أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - هبة عبده حسن - واضربوهن!















المزيد.....

واضربوهن!


هبة عبده حسن

الحوار المتمدن-العدد: 4555 - 2014 / 8 / 26 - 00:02
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


كان مدهشاً مرأى تلك السيدة اللطيفة الجميلة ووجهها ورقبتها وذراعها مقطعة في خطوط طويلة وبالتأكيد غائرة تحت اللواصق الطبية الطويلة البيضاءالتي تظهر تحتها قطباً جراحية. كانت جالسة باستكانة على الأريكة في مواجهة مذيعة التليفزيون، وعندما تكلمت بدت ناعمة بصوتها الخفيض الشبيه بصوت طفلة. تغلبت على سخطي من المذيعة التي أقامت محكمة لتلك السيدة اللطيفة (والتي تبين أنها صغيرة السن أيضاً) بأسئلتها التي تفتقر اللياقة واللباقة ناهيك عن الذكاء والمعرفة، فشاهدت البرنامج بأكمله بدافع الفضول السرمدي لكتاب الدراما ولأنني أيضاً مهتمة بقضايا النساء والأقليات. ودون الدخول في تفاصيل حكايتها (المنظورة الآن أمام القضاء المصري) فإن هذه السيدة ضحية مايعرف في الغرب بالعنف المنزلي، فقد اعتدى عليها الشخص الذي كان زوجها والذي كانت قد أنجبت له ثلاثة صغار شهدوا المذبحة وقت حدوثها.

قراء القرآن الحكيم يعرفون الآية رقم 34 من سورة النساء "... واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن، فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً إن الله كان علياً كبيرا". تلك الآية بني عليها فقه العنف تجاه المرأة وتبريره بتفاسير حتى لم تأت في الآية نفسها. أنا لا أقول أن رجال المسلمين احتكروا العنف تجاه المرأة (ولا أن العنف حكر على الرجال بشكل عام)، وإنما أقول أن الخطورة هنا هي أن العنف له مرجعية دينية ويتحلى بعباءة مقدسة. من المثير للدهشة أن هذه الآية التي يبلغ عدد كلماتها (كاملة) 40 كلمة شرحها بن كثير في 1269 كلمة بالضبط والطبري والجلالين والقرطبي وطبعا شيخ الشرّاح: البخاري في عدد من كلمات تزيد أو تكثر عن هذا، تدور كلها حول أحقية الرجل (أي رجل) استعمال العنف تجاه المرأة التي "يمتلكها" سواءً بالزواج أو بالرحم أو بالذرية أو كملك يمين. وبالعودة لسورة النساء في مجملها وبإعمال مبدء الرجوع للشراح المفسّرين سنجد أن هناك منهجاً متكاملاً للعنف المظلل بالدين والموجه ضد كل النساء (بما في ذلك الصغيرات المسموح بوطئهن)، ومن يريد الاستزادة في هذا المبحث فعليه فقط الرجوع إلى الإنترنت لقراءة الشروح والتفاسير من مصادر معتبرة وموثوق بها.

هذه هي الخلفية التي أود من خلالها مشاركة الأفكار الرئيسة في هذا المقال، حيث تدور في مصر الآن معركة فكرية طاحنة بين التنويريين والليبراليين والعالمانيين من جهة والمحافظين وأصحاب الاتجاهات التقليدية بما فيها "الإسلام السياسي" من جهة ثانية. المعركة لها من الجانبين فرسان (وقليل جداً من الفارسات) وجمهورها المجتمع كله باختلاف طبقاته ومستوياته التعليمية والثقافية والاقتصادية، بما في ذلك مجتمع شبكات التواصل الاجتماعي الذين تبلغ أعدادهم بالملايين والذين استطاعوا منذ بداية الألفية الثالثة تغيير ثوابت ومناهج تفكير وطرائق عرض وغيرها الكثير. أراني أعود مرة أخرى للحديث عن الديناصور الأثيري بشبكاته الاجتماعية! يبدو أن كل حديث سيشمله مهما كانت المواضيع المطروحة.

من أبرز فرسان هذه الحملة (حسب معرفتي ومتابعتي) اثنان: الأول هو إسلام بحيري (صاحب برنامج تليفزيوني شهير يحمل اسمه) وهو قد أخذ على عاتقه بشجاعة مجابهة الفكر التكفيري الجهادي في إطار أوسع بمواجهة الإسلام السياسي وخاصة الفكر السلفي في وقت كان الإسلام السياسي يحكم مصر فعلياً، والثاني هو الشيخ الأزهري الشاب محمدعبد الله نصر الذي يخوض بضراوة تثير الإعجاب معركة ضد المؤسسة الدينية في مصر بما فيها الأزهر ووزارة الأوقاف ودار الإفتاء بتصريحه الشهير ضد "صحيح البخاري" وكونه يحتوي ترهات يجب رفضها، ثم بمتابعته الدؤوبة لدعوته على شبكة التواصل الاجتماعي "فيسبوك". كلاهما فارس نبيل وكلاهما تنويري إصلاحي وأنا في صفهما ضمن عدد لا يستهان به من الرجال والنساء ذوي الفطرة الإنسانية الصحيحة والبوصلة الأخلاقية السليمة، وأعلم يقيناً الإساءات التي يتعرضون لها ودعاوى التكفير والتهديدات بالقتل التي قد تصلهم من عدة مصادر ومن جميع أنحاء العالم. هذان الفارسان النبيلان قد انضما إلى التيار التنويري الإصلاحي الديني المصري الذي كان قد شهد منذ بدايات تاريخ مصر الحديث صحو وخبو ومد وجزر على خلفية ثنائية الاقتصاد-السياسة منذ العام 1870، وهو ما دعاني للتفكير في منطلق هذا التيار الذي، على شجاعته، لم يحرز حتى الآن أرضاً ولا انتصارات سوى بين رواده ومريديه أو من يقاربهم في التفكير، فنحن نرى مع موجات العلو والهبوط في نقد الفكر الديني انتصار أصحاب الصوت الأعلى وأيضاً على خلفية ثنائية الاقتصاد-السياسة، الأمر الذي يجب الوقوف عنده بغرض إعادة النظر في المنطلق وإعادة تقييم النتائج المتحصل عليها حتى الآن.

إن الذي أدعو إليه هو أن يتحول جزء من طاقتنا الجمعية، نحن التنويريون والليبراليون والعالمانيون في حديث الإصلاح ونقد الفكر الديني بصفة خاصة إلى حوار مدني قانوني دستوري يؤكد على أهمية أن تكون الدولة علمانية وعلى الفصل بين الدين كمرجعية والتدين كمكون رئيس للشخصية. يجب أن تكون هناك حركة مدنية تشرح للجماهير خطورة وجود تيار ديني سياسي (بأحزاب أو بدونها) في ظل عدم احترام الاختيارات الشخصية ومفهوم "الفردية" وحماية القانون لهذه الخيارات وهذا المفهوم. يجب تسليط ضوء أحمر قلق مقلق على ثقافة التداخل وعدم وجود معايير وعلى هلامية المسئولية القانونية مقابل سطوة منفذي القانون في أصغر القرى المصرية. وفي نفس الإطار يجب شرح الشرك الخداعي الذي يستخدمه أساطين الإسلام السياسي بأن "الغرب" يسمح بوجود أحزاب دينية لأن "الغرب" يسمح بهذا في ظل حمايته للحرية الفردية والخيارات الشخصية.

إن السيدة الصغيرة اللطيفة التي قطّع والد أبنائها جسدها وشوه وجهها بنية القتل غالباً لن تهتم بجدلية (الحلال-الحرام) مقابل جدلية (الصواب-الخطأ) ولا أظن أن الكثيرين ممن يعانون وممن تعانين يهمهم الحوار من مرجعيته الفكرية، ولكنهم المستفيدون الأساسيون من هذا الطرح، إذ بعلمانية المجتمع وبوقوف الدولة على مسافة متساوية من جميع مواطنيها على اختلاف جنسهم وعقائدهم وأهوائهم وعرقيتهم، وبتطبيق القانون على الجميع بنفس القدر سوف يعبر مجتمعنا من الجهالة إلى الإنسانية ومن الظلمات إلى النور.



#هبة_عبده_حسن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بين معارك 1926 ومذابح 2014، نحن شركاء بالجهل مرّة وبالعلم مر ...
- المجلس المصري للإعلام بين السموات المفتوحة والنوايا الطيبخبي ...


المزيد.....




- أغنيات وأناشيد وبرامج ترفيهية.. تردد قناة طيور الجنة.. طفولة ...
- -أزالوا العصابة عن عيني فرأيت مدى الإذلال والإهانة-.. شهادات ...
- مقيدون باستمرار ويرتدون حفاضات.. تحقيق لـCNN يكشف ما يجري لف ...
- هامبورغ تفرض -شروطا صارمة- على مظاهرة مرتقبة ينظمها إسلاميون ...
- -تكوين- بمواجهة اتهامات -الإلحاد والفوضى- في مصر
- هجوم حاد على بايدن من منظمات يهودية أميركية
- “ضحك أطفالك” نزل تردد قناة طيور الجنة بيبي الجديد 2024 على ج ...
- قائد الثورة الإسلامية يدلى بصوته في الجولة الثانية للانتخابا ...
- المقاومة الإسلامية في العراق تقصف 6 أهداف حيوية إسرائيلية بص ...
- -أهداف حيوية وموقع عسكري-..-المقاومة الإسلامية بالعراق- تنفذ ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - هبة عبده حسن - واضربوهن!