أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - هبة عبده حسن - نكاح العقل!














المزيد.....

نكاح العقل!


هبة عبده حسن

الحوار المتمدن-العدد: 4582 - 2014 / 9 / 22 - 20:51
المحور: حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
    


هناك لوحة لفنان إيراني معاصر يدعى مرتضى كانوزيان تصور حبل مشنقة ضخم يتأرجح من أعلى اللوحة ويحتل معظم مساحتها. وتحت ظلال أنشوطة الحبل هناك بشر (عددهم تسعة بالضبط) بالغين وأطفال على أعماق مختلفة من اللوحة لفت انتباهي أنهم صغيرو الحجم جداً بالقياس لحبل المشنقة، كما لفت انتباهي أنهم جميعاً في حالة حركة ما عدا المرأة الوحيدة في الصورة والتي صورها الرسام مرتدية الزي الإسلامي الإيراني (التشادور) واقفة مطأطأة رأسها بلا حركة. أعتقد أن المغزى السياسي هو ما سيصل للمتلقي بداءة عندما يرى هذه اللوحة، ولا أظن أن الكثيرين سوف يقفون عند تلك الزلة التي ارتكبها الفنان في حق النساء إذا اختصرهن في امرأة واحدة مغطاة بالكامل ومجمدة في مكانها رغم أنها محاطة بحركة الحياة متمثلة في كل هؤلاء الرجال والشباب والأولاد ورغم أن الجميع يرزح تحت نير حبل المشنقة، والأكثر أنني أظن – صادقة – أن الرسّام لم يقصد هذا الاختصار المخل... وهنا المأساة الحقيقية.

في العام 1999 كنت قد شاهدت المسرحية "الطليعية": مخدة الكحل للمخرج المصري انتصار عبد الفتاح، ولمن لم يشاهد هذه المسرحية ذات الفصل الواحد فهي تعبير بالحكي والموسيقى والرقص عن قوسي حياة المرأة (أي امرأة وكل النساء)... الحكّاءة في المسرحية هي امرأة في منتصف العمر جالسة تغزل (أو تخيط لا أتذكر)... حكايتها التي تقصّها بصوت دافيء تعبر عنها بالرقص فتاتان شابتان إحداهما رقيقة بيضاء البشرة تحوم كملاك مسحور والأخرى سمراء البشرة ذات جسد وافر تدب على الأرض كفهد جسور... تنتهي المسرحية بالمرأة الحكّاءة واقفة في منتصف المسرح والفتاتان جالستان أمامها مطأطأتين رأسيهما وهي تغطيهما بملاءة كبيرة بيضاء في إشارة (كما وصلتني) لأن هذه المرأة هي نفسها من قمعت إنطلاق روحها (الفتاة التي تحوم كملاك مسحور) بقدر ما قمعت رغبات جسدها (الفتاة التي تدب كفهد جسور)... فعلت هذا ثم عادت قابعة تكمل غزلها وتعيد الحكاية من البداية. جمال العمل فنياً واكتمال عناصره إبداعياً لم يمنعا عقلي وروحي من الحزن الشديد لتلك الحقيقة المأساوية... النساء تقمعن أنفسهن وتقمعن بعضهن البعض بذات الضراوة التي يفعلها الرجال.

ليست اللوحة المعبّرة للفنان الإيراني مسألتي ولا تلك المسرحية الرائعة للمخرج المصري قضيتي، وإن كانتا بكل وضوح (وبفجاجة مذهلة) قد أقرتا إقصاء وتعنيف وتهميش النساء. مرتضى كانوزيان وبطلة مسرحية مخدة الكحل هما النتاج الفكري لما أسميه بنكاح العقل وهو نكاح اشتركت فيه الجماعة الإنسانية (ذكورها بالأساس وإناثها بالتبعية) منذ البداية. لقد قدمت الجماعة الإنسانية لنكاح العقل كل التبريرات التي جعلته مقبولاً ومستساغاً بل ومرغوباً من كثيرات. لن أفند هنا ما سبقتني إليه أستاذتي نوال السعداوي من أن امتلاك الرجل لجسد المرأة (ومن ثم تأكده من عفتها) كان ضرورة اقتصادية بالأساس طرأت مع تعقد المجتمع الإنساني الزراعي ونشوء فكرة الملكية ومن ثم التوريث (ضمان عفة المرأة هو ضمان شرعية الوارثين!) ولكن تلزم الإشارة لهذا التحليل كونه منطلق اجتماعي اقتصادي مؤسس للفكرة.

نكاح العقل يبدأ كذلك مع استخدامنا للغة... لقد أساءت اللغة العربية للمرأة عندما جعلتها صنو للكوارث فهي: مصيبة = نازلة حين يكون الرجل مصيباً أي على حق كما أن تكون المرأة نازلة = داهية حين يكون الرجل نازلاً لدرجات السلم وأن تكون المرأة قاضية = مميتة حين يكون الرجل قاض يحكم بالعدل. كلمات الإهانة هذه التي تعبر عن الكوارث والمصائب هي بصيغة المؤنث ولا يوجد في اللغة مرادف مذكر (مفرد) لها: (داهية، نازلة، مصيبة، كارثة، بلوة...). نكاح العقل أيضاً نطعمه لبناتنا في بيوت العز بدعوى الحفاظ عليهن، ولا أجروء على الحديث عما يحدث في بيوت الفقراء من إهمال للبنات في المأكل والملبس والدراسة لصالح الأولاد مما يجذر لفكرة أن الفتاة كائن ضعيف في حاجة للحماية (في حالة اليسر) وكائن حقير لا لزوم له (في حالات العسر)....

أمّا عن الدين وتحقيره للمرأة فهناك الأحاديث الصحاح التي تؤصل لكوننا خلقنا من ضلع أعوج لا انصلاح له وبأننا خليقات بالضرب والإهانة والتحقير وبأننا مع الحمير والكلاب السوداء من مفسدات الصلاة وبأننا بلا عقل ولسنا مؤهلات للتعلم وبأننا لا نتعدى كوننا مواطئ للنكاح حتى لو كنا رضيعات بنات عام واحد لا نزيد، وفي أحسن الأحوال ف "أمنا" حواء - التي بدأت مع آدم عمارة الأرض منذ 6000 سنة فقط - هي من غوت وهي من عصت الرب وهي من استمعت للشيطان وهي من حرمت ذلك المسكين آدم من جنات النعيم وأنزلته لسقم الأرض المقيم!

نكاح العقل هو جريمة بشرية بحق النساء انتبهت لها المجتمعات التي تأنسنت حديثاً فطفقت تعالجه وتضع القوانين لحماية المرأة، ولكنه أمر متأصل متجذر بل مرغوب مطلوب ومحبب في مجتمعنا العربي المسلم! نكاح العقل هو ميراث السقم ارتضيناه لأننا أشربناه مع حليب أمهاتنا في بيوت هي بالضرورة ملاذ الحماية والأمان... هل اتضحت المأساة؟

إن مجتمعاتنا العربية المسلمة هي مجتمعات مريضة لأن الوعي الجمعي لرجالها ونسائها هو وعي مريض لأنه (بالأغلب) يحتقر نصفه الذي يربّي. الأمر الأخطر أن الوعي الجمعي لنساء المجتمع العربي المسلم مريض لأنه مغيب مجهل راض بالمكانة الحقيرة غير العادلة التي دفعت إليها النساء دفعاً فقبلنها بلا مناقشة. نحن لن نشفى ولن نتقدم ولن نتطور طالما ظللنا قابلين بنكاح العقل. نحن بلا أمل وبلا مستقبل إلا بأن تشفى النساء.



#هبة_عبده_حسن (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في ملكوتك
- نون
- مفتاح الفرج
- ماتقتلنيش
- مصر بين لعبتي الشطرنج الإيرانية والنسيج المهترئ السعودية (ال ...
- مصر بين لعبتي الشطرنج الإيرانية والنسيج المهترئ السعودية (ال ...
- مصر بين لعبتي الشطرنج الإيرانية والنسيج المهترئ السعودية (ال ...
- مصر بين لعبتي الشطرنج الإيرانية والنسيج المهترئ السعودية (ال ...
- زمانان لشجرة المانجو العتيقة (قصّة)
- جان دارك أفريقيا
- سوق الحلاوة
- لنهدمنّ الأمم
- واضربوهن!
- بين معارك 1926 ومذابح 2014، نحن شركاء بالجهل مرّة وبالعلم مر ...
- المجلس المصري للإعلام بين السموات المفتوحة والنوايا الطيبخبي ...


المزيد.....




- فرانشيسكا البانيزي.. المرأة الشجاعة التي تستحق جائزة نوبل
- في العراق.. كابوس الحضانة يفتك بصحة النساء النفسية والجنسية ...
- بيان تضامني مع سنية الدهماني واستهداف الناشطات في تونس
- مادلين.. صيادة من غزة تتحول إلى رمز لصمود المرأة الفلسطينية ...
- لأنني لم أجد أمًّا تحضن وجعي.. قررتُ أن أكونها
- رئيس الاتحاد الدولي للملاكمة للجزيرة نت: اللجنة الأولمبية تح ...
- هنا الآن لينك التسجيل في منحة المرأة الماكثة بالبيت بالجزائر ...
- رئيس الاتحاد الدولي للملاكمة للجزيرة نت: اللجنة الأولمبية تح ...
- أعراض ارتفاع هرمون الحليب..كيف تختلف بين النساء والرجال؟
- شرطة عُمان تكشف بفيديو تفاصيل ضبط امرأة دخلت كسائحة صينية وم ...


المزيد.....

- المرأة والفلسفة.. هل منعت المجتمعات الذكورية عبر تاريخها الن ... / رسلان جادالله عامر
- كتاب تطور المرأة السودانية وخصوصيتها / تاج السر عثمان
- كراهية النساء من الجذور إلى المواجهة: استكشاف شامل للسياقات، ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- الطابع الطبقي لمسألة المرأة وتطورها. مسؤولية الاحزاب الشيوعي ... / الحزب الشيوعي اليوناني
- الحركة النسوية الإسلامية: المناهج والتحديات / ريتا فرج
- واقع المرأة في إفريقيا جنوب الصحراء / ابراهيم محمد جبريل
- الساحرات، القابلات والممرضات: تاريخ المعالِجات / بربارة أيرينريش
- المرأة الإفريقية والآسيوية وتحديات العصر الرقمي / ابراهيم محمد جبريل
- بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية / حنان سالم
- قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق / بلسم مصطفى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - هبة عبده حسن - نكاح العقل!