أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الناصر حنفي - عن انهيار مسرح الثقافة الجماهيرية 1- نوادي المسرح















المزيد.....


عن انهيار مسرح الثقافة الجماهيرية 1- نوادي المسرح


عبد الناصر حنفي

الحوار المتمدن-العدد: 4581 - 2014 / 9 / 21 - 19:25
المحور: الادب والفن
    


مقدمة: منذ رحيل حسين مهران بطريقة أريد لها ان تكون مهينة، تعاني الهيئة العامة لقصور الثقافة حالة من الإنحدار والتآكل على كل المستويات، وبعض هذا كان ينبع من عوامل داخلية وهيكلية، وبعضه الآخر كان نتيجة مباشرة للحملات التأديبية التي شنها "الكتخدا" فاروق حسني ضد تلك المؤسسة التي خرج منها موظفا صغيرا مغمورا، وظل يعاني مما يظنه احتقار قياداتها له بعد أن عاد من فوقهم ليصبح وزيرا، ومنذ البداية خطط فاروق لإنشاء صندوق التنمية الثقافية (1989) بحيث يكون البديل العصري لقصور الثقافة، و كان مقدرا له أن يضم مواقع منتزعة من الآثار، إلى جانب المواقع الأكثر فخامة وشياكة من الثقافة الجماهيرية (مع منح بقية المواقع البائسة للمحليات)، لكن هذه الترتيبات تعثرت مع تولي حسين مهران للثقافة الجماهيرية، وتحويلها لهيئة مستقلة، وتطوير أنشطتها وميزانياتها على نحو غير مسبوق، بحيث إضطر فاروق حينها إلى خفض طموحاته وتعديل مخططاته فشرع في بناء أول –وآخر- مركز لللإبداع تابع لصندوق التنمية، ناهيك عن غضبه من تباطؤ مشروع إحلال هذا الصندوق محل هيئة قصور الثقافة، بحيث أنه عند رحيله لم يكن الصندوق يضم سوى 17 مركز إبداع والتي يعدها فاروق النظير العصري لقصر الثقافة، بالإضافة إلى 90 مكتبة تناظر بيوت الثقافة، وهي ارقام لم تكن ترضي طموحه الذي كان يستهدف هزيمة اسم ثروت عكاشة وابتلاع منجزه الأعظم المتمثل في مؤسسة الثقافة الجماهيرية.
وبالرغم من أن فاروق قد صبر عدة أعوام ليثأر من اضطراره لتخصيص ميزانية لبناء مركز القاهرة للإبداع، فإنتزع مقابله قصر ثقافة الحرية قبل إفتتاحه بأيام قليلة، إلا أنه لم يبد صبرا مماثلا تجاه مسرح الثقافة الجماهيرية الذي كان رأس الحربة الأقوى في أنشطة حسين مهران وصراعه ضد الوزارة، فعقب شهور قليلة من رحيل مهران تلقى هذا المسرح أول حملة تأديبية على يد خلفه مصطفى الرزاز، بحيث إضطر ابو العلا السلاموني (مدير عام المسرح حينها) إلى رحيل إختياري حتى لا يتسبب بقاءه –كما قال هو- في تعطيل أنشطة المسرح والإضرار بمصالح المسرحيين.
ومنذ تلك اللحظة ينحدر مسرح الثقافة الجماهيرية من السيء إلى الأسوء، غير أن نوادي المسرح ظلت تتمتع بوضعية مختلفة داخل هذا الإطار البائس، فبإستثناء ازمة شهدها المهرجان الختامي ببورسعيد (1999) الذي قاطعه الغالبية العظمى من كوادر الادارة ردا على محاولة د. حسن عطية قصر مشاركتهم في اللجان على مهمة المقرر الذي لا يحق له التصويت، ظلت نوادي المسرح بكل ما تحظى به من تعاطف وإهتمام ماضية في طريقها -دون عقبات جوهرية- بوصفها الحركة الأم لمسرح الهواة في مصر، وحتى مع بداية عصر ما بعد محرقة بني سويف استطاعت النوادي استعادة حيويتها سريعا على نحو لم يكن يتوقعه اشد المتفائلين، بل تم تطوير نظامها الإنتاجي عبر تنفيذ بعض الاقتراحات التي قدمتها عندما كنت مسئولا عنها موسم 2005-2006، حيث تم إلغاء تخصيص شرائح إنتاجية ثابتة لكل فرع، والإعتماد على قدرة كل موقع على المبادرة حسب حجم النشاط والطاقات المسرحية المتوفرة فيه، مع إلغاء الإنتاج عبر قرار إداري يتحكم به موظفو المواقع وغيرهم، ليحل محله القرار الفني الصادر عن لجنة مشاهدة "متخصصة" تختار العروض التي سيتم إنتاجها طبقا لعطائها الفني، وهو ما أدى –من وجهة نظري على الأقل- إلى إكساب الحركة المزيد من الحيوية التي مكنتها من مقاومة وتجاوز الكثير من العثرات والقرارات العشوائية خاصة تلك التي ظهرت خلال فترة تولي عصام السيد إدارة المسرح، وقيامه بإلغاء "إدارة النوادي" (وهي بالمناسبة أهم إدارة في وزارة الثقافة على وجه الإطلاق!) لمدة موسم كامل توزعت فيه مسئولية النوادي بين أياد عديدة بعضها دخيل على التجربة، أو محاولته إصدار لائحة جديدة للنوادي كان يمكن أن تخلف اثرا تدميريا على الحركة، لولا أن احمد مجاهد –رئيس الهيئة حينها- إستمع للأصوات المعارضة وتراجع عن إعتمادها في اللحظة الأخيرة، وما إلى ذلك من قرارات أخرى إتخذت بمنطق: "نجرب ونشوف إيه اللي حيحصل" !!!.
ومع مجيء سعد عبد الرحمن، والذين معه، والذين حوله، و"سياساته" التي بصمت على خفض مسرح الثقافة الجماهيرية من مشروع ثقافي قومي إلى وحدة إدارية منهارة، أو مجرد إدارة عامة ضمن 60 إدارة أخرى تخضع لنفوذه وسلطاته، طالت نوادي المسرح إنتكاسات تاريخية غير مسبوقة، بدأت مع استجابة غير مدروسة لضغط الأصدقاء السكندريين بعد صراعهم ضد الإدارة حول لجنة المشاهدة، مطالبين بحقهم في تشكيلها من بينهم دون تدخل، وهو أمر لم تستطع إدارة المسرح التعامل معه بحكمة وهدوء كافيين مما إضطرها في النهاية إلى قبول هذا المطلب الذي ما لبث أن تحول إلى إجراء دائم بعد تضمينه في ضوابط التشغيل العامة. أما ما تلا ذلك فهو الأسوء على الإطلاق في تاريخ النوادي.
موسم 2011-2012 وبداية مرحلة التفسخ الداخلي:
وهو أطول وأسوء موسم في تاريخ النوادي، بدأ في 1-7-2011 كما هو مفترض، وإنتهى بالمهرجان الختامي الذي عقد في النصف الثاني من مايو 2013، مستغرقا 23 شهرا.
وكانت بداية هذا الموسم الكارثي بإقرار إدارة المسرح لمشروع قدمته الصديقة عبير علي مسئولة الورش والتدريب يقضي بأن لا يتم إنتاج عروض النوادي إلا عبر ورش تدريبية سابقة على تقديم اي مشاريع إنتاجية، بحيث يتخذ قرار الإنتاج مدربي تلك الورش أنفسهم "وذلك بديلا عن لجان مشاهدة ومناقشة المشاريع". (انظر تفاصيل الخبر المنشور في موقع متابعات الذي كان حينها الموقع شبه الرسمي للإدارة بتاريخ 15-1-2012)، وهو ما يعني عمليا إنهاء الصيغة المعروفة للنوادي ووضعها كتابع ملحق لإدارة الورش!، ومدربيها الدخلاء على التجربة، وهكذا دون بحث أو دراسة او الاستماع لآراء المعنيين، يقرر ثلاثة هم عبير علي مسئولة الورش، وسعيد حجاج مدير النوادي، واحمد ابو العلا مدير عام المسرح، مصير الحركة المسرحية الأهم في مصر، والتي ذهبت من أجلها حيوات العديد من شهداء بني سويف نتيجة حرصهم على ألا يفوتهم مشاهدة مجرد عرض ضمن آلاف العروض التي أنتجتها النوادي.
منذ محرقة بني سويف التي ابتلعت أهم وافضل كوادر إدارة المسرح، بدأت الأمور تميل أكثر فأكثر لتركيز سلطات الإدارة في يد المدير العام، صحيح أن كلا من محمود نسيم وعصام السيد كانا يتمتعان بوعي متفاوت في درجته وتوجهاته بأن ما يدور في مطبخ الإدارة لا يخصها بقدر ما يخص المسرحيين المتعاملين معها، وبالتالي كان هذا الوعي يحكم قراراتهما بصورة أو بأخرى، إلا أن الأمر اختلف مع الصديق أحمد ابو العلا، وبعض ذلك يعود لصفاته الشخصية، التي جعلته طوال حياته العملية يفضل خوض معاركه وحيدا، ناهيك عن أن علاقته بمجمل النظم الإنتاجية بمسرح الثقافة الجماهيرية كانت غالبا اطلالة من موقع المعارض لا الممارس المنغمس، وما زاد من تأثير ذلك هو المزيد من الانحدار في مستوى خبرة الكوادر التي استعان بها، بداية من الصديق سعيد حجاج الذي انتقل فجأة من موقع المشاهد ليتولى مسئولية بحجم النوادي، معلنا أن الخبرات السابقة المتراكمة حول حركة النوادي هي بمثابة كهنوت لن يدعه يحول بينه وبين خصوصية تجربته!، والصديقة عبير علي التي يلف خبراتها العملية وطريقة تفكيرها نزعة فردية أكثر ميلا للتواري والإحجام عن التفاعل الجماعي كلما كان ذلك ممكنا، معتقدة أن هذا هو الطريق الوحيد لتحقيق أي إنجاز وما سوى ذلك ليس سوى إهدار للوقت والجهد، وهي عادات اكتسبتها من نشاطها الأساسي خارج مسرح الثقافة الجماهيرية، بين الفرق الحرة والمستقلة والجماعات المتحلقة أمام بوابات التمويل الأجنبي، حيث الكثير من الصراعات التي خسرتها والتي خلفت شعورا واضحا بالاضطهاد جعلها أكثر استعداد وتقبلا لإنتزاع اي مكاسب سواء كانت مستحقة ام لا طالما أن بإمكانها ذلك، مجموعة القيادة تلك بحكم تكوين شخصياتها كانت أكثر ميلا لما يمكن تسميته بـ "تكتيك القرار الصامت" الذي يصدر في مكان مغلق وعبر اشخاص محدودين، ثم يتم ملاحقة ردود الأفعال حوله فيما بعد.
15-1-2012 (تاريخ نشر الخبر المذكور عاليه) إذا هو تاريخ دقيق لتحول إدارة المسرح ومسرح الثقافة الجماهيرية من حالة الانحدار المتوالي بفعل عوامل كثيرة منها ما هو خارجي، إلى حالة التفسخ الداخلي على أيدي الكوادر التي تقودها، وإذا كانت النوادي قد صمدت في المرحلة الأولى، فقد اصابها الكثير من الدمار عبر المرحلة الثانية.
بالطبع لم يتم تنفيذ القرار المذكور بحذافيره نتيجة لإعتراض الكثيرين من شباب وكوادر النوادي في العديد من الفروع الثقافية، لكن بوابة الإستيلاء على النوادي من داخلها كانت قد فتحت، وتم إضافة ما يسمى بـ "مشروع مسرح المقهورين" الذي لم يكن مدرجا بالخطة من أساسه، وقامت عبير علي باستدعاء "نورا أمين" لتتولى وحدها مسئولية هذا المشروع على مستوى جميع المحافظات، وتم استخدام العديد من أدوات الترغيب مثل وعد المخرجين بالصعود مباشرة إلى المهرجان الإقليمي، مع صرف الميزانيات كاملة لعروض لا تحتاج –بحكم طبيعتها- سوى لبعض الاكسسوارات، ووعد آخر بالمشاركة المباشرة في مهرجان خاص بمشروع المقهورين، مع وعود أخرى في الكواليس بسفريات وتمويلات وما إلى ذلك، مثلما تم إستخدام أدوات الترهيب عبر إجبار المخرجين على التوقيع على تعهد يعلنون فيه التزامهم بالمشروع، وإلا عوقبوا بالمنع عن التعامل مع "الهيئة العامة لقصور الثقافة" لمدة عامين.
ومع بداية مهرجانات النوادي الاقليمية بدأت النتائج الكارثية لهذه السياسيات الجديدة في الظهور، فقد كتب الصديق "محمد الروبي" واصفا ما شاهده من عروض ما يسمى بمسرح المقهورين بأنه اشبه بفقرات البرنامج الإذاعي الشهير "الغلط فين"، فيما جاء تقرير لجنة تحكيم مهرجان إقليم وسط وجنوب الصعيد المقام بسوهاج في نوفمبر 2012 (والتي شرفت بعضويتها) مفندا لمشروع "المقهورين" في مجمله، ومطالبا بالتحقيق في خروجه بهذه الصورة، ومع المسئول عن صرف ميزانيات لعروض بلا إنتاج تقريبا، كما تعرض لما قدم تحت اسم "مسرح الشارع" بينما أغلبه مجرد عروض مكان مفتوح (نشر التقرير كاملا في جريدة مسرحنا). وكان العبث والمراهقة الفنية باديان بشدة في فرض "تقنية سؤال الجمهور" الخاصة بمشروع المقهورين على عروض أخرى لا تتطلب ذلك ولا تتحمله، وهكذا، فالأمر لم يقتصر على الإستيلاء على تجربة النوادي وفقط، بل تجاوز ذلك إلى فرض تحكمات فنية سخيفة على عروضها ومبدعيها.
تلك الأوضاع الكارثية كانت بادية للعيان على نحو يصعب تجاهله، مما حدا بجريدة مسرحنا إلى الدعوة لندوة موسعة بعنوان "إنقاذ تجربة نوادي المسرح"، والتي عقدت في 3-12-2012، وحضرها رئيس الهيئة وقياداتها، والكوادر العاملة بإدارة المسرح، بما في ذلك مجموعة القيادة التي كانت مسئولة عن النوادي ومشروع المقهورين (ابو العلا وحجاج وعبير)، بالإضافة إلى جمع كبير من المهتمين والمسرحيين الذين شكلت النوادي خطوة مهمة في حياتهم العملية، وقد استمرت الندوة أكثر من ثلاث ساعات.
تحدثت في هذه الندوة مركزا على كارثة مشروع مسرح المقهورين، والذي إعترفت "صاحبته" نورا أمين أنها فشلت في إقناع ولو مخرج واحد بتطبيقه رغم العديد من الورش والدورات التي دربت فيها على هذا المشروع طوال خمس سنوات، ومما يثير السخرية أن "نورا" شكرت الثورة التي مكنتها من تحقيق حلمها، ولم تشكر أصدقاءها في إدارة المسرح الذين سهلوا لها تحقيق مصالحها، فهناك ما يؤكد أنها قد تلقت تمويلا عن هذا المشروع في نفس فترة عملها به في الهيئة، مثلما أن هناك شواهد لا يمكن التغافل عنها تشير إلى أن حجم التمويل المعلن الذي حصلت عليه نورا أمين من جهة واحدة قد تضاعف من عشرة آلاف دولار، إلى خمسين الف دولار، عبر استخدام اسم الهيئة (وربما أوراقها) بوصفها شريكا في المشروع، وهو أمر -لو ثبت-فمعناه بوضوح أننا أمام جريمة فساد وتربح شارك فيها من الهيئة وإدارة المسرح من شارك.
وأثناء حديثي في الندوة، واجهت سعد عبد الرحمن بأنه إذا كان يتهم فرق الشرائح بالسبوبة، فقد تحولت النوادي في عهده إلى سوق للنخاسة الثقافية تستغل فيه جهود وابداعات شباب النوادي وخاصة من أبناء الصعيد " الغلابة" من أجل تحقيق مكاسب مادية لجماعات التمويل الخارجي، ولم يبد عبد الرحمن أي رد فعل باستثناء اعتراض "لطيف" يرفض وصف الصعايدة بالغلابة!.
طالبت ايضا بإحالة الموضوع برمته للتحقيق ومحاسبة المسئولين عنه، وشددت على هذا المطلب أكثر من مرة آخرها كانت مقاطعة للكلمة الختامية التي القاها الصديق يسري حسان لينهي الندوة، وكان رد الفعل الوحيد هو إعتذار شجاع من الصديق احمد ابو العلا عن أخطاء مشروع المقهورين، ثم لا شيء آخر، لا تحقيق ولا مساءلة، واستمر الجميع يمارس عمله وكأن ما حدث هو مجرد خطأ بسيط عارض يمكن تجاهله ببساطة!، وما يثير الريبة أكثر وأكثر، أنه بعد شهور من هذا اليوم اصبحت مسئولا عن إدارة النشاط المركزي والتي تتبعها النوادي والورش، ومكثت فترة دون أن استطيع العثور على مستند واحد خاص بمشروع المقهورين، حتى تشكلت لجنة لتسليم جميع الاوراق الخاصة بإدارة الورش من عبير علي إلى الصديق ياسين الضوي الذي حل محلها، وعندما ثبت أن اللجنة لن تستطيع أداء مهامها قمنا برفع مذكرة لمدير المسرح الجديد، وحتى الآن لا أدري ما تم بشأنها!، وهو ما يدل على أن هناك حالة من التواطؤ العام والمستمر رغم تغير مدير المسرح تهدف إلى إخفاء ما قد يفضح الكثيرين.
وربما كانت النتيجة العملية الوحيدة لكل ما سبق هو ما تردد في الكواليس عن استبعاد عبير على من خلافة ابو العلا في إدارة المسرح، واستدعاء الزميلة دعاء منصور بدلا منها، لتبدأ مرحلة أخرى من التفسخ الداخلي الذي طال كل ما يتعلق بمكونات مسرح الثقافة الجماهيرية، وصولا حتى للإداريين العاملين بإدارة المسرح.
موسم النوادي الضائع وأشياء أخرى:
كان إختيار دعاء منصور كقائم بأعمال مدير عام المسرح مفاجئا للجميع، وذهب البعض مناحي شتى في تفسيره، فهي ليست فقط السابقة الأولى في تاريخ الهيئة وتاريخ المؤسسات المسرحية في مصر التي شهدت منح منصب فني بطبيعته لمن لا علاقة له بالمسرح سواء من حيث الدراسة أو الممارسة أو حتى الاهتمام او الخبرة الإدارية، ولكن ايضا لأن تلك الزميلة لم تخض خلال حياتها الوظيفية أي تجربة إدارية قيادية باستثناء أشهر قليلة قضتها على رأس الفرقة المركزية وكانت حافلة بما لايحصى من المشاحنات والعراك والمصادمات والشكاوي والتحقيقات والتي طالت رؤسائها ومرؤوسيها معا، إلى ان تنفس الجميع الصعداء لرحيلها. وظلت "الزميلة" أكثر من عامين دون عمل محدد ولم تكن تشاهد حينها في الإدارة إلا نادرا، عبر زيارات تفصل بينها اسابيع وربما شهور كانت تحرص على أن تكون في أوقات الإدارة فيها شبه خالية من الموظفين. إلى أن عادت في بداية مارس 2013 لتحتل مكتب مدير عام المسرح، وبغض النظر عن التفسيرات التي طرحت إزاء هذا القرار الغريب، والتي لن أتعرض لها هنا، فقد أثبت سعد عبد الرحمن أنه رجل يستميت في الدفاع عن قرارته الخاطئة، ولا يسمح لنفسه بمراجعتها قط، وهو ما بدأ منذ اللحظة الأولى وحتى قبل تنفيذ قرار الزميلة دعاء حيث إستجاب للتعديلات التي طلبتها على قرارات تم إصدارها بالفعل (مثل قرار تشكيل المكتب الفني لإدارة المسرح) وظل على هذا المنوال إلى أن خرج للمعاش.
بالنسبة لي كان أكثر ما يهمني حينها هو إنقاذ موسم النوادي 2012-2013، والذي لم يكن قد بدأ بعد، حيث كانت السنوات الأخيرة المضطربة قد ولدت عادة بيروقراطية سخيفة تقضي بعدم بدء إجراءات التحضير لموسم النوادي الجديد إلا بعد المهرجان الختامي، بالرغم من أن الدورة الورقية لبداية الموسم قد تستغرق وحدها من شهرين إلى ثلاثة. بادرت بالنصح أن المهمة الأولى للقادمة الجديدة هي اختيار مدير جديد للنوادي، مرشحا الصديق شاذلي فرح، الذي كان حينها في الصعيد يخرج أحد عروضه، باعتبار ان المرحلة تتطلب من يملك القدرة على الحركة السريعة، وهاتفت شاذلي ان انقاذ الموسم يتطلب العمل عبر صيغة لجان النقاش الأكثر سرعة، بدلا من صيغة لجان المشاهدة التي تتطلب زمنا أطول بكثير، وعندما اقتنع الجميع قمت بنفسي بكتابة الخطاب الموجه إلى الفروع والاقاليم ووقعته بدلا من شاذلي، وتم إرساله في الاسبوع الثاني من مارس 2013، واكتمل وصول المشاريع تقريبا في 10 ابريل حسب الموعد المقرر، وكنت قبلها قد قبلت منصب مدير النشاط المركزي -والذي صدر دون علمي- وهو ما كنت أرفضه طوال سنوات عديدة، وبدأت في العمل مع مسئولتي الميزانية والماليات بإدارة المسرح، والتواصل مع مسئولي الأقاليم من أجل حل مشكلة ميزانية النوادي التي كانت قد استنفدت تقريبا، وحاولنا تدبير بعض الوفورات التي تتيح إنتاج أكبر كم من العروض قبل 30-6، حتى لا يتم ترحيل المشكلة للعام التالي، على أن يتم إنتاج باقي المشاريع بعد 1-7، ومن جهة أخرى استدعيت الصديقين خالد رسلان وأحمد عادل القضابي لتكوين لجنة لقراءة المشاريع وتمرير الصالح منها حسب قواعد تم الاتفاق عليها، مثل جدية المشروع، وسابقة أعمال المخرج، بحيث تستكمل لجان المناقشة حسم المشاريع الباقية في اقل وقت ممكن، إلا أن الزميلة القائمة بتسيير أعمال إدارة المسرح قررت فجأة وقف هذه الإجراءات لحين الانتهاء من المهرجان الختامي، أو الحصول على موافقة رئيس الهيئة!، وهو ما دفعني لكتابة خطاب اعتذار عن منصبي ذكرت فيه بالتفصيل الاجراءات التي اتخذت والبدائل الاخرى الممكنة، وحذرت من أن المضى على هذا النحو قد يعني "شطب موسم كامل من تاريخ النوادي"، وارسلت نسخة من هذا الخطاب إلى رئيس الهيئة.
ما حدث بعد ذلك هو أن مرحلة إقرار المشاريع التي كنت اتعشم الانتهاء منها قبل بداية مايو 2013، قد امتدت لأكثر من ستة أشهر، أي من ابريل إلى اكتوبر، ثم ستة أشهر أخرى للإنتاج والمهرجانات الإقليمية التي اقيمت في ابريل 2014، ثم خمسة اشهر إضافية للمهرجان الختامي المنعقد الآن في المسرح العائم، وبالتالي استغرق هذا الموسم الطويل –بلا مبرر- ثمانية عشر شهرا، من مارس 2013، وحتى سبتمبر 2014.
وهكذا ضاع موسم كامل هو موسم 2013-2014، وقد جادلتني الزميلة القائمة بتسيير أعمال ادارة المسرح بأن الإدارة السابقة هي السبب في هذه الكارثة، وهو أمر غير صحيح، فلو مضى الأمر كما خطط له لتم إقامة المهرجانات الاقليمية في يوليو والختامي في سبتمبر أو اكتوبر، مما كان يتيح وقتا كافيا للشروع في الموسم الجديد (وللعلم فموسم 2010-2011 تم تنفيذه في توقيتات مشابهة). كما أن التعلل بالظروف السياسية هو ايضا غير مقبول، ففي ظل هذه الظروف مضى العمل بمواسم فرق الاقاليم بطريقة طبيعية، مع العلم بأن هذه الفرق ومهرجاناتها أكثر تاثرا باي إضطرابات.
والغريب أنه حتى الساعات القليلة الماضية لا زلت أقابل اصدقاء تشكل النوادي جزءا هاما من اهتماماتهم المسرحية، ولكنهم لا يعون الكارثة التي وقعت، بحيث كان يتعين على في كل مرة أن أذكرهم بالتواريخ قبل أن يصمتوا فجأة من هول الصدمة. ولن نتوقف هنا عند مناقشة هذه الحالة التي تحتاج إلى تحليل مفصل. وبدلا من ذلك دعونا نعي حجم الكارثة أكثر، فهذا الأمر يتجاوز مجرد إهمال جسيم لا يمكن إنكاره أو تبريره من قبل مسئولي إدارة المسرح، ليشير إلى الحالة الكرتونية التي أصبحت عليها الهيئة مع سعد عبد الرحمن، فأين ذهبت إدارات وكيانات مثل التخطيط والمتابعة والتقييم، ومكتب فني، وإدارة مركزية للشئون الفنية، ورؤساء اقاليم، وإدارات فنية بالاقاليم، وقيادات فوق وقيادات تحت من هم فوق، كيف فات هؤلاء جميعا ملاحظة ما تقوله الأوراق التي ظلت تمر اسفل أنوفهم طوال عام كامل؟
ولا أدري بأي مهمة ينبغي أن يبدأ "مسعود شومان" رئيس الهيئة الجديد، هل يفتح الملف العطن لمسرح المقهورين، أم يحاسب المقصرين في إدارة المسرح على هذا الاهمال البشع الذي يواجهونه بدماء باردة أكثر مما ينبغي، أم يبحث كيف حول سعد عبد الرحمن إدارات الهيئة إلى مجرد ممرات عبور لأوراق لا يقرأها ولا يتوقف عندها أحد طالما لم يتلق أمرا مباشرا من رئيس الهيئة بفعل ذلك. وأيا كان الأمر فقد اصبح لازما على "شومان" البدء بهذه المهام على الفور إن كان يريد إيقاف الخراب، أما علاجه وإزالة آثاره، فهذا أمر آخر.




#عبد_الناصر_حنفي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ورقة قديمة حول إعادة بناء مسرح الثقافة الجماهيرية عبر مؤسسة ...
- عن ناس مسرح الثقافة الجماهيرية
- الهيئة العامة للمناورات الثقافية: ومشروع مجدي الجابري!
- التقنيات الأولية لمسرح الشارع
- البارون والكتخدا: ملاحظات عابرة حول الثقافة المصرية في عصر ف ...
- في تحقير مهنة النقد المسرحي: ملاحظات حول نشرات المهرجانات ال ...
- نقاد مسرح الثقافة الجماهيرية: روح الحركة
- نحو تأسيس ابستمولوجيا المدينة : تأملات تمهيدية في نمط حضور ا ...
- دعوة إلى الاحتجاج- من الحظيرة إلى التخشيبة ، وقاحات مركز الإ ...
- حول ظاهرة المسرح المصري
- نمط حضور المدينة : تأملات أولية


المزيد.....




- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الناصر حنفي - عن انهيار مسرح الثقافة الجماهيرية 1- نوادي المسرح