدى كل القرون التي أتت بعد السقوط المدوي للحضارة المتمثل بالحق الأمومي واستبدالها بالذكورية المحضة كانت على الدوام تعادي المرأة وتنظر إليها فقط الجسد الذي لا بد أن يُهان.
مثل هذه النظرة تم التعامل معها براديكالية ديمقراطية محضة في مفهوم النهج الثالث من خلال عزمه على المضي في تنظيم المجتمع وفق مؤسساته وبإرادته الحرة والتي بلغت مستوى متطور ما يخص المرأة التي تولد مرأة وتتحول إلى امرأة، واقترن ذلك بآليات فعالة بدءا من مبدأ الرئاسة المشتركة ووجودها الفعلي في كل الإدارات وبنسبة لا تقل عن 40% وإنشاء أكاديميات للمرأة الحرة المسؤولة ومرورا بالحدث الذي توقف عنده العالم أي دور مؤسستي وحدات حماية المرأة وأساييشها أيضا. المرأة في كل هذه المؤسسات السياسية ومؤسسات الحماية الذاتية والدفاع المشروع أصبحت معنية عن أرضها وكرامتها ولن تنتظر أن يقتصر ذلك على الرجل وحده، المرأة التي تحولت في مقاومة كوباني إلى رُسُل الثورة وملهمي الشعراء والكتاب والمفكرين؛ فباتت الظاهرة المنتظرة أو المسموع عنها في الأساطير والحكايا؛ كل ثائرة شهيدة تحولت إلى أسطورة بدء من الشهيدة الأولى في روج آفا " سلافا" إلى آرين وبيريفان وكل رفيقاتهن الثائرات. وبالرغم من التناول المكثف للإعلام العالمي لمقاومة وبطولات حققتها وحدات حماية المرأة في كوباني لكن بعض التوصيفات لم تستطع أن تتخلص من (العلامة) أو ( الماركة) في تفصيلات آليات تصبو إليه الإعلام ؛ فمثلا توصيف المقاتلات بصاحبة الضفائر لا يرتفع إلى مقام الثائرة، وتوصيفهن بالحسناوات قد يؤدي إلى مفاهيم تغاير عنها النهج الثالث أو المعارضة المعتدلة.
نسوية النهج الثالث كانت من الأسباب التي حوّلتها بشكل جمعي شعبي معلن بأن الحديث عن المعارضة المعتدلة هو الحديث عن النهج الثالث بعينه.
3، الادارة بدلا من السلطة
التعريف الصحيح للإدارة هام على صعيد تلافي السلبيات وقِصَرِ النظر الناجم من مصطلحِ السلطة. الإدارة ظاهرة مستمرة في المجتمع. وهي تُعادِلُ الرقي الدماغي على المستوى الكوني، وتركيزَ الأعصابِ ضمن الكونِ البيولوجيِّ بصورةٍ خاصة، كما يشير إلى ذلك أوجلان.
تُفيد الإدارة بالانتظام في الكون وبحالة الهرب من الفوضى. والوضع الراقي لطبيعة المعنى ذات الذكاء المرن في المجتمع، إنما يقتضي بدورِه رقيَّ القدرة على الإدارة. بالمقدور تسمية العقل الاجتماعي بالإدارة. فالإدارة الذاتيةُ مرتبطةٌ بالإدارة الديمقراطية بالدرجة نفسِها. وبقدر ما تُعَبِّرُ أشكال حكم السلطة المحض عن التضاد مع الديمقراطية وإبعاد المجتمعِ عن إدارتِه، فالإدارات الذاتية تُفيُ بالدمقرطة تناسُباً مع إشراكهم المجتمع في الإدارة. ومضمون الإدارة الذاتية الديمقراطية في غربي كردستان هوتشكيل الذات النوعية و صناعة الذات المؤمنة بأحقية قضيتها الإنسانية من خلال قدرة الفرد في المجتمع على تسيير: الشعور الذاتي والإمكانية الذاتية والفكر الذاتي، فالشعور والإمكانية والفكر شروط أساسية لخلق الشخصية المجتمعية النوعية المؤمنة بعدالة وأنسنة قضيته كقضية مسلوبة الحق، وعَدِّ القضية كجزء من أجزاء الإنسانية مطبق بحقها الظلم والغبن؛ فلا يمكن قبول استمرارية الظلم بحق القضية المتبناة. وعليه فإدارات الذات بالمفهوم الإنساني القيمي تعني تفعيل ذلك كله عن طريق توجيه الفعالية المثلى في تحقيق الأهداف والآمال.
يمكن هنا طرح مفهوم الادارة الذاتية الديمقراطية كحل أمثل للمجتمعات ذات التنوع القومي وحتى الطائفي كمرحلة انتقالية إلى المجتمع الديمقراطي في الأمة الديمقراطية والذي من خلالها تصبح فرصة استقلالية الأمم وحتى تكوين الدولة القومية خيار مجتمعي كخيار تفاهمي وتوافقي.
إن المجتمع السوري قد مورس بحقه أقسى أنواع الظلم الاجتماعي وعلى مدى عشرات السنين طيلة حوكمته من قبل سلطات مستبدة ألغت الروح الجمعي للمجتمع . إن تنظيم المجتمع وإعادة روحه المسلوبة من خلال تفعيل كافة المناحي المجتمعية وتنظيمها هي ضرورة وطنية سورية يحقق الانتماء الفئوي بالمعنى الحضاري إلى سوريا كحاضنة وطنية – اجتماعية قبل أي شيء، وتنظيم المجتمع من خلال هيكلة بصيغة إنسانية ديمقراطية ( مأسسة المجتمع ) هي غاية قصوى من خلاله يتعمق مفهوم الإدارة الذاتية الديمقراطية بشقيها الحضاري الأنسي والاجتماعي السياسي . فهي توجيه للحد من التآكل الاجتماعي كنتيجة لمفهوم السلطة القوموية. وعليه فإن قوة الإدارة الذاتية في روج آفا هي من قوة المجتمع الديمقراطي كمرحلة أخيرة من مراحل التطبيق الديمقراطي. والحد من عملية سلطة الدولة بعد تشكيل الادارة. لأن الدولة بقوتها وسلطتها القانونية تقوض مفهوم المجتمع كأُسًّ تبنى علي الدولة وتمتثلها وتمثلها. فأية دولة مهما كانت ديمقراطية تقف أحيانا وتنتقل من سلطة الدولة إلى دولة السلطة خاصة إن لم تراعي التركيب المجتمعي التي تمثلها تلك الدولة وهذا ما يفسر إلى حد كبير جنوح سلطة الدول المتكونة من أنسجة متعددة إلى نسيج واحد يتحكم بتلك الأنسجة الأخرى ومن ضمن ذلك النسيج تبرز مفهوم الزمرة الاستبدادية؛ ولعل الحالة السورية خير تمثيل وشاهد على ما ذكر .
إن التخلي عن ذهنية الدولة – القوموية ومفهوم الشوفينية، التعصبية، التوسعية، المركزية وتعميق التناقضات، هي ضرورة حياتية لحل دائمي وعادل وديمقراطي للجمهورية السورية الثانية المستقبلية . لهذا اتخاذ المواقف بذهنية ديمقراطية وروح قبول الآخر والسلام وتوسيع أرضية التعايش المشترك الحر بين الشعوب هو الشرط الأساسي لحل القضية الكردية في غرب كردستان عبر بوابة الإدارة الذاتية الديمقراطية.
4، الاقتصاد
على الرغم من حالة الحرب والأزمة التي تمر بها سوريا، فمن غير المعقول الحديث(سوى)عن الصيغة والشكلية الواجب توفرها في اقتصاد الإدارة الذاتية، والتي لا بد من ايضاح جوانب نظرية تمس كينونة العمل المستقبلي أو المرحلي التي تُقْدِم عليها الادارة في هذا المنحى، ويمكننا وفقا للعقد الاجتماعي الذي تبين شكل الاقتصاد أيضا، وتحديد البنية العامة لها، في أنها تماهي نفسها ولا تماهي اقتصاديات الدول التي تخطط على أساس الربح الأعظمي فقط وأيضا الدول التي اعتمدت الاقتصاد الاشتراكي بطابعه ( التخطيط المركزي ) أو الدول الاشتراكية والتي تعتمد اقتصادات مختلطة مرسومة بشكل فوقي، وهذا أحد أبرز تعثر تلك الاقتصاديات التي احتاجت دوما إلى المزيد من التسلط والسلطة المستوجبة حتى تكون، بل ربما تكون أحد مرتكزات ديمومة تلك الاقتصاديات .
إن الخطة الاقتصادية المعلنة في العقد الاجتماعي في الادارة الذاتية الديمقراطية تشير إلى أن أول استقرار يُشهد لها الادارة، ستكون الشركات العمالية والتعاونيات الإنتاجية المتأسسة تتم إدارتها وبشكل ديمقراطي انتخابي من قبل عمال نوعيين أو مثاليين، والعمال النوعيّون هم مجموعة معينة من العمال الأكثر وعيا وانضباطا ينتخبون من المجتمع المتواجد فيه من أجل إدارة جميع المشاريع الإنتاجية سواء في المدينة أو الريف ( الكومونات )، سيكون لمثل هكذا إدارة دور بارز ونوعي في تحقيق التوازن الأيكولوجي بين الريف والمدينة في ظل إدارة العمال الذاتية, ويتم إلغاء التوظيف ويستبدل بمبدأ العضوية. لا تتطلب الديمقراطية الاقتصادية إلغاء الملكية الخاصة بالضرورة, بل إلغاء علاقات التوظيف والعمل المأجور. ويمكن للديمقراطية أن تتواجد في مكان العمل في ظل الملكية الخاصة أيضاً. وتكون نتيجة الاتحاد شركة ديمقراطية مملوكة من قبل العمال( وحدات انتاجية) .
إن المضمون الإنساني للنظام الاقتصادي في الإدارة الذاتية الديمقراطية بصفتك إنسان ذو اختصاص أو مهنة ليس بالضرورة أن تهاجر إقليمك إلى منطقة أخرى، بحثا عن فرصة عمل، بل يجب وبناء على الخطط الاقتصادية التي تضعها الإدارة الذاتية أن تحصل على عمل مناسب في إقليمك مباشرة، حيث يؤمن لك ومن خلال تلك الفرصة مستوى لائق من الحياة البشرية. وهذا لن يكون أو لا يمكنه أن يكون دون تحقيق الاكتفاء الذاتي والذي يُصار إليه سبيلا(بالتدريج وحسب مقتضى الأولويات).
وعليه فإن الاقتصاد في الادارة الذاتية كما نص عليه العقد الاجتماعي:( يقوم النظام الاقتصادي في مناطق الإدارة الذاتية الديمقراطية على التنمية الشاملة العادلة والمستدامة المرتكزة على تطوير القدرات العلمية والتكنولوجية، والتي تستهدف تأمين الحاجات الإنسانية وضمان مستوى معيشي كريم لجميع المواطنين، من خلال زيادة الإنتاج وكفاءة النشاط الاقتصادي. وضمان اقتصادا تشاركيا يتم فيه تشجيع المنافسة وفق لمبدأ الإدارة الذاتية الديمقراطية ” لكل وفق عمله”، ومنع الاحتكار، وتحقيق العدالة الاجتماعية ، وكفالة الأشكال الوطنية لملكية وسائل الإنتاج، والحفاظ على حقوق العمال والمستهلكين، وحماية البيئة، وتعزيز السيادة الوطنية ).
5، الديبلوماسية والديبلوماسية الوقائية
لا شك بأن الديبلوماسية متدرجة المراحل والأفعال وأعلى مراحلها هي الديبلوماسية الوقائية والتي عرفت بأنها أفعال بناءة يتم اللجوء إليها لتجنب تهديد محتمل، أو تجنب استخدام القوة المسلحة من قبل الأطراف المتنازعة في خلاف سياسي، إنها الفعل المتماسك والممنهج والمخطط والمبرمج زمنيا، الذي تقوم به الحكومات والمجتمع المدني بمستوياته المختلفة، لمنع الصراعات العنيفة، وأن إجراءات المنع الوقائي للأزمات يتم القيام بها إما قبل أو أثناء أو بعد الصراعات. إنها بعبارة أخرى، عملية إجرائية ذات إطار مرحلي أو زمني، وبالتالي فإن منع الصراع هو إجراء استباقي، أو استراتيجية بنيوية متوسطة وطويلة المدى، يقوم بها عدد متنوع من الفاعلين بهدف تحديد وتهيئة الظروف المناسبة لبناء بيئة أمنية مجتمعية مستقرة، والديبلوماسية تعتبر في ضمن هذا الاطار محددا من محددات السياسة الديمقراطية، وتنتقل من حيز توقع الأزمات إلى خلق مصادر الاستقرار المجتمعي، والحفاظ على المكتسبات الوطنية والقومية، وبالرغم من الأوضاع الاستثنائية التي تعيشها سورية بشكل عام ومناطق الادارة الذاتية والتي فاقت أسوأ المناطق عنفا في سوريا فيما يخص الحصار بداية والهجوم الظلامي من قبل داعش على روج آفا وكوباني التي تدخل اليوم خمس وأربعين من أيامها المقاومة والتي كانت أيضا شكلا متقدما من أشكال الديبلوماسية بالصيغة النسوية لروح ثورة روج آفا، لكن و حسب الاعتقاد الوقت لم يفت تماما في تفعيل صيغ العمل الديبلوماسي المشترك بين كل من حدوده تشارك روج آفا، والأجواء المستقرة المتحققة بفعل الديبلوماسية؛ ستكون بعوائد ايجابية لكل الأطراف. رغم ذلك يمكننا الحديث عن بعض من الخطوات الديبلوماسية التي يمكن وصفها بالناجحة المتحققة، و من هذه الخطوات( الظاهرة) تأييد البرلمان الأوربي لحل الادارة الذاتية الديمقراطية في روج آفا بالإضافة إلى اعتراف البرلمان في إقليم كردستان العراق أيضا، والاشادة العالمية بدور وحدات الحماية الشعبية المتبوعة لها في تحقيق الأمن و السلام، يُضاف إلى هذه الخطوات الظاهرة خطوات و حركة دؤوبة من أجل تغليب الديبلوماسية وموازاته للفعل العسكري. وفي شأن الحديث عن الديبلوماسية من المهم أن يتم توصيف مقاومة كوباني على أنها أرقى العلاقات الديبلوماسية بين الشعوب الحرة.
استنتاج
" المعارضة السورية المعتدلة جسم معارض ومتزامن مع الفعل الثوري السوري وليست حالة طارئة يمكن استحداثها بفعل رغائبية مطلقة، ومن المعقول جدا بل من الطبيعي أن تلتقي أهداف ومحددات النهج الثالث مع تطلعات شعوب العالم الحر الذي ينتفض هذه الأيام ويعلن انضمامه بشكل معلن مع مقاومة كوباني التي رسخت أساسيات المعارضة الوطنية المتمثلة بالنهج الثالث المتكون -بدوره- في بدايات الحراك الرفضي في سوريا أي أن النهج الثالث الذي انتهجته حركة المجتمع الديمقراطي وحزب الاتحاد الديمقراطي أثبتت الوقائع بمجملها أنها مثلت وما زالت تمثل النواة المتقدمة لفعل الثورة الحقيقية في روج آفا صوب كل سوريا.
وقبل التحدث عن هكذا استنتاج من المهم أن نؤكد مفهوم المعارضة المعتدلة في سوريا هو لفظ جديد متعلق بالحالة السورية؛ قد لا يمكن أن نتحدث عن مفهوم المعارضة المعتدلة بشكل عام كما يمكن التحدث عن مفهوم للديمقراطية بشكل عام، لعدة أسباب أبستيمية وأسباب سياسية، حيث لا يمكنه وفقاً للمفهوم العام أن تكون المعارضة متطرفة أو المعارضة معادية وفي الوقت نفسه لا يمكن الحديث عن المعارضة المعتدلة أيضا؛ لكن الحالة السورية بكل مسمياتها( الحراك الثوري، الثورة، الانتفاضة، الأزمة، المؤامرة، اللعبة، الحرب المعولمة الثالثة) كل هذه التسميات تطلق في الوقت ذاته كتوصيف من عدة جهات لها الشأن بما يحدث في سوريا؛ هذا التناقض التوصيفي يستلزم وبالضرورة فرز المفهوم الوطني للحالة السورية، إذْ أنه من الصعوبة البالغة أن يتم الحديث عن أي تغيير عرضي أو كلي أو حتى متدرج دون المسند في ذلك إلى حالة نظرية ثورية متكاملة، ومشروع النهج الثالث – كما قلنا بداية- متمثل في الإدارة الذاتية الديمقراطية ومثل هذا المشروع يمكن أن يكون النواة الأساس في تفعيل جبهة وطنية ديمقراطية تكون بمثابة آلية و/ أو آليات حقيقة للتحول في ظل ترجمة فعلية وممارسة عملية للإدارات الناشئة بكل هيئاتها ومؤسساتها وقوانينها التي صدرت من أجل تنظيم الحياة المجتمعية وبكل أشكالها. وبشكل أوضح يمكن أن نقول أن أي تصور مسبق للحل السوري أو تصور لاحق له لا يمكن أن يبقى في إطاره العام فقط فأولّ ترجمة فعلية لأي التفات للشأن السوري وإذا ما تم الاتفاق بين القوى التي تقتنع بإيجاد حل سياسي في سوريا المستقبلية من المؤكد أنها ستجد في صيغة الإدارة الذاتية الديمقراطية حلا نوعيا ومتقدما لما تحتاجها سوريا. وإذا ما أخذنا بنود اتفاقية جنيفا واحد على سبيل المثال والذي تحول إلى شبه موافقة من قبل المعنييّن بالحالة السورية في خارجيا- داخليا؛ وعلى الرغم من القراءة المختلفة في بعض تفاصيل الاتفاق الستة إلا أن فحواها تشير بشكل مؤدي إلى تشكيل إدارة انتقالية بصلاحيات تنفيذية. أعتقد مثل هكذا اتفاق يمكنه حتى يصبح أكثر فاعلية أن يستفيد من تجربة الإدارة وقوانين العقد الاجتماعي التي تحتاج إلى دراسة أكثر تعمقا من قبل كل السوريين.
المعارضة السورية المعتدلة التي أصبحت مقتصرة على الحالة السورية كمفهوم سياسي ومعرفي لا يلقَ مثل هذا المفهوم قبولا لدي القومويين العرب في النظام أو في المعارضة الخارجية (غير المعتدلة) على حد سواء؛ هؤلاء لا يمثلون الحالة الكليّة ولكنهم ليسوا أقلية أيضا كما يبدو؛ وهؤلاء يجب أن يتفكروا كثيرا أمام الركام المتحصل في مفاهيمهم التي لم تعد تماهي حالة التغيير، مفاهيمهم مثل أساليبهم الخطابية التي تعج ظهوراً في الاعلام المرئي والمقروء وتعود بمجملها إلى الحالة التبشيرية الذي كان وما يزال عاجزا في خلق الهوية الوطنية واستحلابها في مفاهيم واحدة متوحدة بلون أوحد. مثل تلك المفاهيم خلقت الشروخ المجتمعية وباعدت في مسائل كثيرة وبدلا أن يطوروا مفاهيمهم باتوا يستخدمونها هذه اللحظات المصيرية بشكل اقصائي غير منتمي، وأي خطاب يسير في العُليّة الزجاجية أي الخطاب ذات الانتماء المركزي الاستعلائي بات مصدرا نابذا لخطاب يقلده – لكن – بجهة معاكسة وهذا هو شأن التنميطات القوموية البدائية. وكما يقول أوجلان: الشخصية التكرارية تعيد خطابا تكراريا حتى لو كان معاكسا في القيمة والأمكنة، كلها مؤدية إلى الانغلاق نفسه؛ والانغلاق حتى يتم سيكون جالباً لكل شركات تصنيع الأسلحة إلى بلد السلام الأول: الشرق الأوسط.



#سيهانوك_ديبو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في بطلان المنطقة العازلة
- في رباعية أوباما: سوريا- كرديا
- في الموشور الكردي
- داعش: مستأجرا؛ أم مستباحا، أم موجودا
- حقيقة الصراع في روج آفا، باسبارتو لم ينهي مهمته بعد
- سوسيولوجيا الثورة في روج آفا
- السياسة الديمقراطية هي السياسة الجديدة، أنكيدو الذي خان غابة ...
- أوجلان: قائد وقضية
- باكور : الثورة؛ الانتخابات ؛ التغيير.
- باكور: الثورة؛ الانتخابات؛ التغيير
- في ثالوث الأمة الديمقراطية
- جعجعة في زمن الثورة
- في فلسفة العقد الاجتماعي ....الماهية والنشوء و التكون
- القضية الكردية في الأمة الديمقراطية
- جنيفا2 التسوية الكبرى بدلاً من المبادرة الكبرى؟
- ركن الزاوية في روج آفا: الادارة الانتقالية المشتركة
- الخواصر الرخوة– سورياً؛ كردياً لقاء قرطبة ومؤتمر جنيفا2
- الموانع و الضرورات في مسألة المشاركة الكردية المستقلة في جني ...
- استحقاق جنيف2 بين واقع النظرة الدولية والمتوقع المحلي والإقل ...
- الكرد بين اتفاقية لوزان 2 و جنيف 2


المزيد.....




- اغتيال بلوغر عراقية شهيرة وسط بغداد والداخلية تصدر بيانا توض ...
- غالبية الإسرائيليين تطالب بمزيد من الاستقالات العسكرية
- السعودية.. فيديو لشخص تنكر بزي نسائي يثير جدلا والأمن يتحرك ...
- صحيفة: بلينكن سيزور إسرائيل الأسبوع المقبل لمناقشة صفقة الره ...
- الديوان الملكي يعلن وفاة أمير سعودي
- الحوثيون حول مغادرة حاملة الطائرات -أيزنهاور-: لن نخفض وتيرة ...
- وزارة الخارجية البولندية تنتقد الرئيس دودا بسبب تصريحه بشأن ...
- أردوغان يقول إن تركيا ستفرض مزيدا من القيود التجارية ضد إسرا ...
- وزير الدفاع الأمريكي يشكك في قدرة الغرب على تزويد كييف بمنظو ...
- مشاهد للوزير الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير قبل لحظات من ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سيهانوك ديبو - المعارضة المعتدلة هي النهج الثالث