أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - علاء عبد الهادي - الرقابة بين حريتين؛ الجميل والقبيح














المزيد.....

الرقابة بين حريتين؛ الجميل والقبيح


علاء عبد الهادي

الحوار المتمدن-العدد: 4559 - 2014 / 8 / 30 - 09:17
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


قوّضت وقائع السلوك الاتصالي المعاصر, المدعومة بانفتاح إعلامي, وبتطور تقني لم يشهد العالم مثيلاً له من قبل, مفاهيمَ سيادة الدولة القومية على أراضيها, وكان من أبرز تجليات هذا التقويض؛ ضعف قدرة الدولة القومية على الحفاظ على سيطرتها على فضاءاتها الإعلامية, وعلى ملكيتها لها, بحسبان الملكية هي حق إبعاد الغير, فقد فتحت ثورة الاتصالات الحديثة حدودَ الدولة الجغرافية, واعتقتها من مجالها “Reserved Domain” المحلي؛ المكاني والزماني, المحدود, إلى مجال ثقافي مفتوح, سواء في علاقاتها بمواطنيها, أو في علاقاتها بغيرها من الدول. وكان من نتائج ثورة الاتصالات الحديثة التي يشهدها عالمنا العربي اليوم, إنعاش بعض الأسئلة القديمة التي خلقت -بسبب الشعور بالتهديد- مناخًا صالحًا للاحتراب؛ بين جزء من الخطاب الثقافي العربي السلفي الذي تبنى الانغلاق على تراثنا, وجزءٍ آخر من الخطاب الثقافي الحديث الذي تبنى الانغلاق على الغرب, بحسبان تراثنا العظيم هو سبب تخلفنا, على الرغم من أن الانغلاقين وجهان لعملة واحدة. كما أثارت ثورة الاتصالات الحديثة في عالمنا العربي المعاصر مجموعة أخرى من القضايا, ربما كان من أهمها, قضية حرية الكاتب في التعبير, ضد ما تمارسه الرقابة في -عصر السماوات المفتوحة- على النتاج الثقافي بخاصة, على الرغم من أن جمَّاع ما تمنعه الرقابة في مصر, لا يجاوز حيّزًا ضئيلاً مما يستطيع أي مواطن في أفقر قرانا الاطلاع عليه, بضربة زر واحدة على حاسبه الآلي, أو عبر الشاشة المرئية, وما تبثه مختلف الأقمار الصناعية التي ملأت فضاءاتنا. الأمر الذي يضع جدوى بقاء الرقابة في مجتمعنا موضع المساءلة.
يعمل الجهاز الرقابي -في أية دولة- بوصفه وسيطًا أيديولوجيًّا يسعى إلى مصادرة ما يظن أنه يهدد قيم المجتمع, وهذا ما أخضع النتاج الثقافي الأدبي والفني بخاصة, إلى نظام معياري ارتبط بما يسمى موروث المجتمع الخلقي, أو بوهم وجود هذا الموروث الجمعي على أقل تقدير, الأمر الذي مثّل شكلاً من أشكال الوصاية الأخلاقية على ما يستقبله أفراد مجتمعنا, من النتاج الفكري والثقافي, دون حسبان تباينات المجتمع الفكرية, والاختلافات القائمة بين فئاته الأيدولوجية. وهذا ما صبّ معظم النتاج الثقافي في قوالب تحاشت مراجعةَ السياسي, والجنسي, والعَقَدِي, وذلك من خلال المهمة التي يمارسها هذا الحارس الأيديولوجي, الذي حكم الحراك الفكري والثقافي بضلعي المقص؛ "الإباحة بعد التعديل, أو الحظر والمصادرة", وأرى أن مجتمعًا عمره سبعة آلاف سنة, توالت عليه حضارات شتى, وامتلك هذا التراكم التاريخي الفريد, هو مجتمع راشد, لا يحتاج إلى رقيب ديني أو غير ديني على نتاجيه؛ الفكري والأدبي, فلنكتفِ بالمجتمع رقيبًا على ثقافته, وذلك من أجل فتح الأنساق الفكرية المغلقة, وتطوير حركة الجدلين الفكري والثقافي؛ اللازمين لأي تطور سياسي واجتماعي وثقافي, بعد أن غاب عن بيئتنا الثقافية المعيشة أي تفاعل مؤثر بين المؤسسات الثقافية الرسمية, وما يموجُ به الواقعُ الثقافي الحالي من تيارات, فكرية وثقافية وجمالية, منذ أن تبنت المؤسسات الثقافيةُ القائمة الاهتمام بقضايا ثانوية في خارج صلب اهتمامات المجتمع, وشيدت سلطتها على ملكيتها لموارد ثقافية حددت سلفًا شروط استثمارها!
وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى الدور المهم الذي يمكن أن تلعبه النقابات الفنية, والاتحادات الفكرية, في دعم حرية الفكر, وذلك إذا استطاعت أن تعدل قوانينها على نحو يحدّ من المساس بأمن الكاتب أو الفنان, بسبب رأي أبداه, أو نشاط إبداعي مارسه. ربما تدفعنا هذه الحرية المنشودة إلى ما لم تستطع نخبة هذا المجتمع الفكرية والثقافية أن تقوم به من قبل؛ وذلك في أن تقف موقفاً نقدياً من تراثها من جهة, وموقفًا نقديًّا آخر مما تفرضة الثورة المعرفية الجديدة من قيم لا تناسب مجتمعاتنا من جهة أخرى, وهذا ما لن يتم إلا عبر الإيمان بالجدل, والتمسك بحرية التعبير, من أجل أن يسمح المجتمع للموضوعات جميعها, أن تدخل تحت مظلة الحوار والمساءلة, بدلاً من أن تُناقش في الغرف المغلقة, على نحو قد يؤدي إلى خلق مجتمع منافق؛ يقول ما لا يقصده, ويقصد ما لا يقوله.
ولا يمكننا في هذا السياق أن نغض الطرف عن الإشارة إلى رفض -معظم المثقفين- أن تقوم أية مؤسسة دينية, في مصر أو في الوطن العربي, بدور رقابي على الإبداع, فالحكم على منتوجات الخيال, وتقويمه, ليس من اختصاص الجهات الدينية, لأن ما يحكم عالم الخيال يختلف عما يحكم عالم الواقع. وفي ظل تحول الفنون والآداب إلى علوم متخصصة, أصبح تقويم رجل الدين, أو المؤسسات الدينية والعقدية, للعمل الأدبي أو الفني, يشبه تقويم مخرج سينما, أو شاعر, لمسألة فقهية, أو عقدية, فضلاً عن أن عالمًا عربيا تعيش تحت جناحه مجتمعات مختلفة الديانات والمذاهب, والأعراق؛ جمعها معًا تراكم واحد لحضارات غنية متعددة, لا يمكن أن تعبّر عنه جهة دينية واحدة فقط, في موضوع مثل موضوع مكانة الأخلاق والقيم في النتاج الثقافي المعاصر, فالعمل الأدبي أو الفني سريع الاستجابة لواقعه, ومن طبيعة الفن الجيد إثارة الأسئلة, وتجاوز الواقع, ونفيه, إيمانًا بممكن آخر وجديد, أي أن أسئلة العمل الادبي أو الفني القوي هي أسئلة إشكالية على الدوام, وهذا ما يناقض أية أفكار ثابتة؛ عقدية أو أيدولوجية, تؤمن باستقرار المفاهيم. أما الموضوع في العمل الأدبي, فمثل الموضوع في العمل الفني, لا ينظره الراشد إلا من خلال شكل المضمون فيه, ولا يطل معناه على القاريء إلا حين يفقد العمل جمالياته, ولا يتبقى منه غير رسالته المباشرة الفجة, ربما قال صديقي, أراك تنادي بحرية الجميل! وربما قلت, نعم أنادي بحرية الجميل, أما السؤال الذي سيبقى مؤرَّقًا, ودون إجابة قاطعة, فهو سؤالنا الدائم عن معنى الجميل!
*(شاعر ومفكر مصري)



#علاء_عبد_الهادي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإيقاع في قصيدة النثر 2 /3
- الإيقاع في قصيدة النثر 1 /3
- قراءة ميتا- نقدية عن كتاب -في الواقعية السحرية- لحامد أبو أح ...
- حق الأرض وحق الإنسان
- هل نحتاج إلى وثيقة جديدة لحقوق الإنسان!
- حول الهوية والثقافة
- تهافت الخطاب النقدي في كتاب زمن الرواية- جابر عصفور نموذجًا ...
- الترجمة وفكرة الأصل
- كرة القدم والهوية
- الترجمة, والثقافة العربية
- الثورة المعلوماتية, والنموذج الثقافي الأميركي؛ التكنولوجيا ب ...
- التدفق الثقافي: في عولمة الثقافة (4)
- الصورة واللغة: في عولمة الثقافي (3)
- سيادة أنماط الإنتاج الرأسمالي: في عولمة الثقافي (2)
- الإنسان الكوني وتهديد فضائه الفيزيائي: في عولمة الثقافة (1)
- النكوص على العقبين: عودة إلى زمن الرواية


المزيد.....




- إسرائيل تستهدف مقر رئاسة الأركان في دمشق وتحذر من مغبة مواصل ...
- إسرائيل تستهدف محيط مقر الأركان العامة في دمشق وتحذر من -ضرب ...
- هل ينبغي لزيلينسكي أن يستهدف موسكو.. بماذا أجاب ترامب؟
- مصور بلغاري يُطلق مشروعًا بصريًّا مبتكرًا: صالون تجميل تحت ا ...
- 20% من الذكور الإسرائيليين تعرضوا لاعتداء جنسي في صغرهم وبيئ ...
- ثوران بركان في آيسلندا يؤدي لإخلاء المناطق القريبة من منتجع ...
- حماية الهوية الشخصية من التزييف: قوانين تتسابق مع الذكاء الا ...
- -لماذا تتدخّل إسرائيل في سوريا؟- - صحيفة بريطانية
- السويداء ـ تجدد الاشتباكات وإسرائيل تطلب من النظام السوري - ...
- فرنسا: هل تستطيع الحكومة تمرير مشروع الموازنة؟


المزيد.....

- الصورة النمطية لخصائص العنف في الشخصية العراقية: دراسة تتبعي ... / فارس كمال نظمي
- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - علاء عبد الهادي - الرقابة بين حريتين؛ الجميل والقبيح