أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علاء عبد الهادي - النكوص على العقبين: عودة إلى زمن الرواية















المزيد.....

النكوص على العقبين: عودة إلى زمن الرواية


علاء عبد الهادي

الحوار المتمدن-العدد: 4492 - 2014 / 6 / 24 - 10:14
المحور: الادب والفن
    


بسم الله الرحمن الرحيم
النكوص على العقبين, والعودة إلى زمن الرواية
"جابر عصفور وزيرًا للثقافة"

بداية, لم تتغير منذ قيام مقدمات الثورة في 25 يناير, وفي 30 يونيو, أية رؤية ثقافية في سياسات وزارة الثقافة المصرية حتى الآن, فلم يمر على الجهاز الإداري الذي ينتمي إلى مبارك حتى الآن, وعلى مؤسسات الدولة التعليمية والثقافية خلال السنوات الأربع الماضية بخاصة, ما يشعر المواطن بأن هناك ثورة قد قامت, وأنا لا أتكلم عن أفراد هنا, لكنني أتكلم عن أفكار وأنساق, وسيرتبط تناولي مباشرة بنقد نص اختيار د. جابر عصفور وتعيينه على المستوى الثقافي.
لقد رأى عدد كبير من المثقفين والمبدعين أن بعودة جابر عصفور إلى وزارة الثقافة -مسئولا أو وزيرا- يعود نظام مبارك الثقافي بكل فساده المعروف ثانية إلى سدة المشهد الثقافي, وأن هذا الاختيار تحديدًا لا يزيد على كونه محاولة قديمة- جديدة لاستيعاب المثقف -مرة أخرى- تحت راية المصالحة, والجائزة, والمنصب, والتقدير والتكريس والحظيرة. وبرغم وجاهة هذه الرؤية فإنها في رأيي غير دقيقة, بل إنني لا أعدو الحق لو قلت إن قدوم أي وزير آخر حتى من فصائل الثورة مباشرة لن يغير في الأمر شيئا, مع وجود هذا الطاقم المتوارث, وهذه البنية الإدارية الفاسدة من الإدارات العليا والوسطى في الوزارة, التي لم تؤثر بها كل البلاغات المقدمة إلى النائب العام من موظفين شرفاء اتهمت معظم القيادات الثقافية القائمة بالفساد. ورأيي أن بيئة الثقافة المباركية لم تذهب كي تعود, ولن يؤثر فيها اسم وزير أو غيره, فالاختيار على المستوى الرمزي يشي مباشرة بتوجه المرحلة الرجعي الجديد! فقد اختار رئيس الوزراء المصري ثمانية وزراء من النظام الأسبق, ربما كان أشهرهم السفير سامح شكري الذي تولى وزارة الخارجية وقد عمل من قبل سكرتيرًا خاصًا للمعلومات بمكتب الرئيس الأسبق مبارك, واللواء عادل لبيب الذي كان محافظًا لثلاثة محافظات متتالية في حقبة مبارك, ود. سيد عبد الخالق عضو لجنة السياسات السابق بالحزب الوطني, والمستشار محفوظ صابر الذي رأس الأمانة العامة للجنة العليا للانتخابات التي أشرفت على الانتخابات البرلمانية عام 2010, التي حدثت بها انتهاكات صارخة كانت من أسباب قيام مقدمات ثورة 25 يناير, وبمجيء جابر عصفور مرة أخرى, وهو الشخص الذي عينته آخر حكومة لمبارك, والثورة حينها لم تزل مستمرة في الميدان, يتأكد ما نذهب إليه هنا عن دلالة الاختيار. وهو سلوك دال على الاطراد البنيوي لمنطق خاطيء في الاختيار والتعيين, مازال قائمًا منذ عصر الرئيس الأسبق مبارك إلى الآن دون تغيير, وأظنني لا أعدو الحق لو قلت إن فريق المستشارين الخاص برئيس الوزراء كان يجهل صخب المياه العميقة التي تجري تحت السطح الهاديء للثقافة المصرية, وإن أعضاء من هذا الفريق وظّفوا هذا الاختيار, وتعامل آخرون مع الأمر بمنطق شهرة المرشح الإعلامية, وأحاديث النخب القريبة من هيئات وزارة الثقافة ووزيرها الأسبق فاروق حسني, دون النظر إلى جسد الثقافة المصري الرافض لهذه الوجوه والسياسات.
ارتبط المشروع الثقافي للنظام الأسبق بقضايا فساد وإهمال جسيمين, على مستويي السلوك والرؤية, وهو فساد لم ينج منه تراث مصر المادي المنهوب من مخطوطات, ولوحات, وآثار, وغيرها, لقد نجح النظام الأسبق في ربط جُمّاع المبدعين بفئة من "التكنوقراط" الثقافي, وبمشروعات ربطتهم بمصالح شخصية صغيرة, ففقدت مصر أي أثر اجتماعي ملحوظ لإنفاق الدولة الثقافي, وظلت النشاطات الثقافية التي كانت تُخطط علي نحو فردي, لا تعوزه الأهواء, وسيلة ناجعة تستهدف الاستهلاك الإعلامي الداخلي, وتبرر بقاء قيادات بأعينها, وكلنا يعرف عدد السنوات التي شغلها الأمين الأسبق للمجلس الأعلي, والرئيس الأسبق للهيئة العامة للكتاب, ورؤساء اللجان وأعضاؤها في المجلس الأعلي للثقافة, وأعضاء لجنة جوائز الدولة, وغيرهم, هؤلاء في الحقيقة -وليس الوزير- هم من يحكمون المشروع الثقافي من أيام مبارك حتى الآن. كان هدف الوزير الأسبق وسياساته الفردية السابقة متوجّهًا في حقيقته إلي إدخال المثقف إلي الحظيرة, علي حد تعبيره, لا إلي بناء ثقافة, فارتبط مشروع مصر الثقافي بمجموعات مصالح, وبفئات ثقافية وإعلامية متربحة, دافعت عنه, وبررت بقاءها وبقاءه.
وفي هذا السياق, استنكر عدد من المثقفين أن يبدأ الوزير الجديد عمله بانسحابه من الترشح إلى جائزة كان يعلم بحكم موقعه وعلاقاته أنه لم يكن من الأسماء الأربعة الأوَل المختارة من اللجنة المشكلة التي رشحت اسمين اثنين فقط من مجموع المترشحين لجائزة النيل, وكانت الأسماء المرشحة الأربعة الأول هي صبري موسى وإدوار الخراط وآخَرَين أُنْسِيتهما لم يكن منهما عصفور, والسؤال الذي يطرحه عدد من المثقفين على أعضاء اللجنة كلهم هو ألم يكن من الأولى للشفافية والتجرد أنفسهما, أن يمتنع عصفور وأعضاء اللجنة كلهم من البداية عن الترشح لأية جائزة في لجنة يُحَكّمِونَ فيها؟ وهي لجنة شكلها قرار الرئيس الأسبق مبارك, وأفقدت -بسلوك أعضائها, وتهافت عدد منهم- هذه الجوائز قيمتها ومصداقيتها, بعد أن مَنحت هذه الجوائز مرارًا إلى أعضاء فيها, في سوابق كانت الأغرب, والأكثر ندرة في تاريخ الثقافة العربية بعامة, والمصرية بخاصة. فكيف يقبل شريفٌ -صاحب عفة وعدل- أن يُحَكّم في جائزة, ويُرَشّّح في الوقت ذاتِه لها, بل يفوز بها! ويمكن بحصر حسابي سريع أن نقدم جدولاً يوضح مباشرة عدد الذين حصلوا على الجائزتين التقديرية والنيل في أثناء عضويتهم للجنة, كي يتضح مباشرة ما نرمي إليه من تضارب مصالح, وشبهات فساد!
هذا مثال لأوضاع فاسدة كثيرة لم تزل مستمرة, في هذا السياق, ووسط آمال آلاف المثقفين المصريين ورغباتهم في إقامة بنية ثقافية جديدة, تترجم مئات البيانات والاعتراضات والمسيرات والمؤتمرات والرؤى التي أطلقوها ضد سياسات مبارك الثقافية, إلى واقع جديد مأمول, أثار اختيار د. عصفور وزيرًا للثقافة, الكثير من اللغط والاعتراض في المحيط الثقافي, وأظنني لا أعدو الحق لو قلت إن هذا الاختيار لم يترك أية مشاعر إيجابية في الوسط الثقافي, باستثناءات قليلة أيدت هذا الترشيح كان على رأسها مجموعة نخبوية صغيرة كانت معروفة بارتباطها النفعي بعصفور, وبالوزير الأسبق, وبأروقة الوزارة في فترة مبارك بخاصة, وهي نخبة تشكلت -ونمت- في ما كان يُسمّى آنذاك حظيرة الوزارة, بلجانها وجوائزها ومجالسها ومواقعها وإداراتها وكراسيها ومكافآتها, كانوا المختارين ولكنهم ليسوا الصفوة, وقد أجمع المرحبون بهذا الاختيار على أن خبرة الرجل الطويلة من (1993) إلى (2006) في مؤسسات الوزارة سببًا مهمًّا لهذا الاختيار! كانت هذه هي النقطة نفسها التي اعترض بسببها معارضون نابهون وصفوا الاختيار بأنه اختيار كارثي, كانت معارضتهم هذه المرة بسبب خبرة الرجل هذه تحديدًا, قبل أي شيء آخر! ذلك لأن الخبرة في ذاتها ليس لها أهمية إلا إذا كانت قرينة نجاح وإنجاز سابقين, ولا يقاس الإنجاز الثقافي على مستوى دولة بحجم مصر إلا من خلال الأثر الاجتماعي لإنفاق الدولة الثقافي دون غيره, وهذا ما لا نكاد نلمس له أي أثر.
فإذا كان الرجل هو الأسلوب كما يقولون, وإذا كانت معظم القيادات –الشيوخ منهم بخاصة- سجناء تجاربهم, فماذا ننتظر, وما نوع الثقافة التي يمكن أن يخطط عصفور لمنحها إلى المواطن, في فترة انتقالية صغيرة, وهو الذي فشل في ذلك على مر عقدين؟ وكيف سيمنحها دون إعادة بناء شاملة, لا نرى أنه تبناها؟ وهل يكفي أن يقدم جابر عصفور خطابا مبتسرًا دون بنية استراتيجية لتبرير هذه الاختيار؟ حتى لو طرحه عصفور في جلسة هنا أو هناك, وقدمه بصفته رؤية لتنمية ثقافية شاملة, وهو خطاب في أفضل أحواله يقع خارج تجربته العملية, خطاب منقول, لم يشر الكاتب إلى مصدره, وكأني به لم يزل مرتبطًا بقول القدماء "من سرق واسترق فقد استحق". بل إن رؤية مقاله الأخير في فحواها ومبناها نقلت دون إشارة إلى أصلها, ودون تأسيسها الثقافي والعلمي الذي طرحناه من قبل في عشرات المقالات والحوارات في السنوات الخمس الماضيات بخاصة. باختصار, الاختلاف في الوعي, لا يمكن أن نطمئن إليه إذا كان مجرد اختلاف في لغة هذا الوعي! بمنأي عن التجربة أو الممارسة..
لقد تمنّى عدد كبير من المثقفين من أصدقاء الرجل وأعدائه أيضًا, أن يرفض الترشح, منعًا لإحراج المثقفين, ودرءًا لإحراج النظام نفسه الذي يخطو أولى خطواته نحو مصر أخرى فتية وجديدة, كانوا يعرفون أن صانع المشكلة من العسير أن يكون جزءًا من حلها, وقد كان عصفور مسئولاً دون شك عن جزء مؤثر ومهم من وضع الثقافة الكارثي في مصر الآن, كيف لا وقد توافرت له المدة الكافية للتغيير إن حاول –أو أراد- مثلما توافر له الانسحاب أيضًا إن فشل! وذلك في ظل تمتعه بحظوة لدى من كانت تسميها النخبة السياسية آنذاك, بالسيدة الأولى!
يدور السؤال بين المثقفين الآن عن الدور الذي يمكن أن يلعبه مشروع مصر الثقافي القادم في الحراكين السياسي والاقتصادي‏,‏ وهو دور لا يمكن تحقيقه إلا عبر سياسات ثقافية جديدة متكاملة‏,‏ وقيادات غير مستهلكة في أروقة النظام القديم! لقد ظن الكثيرون منّا بعد الثورة أن الزمن قد تغير؛ ففي الميدان كان الشعر قائدًا, مثلما كانت الأغاني تجدل نبض الحياة بأرواحها الصاعدة! لم يكن الزمن في الميدان زمن رواية فحسب, بل اتسع للشعر والغناء و"الجرافيك", اتسع للحلم, لم يعد حكرًا على فهم ضيق, أو نوع أدبي واحد, كان الزمن نسيبًا للثورة, ومع ذلك ظلت بعض الحكايات المكرورة ملجأً لجيلي, نتكلم فيها عن خبراتنا الماضية, وحسراتنا في تحقيق أحلامنا في مصر جديدة شابة "معجبانية" وبهية, عن جهودنا السياسية التي لم تثمر شيئًا ذا بال, منذ أن كنا طلابًا في السبعينيات, عن أوقاتنا المهدورة, التي حاربنا بها كل الشرعيات الراسخة, والآن, دعوني أعترف أنني أخطأت, وأننا ننزل النهر نفسه مرتين وأكثر! وأننا ما زلنا كما كنا في زمن الرواية, والنسق المغلق, والنثر الركيك, والغباء الرتيب, ذلك لأنه بعد السبعين لا يظل ألق الشعر دافقًا بالقدر الذي تعيش به حكايات شائخة, تنمو على زمنها الأطماع الكسيحة.



#علاء_عبد_الهادي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علاء عبد الهادي - النكوص على العقبين: عودة إلى زمن الرواية