أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الناصر حنفي - عن ناس مسرح الثقافة الجماهيرية















المزيد.....

عن ناس مسرح الثقافة الجماهيرية


عبد الناصر حنفي

الحوار المتمدن-العدد: 4573 - 2014 / 9 / 13 - 20:02
المحور: الادب والفن
    


صراع الأجيال البسيط –كما أتمنى- الدائر حاليا حول إعادة تكوين فرقة الإسكندرية القومية، ردني إلى ندوة حول أحد عروض هذه الفرقة العريقة في صيف 2007، وضمتني مع الأصدقاء حمدي حسين، ويسري حسان، ومحمود حامد، وبحضور حنان شلبي رئيسة الاقليم حينها، حيث تركز النقاش حول تقديم العرض لمجموعة من الشباب تقف على الخشبة لأول مرة بلا موهبة ولا تدريب، مما يشير إلى خلل ما يحجب الفرقة عن الإستعانة بالطاقات التمثيلية الكثيفة والهائلة لشباب النوادي في الإسكندرية. وعقب هذه الندوة بعدة أشهر لفت حمدي حسين نظري أنها، مضافا إليها حالات ووضعيات أخرى، كانت الدافع إلى تفكير الصديق د. محمود نسيم في مشروع إعادة هيكلة فرق الثقافة الجماهيرية بالكامل.
وبرغم الجهود المخلصة للجان التي طافت محافظات مصر طوال أسابيع عديدة، فلم يحقق مشروع الهيكلة اي من أهدافه المرجوة، أو المعلنة، فقواعده العامة لم يتم الإلتزام بها بدقة من قبل أغلب اللجان، ناهيك عن أنها كانت أكثر بساطة وعمومية مما لم يمكنها من استيعاب الخصوصيات –المتعددة- لكل فرقة في إطار مجتمعها المحلي، فضلا عن أن نتائج الهيكلة لم تكن ملزمة لأي أحد، بأي شيء، فقد تم إحباط مشروع قدمته لتطوير نظام الإنتاج إعتمادا على ما اسفرت عنه الهيكلة، ثم ما لبثت عجلة الموسم –الذي كان قد تأخر كثيرا- في الدوران على نفس النحو السابق تماما، ودون أي إختلاف، مما افقد كل ما بذل من جهد ومال في الهيكلة أي معنى أو جدوى. كان الصديق نسيم موهوبا في إلتقاط الجزء الأكثر لمعانا في اي فكرة، ولكن مع إستغراق في بعض التفاصيل أو الأهداف الجانبية، أو إغفال أخرى لم يكن ينبغي إغفالها، كانت تلك الفكرة تأتي أحيانا بعكس المراد منها تماما، وقد كان مشروع الهيكلة من اقوى الأوراق التي تم طرحها في كواليس الاطاحة بنسيم من إدارة المسرح.
ولكن بالنسبة لي، تبقى عملية الهيكلة بوصفها الإطار الذي اتاح لنا ذلك اللقاء الإنساني المباشر والحميمي الطابع مع "بشر" أو ناس، مسرح الثقافة الجماهيرية، وبالطبع فقد كنا نلتقي دائما بالأشخاص أنفسهم في جولاتنا السابقة، ولكن كممثلين، في طريقهم للصعود إلى الخشبة، أو عقب نزولهم منها، وما قاموا به عليها –بغض النظر عن نجاحه أوفشله- كان غالبا ما يكون محور الحديث والسهرات على المقاهي، وهو سياق قد لا يسمح كثيرا بتعارف إنساني حقيقي.
ذهبت مع الصديقين د. أيمن الخشاب، وأ. جمال قاسم، إلى محافظة كفر الشيخ، وهي، كما هو معروف، لم تكن حينها من أنشط البقع في خريطة مسرح الثقافة الجماهيرية. وعبر عدة أيام طفنا على العديد من مدن المحافظة لنقابل ونحاور ونختبر المئات من ممثلي ونشطاء هذا المسرح. وكان علينا تصنيف من نقابلهم حسب قدراتهم التمثيلية وتاريخهم إلى ثلاث فئات، وهو ما استلزم دراسة ملفاتهم ومناقشتهم فضلا عن تقييم أداءهم عبر قيامهم بأداء مشهد أو أكثر، وكانت تسبقنا إشاعة، كانت في محل النوايا المطروحة وقتها، عن تخصيص راتب شهري لأعضاء هذه الفرق مثل ما هو متبع مع فرق الفنون الشعبية، وهو ما جعل عملنا محط إهتمام أكثر مما كنا نتوقع أحيانا. ولكن بما أننا كنا في النهاية أمامهم بمثابة لجنة إختبار قاهرية ارسلتها سلطة مركزية غير واضحة النوايا عادة، فقد تسبب هذا في مواجهتنا غالبا بعاصفة من التوتر المعتاد في مثل هذه المواقف، والعديدين منهم جاءوا إلينا وكأنما ليعيدوا تحديد طبيعة علاقتهم بهذا المسرح، فبعضهم جاء وهو يحمل اسباب إبتعاده محاولا إقناعنا بها، أو على الأقل دفعنا إلى إعادة تقييمها وطمأنته، وبعضهم كان عارفا بقلة حصيلته الفنية فجاء محملا بأسباب إرتباطه بهذا المسرح ليطرحها أمامنا بوصفها شفيعه الذي لا يمكن رده، وبعض القدامى الذين عملوا في فرقة كفر الشيخ القومية منذ الستينات جاءوا بهدف إختبارنا ،لا العكس، بوصفنا نمثل في نظرهم ذلك الجيل الذي على يديه ساءت احوال المسرح، بعض البسطاء جاءوا حاملين فكرتهم الخاصة عن المسرح وطرحوها أمامنا وهم على إستعداد لتقبل اي تصحيح أو تعديل عليها غافلين عن أصالة العلاقات التي يعبرون عنها والتي لا يمكن المس بها تحت أية دعاوي أكاديمية أو نظرية، بعضهم ترجم المسرح ببساطة بوصفه وجهه الآخر، واصدقائه الآخرين، وحياته الأخرى، فتاة منقبة إنخرطت في نقاش مطول مع "الخشاب" وكأنها تختبر قوة عقيدتها أمام المسرح، أو تستطلع ما الذي يمكن للمسرح أن يقدمه لها وهي تحت النقاب، وفي كل لحظة، وعند أدنى فرصة تلوح لذلك، كنا نتعرض لسيل منهمر من ذكريات مسرحية حميمية دافئة ومبهجة حول ما كان، ومن جاءوا، ومن رحلوا، وما لم يعد ممكنا، كانت موجات هائلة من النوستالجيا المسرحية تلاحقنا وتحيط بنا أينما ذهبنا، إلى أن تجمدت فوق جلودنا مثل الوشم بعد أن غادرنا.
أغلب أعضاء لجان الهيكلة لم يملكوا إلا أن يكتبوا عنها، بعضهم إقتصر على الطرائف التي عاينها، وبعضهم ضفر شهادته بنبرة تبشيرية بهذا المسرح، وبعضهم لم يملك مقاومة نزعة الرثاء وأحيانا الحسرة لما كان يمكن أن نكونه، وآخرين أطلقوا عنان غضبهم ضد العبث والتخبط والحيل الرخيصة للكوادر الموقعية، أو غيرها من المستويات القيادية، ولكن كل منهم كان لديه شيئا فريدا شاهده، ولمسه، ويرغب في روايته، حتى هؤلاء الذين يمكن إعتبارهم من الرواد البنائين لهذا المسرح، اولئك الذين يبدون وكأنهم قد تحصنوا ضد الدهشة من كثرة ما رأوا الأشياء وهي تتراكب بين اصابعهم صعودا، أو تتسرب لتنهار فجأة، أولئك الذين تحولت مسارات هذا المسرح في أذهانهم إلى معادلات وحالات وأسماء وإمكانات وأوراق ونصوص يحفظونها جميعا عن ظهر قلب، كانت لهم لحظات إنخطافهم الخاصة وهم يلتقون "ناس" هذا المسرح بهذه الكثافة وبهذا الحضور الطاغي.
بالنسبة لي، لم يكن تعدد الأجيال فقط هو الملفت فيما شاهدت، رغم فرادته على مقياس يبدأ من الطفولة إلى ما بعد الشيخوخة، فقد أمضيت أيام ما بعد العودة مندهشا وأنا أحصي المواقع الإجتماعية لناس مسرح الثقافة الجماهيرية الذين قابلناهم في جولتنا: وكيل وزارة حالي، أو على المعاش، مدير عام، استاذ جامعي، أطباء ومهندسين، بنت رئيس المدينة، موظفين، عمال مصانع، أمين شرطة، جزار، بائع أحذية، بائع متجول، فلاحين، فلاحات، ربات منزل، أميون وأميات، طلاب من كافة التخصصات، تلاميذ، أطفال، مهنيين، أبناء صغار وكبار التجار، بائع اسماك، مفتش تموين، مدرسين، محامين، محجبات، منقبة، أبناء عائلات تعد من أعيان المنطقة أو المدينة الصغيرة، وآخرين من المهمشين تماما. ومن فترة لأخرى كنت أتساءل –بحق- في اي سياق آخر يمكن لمثل هذه النماذج أن تجتمع لتمارس عملا مشتركا تذوب فيه كل هذه الإختلافات والتباينات؟
قبل هذه الفترة بسنوات، في عصر ما قبل محرقة بني سويف، كنت قد بدأت في تطوير بعض التحليلات المنشقة عن أسس النظرية الجمالية للمسرح، خاصة فيما يتعلق بعطاءه الإجتماعي، والذي عادة ما ترهنه هذه النظرية تقليديا "بالفعل الجمالي"، بحيث أن ما يتحقق من عطاء إجتماعي مسرحي يتوقف بالكامل على ما يقدمه هذا "العرض" أو غيره فنيا، وهي نظرة مستمدة أساسا من "نظرية الأدب"، وتتجاهل الطبيعة الخاصة للمسرح بوصفه مشروطا أولا بتحقيق حالة ممارسة إجتماعية مشتركة بين مجموعة إجتماعية بعينها، وأن هذا الشرط لازم وأولي قبل أن تصبح هناك أية إمكانية لظهور حالة الممارسة الجمالية "المسرحية"، والتي ينتج عنها "العرض" في النهاية بوصفه فعلا جماليا، وفي هذا الإطار النظري يصبح من العبث بداهة تجاهل أن الممارسة الإجتماعية ما قبل الجمالية للمسرح تتمتع بمردود إجتماعي مستقل عما هو جمالي. وحينها بدا لي أن جولة كفر الشيخ تعطي مثالا -لا يمكن دحضه- على فعالية هذه التحليلات، حيث تمثل فرق الثقافة الجماهيرية هناك قطاعا رأسيا يضم نماذج تخضع فيما بينها لعلاقات تراتبية داخل مجتمعها، ولكنها داخل الفرقة، واثناء الإعداد والتحضير للعرض المسرحي سيجمع بينها نمط جديد تماما من العلاقات تتواري وتتراجع أمامه تلك التراتبية الإجتماعية التقليدية المصنفة حسب الأصل والعائلة والثروة والنفوذ والمكانة في جهاز الدولة الإداري، لتحل محلها علاقات وتراتبات أخرى قائمة على لعبة توزيع أدوار النص المسرحي.
للحظة بدا لي أن بإمكاني إستعادة هذه الأفكار القديمة، بل وإخضاعها لإختبار بحثي لا يخلو من الطابع الإمبيريقي المتعين، حيث فكرت في الإستعانة ببعض الأصدقاء من الباحثين الإجتماعيين، والعودة إلى كفر الشيخ لإجراء بعض الإستقصاءات والاستطلاعات، حول أثر هذه التراتبيات المسرحية التي تطرأ مع كل عرض، والتي تعيد توزيع العلاقات بين أفراد بعينهم في المجتمع المحلي بصورة مغايرة لما هو راسخ اجتماعيا ومتعارف عليه تقليديا في هذا المجتمع، واثر ذلك على وعي المجتمع بنفسه، وعلى حدة عمليات التمييز الإجتماعي من عدمه.
ولكن، للأسف، فما كان ممكنا قبل المحرقة، لم يعد ممكنا بعدها.
ولا زال "ناس" مسرح الثقافة الجماهيرية -الذين لا يتجمعون قط على هذا النحو في اي سياق آخر- في إنتظار جهد بحثي حقيقي، يرصدهم ويقدمهم للمجتمع المسرحي، ويحلل نسيحهم الفريد، ويتقصى اثره الإجتماعي الذي قد يفوق ما نضعه في حساباتنا عن تاثيرات العروض التي نقدمها.

(نشر بالعدد الاول من نشرة النوادي الورقية، المصاحبة للمهرجان الختامي 23 لنوادي المسرح)



#عبد_الناصر_حنفي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الهيئة العامة للمناورات الثقافية: ومشروع مجدي الجابري!
- التقنيات الأولية لمسرح الشارع
- البارون والكتخدا: ملاحظات عابرة حول الثقافة المصرية في عصر ف ...
- في تحقير مهنة النقد المسرحي: ملاحظات حول نشرات المهرجانات ال ...
- نقاد مسرح الثقافة الجماهيرية: روح الحركة
- نحو تأسيس ابستمولوجيا المدينة : تأملات تمهيدية في نمط حضور ا ...
- دعوة إلى الاحتجاج- من الحظيرة إلى التخشيبة ، وقاحات مركز الإ ...
- حول ظاهرة المسرح المصري
- نمط حضور المدينة : تأملات أولية


المزيد.....




- أزمة الفن والثقافة على الشاشة وتأثيرها على الوعي المواطني ال ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- مصر.. الفنان بيومي فؤاد يدخل في نوبة بكاء ويوجه رسالة للفنان ...
- الذكاء الاصطناعي يعيد إحياء صورة فنان راحل شهير في أحد الأفل ...
- فعالية بمشاركة أوباما وكلينتون تجمع 25 مليون دولار لصالح حمل ...
- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟
- فنان سعودي شهير يعلق على مشهد قديم له في مسلسل باللهجة المصر ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الناصر حنفي - عن ناس مسرح الثقافة الجماهيرية