أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جورج حداد - روسيا ستحطم التحدي الغربي في اوكرانيا















المزيد.....

روسيا ستحطم التحدي الغربي في اوكرانيا


جورج حداد

الحوار المتمدن-العدد: 4592 - 2014 / 10 / 3 - 16:04
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


في 28 تشرين الثاني 1913، عقدت قمة الاتحاد الاوروبي في فيلنيوس عاصمة ليتوانيا. وكان من المتوقع ان يحضر هذه القمة الرئيس الاوكراني السابق، الذي اطيح به في انقلاب فاشستي، فيكتور يانوكوفيتش، وان يوقع اتفاق الشراكة التجارية بين الاتحاد الاوروبي واوكرانيا، تمهيدا لانضمامها الى الاتحاد في وقت لاحق.
يانوكوفيتش يقترح لجنة ثلاثية لاعادة صياغة الاتفاق
ولكن قبل انعقاد تلك القمة بأكثر من اسبوع اعلن الرئيس يانوكوفيتش ان حكومته ستمتنع عن توقيع اتفاق الشراكة التجارية مع الاتحاد الاوروبي بصيغته الحالية. وجاء هذا الرفض على اثر زيارة قام بها يانوكوفيتش الى روسيا، واجتماعه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وعوضا عن توقيع اتفاق الشراكة التجارية مع الاتحاد الاوروبي، اقترح الرئيس يانوكوفيتش تشكيل لجنة ثلاثية تضم ممثلين عن كل من الاتحاد الاوروبي وروسيا واوكرانيا، للبحث في مجمل العلاقات التجارية بين الاطراف الثلاثة، وصياغة اتفاق جديد للشراكة التجارية بين اوكرانيا والاتحاد الاوروبي، يأخذ في الاعتبار مصالح الاطراف الثلاثة ويهدف الى تطوير العلاقات التجارية والاقتصادية فيما بينها.
ومن خلال ما نشرته وسائل الاعلام الروسية حينذاك، فإن تأجيل يانوكوفيتش لتوقيع الاتفاق مع الاتحاد الأوروبي كان بطلب من القيادة الروسية للاعتبارين التاليين:
الامتيازات الاستثنائية لاوكرانيا
أولا ـ نظرا للعلاقات الأخوية التاريخية بين روسيا وأوكرانيا، فإن أوكرانيا تتمتع بامتيازات استثنائية، لا تتمتع بها أي دولة أخرى، في العلاقات التجارية والاقتصادية مع روسيا. من ذلك:
ـ اعفاء شامل من الضرائب الجمركية للسلع الأوكرانية التي تدخل روسيا بكثافة، وعدم التشدد في نوعية تلك السلع واسعارها الخ.
ـ تزويد أوكرانيا بالغاز الروسي بأسعار مميزة ادنى بكثير من السعر الدولي.
ـ ان اكثر من مليوني عامل اوكراني يعملون في روسيا بدون اية اذونات خاصة ويحولون الأموال الى أوكرانيا بدون اية عراقيل.
وغير ذلك من اشكال التعاون بين روسيا وأوكرانيا.
وبناء على ذلك فإن الجانب الروسي يأمل ان يكون ذلك مدخلا لارساء تعاون تجاري ثلاثي بنّاء (اوكراني ـ روسي ـ اتحاد أوروبي) تضطلع فيه أوكرانيا بدور مفصلي، في حال توقيع اتفاق شراكة تجارية بينها وبين الاتحاد الأوروبي.

المخاوف الروسية المشروعة
ثانيا ـ ولكن من جهة ثانية، وفي مقابل هذا السيناريو الإيجابي لاحتمالات و"تمنيات" تطوير العلاقات التجارية ـ الاقتصادية، بين أوكرانيا وروسيا والاتحاد الأوروبي، فإن روسيا تمتلك ذكريات سيئة جدا عن تجربة الانفتاح التجاري والمالي والاقتصادي على الغرب (الأميركي ـ الأوروبي) بعد انهيار الاتحاد السوفياتي في 1991، حيث عملت الدوائر الغربية بشكل محموم على نهب وتخريب الاقتصاد وزعزعة الأوضاع الداخلية بشكل عام في روسيا والسعي الى تحويلها الى مستعمرة "عالمثالثية" حقيقية. وبناء على هذه التجربة، عبّر الجانب الروسي في حينه عن خشيته من ان يُستغل اتفاق المشاركة التجارية بين أوكرانيا والاتحاد الأوروبي لتحويل أوكرانيا الى مستعمرة غربية، والى حصان طروادة للتغلغل في السوق الروسية وتخريبها، تحت غطاء الامتيازات والتنازلات التي كانت تتمتع بها اوكرانيا في روسيا.
وكان الموقف الروسي إيجابيا وبناء ومنطقيا، مما دفع يانوكوفيتش وحكومته الى طرح اقتراح تشكيل لجنة ثلاثية (اوكرانية ـ روسية ـ اتحاد أوروبية) لبحث العلاقات التجارية والاقتصادية بين الأطراف الثلاثة، والتأسيس لمرحلة علاقات متطورة جديدة بينها.
الانقلاب الفاشستي ضد يانوكوفيتش
ولكن للأسف الشديد جاءت الاحداث اللاحقة لتؤكد المخاوف الروسية لجهة سوء النية والتخطيط المسبق في الغرب لاستخدام اتفاق الشراكة التجارية بين أوكرانيا والاتحاد الأوروبي لغايات بعيدة كل البعد عن التجارة وعن الشراكة، اذ انه ما ان قام يانوكوفيتش بمبادرته حتى انطلقت على الفور حملة غربية شعواء ضده شخصيا وضد الحكومة الشرعية والبرلمان الاوكرانيين، كما وضد روسيا. وقام الفاشست القدماء ـ الجدد، الممولون والمسلحون من قبل المخابرات الأميركية والغربية، باحتلال الساحات العامة في العاصمة كييف، واقتحموا البرلمان وهددوا النواب واجبروهم تحت تهديد السلاح على اتخاذ قرار بمنع رجال الامن من استخدام السلاح ضد "المتظاهرين السلميين" المدججين بالأسلحة. وتم قتل وجرح المئات من رجال الامن دون ان يحق لهم استخدام السلاح للدفاع عن انفسهم والقيام بمهماتهم الرسمية.
الحملة العنصرية ضد الروس
وامام معارضة قطاع جماهيري واسع للتحرك الفاشستي تحت شعار "الخيار الأوروبي"، بدأت حملة انتقام من المواطنين الروس والناطقين باللغة الروسية، الذين كان يتم ضربهم بالعصي الغليظة (عصي الكريكت) حتى الموت في وضح النهار واحراق بيوتهم وقنصهم. وبدأ تسريح رجال الشرطة والجيش ذوي الأصل الروسي والطلب اليهم العودة الى مناطقهم في جنوب وشرق أوكرانيا، وكان الفاشست يكمنون في الطريق للباصات التي تنقل هؤلاء المواطنين الشرفاء وينزلونهم من الباصات ويجبرونهم على الركوع ويوجهون اليهم الاهانات الشخصية والعنصرية ويضربونهم بكل حقارة ثم يقتلونهم ويتركون جثثهم في العراء، لخلق جو من الإرهاب الفاشستي، واجبار الشعب الاوكراني على الركوع امام الفاشست أصحاب "الخيار الأوروبي" المشؤوم. واضطرت حكومة يانوكوفيتش لتقديم استقالتها، ونصبت حكومة عميلة، واضطر يانوكوفيتش شخصيا للفرار الى روسيا خوفا على حياته.
الكتلة الغربية تستخدم الفاشست والدواعش
ومن خلال هذه الارتكابات تأكد ان الكتلة الغربية التي تحرك وتمول وتسلح الفاشست الاوكرانيين (على طريقة استخدام الدواعش واضرابهم في الشرق الأوسط) تحاول استدراج روسيا الى حرب استنزاف جانبية على غرار ما جرى في أفغانستان في الثمانينات.
فشل إيقاع روسيا في "الفخ الاوكراني" وجريمة اسقاط الطائرة الماليزية
وحينما فشل مخطط استدراج روسيا الى "الفخ الاوكراني"، عمد الفاشست والسلطة الانقلابية في كييف الى اسقاط طائرة البوينغ الماليزية وقتل ركابها الـ300 بدم بارد، واتهام روسيا وانصارها الاوكرانيين بارتكاب هذه الجريمة الفظيعة، بهدف اتخاذ قرارات دولية لتبرير العدوان الخارجي على أوكرانيا وعلى روسيا. ولكن هذه التهمة انفضحت بسرعة، باعتراف قيادة الجيش الاوكراني الرسمي، الذي نفى حصول قوات "الدفاع الشعبي الذاتي" في جنوب شرق أوكرانيا على صواريخ بوك التي اسقطت الطائرة بأحدها، وباعتراف المخابرات المركزية الأميركية ذاتها التي نفت عبور صواريخ بوك للحدود الروسية ـ الأوكرانية. وبالرغم من مجيء المحققين الأوروبيين الى منطقة كارثة الطائرة، وبالرغم من تسليم قوات "الدفاع الشعبي الذاتي" الصندوقين الاسودين للطائرة المنكوبة الى المحققين الأوروبيين وارسالهما الى مختبرات حلف الناتو ذاته، لا تزال الكتلة الغربية وسلطة كييف تماطلان في تشكيل لجنة تحقيق دولية، وفي الكشف عن نتائج التحقيقات التي جرت الى الان، كما تمتنعان عن الرد على الاتهامات المفندة التي وجهها الخبراء الروس الى القوات الأوكرانية النظامية باسقاط الطائرة عمدا.
اول الغيث: استرجاع شبه جزيرة القرم
ولكن بالرغم من كل هذه الاستفزازات فإن روسيا تصرفت بحزم وحكمة، فاسترجعت بسرعة منطقة شبه جزيرة القرم، بطريقة سلمية ودمقراطية، بناء لرغبة اهاليها، وهي المنطقة الروسية التي كان خروشوف قد "اهداها" الى أوكرانيا سنة 1954 بدون اخذ رأي أهلها. وفيما عدا ذلك امتنعت روسيا عن التدخل في الشؤون الداخلية الأوكرانية، الا انها قدمت الدعم السياسي للجماهير الروسية والاوكرانية الأخرى المعادية للفاشستية، وقدمت المساعدات الإنسانية لمناطق شرق وجنوب أوكرانيا ذات الأغلبية الروسية والناطقة باللغة الروسية التي تعرضت لعدوان وحشي من قبل العصابات الفاشستية وجيش الحكومة العميلة في كييف. واستقبلت حوالى مليون لاجئ من أوكرانيا.
روسيا تدعم الحل السلمي للنزاع القائم
كما دعمت روسيا الحل السلمي للنزاع بين سلطة الامر الواقع في كييف وبين ممثلي "جمهورية نوفوروسيا" (روسيا الجديدة) كما سمت نفسها، والتي تضم مناطق جنوب شرق أوكرانيا التي تطالب بالانفصال عن أوكرانيا. وأخيرا نجحت القيادة الروسية في جمع ممثلي حكومة الامر الواقع في كييف وممثلي "جمهورية نوفوروسيا" على طاولة المفاوضات في مينسك، عاصمة بيلاروسيا، من اجل التوصل الى حل سياسي سلمي للازمة الأوكرانية. ونجح لقاء مينسك في التوصل الى اتخاذ قرار بوقف اطلاق النار، وانسحاب قوات كييف من بعض المناطق الآهلة بالمدنيين، وتبادل اعداد من الاسرى، وتسهيل تقديم المساعدات الإنسانية لمناطق جنوب شرق أوكرانيا المنكوبة.
المقابر الجماعية على الطريقة الهتلرية
ومع بدء تطبيق هذا الاتفاق، بدأت تتكشف الفظائع التي ارتكبتها ولا تزال ترتكبها القوات الفاشستية والانقلابية الأوكرانية. فقد افاد جميع الاسرى الذين تم تبادلهم مع الاسرى من المقاتلين والجنود الاوكرانيين، وغالبية أولئك الاسرى هم من المدنيين العزل وبينهم نساء، أفادوا انهم تعرضوا للتجويع والتعذيب والاهانات بشكل متواصل. وكانوا يكشفون عن اثار التعذيب التي لا تزال ماثلة على أجسادهم. بل ان احد الاسرى كشف عن علامة الصليب المعقوف النازية التي طبعت على جسمه بالحديد المحمى. كما جرى اكتشاف العديد من المقابر العشوائية الجماعية في المناطق التي كانت تحتلها القوات الفاشستية والانقلابية الأوكرانية، وغالبية ضحايا هذه المقابر مدنيون عزل وبينهم العديد من النساء والأطفال، وفي احدى المقابر وجدت جثة امرأة صبية حامل. وأشارت القرائن ان الضحايا تعرضوا للتعذيب قبل اعدامهم. وقد اثار اكتشاف هذه المقابر بشدة ذكريات الفظائع التي ارتكبها النازيون الالمان وانصارهم الفاشست الاوكرانيين خلال الحرب العالمية الثانية. وقد ذهب للاطلاع على المقابر عدد من المراقبين الفرنسيين برفقة المراقبين الروس. وسيقدم الفرنسيون تقاريرهم الى "منظمة الامن والتنمية الأوروبية" والى ما يسمى "اللجنة الأوروبية" (شبه الحكومة) التابعة للاتحاد الأوروبي. وعملا بالقوانين الدولية المعترف بها، تقدمت الجهات الروسية المعنية بدعوى امام المحاكم الدولية ضد عدد من العسكريين الاوكرانيين ومن يكشفه التحقيق، بتهمة ارتكاب هذه الجرائم ضد الإنسانية باسم تطبيق "الخيار الأوروبي" و"الدمقراطية الأميركية".
الكتلة الغربية تريد افشال اتفاق وقف اطلاق النار
ويبدو الان بوضوح ان الكتلة الغربية وعملاءها الفاشست والانقلابيين الاوكرانيين هم غير راضين عن اتفاق وقف اطلاق النار الذي تم في مينسك، وهم عازمون على افشال كل توجه نحو إيجاد حل سياسي سلمي للازمة الأوكرانية. وقد تبدى ذلك حتى الان فيما يلي:
عدم التقيد بوقف اطلاق النار
ـ1ـ ان القوات الفاشستية والانقلابية لم تتقيد ولا ساعة بوقف اطلاق النار، ولم تخل مطار غدانسك المدني، وتحول حتى الان دون تنفيذ قرار إعادة تشغيله. وتم قصف المدارس بشكل مكثف لمنع افتتاح العام الدراسي. وتواصل هذه القوات يوميا قصف المدنيين الذين يعودون لتفقد منازلهم، موقعة القتلى والجرحى في صفوفهم، مستغلة حالة ضبط النفس التي يبديها حتى الان مقاتلو "قوات الدفاع الذاتي الشعبي" التابعين لـ"جمهورية نوفوروسيا". ويبلغ عدد القتلى في بعض الأيام عشرين قتيلا في اليوم الواحد.
إعادة الازمة الى المربع الاول
ـ2ـ وقبل ان يجف حبر اتفاق مينسك لوقف اطلاق النار، قامت السلطة الانقلابية في كييف باطلاق النار سياسيا على الاتفاق والرد على المساعي الحميدة لروسيا بطريقة الاستفزاز السياسي الوقح، الذي يعيد الازمة الأوكرانية الى مربعها الأول. فاعلنت انها ستباشر اتخاذ الخطوات التشريعية والعملية للشروع منذ الان في تطبيق اتفاق المشاركة التجارية مع الاتحاد الأوروبي، دون إقامة أي اعتبار للعلاقات المميزة بين أوكرانيا وروسيا، ودون أي تشاور مع روسيا التي هي حتى الان الشريك التجاري الرئيسي لاوكرانيا. وكان الرئيس الانقلابي بيوتر بوروشينكو، وقبل مضي شهر على تسلمه الرئاسة، قد وقع في 17 حزيران الماضي اتفاق المشاركة التجارية مع الاتحاد الأوروبي جنبا الى جنب جورجيا ومولدافيا. ولكنه أعلن حينذاك ان التطبيق التشريعي والعملي سيبدأ في نهاية العام 2015 القادم، مما كان يتيح الوقت الكافي لاجراء مشاورات مع روسيا وتكييف الإجراءات القانونية والعملية للمشاركة التجارية مع الاتحاد الأوروبي بما يكفل التوازن مع العلاقات التجارية المميزة بين أوكرانيا وروسيا، وذلك ضمانا لمصلحة جميع الأطراف. ولكن كييف، وليس بدون ايعاز من الخارج، أقدمت على خطوتها الجديدة لاهداف لا علاقة لها بالتجارة وبالمصلحة الوطنية لاوكرانيا، بل فقط كوسيلة ضغط معنوي وسياسي على روسيا، من اجل دفعها الى التخلي عن مساعيها لحل الازمة الأوكرانية سلميا.
روسيا سترد بطريقتها
ولكن روسيا لم تستجب لهذا الاستفزاز، انما كان لها ردها المدروس، الذي يحذر السلطة الأوكرانية من التلاعب بمصير الشعب والدولة الاوكرانيين. فقد نشرت وكالة الانباء البلغارية نقلا عن وكالة رويترز ان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ارسل رسالة خاصة الى الرئيس الاوكراني بيترو بوروشينكو حذره فيها من ان أي تغيير في التشريعات الأوكرانية لجهة الشروع في تطبيق اتفاق المشاركة مع الاتحاد الأوروبي الذي كان مؤجلا الى بداية سنة 2016، سوف يؤدي الى ردة فعل فورية من قبل روسيا.
ولم يشر بوتين بالتفصيل الى الإجراءات التي ستتخذها روسيا. ولكن رئيس الوزراء دميتريي ميدفيدييف صرح في الأسبوع الماضي انه قد وقع مرسوما يقضي بالحد من الاستيراد الاوكراني الى روسيا. ولكنه لم يبدأ بعد تطبيق هذا المرسوم. وأوضح دبلوماسيون من الاتحاد الأوروبي ان احتمال فرض ضرائب جمركية مرتفعة على السلع الأوكرانية سيكبد أوكرانيا خسائر بمليارات الدولارات سنويا. هذا وتصدر أوكرانيا الى روسيا الفولاذ، الفحم الحجري، الكيماويات والحنطة، بالإضافة الى منتوجات الصناعة الخفيفة والاستهلاكية.
ونشرت The Financial Times ان بيا هانسن، الناطقة بلسان جوزيه مانويل باروزو رئيس "اللجنة الأوروبية"، صرحت ان باروزو تلقى رسالة من الرئيس بوتين يطالبه فيها بتأجيل الشروع في تطبيق اتفاق المشاركة التجارية بين أوكرانيا والاتحاد الأوروبي. ولكنها اكدت ان الاتحاد الأوروبي "لا يسعى الى اجراء أي تغيير في الاتفاق" "الا ان أوكرانيا هي دولة حرة وذات سيادة ويمكنها ان تقوم بأي خيار في علاقاتها الخارجية". وفي كل الأحوال، اضافت هانسن، فإن الاتفاق هو ثنائي، وكل تغيير محتمل ينبغي ان يحصل على موافقة الطرفين.
وفي رسالته الى باروزو، هدد الرئيس الروسي انه اذا لم يتم الالتزام بالتعهد بتأجيل الشروع في تطبيق الاتفاق الى مطلع 2016، فإن روسيا "سوف تتخذ إجراءات جوابية مناسبة وفورية".
السلطة الأوكرانية تغامر بوجود دولتها
وفي رأينا المتواضع انه، وبصرف النظر او بالإضافة الى الوضع السياسي ـ العسكري المتأزم لاوكرانيا، فهي ـ على المستوى السياسي/ الاقتصادي البحت ـ تقف على مفترق مصيري تماما بالنسبة لوجودها كدولة موحدة، او حتى كدولة بشكل عام، وذلك للاعتبارات التالية:
1 ـ بعد انهيار الاتحاد السوفياتي واستقلال أوكرانيا، فشلت أوكرانيا والاتحاد الأوروبي في تطوير علاقات اقتصادية متوازنة ومفيدة للطرفين. ولا تمتلك أوكرانيا القاعدة الاقتصادية التي تمكنها من منافسة السلع الأوروبية ومجاراة الاتحاد الأوروبي لاقامة علاقات تجارية متوازنة. وفي حال رفع القيود والضرائب الجمركية بين الطرفين، كما ينص اتفاق المشاركة التجارية الحالي، فإن أوكرانيا ستصبح سوقا فعلية للاتحاد الأوروبي، الذي لن يكون بدوره اكثر من سوق اسمية لاوكرانيا. ومثل هذا الوضع سيؤدي الى اغراق السوق الأوكرانية بالسلع الأوروبية، ومزاحمة وتدمير الإنتاج الاوكراني في عقر داره. وفي حال استمرار الامتيازات التي تمنحها روسيا لاوكرانيا، فإن أوكرانيا ستتحول الى حصان طروادة للعمل على تدمير الاقتصاد الروسي أيضا.
2 ـ لاسباب تاريخية، قومية ودينية وثقافية وسياسية واقتصادية، فإن روسيا هي اكبر سند اقتصادي لاوكرانيا واكبر سوق للمنتوجات الأوكرانية. وبدون السوق الروسية ينهار الاقتصاد الاوكراني تماما.
أوروبا الغربية لم تتعلم من الماضي ولا تستوعب الحاضر
3 ـ بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، وبمعزل عن الاعتبارات الإيديولوجية السابقة ومفاهيم "الحرب الباردة"، فإن روسيا المعاصرة، ولاعتبارات قومية اصيلة، هي في حالة مواجهة شاملة مع الغرب الامبريالي، الطامع في استعمارها ونهب ثرواتها، وهي تطمح الى تحقيق نهضة اقتصادية واجتماعية وعسكرية حقيقية، متلازمة مع طفرة تحديثية على كل الأصعدة. وروسيا المعاصرة لن تسمح ابدا لاي طرف كان ان يقف بوجه نهضتها العتيدة. واذا كانت السلطة الانقلابية في كييف تتلاعب بمصير شعبها وبلادها، فهي اصغر بكثير من ان تسمح لنفسها بالتلاعب بمصير روسيا. وان إصرار هذه السلطة على السير بالمخطط المشبوه للمشاركة المزعومة مع الاتحاد الأوروبي، يعني عمليا شيئا واحدا فقط هو: الحكم على الاقتصاد الاوكراني بالموت المحتم. لان هذا الاقتصاد لا يملك أي مقومات للصمود امام "الإغراق" الأوروبي، من جهة، والمقاطعة الروسية، من جهة ثانية.
4 ـ اذا كانت أوروبا الغربية ومطاياها من الخونة والعملاء في أوروبا الشرقية تسير بأمرة السيد الأميركي، ضد مصالح شعوبها بالذات، فعلى هذه الاوروبا الغربية ان تتذكر انه لولا روسيا لكانت أوروبا كلها وربما اميركا، في خبر كان، في الحرب العالمية الثانية؛ كما على هذه الأوروبا الناتوية والمتأمركة ان تدرك ان منطق "القطب الأميركي الأوحد" قد سقط الى الابد؛ وان تدرك انه ـ بوجود دول كروسيا والصين وايران، وبوجود مقاومات شعبية كالمقاومة الوطنية ـ الإسلامية الشريفة، اللبنانية والفلسطينية ـ فإن منطق الهيمنة العالمية لاميركا هو شيء، ولكن العالم المعاصر هو شيء آخر تماما.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
*كاتب لبناني مستقل



#جورج_حداد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحرب الاقتصادية الروسية ضد الكتلة الغربية
- اوروبا ستدفع ثمن العنصرية الغربية ضد روسيا
- حرب البدا ئل وسقوط الائتلاف الحاكم في اوكرانيا
- الناتو بمواجهة روسيا: نمر من كرتون
- تيوس الناتو تتنطح للصخرة الروسية
- الفاشودمقراطية الاميركية تنتحر سياسيا وعسكريا في اوكرانيا
- روسيا تهز العصا لليابان ايضا
- روسيا تنتصر على ازمة الانهيار الدمغرافي
- المحور الروسي الصيني
- الفاشستية الاوكرانية تكشف عن وجهها الوحشي
- سقوط -اتفاقية يالطا- والسياسة الاقتصادية الجديدة لروسيا في ا ...
- انتهت خرافة القطب الاميركي الاوحد
- اوكرانيا تتجه بسرعة نحو الحرب الاهلية
- المحور الروسي الصيني العتيد يشق طريقه على الساحة الدولية
- المنتصرون على النازية الهتلرية كابح حازم للعدوانية الفاشية ا ...
- انتصار جديد للديموقراطية الشعبية على الديموفاشية الاميركية ف ...
- الاسباب الجيوستراتيجية لتراجع الناتو امام روسيا
- نحو دور تنموي ثقافي وانساني لجامعة الدول العربية
- مع يبرود السورية... هزيمة جديدة للفاشية الاميركية في شبه جزي ...
- الهزيمة المؤكدة للفاشية الاميركية في اوكرانيا والتغيرات الجي ...


المزيد.....




- -بأول خطاب متلفز منذ 6 أسابيع-.. هذا ما قاله -أبو عبيدة- عن ...
- قرار تنظيم دخول وإقامة الأجانب في ليبيا يقلق مخالفي قوانين ا ...
- سوناك يعلن عزم بريطانيا نشر مقاتلاتها في بولندا عام 2025
- بعد حديثه عن -لقاءات بين الحين والآخر- مع الولايات المتحدة.. ...
- قمة تونس والجزائر وليبيا.. تعاون جديد يواجه الهجرة غير الشر ...
- مواجهة حزب البديل قانونيا.. مهام وصلاحيات مكتب حماية الدستور ...
- ستولتنبرغ: ليس لدى -الناتو- أي خطط لنشر أسلحة نووية إضافية ف ...
- رويترز: أمريكا تعد حزمة مساعدات عسكرية بقيمة مليار دولار لأو ...
- سوناك: لا يمكننا أن نغفل عن الوضع في أوكرانيا بسبب ما يجري ف ...
- -بلومبرغ-: الاتحاد الأوروبي يعتزم فرض عقوبات على 10 شركات تت ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جورج حداد - روسيا ستحطم التحدي الغربي في اوكرانيا