أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الناصر حنفي - في تحقير مهنة النقد المسرحي: ملاحظات حول نشرات المهرجانات المسرحية















المزيد.....

في تحقير مهنة النقد المسرحي: ملاحظات حول نشرات المهرجانات المسرحية


عبد الناصر حنفي

الحوار المتمدن-العدد: 4544 - 2014 / 8 / 15 - 07:37
المحور: الادب والفن
    


في تحقير مهنة النقد المسرحي
ملاحظات حول نشرات المهرجانات المسرحية
عبد الناصر حنفي


هذه همسات مخلصة إلى اصدقائي الأعزاء من النقاد المسرحيين القائمين على النشرات المصاحبة للمهرجانات المسرحية، وأغلبهم إما عمل معي، أو عملت معهم، على مدى العقدين السابقين، سواء في نشرات الثقافة الجماهيرية، أو غيرها، وهم اصدقاء أعزاء بالفعل في حياتي، لا في أفق "البلاغة"، وأنا أجلهم وأحترمهم جميعا، خاصة وأن صداقتي لبعضهم ممتدة منذ القرن الماضي، لكن الحديث هنا يدور حول نظام عمل يتحكم بالخيارات الشخصية أكثر مما تؤثر فيه هذه الأخيرة، وبالتالي فليس المقصود هنا الإساءة لأحد، بقدر ما هو تنبيه –لنا جميعا- إلى الجرائم التي اصبحنا نرتكبها في حق المهنة التي نؤسس عبرها حضورنا في المجتمع المسرحي. وكل الملاحظات التالية تنطبق على نشرة المهرجان القومي للمسرح المصري التي تصدر حاليا، بينما أغلبها يسري أيضا على نظام تحرير نشرات الثقافة الجماهيرية في الفترات الأخيرة.
1- لستم صحافيين ولا ينبغي لكم أن تكونوا: يا اصدقائي، لم يتم إختياركم لمهمة تحرير هذه النشرات كصحفيين، وإنما كنقاد مسرح، وبالتالي فأنتم غير مضطرين إلى أن "تعملوا فيها صحفيين أكتر من اللازم"، عبر توزيع إهتماماتكم بالتساوي بين ما هو صحفي، وما هو فني أو نقدي، فلو كان ما هو صحفي مطلوبا لذاته لكان اي صحفي مهني –حتى وإن كان مبتدئا- أحق بتولي هذه المهمة من أي ناقد مسرحي، ناهيك عن أن أغلب الجرائد والمطبوعات والمواقع تنشر مواد صحفية حول المهرجان طوال فترته، ولكن أيا منها لا ينشر حرفا واحدا له علاقة بالنقد المسرحي، لا أثناء المهرجان ولا بعده، فلا تكونوا ملكيين أكثر من الملك يا أصدقائي.
2- نظرية أكشاك بيع الخبز: نقد العرض المسرحي هو شيء مختلف –أحيانا على الأقل- عن طابور العيش، حيث عدد محدد من الأرغفة لكل مواطن، بغض النظر عن جوعه أو شبعه، أو غناه أو فقره، فبعض العروض يستدعي ويثير العديد من الرؤي والمحاولات النقدية، وبعضها الآخر ليس كذلك، وبالتالي فنظام توزيع المقالات النقدية على العروض بالتساوي (عشان ما حدش يزعل) يحول مطبوعتكم إلى ما يشبه أكشاك توزيع الخبز، ويحول العملية النقدية نفسها إلى شيء متدني بلا خصوصية، وبلا ثقل داخلي بحيث يمكن توزيعه بهذا الشكل.
3- تشويه ما هو نقدي: المقال النقدي ليس خبرا، ومن المفترض أنكم أعلم الناس بهذا بوصفكم نقادا، ولذلك فتحديد توقيت نشر المقال طبقا لجدول عروض المهرجان بحيث يتم في اليوم التالي للعرض وإلا تم استبعاده هو أمر غريب ولا يمكن تبريره بأي نوايا حسنة، فكيف يمكن لناقد أن يكون رؤية عن العرض، ويختبر أفكاره حولها، ويراجعها، ويدققها، ويصوغها، في عدة ساعات قليلة، ثم تكون الحصيلة شيئا مقبولا أو تشكل إسهاما ملحوظا، وبالتالي فالناقد الحريص على التواجد سيقصر عمله على بعض الملاحظات العامة والتي قد لاتخلو من بعض الإلماحات الذكية أحيانا، ولكنه سيستبعد كل ما يحتاج إلى جهد أعمق، حتى يتمكن من الإستجابة لهذا القيد الزمني، وفي حالة ما إذا كنا أمام ناقد شاب يخطو خطواته الأولى في المجال، فالأغلب أننا بهذه الطريقة نشوه علاقته بالمهنة إلى الأبد، ناهيك عن أنه بدلا من أن تصبح هذه النشرة أو تلك منصة لتنشيط الحالة النقدية وطرح أفكار ومناهج نقدية جديدة، والاحتفال باكتشاف ناقد شاب، أو تجديد وتطور تحليلات ناقد متمرس، فإنها بدلا من هذا كله تصبح أداة لتعزيز ما يكنه المسرحيون من "إزدراء للنقد"، ورؤيتهم له بوصفه نشاطا بسيطا ينطلق من أغراض نفعية وعملية لا علاقة لها بما هو إبداعي، وذلك بإعتبار أنهم لا يجدوا فيه -غالبا- جهدا إبداعيا يكافيء، أو يحترم، ما يبذلونه من جهد أو محاولات للإبداع في عروضهم، وكل هذه الخسارات الكارثية تأتي بمبرر وحيد تقريبا ينحصر في إنصياع لاعقلاني لقاعدة صحفية تقضي بتقليل الفارق الزمني بين الواقعة والخبر الخاص بها قدر الإمكان، وهنا لم يعد أصدقائي ملكيين أكثر من الملك فحسب، فقد صنعوا من هذا الملك إمبراطورا أو نصف إله يضحون أمامه بتقاليد المهنة، وبما يفترض أنه مهمتهم الأصلية التي تم استقدامهم من أجل إنجازها بإعتبارهم نقادا متمرسين، وقادرين على تمييز ما هو جيد نقديا، وتحفيزه، واستثارته، ومنحه الفرصة ومساحة الحضور اللائقة. أما عندما يقتصر الأمر على قاعدة ما يعرض أولا ينشر أولا، ولا شيء بعد ذلك، فهذا أمر يستطيع الكثيرون تطبيقه، وبالتالي تنتفي الحاجة إليكم أصلا، وبالالأخير فما تقومون به لا يشوه المهنة ويعمق من حالة الازدراء تجاهها فحسب، ولكنه ينفي ذواتكم أيضا.
4- عبادة الشكل والإغتراب عن مهنة النقد المسرحي، وتحقيره: هل يجرؤ أحد أن يطلب من مخرج عرض ما حذف نصف مشاهده استجابة لقاعدة توحيد الزمن؟ أو أن يطلب من شاعر حذف بعض ابيات قصيدته استجابة لقاعدة مساحة النشر الموحدة؟ كلا بالطبع فهذه مجالات مستقرة وتفرض الإحترام على كل من يتعامل معها على نحو يجعل مثل هذه الوقائع –إن حدثت- عرضة لإستهجان مهني عام قد يصل إلى حد خوض الجماعة المهنية أو الثقافية لصراع جماعي شرس ضد القائم بها (في الثمانينات ثارت معركة كبرى عندما قامت مجلة الكرمل بشيء مشابه لبعض قصائد شعراء جيل السبعينيات، ووجود قامة تاريخية مثل محمود درويش على رأس هذه المطبوعة لم يخفف من حدة المعركة بل زادها اشتعالا).
ولكن يبدو أن الأمور مختلفة في النقد المسرحي على نحو مزري، فإستجابة لقاعدة الحد الأقصى لمساحة ما ينشر، يطلب أصدقائي من النقاد الإلتزام بها وكأنها قيد حديدي، ويفرضون إختصار وحذف ما يزيد عنها، ولهم مبرران في هذا الشأن، أولهما: حتى لا يغضب أحد لأن آخر حصل على مساحة أكبر مما خصصت له (نظرية أكشاك بيع الخبز مرة أخرى)، وثانيهما: هو أن هذا التحديد ضروري لتثبيت الشكل الفني المصمم للنشرة (عبادة الإمبراطور مرة أخرى)، وبداية فتثبيت الشكل أمر يهم المطبوعات الدائمة، لتخلق لنفسها شخصية بصرية لدى قارئها، أما نشرة لا تتجاوز حياتها من البداية إلى النهاية عدة أيام قليلة فهذا الأمر يعد من قبيل التنطع، أو لزوم ما لا يلزم. ومن جهة أخرى فإختراع الإخراج الفني كمهنة صحفية جاء من أجل وضع حلول بصرية لتنسيق مواد نشر متباينة القيمة والمساحة، وحتى في الصحافة الحقيقية يظل الماكيت الأساسي مجرد إطار استرشادي لهذه الحلول، ويطاح به، أو ببعضه، عندما تقتضي أهمية أو طبيعة المادة التي ستنشر ذلك، بحيث يصبح المخرج الفني ملزما بإبتكار حلول بصرية جديدة على الفور، أما في النشرات التي نتناولها هنا فالمحررين من اصدقائي يضحون بكل شيء حتى لا يقع المخرج الفني في مثل هذه المواقف، ويضربون عرض الحائط بمهمتهم في توفير مساحة النشر المطلوبة لكل مقال نقدي حسب طبيعته ومحتواه وجديته، فقط من أجل تخفيف العمل الملقي على عاتق المخرج الفني، وكأنما تم إستقدامهم للعمل كوسطاء بينه وبين النقاد، أو كمساعدين له، وليس العكس، وقد حدث أنني خضت نقاشا عابرا مع المخرج الفني لنشرة القومي متسائلا عن طبيعة إختياراته، وهل يفضل أن ينهي عمله مبكرا بمادة متوسطة القيمة، أم ينتظر أكثر ويعمل اكثر من أجل نشر مادة أكثر جودة؟ وكانت إجابة الرجل واضحة، فقيمة المادة المنشورة لا تعنيه، وليست من شأنه أو إختصاصه (بإفتراض أنه قد يقرأ ما يتجاوز العناوين!). وبالمناسبة فقد قضينا عدة عقود نصدر نشرات الثقافة الجماهيرية دون مخرج فني محترف إعتمادا على رؤى بصرية مبسطة كانت تؤدي الغرض منها وتزيح الإهتمام بالشكل لحساب المادة، ولذلك يكن لدينا اي من المشكلات الوارد ذكرها هنا، الأمر الذي تبدل تماما منذ سنوات قليلة عندما تم التخلي عن هذه الطريقة!!.
وباستثناء نظرية أكشاك الخبز، وعبادة الشكل الثابت (وهي مبررات لا يمكن قبولها لتشويه المقالات النقدية وإجبارها على عدم قول كل ما تريده وتستطيعه)، فلا استطيع العثور على أي مبررات أخرى تلهيني عن التفكير في هذا الإحتقار لمهنة النقد المسرحي الذي يبديه "اصدقائي"، فالناقد هنا مطلوب منه أن يكون "فوريجي" في الزمن، وترزي في استخدام أفكاره على قدر المساحة المتاحة أمامه، وهل هم ينظرون إلى مهنتهم بهذا القدر من الإحتقار لها، والذي لابد أن يتبعه بالضرورة إحتقارهم لذواتهم، وهو ما لا أظن أنهم يعانون منه، أم أن الأمر برمته مجرد تسليم يائس بحالة وأوضاع النقد المسرحي المزرية، والذي نتج عنه إغترابهم عن مهنتهم وذواتهم، وإفتقاد القدرة، أو الإهتمام، بالمقاومة أو تعديل هذه الأوضاع حتى عندما تتاح لهم الفرصة، حتى تحولوا إلى جزء من المشكلة بدلا من أن يكونوا جزءا من الحل.
5- تشويه الذاكرة: بعض هؤلاء الأصدقاء يمتهن العمل الأكاديمي، وعند إنجازه لبعض الأبحاث أو الدراسات المتعلقة بالعروض المسرحية، قد لا يجد هو أو أي من زملائه أو تلامذته مادة متوفرة حولها باستثناء ما تكرم بنشره من مقالات، تم إختصارها أو تشويهها بأقلام كتابها أو غيرهم إستجابة لنظام النشرة، وقد يصطدم باحث ما –مثلا- بما أغفل الناقد عن التعرض له، ويذهب إلى تحليل نتائج ذلك دون أن يعلم أن السبب المباشر لتلك الظاهرة هو نظام نشر مشوه.
6- قربان للنسيان: لا يحتاج الأمر إلى خبرة كبيرة ليعي المرء أن كل ما هو صحفي، أوغير نقدي، وغير جاد، في مادة أي نشرة يبدأ في الهرولة نحو إخدود النسيان بدءا من اليوم التالي لصدور العدد، فاي نظام ذلك الذي يكد العاملون فيه إخلاصا لتعميق إغترابهم، في مواجهة نسيان لا يرحم.
7- الفرص الضائعة: حجم المساحة المتاحة للنقد المسرحي في كافة ما يطبع في مصر قد لا يتعدى بضع وعشرة آلاف كلمة في الشهر (تستحوذ جريدة مسرحنا حاليا على نسبة كبيرة منها)، وبالتالي فنشرة بسيطة تصدر لعدة أيام قد تكون قادرة نظريا في كل عدد من أعدادها، على إتاحة مساحة نقدية مقاربة لما ينشر في شهر أو أكثر في كامل مطبوعات البلاد، بكل ما يستتبعه هذا –ان تم إستثمار هذه الفرص جيدا- من تنشيط وتحفيز لمجال النقد المسرحي، وبالتالي يظل غريبا وغير مفهوم أن يعمل "نقاد مسرح" على إهدار مثل تلك الفرص التي قد يكونوا هم أنفسهم الأحوج إليها!!.
8- خاتمة: كل ما تم تناوله هنا من ملاحظات مؤسية ليست قدرا سرمديا لا تبديل فيه، فهي مجرد عيوب، وكوارث، نظام عمل بعينه، وتغيير هذا النظام لا يحتاج إلى بطولة خارقة، ولا مجهود أسطوري، فكل ما يتطلبه الأمر هو بعض الجهد المقرون ببصيرة وفية لتقاليد ومتطلبات مهنة النقد المسرحي.






#عبد_الناصر_حنفي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نقاد مسرح الثقافة الجماهيرية: روح الحركة
- نحو تأسيس ابستمولوجيا المدينة : تأملات تمهيدية في نمط حضور ا ...
- دعوة إلى الاحتجاج- من الحظيرة إلى التخشيبة ، وقاحات مركز الإ ...
- حول ظاهرة المسرح المصري
- نمط حضور المدينة : تأملات أولية


المزيد.....




- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...
- أردوغان يشكك بالروايات الإسرائيلية والإيرانية والأمريكية لهج ...
- الموت يغيب الفنان المصري صلاح السعدني
- وفاة الفنان صلاح السعدني عن عمر يناهز الـ 81 عام ….تعرف على ...
- البروفيسور منير السعيداني: واجبنا بناء علوم اجتماعية جديدة ل ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الناصر حنفي - في تحقير مهنة النقد المسرحي: ملاحظات حول نشرات المهرجانات المسرحية