أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علاء عبد الهادي - في نفي وجود الدراما في التراث العربي















المزيد.....

في نفي وجود الدراما في التراث العربي


علاء عبد الهادي

الحوار المتمدن-العدد: 4567 - 2014 / 9 / 7 - 21:01
المحور: الادب والفن
    



هل جهل العرب -حقًّا- فن الدراما, وإن لم يترجموه عن الآداب الأخرى؟ من المؤكد أنه لا يوجد مسرح بشكله الغربي في تراثنا وموروثنا العربيين, وليس معقولا أن يوجد بهذا الشكل أو المفهوم, ذلك لأن البيئات الثقافية المختلفة لها شكول عروض, ونظائر مسرحية مختلفة.
ونذهب هنا إلى خطأ الأحكام التي رفضت وجود المسرح العربي قبل "1847م" وهو تاريخ أول عرض قام على تقاليد المسرح الأوروبي, ونرجع فساد معظم هذه الأحكام إلى غياب الملاءمة المنهجية عند التعامل النقدي مع نظائر أداء شعبية وفنية, لها بيئاتها الثقافية المختلفة عن البيئة التي نشأ فيها المسرح الأوروبي, ونما على النحو الذي نعرفه الآن.
ويمكنني هنا أن أقسم الآراء التي رفضت وجود مسرح في تراثنا العربي, وقد أشار إلى بعضها الباحث محمد كمال الدين في كتابه "العرب والمسرح", إلى تيارين؛ يعزو الأول غياب المسرح عن تراثنا وموروثنا العربيين إلى غياب فن الأداء, ويعبر عن هذا الاتجاه الآراء التي أرجعت غياب الفن المسرحي عند العرب إلى غياب الخشبة المسرحية! وهنا لنا أن نسأل: هل يشكل غياب مبنى مسرحي بالمعني المعماري المتعارف عليه جماليا أو تاريخيا، دليلا على غياب معرفة شعب، أو قومية ما، لهذا الفن؟
أما التيار الثاني وهو موضوع مقالنا فيرجع غياب المسرح في تراثنا وموروثنا العربيين إلى غياب الدراما, ويمكننا الرجوع إلى الآراء المعبرة عن هذا الاتجاه على سبيل المثال في الآراء الواردة على لسان كثير من الباحثين, والمستشرقين, والأدباء, والنقاد, الذين نفوا معرفة العرب للدراما -قياسا على وعيهم الجمالي بالمسرح الغربي, ونظائره, وتجلياته.
ويمكننا تقسيم الآراء التي نفت وجود الفن المسرحي في تراثنا وموروثنا العربين, بسبب غياب الدراما, إلى اتجاهات أربعة, أرجع الأول غياب الدراما عن تراثنا وموروثنا العربيين إلى عامل عَقَدِي, وقد ذهب ممثلو هذا الاتجاه إلى أن الإسلام بتعاليمه كان مانعا لهذا الفن! وأشهر ممثلي هذا الاتجاه: جوستاف فون جرينباوم, الذي ذهب إلى "أن الإسلام السني لم ينجح في خلق فن مسرحي لأن مفهوم الإنسان في الإسلام يمنع وقوع صراع درامي", وهنريش بيكر, "الذي رأى "أن الإسلام أهمل في نقل الأشياء التي كان نصيب الروح فيها أكثر من نصيب العقل", ويقصد بذلك الآداب اليونانية, ولوي ماسينيون, الذي ادعى أنه "ليست هناك دراما في الإسلام لأن الحرية عند المسلمين مشروطة بالإرادة الإلهية التي لا تعتبرهم إلا أدوات فحسب", وهنري كوريان, الذي ذهب إلى "أن العالم في التفكير الإسلامي يسير أفقيا وليس عموديا, الأمر الذي يمنع تطور هذا العالم, مؤكدا أن هذا الزمن الأفقي يخلق الأسطورة ولا يخلق الدراما"! ولم يفسر لنا أحد لماذا توقف الإسلام عن منع هذا الفن حينما دخل بتقاليده الغربية, وأصبح جزءا مهما من فنون البيئة الثقافية العربية فيما بعد؟ هذا لو افترضنا غيابه عن تراث الثقافة العربية, وغيرهم كثيرون ممن تبنوا أحكاما قائمة على مقدمات خاطئة, وانطباعات اختزلت مفهوم المسرح إلى شكل أوروبي بنائي واحد, لا وجود لشكل غيره.
الاتجاه الثاني وهو اتجاه أرجع غياب الفن الدرامي عند العرب إلى العامل اللغوي, وإلى طبيعة اللغة العربية, وقسوتها, ومن أبرز ممثليه محمد عزيزة, الذي يُرجعُ غياب المسرح عن الفنون العربية إلى طبيعة اللغة العربية الكلاسية التي تنتمي إلى المعنى أي إلى الدلالة, بينما يعود المسرح لغويا إلى منطقة التعبير الداخلية", ويذهب جاك بيرك إلى أن "التقاليد العربية قد جهلت التعبير المسرحي, لأنها لم توفق في إعطائه لغة مناسبة". ويذهب "سليم البستاني على سبيل المثال" إلى أن العرب لم ينظموا الملاحم الطويلة, وأن غياب الملحمة قد أثر في غياب الدراما والمسرح. ولكن هل جهل العرب -حقا- فن الدراما, وإن لم يترجموه عن الآداب الأخرى؟
أما الاتجاه الثالث فهو الاتجاه الذي يرجع غياب الفن الدرامي عن تراثنا العربي إلى العامل النفسي, استنادا إلى الرأى الشائع بأن الشعر ديوان العرب, وأن العرب لم يقبلوا على ترجمة الملاحم اليونانية لاعتزازهم بآدابهم! ولاعتقادهم بأنهم مكتفين بهذه الآداب, ولا حاجة إليهم بآداب الأمم الأخرى, كما ذهب إلى ذلك "محمود تيمور, ونجيب محفوظ", ويذهب توفيق الحكيم إلى أن العرب حين استقروا في الحواضر العربية مثل بغداد ودمشق, ظلوا متمسكين بماضيهم الأدبي والفكري", فلم تكن لهم حاجة بآداب الآخرين. ولكن هل تُعد ترجمة الملاحم, أو ترجمة الدراما تخليا عن ماضينا الأدبي؟ وهل كانت هذه الترجمة –لو أنجزت- كفيلة بخلق مسرح –في بيئة ثقافية عربية تختلف بنائيا عن البيئة التي نشأ فيها المسرح الغربي؟
ويرجع الاتجاه الرابع غياب الدراما عن تراثنا العربي إلى العامل البيئي, لقسوة البيئة الصحراوية التي عاش فيها العربي, وترحاله المستمر, وقد رأى عدد ممن ينتمون إلى هذا الرأي أن هذه البيئة القاسية والبدائية قد فرضت كثرة الترحال والتنقل, وهذا ما خلق في العقلية العربية آليات تفكير اهتمت بالكليات, وابتعدت عن التحليل والجدل اللذين يعتمد عليهما العمل الدرامي, فضلا عما يشير إليه هذا العامل من أن نمط الإنتاج السائد قد أثر على تأخر ظهور هذا الفن عند الشعوب العربية, هذا على الرغم من الحقيقة التاريخية التي تؤكد وجود مجتمعات حضرية عربية, قامت على الاستقرار, بسبب قيام نمط إنتاجها على الزراعة المعتمدة على الأنهار! الأمر الذي جعل من هذا التعميم خطأ بالغا على المستوى المنطقي, كما ذهب آخرون إلى أن البيئة التي ترعرع فيها الإنسان العربي كانت سببا في ضيق خيالهم, وهذا ما جعلهم مهتمين بالحس أكثر من اهتمامهم بالتحليل, الأمر الذي يكون إنتاج الشعر الدرامي معه محالا, وتذهب سهير القلماوي إلى "أن المسرح مخالف لطبع العربي, فالعربي في سلام مع الله, واستسلام للقدر"! وهو رأي يثير –ضمن ما يثيره- سؤالين جوهريين: فإذا كان هذا الادعاء صحيحا, فلماذا لم يعرف العربي الفن المسرحي, أيام الوثنية أو قبل ظهور الإسلام؟ ولماذا لم يمنع هذا الرأي –لو كان صحيحا- وجود المسرح فيما بعد؟
وهناك من رأى مثل محمد مندور "أن نوع خيال العربي لم يكن مواتيا للفن المسرحي, وذلك بحكم البيئة ونوع الحياة", أو أن تنقل العربي المستمر قد أدى إلى عدم نشوء الاستقرار اللازم للحضارة! كما جاء على لسان كل من "زكي طليمات, ومحمود تيمور", وهذا ما أدى إلى جهلهم بالأساطير!" كما يرى أحمد حسن الزيات", هذا فضلا عن "غياب التفاتهم إلى الشخصية الفردية بصفتها أساسا من أساسيات الكتابة الدرامية كما يذهب إلى ذلك "زكي نجيب محمود". وهي آراء تثير عددا مهما من الأسئلة: فهل يمكن أن نعالج الخيال العربي في امتداده الثقافي الجغرافي المتعدد, والمختلف هكذا؟ هل يمكن أن نعالجه بصفته نوعا واحدا, هذا إذا كان التقسيم إلى (خيالنا وخيالهم) مُجازا أصلا؟ وهل جهل العرب الأساطير حقا؟ وما أسهل هذا الحكم القائل بغياب التفات العرب إلى الشخصية الفردية وأسرعه! ويمتد هذا الاتجاه ليضم نزوعا عنصريا في التفكير, واصفا العقلية السامية "بأنها عقلية ذات اتجاه ديني في الأساس, وأنها تفتقد وجود الأساطير كما ذهب إلى ذلك "إرنست رينان". والسؤالان اللذان يلحان علينا هما: هل يمكن أن تغيب الدراما عن شعب من الشعوب في حياته القومية أو في حياة أفراده؟ وهل يمكن أن تبتعد الأحداث الدرامية في حياته القومية أو الفردية عن التجلي في أعماله الأدبية والفنية؟ أما السؤال الجامع هنا فهو: أكانت آراء النقاد والأدباء العرب هذه أصيلة؟ صادرة عن منهجيات بحث, وعن اقتناعات مبررة بالدراسة والاستقصاء, أم كانت محض صدى لعدد مؤثر من كتب المستشرقين, وآرائهم؟ وللكتابة بقية..
* (شاعر ومفكر مصري)



#علاء_عبد_الهادي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جائزة نوبل للآداب: -في نقد المركزية اللغوية الغربية-
- الترجمة والتعريب
- اللغة والقوة
- في الهوية القومية والهوية الفردية
- الترجمة الآلية وتأثيراتها 2-2
- الترجمة الآلية وتأثيراتها 1-2
- الإيقاع في قصيدة النثر 3 /3
- الرقابة بين حريتين؛ الجميل والقبيح
- الإيقاع في قصيدة النثر 2 /3
- الإيقاع في قصيدة النثر 1 /3
- قراءة ميتا- نقدية عن كتاب -في الواقعية السحرية- لحامد أبو أح ...
- حق الأرض وحق الإنسان
- هل نحتاج إلى وثيقة جديدة لحقوق الإنسان!
- حول الهوية والثقافة
- تهافت الخطاب النقدي في كتاب زمن الرواية- جابر عصفور نموذجًا ...
- الترجمة وفكرة الأصل
- كرة القدم والهوية
- الترجمة, والثقافة العربية
- الثورة المعلوماتية, والنموذج الثقافي الأميركي؛ التكنولوجيا ب ...
- التدفق الثقافي: في عولمة الثقافة (4)


المزيد.....




- لغز الإمبراطورية البريطانية.. الإمبريالية مظهر للتأزم لا للق ...
- وصمة الدم... لا الطُهر قصة قصيرة من الأدب النسوي
- حي المِسكيّة الدمشقي عبق الورق وأوجاع الحاضر
- لا تفوت أحداث مشوقة.. موعد الحلقة 195 من قيامة عثمان الموسم ...
- أزمة فيلم -أحمد وأحمد-.. الأكشن السهل والكوميديا المتكررة
- بي بي سي أمام أزمتي -والاس- و-وثائقي غزة-... هل تنجح في تجاو ...
- من هم دروز سوريا؟ وما الذي ينتظرهم؟
- حسان عزت كما عرفناه وكما ننتظره
- -الملكة العذراء-: أسرار الحب والسلطة في حياة إليزابيث الأولى ...
- مكتبة الإسكندرية تحتفي بمحمد بن عيسى بتنظيم ندوة شاركت فيها ...


المزيد.....

- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علاء عبد الهادي - في نفي وجود الدراما في التراث العربي