أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علاء عبد الهادي - الإيقاع في قصيدة النثر 3 /3















المزيد.....

الإيقاع في قصيدة النثر 3 /3


علاء عبد الهادي

الحوار المتمدن-العدد: 4560 - 2014 / 8 / 31 - 10:47
المحور: الادب والفن
    


الإيقاع في قصيدة النثر (3)/ (3)

دكتور علاء عبد الهادي*
ربما يتفق الكثيرون معي على أنه للبيئة الثقافية التي خرج منها العروض العربي إيقاعاتها النفسية المختلفة عن غيرها من الأمم من جهة, وعن إيقاعات حياتنا المعيشة -هنا والآن- من جهة ثانية. وقد عبَّرت هذه الإيقاعات التراثية -في وقتها- عن روح زمانها, أما ما يجاهد الشعراء والنقاد السلفيون من أجل تحقيقه, فهو استدامة هذه الروح الإيقاعية –دون الالتفات إلى شروط إنتاجها- بعد أن حاولوا تأبيدها بوصفها جوهرًا, لا نتاجًا تاريخيًّا لمرحلة ثقافية وجمالية ولَّت, ولبيئة ثقافية انقضت. إن كثيرًا من العروض العربي التقليدي لا يزود العمل الشعري -في بيئته الثقافية الحالية- إلا بإيقاع شكلي من خارج روح القصيدة, ولا أغالي إذا قلت إنه من خارج روح الشاعر أيضًا, هذا إذا اتفقنا على أن للإيقاع الفني علاقة وطيدة بالزمان وبالمكان اللذين ظهر فيهما. إن الشعر الحديث, كما قال فلوبير, بصدد حديثه عن بودلير قد أضحى "قوة ضد هرطقات الرومانسيين والواقعيين, وضد ما يلزم عن ذلك من هرطقات الانحياز, وإدعاء احتكار الحقيقة والأخلاق"( ). كان رد فعل فلوبير عميقا ضد كل ما يسمى أدب النوع, وضد الأعمال التي تتملق الجمهور بأن ترد له صورته الخاصة في شكل أبطال ذوي نفسيات منسوحة مباشرة من الحياة اليومية, معاديًا الطفح العاطفي, والقوالب الأسلوبية السهلة للنزعة الرومانسية, وشعر الدعاية الاجتماعية, ونزعة تقديس الإيقاع( ). وهذا قريب مما تتوخاه جماليات قصيدة النثر.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن قصيدة النثر الحالية, لا تخلو من مزالقَ تزيد على ما يوجد في الأنواع الأدبية الأخرى, بسبب عجزها, في كثير من تجلياتها –حتى الآن- عن تقديم إشارات واضحة عن انتمائها النوعي؛ كما يفعل الشعر العمودي أو التفعيلي, فموسيقاها, وهذا أول ما يقابله المتلقي, لا تهتم بالمقطع الوزني, مثل شعر العمود, أو شعر التفعيلة, بل تهتم بالكلمة على المستوى الإيقاعي, بما تحمله الكلمة من تأثير فيلولوجي, وهذا ما يحتاج إلى حساسية جديدة من المتلقي. فحين نقترب من بنية الإيقاع المفتوحة في قصيدة النثر, يقابلنا على المستوى التحليلي ثلاثة مظاهر نغمية, غالبًا ما تتخلل قصيدة النثر, على النحو الآتي:
1- استخدام إيقاع العروض العربي القائم على التفعيلة الذي يتخلل قصيدة النثر في سطر شعري أو أكثر, على نحو منتظم, أو غير منتظم, من خلال حس الشاعر الذي يحاول في إيقاعاته النثرية الربط بين الاستجابتين؛ الفكرية والعاطفية في النص, وقد أبعد هذا الشكل من شكول الإيقاع المفتوح, قصيدةَ النثر عن الإيقاع بمفهومه السائد؛ "التواتر, أو الاضطراد", وقرَّبه من بنية نغمية مفتوحة, تقبل أن تحتضن عددًا من التفعيلات المتعددة, دون أن تلتزم ببنية التفعيلات ذواتها, أو بقوانينها الطردية المستخدمة, المنصوص عليها في تاريخ المدونات الإيقاعية العربية.
2- العناية الخاصة التي يوليها الشاعر, في قصيدة النثر, للحروف المشكلة للكلمة, ولمخارجها, ولسماتها الصوتية, في موقعها, ودقة حضورها في السطر الشعري, بعد الحرية التي تمتعتْ بها, في تعالقها مع ما يليها وما يسبقها, على المستوى الصوتي البحت, سواء في السطر الشعري الواحد, أو في كامل النص ومقاطعه, فالنص عنده يقود الإيقاع لا العكس.
3- اهتمام الشاعر الزائد بحركة النبر في القصيدة, وبتموجاتها الخفية التي تؤثر على اختيار علاقات الوصل والقطع والبناء ...إلخ. في القصيدة, سواء وهو يقرأها بصوته الداخلي لنفسه, أو للآخرين بعد ذلك, فكما أنه لا قراءة دون صوت, لا كتابه دون صوت أيضًا, فكل كتابة في حقيقتها تتضمن صوت قراءة داخلي, سواء من كاتب النص, أو من قارئه, أما الاختلاف فيكمن في أن الصوت في الكتابة هو صوت كل قاريء على حدة, لا صوت الشاعر فحسب!
أثَّرَ اتجاهُ "الكتابِ/ الكتابة" على جماليات القصيدة المعاصرة. أما الاحتراب القائم بسبب ما قام به الشعر من اقتباس نوعي, كان من نتائجه هدم الحدود التاريخية المصطنعة بين ما يسمى شعرًا أو نثرًا, في نظرية الأنواع التقليدية, فهو احتراب, له وجه اجتماعي, وأن ظل متخفيًا في النظام الرمزي. يذهب بورديو إلى أن "المواقف المتخذة من الفن والأدب -مثل المواقع التي تُولَدُ فيها هذه المواقف- تنظّمُ أنفسَها من خلال أزواج "ثنائيات" من التضادات, موروثة في الأغلب من الماضي, ينظر إليها بوصفها نقائض Antinomies, لا يمكن تجاوزها, وبدائل مطلقة يستبعد كل منهما الآخر, بلغة الكل أو لا شيء, وهي تشكل بنية الفكر, كما تسجنه أيضاً في سلسلة من مآزق الاختيار الزائفة( ). ويشير هذا الاقتباس إلى استمرار سيطرة آلية مهمة من آليات تشكل سلطة النوع, وهي آلية تفكير تبنّتْ مبدأ الثالث المرفوع في الأعمال الأدبية؛ "إما/ أو" – سواء بوعي المحافظين من حراس النوع, أو دون وعيهم- وقد أدت هذه الرؤية المنطقية الكمية الأرسطية إلى شكل من شكول حماية النظام الرمزي القائم, سواء كانت هذه السلطة سلطة على النص, أو سلطة على القارئ, أو سلطة على الأديب, أو سلطة عليهم جميعًا, أما التجريب الباحث عن ممكن جديد وآخر, فقد خان هذه المفاهيم, وأكدَّ تاريخيتها, وذلك عبر محاولات دؤوب للخروج من فكرة الهوية النقية, ومن فكرة النقاء الخادعة للنوع, ومن سلطته التاريخية, عبر قطع استمرارية اضطراده البنيوي, وذلك من خلال تغيير خصائص الشكول الأدبية القارة, وسماتها الحاكمة, أي عبر خرق قوانين النوع, وتجاوز حدوده. لقد أصبحت الكتابة الحديثة منتمية -نوعيًّا- إلى آليات منطقية كيفية, وليست كمية, أضحت منتمية إلى ما يطلق عليه في الدرس المنطقي, الفئات الغائمة Fuzzy Sets, وهي نظرية منطقية شديدة الارتباط بفكرة الاقتباس النوعي, وما سأجريه عليه من تعديل مفهومي في ثنايا البحث. ويشترك نوعا الاقتباس؛ التقليدي, والنوعي, في تذكيرنا دائمًا "بأن الكتابة هي شكلٌ من أشكال الإزاحة".( )

* (شاعر ومفكر مصري).
مراجع المقالات الثلاثة:
(1) انظر للاستزادة: البيروني, أبا الريحان محمد بن أحمد., تحقيق ما للهند من مقولة: مقبولة في العقل أو مرذولة., بيروت, عالم الكتب, د.ت., ص ص., 104-15.
(2) انظر: د. ضيف, شوقي., الفن ومذاهبه في الشعر العربي.,القاهرة, مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر, 1943., ص., 51.
(3) انظر: المعري, أبو العلاء أحمد بن عبد الله بن سليمان., الفصول والغايات في تمجيد الله والمواعظ., ضبطه وفسر غريبه محمود حسن زناتي, بيروت, دار الآفاق الجديدة, د. ت., ص ص., 131-2.
(4)العسكري, أبو هلال., كتاب الصناعتين: الكتابة والشعر., تحقيق علي محمد البجاوي, محمد أبو الفضل إبراهيم, صيداـ بيروت, المكتبة العصرية, 1986., ص., 3.
(5) انظر: التبريزي., شرح الحماسة., طبعة بولاق, الجزء 3., ص 83., من: ضيف, شوقي., مرجع سابق ., ص., 48.
(6) عبد الهادي, علاء., النشيدة., الطبعة الثانية, القاهرة, الهيئة العامة للكتاب, مكتبة الأسرة, 2005., ص., 156.
(7) Vois: Baudelire, C., Œuvres Complètes, t II, Paris, Gallimard, coll., Bibiliothèque la pléiade., pp., 112-3.
وانظر كذلك: بورديو, بيير., قواعد الفن,مرجع سابق., ص., 157.
(8) انظر للاستزادة: بورديو, بيير., نفسه, ص ص., 133- 147.
(9) بورديو, بيير., قواعد الفن., مرجع سابق, ص., 263.
(10) Said, Edward., Beginnings: Intention and Method., New York., 1975., P., 22



#علاء_عبد_الهادي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الرقابة بين حريتين؛ الجميل والقبيح
- الإيقاع في قصيدة النثر 2 /3
- الإيقاع في قصيدة النثر 1 /3
- قراءة ميتا- نقدية عن كتاب -في الواقعية السحرية- لحامد أبو أح ...
- حق الأرض وحق الإنسان
- هل نحتاج إلى وثيقة جديدة لحقوق الإنسان!
- حول الهوية والثقافة
- تهافت الخطاب النقدي في كتاب زمن الرواية- جابر عصفور نموذجًا ...
- الترجمة وفكرة الأصل
- كرة القدم والهوية
- الترجمة, والثقافة العربية
- الثورة المعلوماتية, والنموذج الثقافي الأميركي؛ التكنولوجيا ب ...
- التدفق الثقافي: في عولمة الثقافة (4)
- الصورة واللغة: في عولمة الثقافي (3)
- سيادة أنماط الإنتاج الرأسمالي: في عولمة الثقافي (2)
- الإنسان الكوني وتهديد فضائه الفيزيائي: في عولمة الثقافة (1)
- النكوص على العقبين: عودة إلى زمن الرواية


المزيد.....




- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...
- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علاء عبد الهادي - الإيقاع في قصيدة النثر 3 /3