أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أفنان القاسم - موسى وجولييت الفصل الثالث والعِشرون















المزيد.....

موسى وجولييت الفصل الثالث والعِشرون


أفنان القاسم

الحوار المتمدن-العدد: 4576 - 2014 / 9 / 16 - 11:01
المحور: الادب والفن
    


سيفتح له طريق المجد، ويجعله قويا. ألم ينقذه من براثن بؤسه؟ ولن يغدو العقابُ قِصاصا. سيجعله قويا، ويرسّخ قدميه. سيزوجه من جولييت، ويذبح من أجله يوسُفَ. سيجعله ملكًا للحوم والنوادي ومالكًا للأراضي. كل السر فيها. في ثوبها الأحمر العاصي. في زرعها الأخضر المتفجر. وفي عطرها اللاسع كالسوط. قوته ستبقى ما بقيت. الحجارة. الصراصير. الحشرات كلها. وسيحصد الملح والقمح.
هتف ياكوف بابنه بالتبني:
- عد بها إليّ، يا نوري، حيةً أو ميتة، وادخل مملكتك فاتحا!
ثم ذهب ياكوف، الغاضب على جولييت، ليرى عمة موسى زليخة، الغاضبة على أسماء، وعن ضَحْكَتِها هو لا يخفي ضَحْكتَهُ وقد زال الغضبُ في لحظةِ تفاهمٍ واتفاق.
قال ياكوف، وهو يوقّع على ورقة:
- قمتِ بصفقة العمر، أيتها العمة زليخة!
فقالت المرأة العجوز بنبرة فيها الكثير من الخيلاء:
- أرضي لا تقدر بثمن!
اعتدل القوي الغني ياكوف في جلسته، وتجاهل نبرتها. قال لطرف لا يحبه ولا يكرهه، وإنما يريد معه تسويةً على هواه:
- أنتِ الرابحة فينا، أيتها العمة زليخة! إن لم أشترِها أنا، صادرتها الحكومة بحجة أنها مناطق عسكرية.
- أو أحرق زرعها الفدائيون.
- أو نهب حجارتها أبناء الصراصير.
- أو غير ذلك مما ستخترعه لنا أسماء، فمن يعلم؟
تنهد القوي ياكوف، وهو يتذكر حكايتها له عن ابنتها أسماء، وأيدها:
- نعم، هذا صحيح. وفوق هذا، الذهب أنفع لك، أيتها العمة زليخة!
ركضت تجاعيدها ركض أصباغ المهرجين من حول شفتيها، ثم سألت:
- وماذا تنوي أن تفعل بالأرض، يا سيد ياكوف؟ ستبيعها من جديد أم ستبني عليها لك دارا؟
أطلق القوي ياكوف ضحكة مجلجلة قبل أن يقول:
- لا هذا ولا ذاك، أيتها العمة زليخة.
- ولماذا أيها الشيطان اشتريتها؟
- لأهب زوج ابنتي جولييت إياها.
فاجأها:
- أتحبه إلى هذه الدرجة؟
- لا أحبه ولا أكرهه، ولكني أفضله على ابني الذي من لحمي ودمي، بل هو ابني الذي سيرثني، ولما أزل بعد حيا.
- يا لك من غبي!
دفع موسى الباب، ودخل. كان ينقل على كتفيه أسماء، وأسماء تحاول التخلص منه، فضربها على رأسها، ورماها في حِضن أمها جسدًا طيعا. شكرته عمته زليخة، وشكره القوي ياكوف. ظن في نفسه خطأً ارتكبه في حقه لما لم يزوجه جولييت ابنته، فها هو يعيد أسماء، ويضع حدًا لحماقتها. قالت عمة موسى لموسى إن عليها واجب مكافأته، فتهامست وياكوف في أمرٍ كان مفعولا. ولما قالت ليكن عليه شهودُ صدقٍ نادى على بعض عملاء له منا طائعين لأدنى إشارة أهبين لتنفيذ كل ما يشاء القوي ياكوف وما يريد، وأمسكوا موسى من ذراعيه. مزقت زليخة ثوب ابنتها، وجعلتها عاريةً مثلما ولدتها، ثم أزاحت ساقيها، فدفعوه ليأخذها رغمَ الأنفِ على مرأى الجميع. رأى الجميع رجولته المصرة على الخروج من جسده إلى القهر والطاعة، فظن ياكوف مرة ثانية في نفسه خطأً ارتكبه في حقه لما لم يعتبره من عرق الأسياد، فها هو يبدي غرلته التي لأمير، لكنه قال ما هو إلا استثناء.
في تلك اللحظة الرائحة من عمر صحراء النقب، تساقطت من عيني جولييت دمعات ساخنات أحرقت خدها على الرغم من كونها تسير في ظل يوسُفَ أخيها المصمم، وتقوست صدفاتِ ملحٍ لتكونَ توابيتَ عهدٍ للسمكِ المجفف. وكان قد جانَبَها يهوديٌّ آتٍ من النمسا اسمه فريدٌ الفِيَنِّيُّ، وهو ينقل في جعبته لها ثلجًا بماءِ الخزامى معطرًا وقهوةً بالقشطة وأقراصَ حلوى بالشوكولاطة واللوز والقرفة، فشكرت جولييت فريدًا الفِيَنِّيَّ الذي رأى كيف أخذتها منه، ورمتها لوحوش البرية طعامًا شهيا. سألها عن أمرها، فقالت هذا هو أخي يوسُفُ الذي في ظله أتبع، وذاك هو حبيبي موسى الذي جعلوه يفعل في ابنة عمته فعلاً مشينا. قال فريدٌ الفِيَنِّيُّ إذن هذا هو أخوك يوسُفُ الذي فسرتُ أحلامه أحسن تفسير، إني أقول لكِ، يا جولييت، إن هذا هو آخرُ حُلمٍ له وأرهبُ حُلم. أما حبيبك ذاك الذي اسمه موسى، فأنا واحدٌ من أتباعه اللاويين الذين اختارهم، بسبب هذا الاختيار أبدعتُ في علم النفس حقلي وميداني، ولكن لوعي الذات على الخصوص، وأنا لهذا سأذهب إليه بقوة الوعي ومعجزة الذات، فأنقذه مما هو فيه. ولا يأخذنك العجب مما أقول، فما أنا بساحر، إلا أنني أنتقل في دهاليز الوعي انتقالَ فراشةٍ نارية، وقد صارت دهاليز الوجود. أمس مثلاً كنت في الهند، وأول أمس في الكونغو، وأول أول أمس في كولومبيا، وغدًا سأكون في بلاد الأسكانديناف أو بلاد الغال، لأني أذهب في المكان وفي الزمان، وإلا ما جريتُ في الكونِ مجرى الكونيّ.
وبينا كان فريدٌ الفِيَنِّيُّ يقطع إلى موسى القطاع والضفة شاهد عن كثبٍ لعبةَ الإنهاء، إذ بعد أن فشلت العصا لمن عصى والرصاص الكاذب من السلاح الصادق نشأت الإبادة في المزروعات جحيمًا للزمرد، ومحاصرة المدن التي تقول للقرى من مذياعٍ يغني من معتقلٍ لم يصادروا فيه الغناء، وإطلاق الغاز السام لا الغاز المسيل للدموع بعد أن جفت الدموع في جبين غزة، وسقطت على جبينها غرتها، وإغلاق الجامعات المائجات مع ما صنع لها اقتحام حرمها والمساجد والمدارس لسنةٍ ثالثةٍ سيقذفها حوت الزمن من بطنه. سأله أن يُخرج البقرات السبع العجاف، فتقول عن الإعلام الأجنبيّ وأين هو؟ فقال حوت الزمن ما هي إلا حربٌ ضد إعلامٍ فاضحٍ أُنزل صحافيوه من ثلاثمائة وخمسين إلى خمسين ممنوعين من التجوال في مناطق القتال وقصده القتل إلى جانب اعتقال كل الصحافيين من اللاويين الذين أنت منهم ومنهم شعراء لموسى وأدباء ومحامون اعتُقلوا أو أُبعد ستون من طلبة ونقابيين وممثلي أحزاب وكوادر أكاديمية درس بعضهم مثلك في فيينّا، وتأمل بعضهم تماثيلها مثلما تأملت وأعمدة مصابيحها وظلالاً جرمانية قديمة. مضى فريدٌ الفِيَنِّيُّ بواقٍ يبكي على بيتٍ في غصن شجرة زيتون عمرها مائة عام من العزلة اقتلعتها الجرافات الأنيسة. ومضى بمُرْزَةٍ تنفق من الجوع لجرذٍ أو فرخِ سُمَّنٍ كان لها وجبة شهية بعد أن جرى تسميم الخضروات الحادبة عليها وشجيرات عنب تكرهها. ومضى بعد ذلك ببواءٍ لم يعد يعض ثدي فلاحة أو حبة كمثرى بعد أن أحرقوا الأشجار المثمرة. وكانت بنت وردان قد مضى بها وهي تضحك وتضرب بقرونها الطوال في الأرض لشد ما كانت سعيدة، ولما سألها عن غريبِ سلوكٍ لها في كل هذا المصاب قالت لأني في أصلي ابنةٌ من شائكات الزعانف، وبعد كل ما وقع في غير موقعه سأعود إلى البحر. لكن ما أرعب العالم المحلل النفسيّ العبقريّ ما رأى في مخيمات الدهيشة وبلاطة والأمعرى من أوشفتزات جديدة، فها هي ذي تحاصرها الأسلاك الشائكة القائمة القاعدة تسعة أمتار وعلى مداخلها ومخارجها قد قامت المَراقب وقعدت الدوريات. وبينا هو يهجس في وضعٍ كان لأهله جهنم ونهاية، إذا بجنود الموت ذاتهم الذين هرب منهم في الدم والبرد والجليد إلى لُنْدْرَةَ يقتحمون، ويعتقلون، ويزجون الطيور في أنصار الثالث والنقب الثاني والنفحة الأولى والجلمة وسجن الرملة وحبلة الموج لستة شهور بدونِ أيةِ تهمة. فقال لا بد أنها ستمضي من هنا، جولييت، وتبكي بعد أن سقط عليها الخلاف الإعلاميّ بين ياكوف أبيها والجنرال على الثانوي للتضليل، والانتخابات لإثارةِ الدهشةِ من موسى وأهله اللاديمقراطيين، فيا دوستويفسكي الذي قلت "لشد ما أَتْقَنَا الخداع خدعا الله" كن شاهدًا عليهما. وقال فريدٌ الفِيَنِّيُّ هما متفقان على رفض الحق ورفض العَقد إلا كما يريدون العَقد ورفض الدولة. كان قد وصل عند موسى، فرفعه عن أسماء التي قال له عنها ما هي إلا دولتك، فلا يصبك خجلٌ أو عقدة، وأذهبهما معه إلى إيبي ناتان الحبيس مع النحل، وَتَوَّجَهُ ملكًا لكل الأحلام التي رأى فيها ودرسها.


يتبع الفصل الرابع والعِشرون



#أفنان_القاسم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- موسى وجولييت الفصل الحادي والعِشرون
- موسى وجولييت الفصل العِشرون
- موسى وجولييت الفصل الثامن عشر
- موسى وجولييت الفصل التاسع عشر
- موسى وجولييت الفصل السابع عشر
- موسى وجولييت الفصل السادس عشر
- موسى وجولييت الفصل الرابع عشر
- موسى وجولييت الفصل الخامس عشر
- موسى وجولييت الفصل الثاني عشر
- موسى وجولييت الفصل الثالث عشر
- موسى وجولييت الفصل الحادي عشر
- موسى وجولييت الفصل العاشر
- موسى وجولييت الفصل الثامن
- موسى وجولييت الفصل التاسع
- موسى وجولييت الفصل السابع
- موسى وجولييت الفصل السادس
- موسى وجولييت الفصل الرابع
- موسى وجولييت الفصل الخامس
- موسى وجولييت الفصل الثالث
- موسى وجولييت الفصل الثاني


المزيد.....




- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أفنان القاسم - موسى وجولييت الفصل الثالث والعِشرون