أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هبة عبده حسن - زمانان لشجرة المانجو العتيقة (قصّة)















المزيد.....

زمانان لشجرة المانجو العتيقة (قصّة)


هبة عبده حسن

الحوار المتمدن-العدد: 4563 - 2014 / 9 / 3 - 17:48
المحور: الادب والفن
    


زمانان لشجرة المانجو العتيقة
--------
ذات ليلة ...
-------
"انت السبب، باردة مثل الثلاجة، ألم تعلمك أمك أي شيء؟" ابتلعت الإهانة التي لم أدرك عمقها في ذلك الوقت فما أدراني أنا؟! ماما محاسن أو أبلة محاسن كما كنت أناديها في المدرسة بناءً على أوامرها قد قالت لي أشياءً كثيرة قبل أن تتركني وإياه، لم يكن احتمال أن أكون باردة كثلاجة أو ساخنة كفرن من بينها. لم أفهم الذي قاله لي تماماً وإن شعرت بإهانة كبيرة وبخجل من شيء مبهم. لم أعرف مالذي يجب أن أفعله فقمت لأرتدي ثيابي ثم ألملم ثياب عرسنا المبعثرة على السجادة الغامقة الحمرة. طويت الملابس بعناية شديدة وأرحتها على المقعد الوثير المواجه للشرفة التي يمرق ضوء ليل القاهرة من بين حشايا ستائرها الغنية. لففت روبي الكشمير الأبيض حول جسدي وفتحت شرفة فندقنا الفاخر وخرجت في شوق للسعة البرد الليلية علّها تهدء قلبي المتقافز في وجل. رفعت وجهي للسماء المزينة بجواهر بعيدة ودعيت الله في خاطري أن يذيب هذا الثقيل الجاثم على قلبي. شممت رائحة سيجارته قبل أن أسمع صوته الآمر "لا تقفي هنا مطولاً... سيجمدك البرد". لم أرد إذ انشغلت تماماً بالأشجار العالية بالناحية الأخرى من الشارع، ذكرتني الأشجار المتراقصة الأعالي بشجرة المانجو العتيقة في حديقة الفيلا القديمة المجاورة لبيتنا وبأخي خالد وبرضوى صديقة طفولتي وأخيها عبادة. ذكرتني بسيف الدين. كم هم بعيدون هذه الليلة.
---------
ذات طفولة...
---------
"هيا يا سيف، سنتأخر"... ويأتي راكضاً ونصف أزرار زيه المدرسي مفتوحاً وبقية السندويتش في يده يقضم منه لقمة ثم يحاول إغلاق أزرار مريلته بنفس اليد فيتناثر بعض الجبن الرومي من ساندويتشه على الأرض وعلى حذائه فيتقافر لينظفها فيتناثر المزيد من يده فنضحك نحن الصغار فتنظر لنا أمي – أبلة محاسن – زاجرة ثم تهز رأسها وهي تعدل من هندامه وتقدم له منديلا ورقيا ليلف طعامه قبل أن تتقدمنا سائرة برشاقة إلى مدرستنا في أول الشارع، عبادة يمسك بيد أخته رضوى كما أوصته أمهما وأنا أتوسط خالد أخي وسيف الدين. سيف وخالد وعبادة كانا يكبراني ورضوى بثلاث سنوات. سيف ابن تانت فاطمة جارتنا الأرملة التي توفي زوجها، والد سيف، وهي عروس لم يمر على زواجهما سنة. سيف ابنها وأخوها ورجلها كما كانت تقول لأبلة محاسن ولذلك لم تتزوج بعد وفاة والد سيف. لم تجروء تانت فاطمة أن تقول أنها أحبت زوجها وأن رجلاً آخر لن يملؤها قط حبا ورضى. كنت وأنا طفلة أحب سيفاً أكثر مما أحببت أخي خالد. سيف كان هادئاً وديعاً يمنحك فرحاً لمجرد وجوده إلى جانبك وكان رقيقاً يطعم القطط الضالة ويعتني بالطيور الجريحة والتي كان يصيدها الفتيان الآخرون بالنبلة. أتذكر أنني كنت أبكي إذا تخلف سيف عن المدرسة بكاءً مراً عنيفاً كانت ابلة محاسن تنهرني لأوقفه قائلة أنه مياصة بنات وقلة أدب. سيف "آه..." تنهدت وأنا أنظر إلى الشجرات البعيدة وأظن أنني شممت رائحة المانجو.
---------
ذات صباح...
---------
أتى نور الصبح بشخص آخر غير ذلك القاسي الذي أهانني ثم نام. قبل يدي برقة وعبث بشعري وقال أن نور الشمس يزيد نوراً عندما أبتسم فابتسمت. قال أنه جائع وأنه سيلتهم إفطاره ثم يلتهمني فضحكت وطلبت إفطاراً لنا الاثنين أتى لي بعدما اغتسل ليطلب مني أن أدخل لكي أغتسل أيضاً... "حممي شعرك ولا تضعي ماكياج" قال وهو يأكل وعادني شعور الليلة الفائتة... إحساس كاسح بإهانة عميقة لا أدرى من أين تأتي، ودخلت الحمام... بخار الماء المتكثف اقتحم رئتي. وقفت تحت مياه الدش وبكيت لسبب لم أعرفه واستندت بكلتا يدي على الزجاج المغبش الذي يفصل البانيو عن باقي الحمام وتركت نفسي للبكاء وماء الدش يهدهدان نفسي المضطربة... خرجت لأجده قد أكل كل ما حملته الطاولة وشرب كوبي العصير. أمسكت إبريق الماء الساخن لأصب بعضا منه على مسحوق القهوة فنزلت قطيرات ماء صنعت من القهوة عجينة اكتفيت منها بالرائحة. طلبت منه أن يخرج للشرفة حتى أرتدي ثيابي فقال أن الأفضل أن أظل بروب الحمام "هكذا أفضل فسيتأكدون أن الأمر قد تم وأن أمورنا بخير"... اضطربت من طلبه ولكنه ضمني وقبل رأسي قبلة سريعة، وقبل أن أستطيع الإفلات من قبضته سمعت طرقاً على الباب فاندفعت باتجاه الحمام وهو يضحك وقال متعمداً أن يسمع من يطرق الباب "لا بأس فهم يعرفون" وفتح الباب ليدخل أبي الذي اندفع باتجاه الشرفة وهو يناديه أن يلحق به حتى يفسح المجال لأمه وأبلة محاسن أن تطمئنا علي... قالت أبلة محاسن أنه لا يليق أن أستقبل ضيوفاً بملابس الحمام فضحكت أمه وهي تلكزها وطلبت منها ألا تضيق عليّ "اتركي الأولاد يستمتعان ببعضهما يا ست محاسن" ودخل هو بسرعة ليتمم حديث أمه "هذه الصغيرة خجولة للغاية ولكني جعلت منها امرأة" وربت على خدي ثم جذبني ليضمني إلى صدره. خرج الضيوف وظللت في مكاني أنتظر أن يعود إلي بهذا الود الذي أظهره من ثواني ولكنه أغلق الباب وطلب مني الاستعداد للسفر... "طائرتنا ستغادر بعد ثلاث ساعات ويجب أن نكون في المطار خلال ساعة على الأكثر" فتح حقيبة ملابسه وأخرج منها عباءة سوداء وشالاً أسوداً مد يده بهما وقال أن علي أن أتعود لبسهما من الآن فصاعداً. أغلق الحقيبة وفتح باب الغرفة قائلاً أنني يجب أن أسرع باللحاق به في بهو الفندق.
--------
ذات وداع...
--------
في الطائرة شاهدت عروساً بالملابس البيضاء لا تشبهني في شيء، ليس لأنها سمراء واسعة الابتسامة وليس لأن عينيها سوداوين شديدتا الجرأة وبالتأكيد ليس لأنها وحيدة – فأنا وحيدة – كانت المضيفات تساعدنها على الوصول لمقعدها رافعات الذيل الجرجار لفستانها الأبيض وحواشي طرحتها المزينة بالفل الأبيض تتراقص في منتصف كل زهرة حبة لؤلؤ مغناجة. كانت تعليقاتهن المرحة عن العريس الذي ينتظر فارغ الصبر على الطرف الآخر من الرحلة قد سببت موجة من الخفة والفرح بين الركاب فتعالت عبارات الثناء والمباركة ذات اليمين واليسار تتابعها تلك السمراء لترد قائلة شكراً وربنا يحفظكم وعقبال عندكم... هذه المسافرة وحدها ليست وحيدة... فكرت كم هي محظوظة بكل هذا الحب الذي جلبه الفستان الأبيض ونظرت إلى عباءة عرسي السوداء وأنا أسمعه يردد "ما هذه المسخرة؟ وهذا التظاهر بالفرحة، كم هي مصطنعة!" نظرت من شباك الطائرة وأغمضت عيني وأنا أفكر أن هذه العروس ليست أنا فأنا أود الفرار.
------
ذات همّ...
------
فاجأني في حجرة الجلوس بعد شهرين من وصولنا إلى هذا البلد الغريب بصفرة رماله على مرمى البصر وفقر عمارته، بالصمت الذي يصم الآذان وباللهجة العجيبة التي استعصت على أذني، بالقضبان على نوافذه والسور العالي يحيط بالبيوت القليلة الارتفاع، كنت ليلتها جاثية على ركبتي ممسكة بمشط كبير أسّرح شراريب سجادة وثيرة... كنت قد انتهيت للتو من تنظيف الأرضيات وفرك الحمامات وترتيب الخزانات وطبخ ثلاثة أصناف مختلفة من الطعام. كنت مهووسة بالنظافة وكانت تعليماته أن أطبخ كل يوم صنفين مختلفين من الطعام مع الأرز أو المعكرونة "لحم أو دجاج كل يوم بدون استثناء" هكذا قال وهو يشير إلى فريزر ضخم رتب على رفوفه كميات مهولة من اللحوم. جاءني لاهثاً وقال "قومي، اتبعيني" لم أستوعب تماماً مراده فسألته إذا كان يريد كوباً من الشاي أو العصير فشتمني بأبي... اندفع الدم إلى رأسي خوفاً وغضباً فانتفضت أريد الوقوف ولكنه انقض علي وثبت كتفاي على الأرض وباعد مابين ساقي وارتمى عليّ بثقل جسمه ورائحة سجائره وبيجامته المقلمة وأظافر قدميه التي جرحت كاحلي... صرخت فوضع كفه على فمي ثم أنزلها ليمسك عنقي مهدداً. أدرت وجهي عنه فلقد كانت رائحة أنفاسه كريهة للغاية. أغمضت عيني بقوة وأردت أن ينتهي بسرعة وكأن الله كان يستمع لدعائي إذا ارتعش ثم همد جسمه وثقل ومرت لحظات وكأنها عمري كله قبل أن يقوم عني ساخطاً لاعناً ينعتني بالبرود والصلف "من تظنين نفسك؟ أنت حقيرة غبية باردة." وكأن هذه الليلة التي ظننت أن الرب استمع لدعائي فيها كانت فاتحة لخروج شيطانه من قمقمه يأتيني بكامل ملابسه كلما حدثه شيطانه، يخنقني بكفه الغليظة وبأنفاسه الكريهة... تعلمت المثول.
-------
ذات ألم...
------
لملمت طاولة الغداء التي كان يجلس إليها وحده، لم أشاركه الطعام أبداً ولم يهتم هو بذلك. يجلس ليأكل، وحده، كل يوم. يثني على طبخي "لن يكون كطبخ أمي أبداً ولكن لا بأس بك أنت أيضاً" كلما تناول صنفاً جديداً طبخته له يقول نفس الكلام... عبارات الثناء لديه قليلة وعدا عن كونها مكررة فهي تحمل في طياتها دائماً معنى الذم، إهانة مغلفة بالمجاملة... وكأنه في مهمة أن يحيل حياتي لشيء بغيض ولكن على جرعات... قليلاً قليلاً كل يوم. قال أريد شاياً وصنعته له ودخلت غرفة النوم لأضعه على الكومدينو بجانب الفراش واستدرت لأخرج ولكنه قال "ما بك" لم أرد فمسك ذراعي وقال اصعدي إلى الفراش. "الآن؟" سألت وبان على وجهي الاشمئزاز فهز رأسه بالإيجاب... صعدت واستلقيت على ظهري مستعدة لتلقي ثقله المنفر بكامل ملابسه مثل كل مرة ولكنه كان قد أسر أمراً آخراً... البغيض انتهكني بإصبعه . كدت أموت... تقلص جسمي... لا أصدق... نظرت إليه... مباشرة في عينيه... لا، لا، لا، لا، لا... وهوى على وجهي بيده الملطخة بدمي... "كفي عن الصراخ وعن هذه النظرة الفاجرة"... وانفتح باب جهنم على الأرض... وتكرر العذاب عقاباً على ذنب لا أعرفه. كنت قد استسلمت لمصيري إذ لم تكن ثمة وسيلة للخروج، لا أستطيع وكل هذه القضبان ولا مفاتيح معي ولا جواز سفر ولا هوية ولا هاتف ولا أحد... لا أحد... وفي ليلة كأخواتها انفجرت بالبكاء كالعادة وانفجر نهر الدم الذي أرعبه فكف عني ولم يكف اندفاع الدم. حملني إلى السيارة بعد أن غطاني بعباءتي السوداء وذهبنا إلى مستشفى النساء.. كنت ملقاة على المقعد الخلفي أحملق في سقف السيارة وأتمنى أن أموت هذه الليلة... حملني إلى داخل العيادة إذ كنت كلما وقفت على قدميّ اندفع الدم خارجاً مني. ساعدتني ممرضتان ونظفتا ساقي وبطني، ثم جاءت الطبيبة - امرأة خمسينية من بلدي – فحصتني وأمرت بإعداد غرفة الجراحة واختفت لدقائق ثم عادت وسألتني إن كنت أود أن أراه. هززت رأسي. لم أبك، كنت قد عقدت العزم على الموت هنا فقلت لطبيبتي أن اتركيني هنا للصباح... ربتت على خدي وقالت "لا تخافي" ثم انتحت إلى طاولة صغيرة تدون أشياءً على أوراق كثيرة ثم خرجت وعادت بابتسامة وقالت سيعدونك الآن للجراحة... "شيء بسيط لن يدوم أكثر من نصف ساعة... وتقومين مثل الفل"... نزل دمعي وأنا أقول لها أني لا أريد العودة وأنني أفضل الموت فقالت أنني لن أعود أبداً إليه.
فتحت عيني على ألم في خاصرتي وبطني وظهري وساقي ... كانت الممرضة السمراء والتي كانت تشبه كثيراً تلك العروس في الطائرة تظبط معيار السائل المعلق فوق سريري... "يدي تؤلمني" تمتمت فابتسمت الممرضة وقالت أن إبرة مثبتة بها وأن علي أن أتحمل لسويعات قليلة حتى تستقر حالتي. ابتسمت ووضعت يدها على جبيني وهي تهمس بمودة "حمد الله عالسلامة".
-------
ذات أمل...
-------
نظرت من شباك غرفة المشفى... الليل خيم... رغبت في البكاء فأنا يخيفني الليل مذ وطئت قدمي هذه الأرض ذات الرمال الكثيرة والحر الذي يقطع الخلائق. جاءت ممرضة أخرى لتطمئن علي وقالت أن الدكتورة ستعودني في الصباح... رفعت صينية الطعام وقالت أنها تعرف أنني لا أشتهي الأكل الآن وأن كل شيء سيكون على ما يرام مع الوقت "الوقت يداوي الجراح يا أختي الصغيرة"... قالت وخرجت من الغرفة. الكل هنا يعاملنني بود زائد. أحسست بطمئنينة من نوع غريب لم آلفه. ذقت وداً راقني طعمه. أغمضت عيني. رأيتني أسبح في الهواء، أدور وأدور... طبت!!!

في المطار، تمسكت بأوراقي الذي سلمها هو لمكتب القنصلية بناءً على مشورة ضابط الأمن الذي استدعاه المشفى بناءً على طلبي المدعم بموقف طبيبتي المثبت في تقرير كتبت فيه أن تهتكاتي الداخلية تلوثت وأنني كنت على وشك فقد رحمي ولكنها لم تكتب شيئاً عن جروح قلبي وتهتكات روحي. أشار القنصل العام عليه بشراء تذكرة العودة لي وأصررت أنا على أن أطلق منه في اليوم ذاته... قلت ذلك أمام طبيبتي هزت رأسها موافقةً لأنها تعرف ما جرى وما يمكن أن يجري. جاء رجل بكرسي بعجلات وطلب مني أن أستريح... دفع الكرسي على الممرات اللا نهائية للمطار المصقول. أوحشتني الأصوات البشرية: صراخ أطفال، ضحكات مكتومة لصبايا صغيرات، صوت أم تنهر صغيرتها التي تريد المزيد من الشوكولاتة... أجلسوني على كرسي بأول الممر لصق الشباك وكانت المضيفة الشقراء تغدق عليّ ودها المهني بحلوى وعصائر ونكات تهمس بها في أذني بعربية مكسرة.. ضحكت... طبت!!! وعندما هبطت الطائرة جاءتي شابة أخرى بزي رسمي تدفع كرسي متحرك لتأخذني إلى حيث قابلت وجهاً حبيباً... أخي خالد الذي راعته هيئتي فأصابه صمت أنساه واجب اللقاء. "قل لي حمد الله عالسلامة" ولم يقل. دفع الكرسي المتحرك إلى الخارج، حيث أبي وحيث أبلة محاسن التي كانت تردد "يا ابنتي، يا ابنتي" بلا توقف. قبل أبي رأسي وطلب أن أسامحه. لم أتكلم. جلست في المقعد الخلفي بجانب أبلة محاسن. كنا صامتين إلا من صوت أسنان أخي خالد تطحن بعضها.
في الليل أتذكر إهانته الأثيرة... "يا باردة" فأبكي بكاءً مكتوماً حتى لا أوقظ أبي وأبلة محاسن وخالد أخي. هو لم يحبه منذ البداية وهو الذي واجه أبلة محاسن قائلاً أن هناك أمراً ما لا يريحه في هذا الشخص فأسكتته هي وقالت "أنت صغير لا تعلم" وقالت أنها ترى فيه زوجاً مناسباً "كامل الأوصاف إلا من شكله فهو ليس وسيماً ولكن كلنا خلقة ربنا"... أنا أيضاً اجتاحتني رياحها عندما قلت أنني لا أشعر بالسعادة لرؤيته... "السعادة تصنعينها أنت، وستتعودين عليه"... هكذا كان. هكذا لم يكون.
--------
ذات عودة...
--------
كنت قد عدت بعد ستمائة وثلاث وثلاثين يوماً بالتمام، عدت بجرح بداخلي يلتئم بسرعة وجرح آخر ينزف ملحاً في حلقي ولا يلتئم... "الوقت كفيل بكل شيء" أتذكر كلمات الممرضة السمراء وأنا أسوي حشية مقعد الخيزران في الركن البعيد من شرفة بيتنا. جلست وضممت ساقي وشددت أطراف ثوبي وطويتها بعناية تحت قدمي ثم أرحت رأسي على ركبتي وشبكت يدي حول ساقي وأغمضت عيني أستمع لشقشقات العصافير العائدة لبيوتها... ما أجمل نسمات العصاري في هذا الركن من شرفتنا. أشم رائحة المانجو فأفتح عيني وأريحهما على أعلى أغصان شجرة المانجو العتيقة في الفيلا المجاورة، تسليت كثيراً بتراقص أوراقها العريضة الغامقة الخضرة على نغمات تلك النسمة الطرية. في وقت كهذا تماماً ذات زمان رائق كنا نتسلق السور القصير الذي يفصل بيتنا عن الفيلا القديمة... أخي خالد وعبادة ورضوى وأنا... خالد وعبادة ينطان من أعلى السور وسيف الدين على الجانب الآخر من السور يحمل رضوى يساعدها على النزول ثم يحني ظهره حتى أنزل أنا عليه... اسمع بأذن خيالي ضحكاتنا المستثارة عندما ننجح في الوصول إلى الشجرة... الصبية يقذفون الثمار العاليات بأحجار صغيرة يجمعونها من أطراف الحديقة فيسقط أحدها على شباك عم فرحات الجنايني فيصرخ "يا شياطين" ثم يخرج لنا بقامته الطويلة وعمامته البيضاء الكبيرة ملوحاً بخيزرانته - غير جاد في تهديده - بأنه سيشتكي لأبلة محاسن... يتركنا عم فرحات نلملم الثمار الخضراء ويفتح لنا باب الحديقة حتى نخرج "لا تأكلوا المانجو الخضراء ستوجع بطونكم" يقول بصوت حنون وهو يغلق الباب.

كان هناك يسقي شجيرات البرتقال مرتديا شورت كاكي وتي شيرت زيتي اللون، كان يبدو جميلاً بهدوئه السرمدي لا يعنيه من أمر الكون سوى أن ترتوي شجيراته الغضة. رأسه الحليق منحه جدية لا تنقصه. وأغمضت عيني من جديد... لا أدري كم من الوقت مضى قبل أن يدخل خالد أخي الشرفة... "مرحباً يا سيف" صاح أخي فرمى سيفاً خرطوم المياه واقترب من السور الذي يفصل بيننا... من الداخل سمعت صوت أبلة محاسن "ادخلي يا ابنتي حتى يتكلم الشباب"... آه يا أمي، ألم تدركي بعد؟؟؟ "سيف" صحت أنا بصوت بدا عالياً بلا داعي... "هل أثمرت شجرة المانجو؟؟؟" ضحك الشابان وضمني أخي قائلاً "حمد الله عالسلامة".




#هبة_عبده_حسن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جان دارك أفريقيا
- سوق الحلاوة
- لنهدمنّ الأمم
- واضربوهن!
- بين معارك 1926 ومذابح 2014، نحن شركاء بالجهل مرّة وبالعلم مر ...
- المجلس المصري للإعلام بين السموات المفتوحة والنوايا الطيبخبي ...


المزيد.....




- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- مصر.. الفنان بيومي فؤاد يدخل في نوبة بكاء ويوجه رسالة للفنان ...
- الذكاء الاصطناعي يعيد إحياء صورة فنان راحل شهير في أحد الأفل ...
- فعالية بمشاركة أوباما وكلينتون تجمع 25 مليون دولار لصالح حمل ...
- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟
- فنان سعودي شهير يعلق على مشهد قديم له في مسلسل باللهجة المصر ...
- هاجس البقاء.. المؤسسة العلمية الإسرائيلية تئن من المقاطعة وا ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هبة عبده حسن - زمانان لشجرة المانجو العتيقة (قصّة)