|
فيلم الفيل الأزرق : أخطاء طبية فادحة و معلومات مضللة
احمد عسيلي
الحوار المتمدن-العدد: 4576 - 2014 / 9 / 16 - 16:48
المحور:
الادب والفن
ربما نتفق جميعا على حقيقة بديهية ، و هي أن السينما ،أو الأدب ، منفصل تماما عن الحقل العلمي أو التاريخي ، و أن هناك مسافة دائما بين الخيال ، و الدراسات الواقعية . لكن من جهة أخرى ، فإن الرواية ، أو السينما ، و خاصة البوليسية ، يجب ألا تشتمل على أخطاء علمية ، و إذا احتوت ، فيجب الإشارة إلى عدم مطابقة الأحداث للحقائق العلمية ، أو التاريخية ، فلا يجوز مثلا الحديث عن بتهوفن على أنه شاعر عربي ، أو فيلسوف ، إلا إذا أشار الكاتب ، أن العمل الفني مجرد فانتازيا تاريخية ، و قد انتشر هذا النوع من الفانتازيا كثيرا في الدراما العربية سابقا ، مع الإشارة المسبقة أن هذه الأحداث فانتازيا فقط . و تكمن المشكلة في فيلم الفيل الأزرق ،أنه يعتمد على في حبكته و بنيته الدرامية ، على حقائق الطب النفسي ، دون إشارة من بعيد أو قريب ، أن هذه الرواية تحوي أخطاء طبية ، بل إن الكاتب ذكر و في أكثر من مكان ، أنه اعتمد على معلومات أمده فيها أطباء نفسيين ، و انا أستبعد ذلك تماما ، لأن الفيلم احتوى على عدد كبير من المشاهد ، و التي لا يمكن لأي مبتدئ في الطب النفسي إغفالها، و من أهم هذه الأخطاء و أكثرها فداحة : 1_ رسالة الماجستير في الطب النفسي التي يحضرها البطل الرئيس ، كانت عن دلالة الحركات عند مرضى الفصام ، هذه الدراسة ليست طبية ، و لا يعقل أن تقبلها أي كلية للطب ، ربما تصلح لبعض الدراسات النفسية أو الأدبية ، لكن الطب النفسي بالأساس هو علم طبي ، و دراساته تجري داخل كلية الطب ،و بهدف تطوير العلوم الطبية ، فأين الطب في دراسة معنى الحركات ؟؟بل حتى الوقت الراهن ، لم يتم الإعتراف بشكل أكاديمي بدراسة حركات الجسد ، بالرغم من وجود بعض الكتب و الأبحاث المميزة في هذا المجال ، لكن هذا الموضوع لم يلق اعتراف (أكاديمي ) في العلوم النفسية ، فما بالكم بالعلوم الطبية و التي لا علاقة لها بهذا الأمر 2_ أثناء اللقاء الأول لبطل الفيلم مع المريض ، كان الهدف هو تحديد وجود فصام من عدمه لدى المريض ، أي أن اللقاء كان بهدف دراسة الحالة العقلية للمريض و ليس فحوص الشخصية ،و عندما تطورت الجلسة ووصل المريض الى حالة الهيجان ، يبرز الطبيب ورقة عليها لطاخة حبر ، و بسرعة يسأل المريض عن مدلول هذه البقعة الحبرية ؟ هذا الفحص النفسي يسمى فحص رورشاخ ، و هو من الفحوص النفسية المهمة ، و التي تدل على أعماق الإنسان ، و تكشف جوانب عديدة من شخصيته ، يتألف هذا الفحص من عشر بطاقات تحوي على بقع من الحبر و يسأل المريض عن مدلولات هذه البقع ، لهذا الفحص آلية معينة ، و يتطلب ظروف خاصة ، أهمها هدوء المريض ، و توفر ظرف مناسب من حيث المكان و الوقت ، و يجب عرض عشر صور بالتتالي على المريض ، و مناقشته بمدلول كل واحدة ، و أهم شرط في هذا الفحص هدوء المريض و إحساسه بالإطمئنان ؟؟ لكن أن يقوم طبيب نفسي بسحب ورقة بشكل عشوائي ، و أثناء حالة هيجان مريض فصامي خطير ، فهذا يدل على عدم وجود أدنى معرفة للكاتب أو المخرج بأصول فحص رورشاخ ..... 3_ ذكر في الفيلم أن المريض متهم بجريمة قتل رهيبة ، و بالتالي فهو مريض يصنف على أنه خطير ، و من الممكن أن يرتكب جريمة قتل أخرى ، و في هذه الحالة لا يتم وضع الطبيب و المريض في غرفة واحدة معزولة أبدا ، بل يجب دائما وجود شخص أو اثنين معروفين بقوتهم العضلية ، و قدرتهم على التحكم في المريض في حال حاول إيذاء الطبيب ، و يتم ابعاد جميع الأدوات الحادة عنه ، أما أن يترك الطبيب و المريض في غرفة واحدة و يغلق الباب عليهم ، بل يعطى للمريض قلم حاد ، فهذا لا يتم أبدا في المشافي النفسية ، و الطامة الكبرى أن تظهر بعض المشاهد و قد وضع الطبيب و المريض أثناء فترة الحجز الإنفرادي معا ، و إغلاق باب الحجز ؟؟؟ و هذا ما جرى لاحقا حين قام المريض بقتل طبيب داخل الحجز الانفرادي ..فهل الطب النفسي وليد اليوم ، و لا نعلم إمكانية قيام المريض بهذا العمل ؟ و بالتالي نأخذ جميع الإحتياطات ؟؟؟ جريمة قتل الطبيب في الفيلم ضعيفة جدا ، و من كل النواحي ، لأن ظروف تواجد الشخصيتيتن معا مستحيلة ضمن بروتوكولات الطب النفسي . المشكلة الكبرى ، أن الفيلم و الرواية لهما انتشار جماهيري كبير ، و كثير من المشاهدين قد أخذوا أحداث الفيلم كحقائق تجري داخل المشافي النفسية ، و خاصة نتيجة عدم وجود كتب لها انتشارها خارج إطار المختصين ، و التي تتحدث عن الطب النفسي و المشافي النفسية بشكل مبسط ، فهل ينقص انساننا العربي المزيد من التجهيل و المزيد من اعطائه المعلومات المزيفة ؟؟ و هل ينقص الطب النفسي المزيد من التشويه ؟؟؟ و لكن من جهة أخرى ، لا أخفي أبدا استمتاعي بمشاهدة الفيلم ، و بقراءة الرواية ، و قد استطاع الكاتب و المخرج ضنع سينما مشوقة ،أخافتنا ، وورطتنا بالإنغماس في أحداثها ، و هذه نقطة تحسب للعمل ، و يحسب أيضا للممثلين تقمصهم المتقن للشخصية ، و خاصة خالد الصاوي ، الذي أبهرنا بقدراته التمثيلية ،لكن الأخطاء الطبية نزعت الكثير من روعة الفيلم ، و حددت كثيرا من مستواه ........
#احمد_عسيلي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
للأسف يا سعد الدين ابراهيم
-
لماذا اغتالوا سعادة ؟ قراءة في تاريخ لبنان الحديث
-
أخطاء التمثيل في المعارضة السورية
-
المجتمع السوري و التطرف
-
الثورة : نشوة الجسد و التعري
-
نحن جيل الهزيمة
-
فيلم مترو : الوصول بالسينما إلى الحضيض
-
فيلم الخروج للنهار أناقة السينما المصرية
-
هيا بنا نلعب سياسة
-
الذكاء السياسي لجبهة النصرة
-
عشرة أعوام على الربيع الكردي السوري
-
فيلم أسرار عائلية :حين تنتصر لغة الجهل
-
الذكورة و الأنوثة : تاريخيا و انتروبولوجيا
-
مفاهيم اساسية حول الهوية الجنسية و الجندر
-
هلوسات في الجنس
-
الدلائل الفضائحية لمؤتمر جنيف
-
الامة السورية بين الفكر و الحزب
-
بين خالد سعيد و رابعة العدوية
-
لكننا لم نعد اطفالا
-
ظاهرة الامام الصدر
المزيد.....
-
فيلم -بين الرمال- يفوز بالنخلة الذهبية لمهرجان أفلام السعودي
...
-
“ثبتها للأولاد” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد لمشاهدة أفلام
...
-
محامية ترامب تستجوب الممثلة الإباحية وتتهمها بالتربح من قصة
...
-
الممثلة الإباحية ستورمي دانييلز تتحدث عن حصولها عن الأموال ف
...
-
“نزلها خلي العيال تتبسط” .. تردد قناة ميكي الجديد 1445 وكيفي
...
-
بدر بن عبد المحسن.. الأمير الشاعر
-
“مين هي شيكا” تردد قناة وناسة الجديد 2024 عبر القمر الصناعي
...
-
-النشيد الأوروبي-.. الاحتفال بمرور 200 عام على إطلاق السيمفو
...
-
بأكبر مشاركة دولية في تاريخه.. انطلاق معرض الدوحة للكتاب بدو
...
-
فرصة -تاريخية- لخريجي اللغة العربية في السنغال
المزيد.....
-
أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية
/ رضا الظاهر
-
السلام على محمود درويش " شعر"
/ محمود شاهين
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
المزيد.....
|