أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ماجد رشيد العويد - التماعة














المزيد.....

التماعة


ماجد رشيد العويد

الحوار المتمدن-العدد: 1294 - 2005 / 8 / 22 - 06:22
المحور: الادب والفن
    


كيف أنسى ذلك الألق الذي شعّ ذات ليلة على همسات الضوء الأحمر الشفاف في الزاوية الميتة من الدار المطلّة على البحر.
كانت تلك ليلة ممطرة.
وكنت في زيارة. قرعت الباب، فُتح لي ودخلت. ألقيت التحية. وإذ توزعت نظراتي في المكان، تأججت دهشتي، واشتعل فيّ فرح فتيّ. تساءلت: أيعقل أن تنقلب الصورة الملونة التي التقطت لنا في لحظة سقطت من حساب الزمن إلى كائن حي ماتع الهيئة في عينين زرقاوين وخدين أسيلين وقوام أهيف؟. ظننت أن لن ألقاها، وأن سدّاً من تراكم الأيام والنسيان قد قام بيننا.
-مرحباً
-أهلاً
نسيت من جئت إليهم زائراً، وامتلكتني تلك الالتماعة الفارّة باستمرار من بؤبؤيها الأخاذين. لوتْ نفسي الثائرة لساني، فلم أحسن غير إلقاء التحية إلقاءً رجراجاً، مبعثراً. لم تكن الفلسفة التي تدرسها سبباً في هشاشة لساني وضعف منطقي.. لحظتها جعلني شيء ما أجهله أسير الفوضى، لعـلّه سحرها الفاتن. قبل أن أراها، كنت أفيض منها، وهأنذا تنسرب مني الدهشة. لمّا كانت صورة زاهية الجمال، فاضت عنها نفسي، وكتبت شعراً. وإذ رأيتها تهت في مسارب جمالها، وأغرقتني في ملكوت شفافيتها.
بعد جهد انتزعت الكلمات
-كيف حالك ثناء ؟
وبهدوء تام أجابت:
-بخير وكيف حالك أنت؟
وبعد عسر عسير أجبت:
-الحمد لله.
جلست أفرك أصابعي. كنت أتعرق على غير العادة. وحمدت الله سراً أن الضوء الأحمر الناعس غطّى على ارتباكي. ولما كانت ملامحي المختلجة تضيع في الضوء الخافت، وطّنت النفس على أن أمري في سلام، وشعرت عندها أن النار خمدت في داخلي، وأن نسيماً بارداً داعب جبهتي، فأيقنت بحلول الخلاص.
يجب أن أستغل خفوت الضوء، فأرتجل حديثا ما. ليس مهماً حول ماذا، المهم أن أحاورها فأكون أكثر قرباً منها، وأتخلص مما بقي خافياً من اضطرابي وقلقي وربما خوفي.
قلت سائلاً :
-كيف حال الجامعة؟
-لا بأس .. كعهدك بها.
أجابتني بطريقة أدركت معها أنها تشك في صدق نواياي، وأني لا أريد هذا السؤال بالتحديد. أعادني هذا الإدراك إلى قلقي ورحت أرفع بصري إلى سقف الغرفة. ماذا أفعل؟ لابد من طريقة أعالج بها هذا الموقف الحرج والمفاجئ والصاعق.
قلت لها :
-الدنيا حر
قالت دون استغراب:
-ولكن الفصل شتاء.
-ومع ذلك فالحر شديد.
حللت ربطة العنق. خلعت سترتي. نظرت إليها وإلى تلك الالتماعة وقلت:
-أحس بعطش شديد.
قدمت لي كاس ماء. شربته كيفما كان، فاندلق بعضه على قميصي، ثم مسحت بيدي فمي وقلت:
-غريب أمر هذا الحر رغم الشتاء..
-…
-ألا تشعرين بشيء؟ .
-بماذا؟
-بالحر مثلاً..
وبهدوء رصين أجابتني:
-لا.
بدأت أشعر بمحاصرتها لي، وبتلك الالتماعة تفضح ملامحـي. تعاظم في داخلي الشعور بالأزمة. غير بعيد منا كان البحر.
سألت:
-ما رأيك بالبحر؟
-البحر عالم واسع وجميل
-ما تقولين في ذهابنا إليه؟
-الآن في الليل الماطر، وفي الشتاء؟!!
-ولم لا؟!!
كنت أذهب إلى كلام غير منطقي، ليس غبياً ولكنه غير معقول. نفسي تلتاث من العجز والانفعال فيتلعثم لساني.
فيما مضى قلت لها: إنها أنثى فاضت من السماء ، فخرجت ملاكاً متميزاً يبعثرني الآن ويشلّني. بعد حين وجدت أن أفضل ما أقوم به هو الاستئذان والانصراف.
في الشارع تنفست ببطء وهدوء. مضت دقائق، توازنت خلالها. كان المطر غزيراً، وشدة إحساسي به حثّتني على الاحتماء منه بيدي أغطي بهما رأسي.
لم أكن أصدق أني سألقاها بعد مضي هذه الأعوام. هي، هي ثناء الرخيمة، بكامل لدونتها، وجهاً لوجه وبعد مصادفة، ودون عناء أصافحها، فتنضح اليد رغبة متعالية بها، بروحها، وبرشف رحيق ضحكتها.
حاذيت البحر وأنا على شرودي يمكر بي وتمـكر أفكاري بها، فأتخيلها إلى جواري، نرى معاً تحت المطر الموجات وهي تتدافع، ثم نندفع بدورنا نحوها فيحتوينا خضمّها.
في وسط احتضان الموج لنا سألتها:
-كيف وجدت الفلسفة؟
وآن سألتها هذا السؤال انفلتت مني عائدة إلى الشاطئ، تبكي وتصرخ. ربما كان سؤالي في غير محلّه، وعجبت من نفسي أن أسأل حتى في الحلم مثل هذه الأسئلة. اندفعتُ يسوقني الخجل إلى عمق الموجة أريدها أن تسحبني إلى جوف البحر.



#ماجد_رشيد_العويد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المِذَبّة
- مشكلتنا ليست في اللغة
- شهداء الغضب
- صناعة الألقاب
- حديث إلى الشريك في الوطن
- لنبدد معاً سوء الفهم
- مع وزير الإعلام مرة أخرى
- مع وزير الإعلام في الرقة
- شيء من الروح
- مع وزيرة المغتربين بثينة شعبان
- مواطن فرنسي من أصل سوري
- كلمة حب في سمير قصير
- العلاقة الخاطئة بين الحكام العرب وشعوبهم
- البعثيون السوريون في مؤتمرهم القادم
- البعث مفرخة للشعارات وفقط
- ماذا عن الخيار الثالث


المزيد.....




- “القط والفار مشكلة” تردد قناة توم وجيري Tom and Jerry لمتابع ...
- فنانة سورية شهيرة ترد على فيديو -خادش- منسوب لها وتتوعد بملا ...
- ينحدر صُناعها من 17 بلدا.. مؤسسة الدوحة للأفلام تعلن 44 منحة ...
- المغربي أحمد الكبيري: الواقعية في رواياتي تمنحني أجنحة للتخي ...
- ضحك من القلب مع حلقات القط والفار..تردد قناة توم وجيري على ا ...
- مصر.. الأجهزة الأمنية تكشف ملابسات سرقة فيلا الفنانة غادة عب ...
- فيودور دوستويفسكي.. من مهندس عسكري إلى أشهر الأدباء الروس
- مصمم أزياء سعودي يهاجم فنانة مصرية شهيرة ويكشف ما فعلت (صور) ...
- بالمزاح وضحكات الجمهور.. ترامب ينقذ نفسه من موقف محرج على ال ...
- الإعلان الأول ضرب نار.. مسلسل المتوحش الحلقة 35 مترجم باللغة ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ماجد رشيد العويد - التماعة