أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - فضيلة يوسف - عائلة غزاوية دمرتها القنابل الإسرائيلية















المزيد.....


عائلة غزاوية دمرتها القنابل الإسرائيلية


فضيلة يوسف

الحوار المتمدن-العدد: 4567 - 2014 / 9 / 7 - 00:42
المحور: الارهاب, الحرب والسلام
    


يبحث زكي وهدان عن رأس ، أو جسم. رفات ثمانية أشخاص من عائلته يجب أن تكون هنا. شقيقين صغيرين، والجد والجدة ، والأم ، و الشقيقتين و ابنة شقيقته الصغيرة. حتى الآن وجد 13 ساقاً فقط ، مع اقدام صغيرة وكبيرة. ولكن كيف يمكن أن تحدد هذه الاقدام المسودة بفعل الدم والركام أفراد عائلته؟
وهو يقف على أنقاض منزل والديه ويمشي حول محيط ما كان غرفة المعيشة. يجب أن يكونوا هنا تحته ، تحت المراتب الممزقة، والملابس ، ودراجة الطفل و طن من الخرسانة. إنهم قريبون جداً ، ولكن زكي لا يمكنه الوصول إليهم . لو لم يعتقله الجيش الإسرائيلي قال :كنت سأكون معهم هنا.

يأتي زكي و إخوته الأكبر سناً إلى هذا الجبل من الخرسانة و الركام في كل يوم. وفقاً للتقاليد الإسلامية، يجب دفن الجثث في أسرع وقت ممكن . ولكن الآن هم هنا منذ ما يقرب من أسبوعين؛ تفوح من الموقع رائحة الموت ويطن الذباب حوله. يمشي زكي عبر الركام ولا يعرف ماذا يفعل . يبدو زكي وسيماً ، إنه طفل كبير في 19 من عمره، وهو الآن الابن الاصغر مرة أخرى . ولكن ماذا يعني أن تكون ابناً عندما لم يعد هناك والدين أو أجداد ؟
شد زكي القضبان الحديدية و هز قطع من الخرسانة. فعليه أن يحفر بيديه يقوم زكي بعمل ميؤوس منه. انهم حقاً في حاجة الى حفارة ، لكن جميع الحفارات تستخدم في مكان آخر. اختفت أحياء بأكملها في بيت حانون ، في الزاوية الشمالية الشرقية من قطاع غزة. كل شيء تم تسويته بالأرض حيث عاشت أسرة وهدان . تمتلك الأسرة الممتدة 14 مبنى ، يعيش فيها200 شخص منذ أربعة أسابيع. الآن لا يوجد شيء ،كومة من الانقاض فقط . وعلى بعد كيلو مترواحد الحدود مع إسرائيل. تدخل بيت حانون في إسرائيل مثل إصبع، و حي البرة، حيث عاشت أسرة وهدان ، هو رأس الاصبع.
اعتاد 50000 "سكان بيت حانون" على الدبابات الإسرائيلية منذ فترة طويلة . ولكن الآن أصبحت بيت حانون أسوأ ساحات القتال في هذه الحرب. قتل نحو 91 شخصاً هنا ، بينهم 23 طفلاً و 22 امرأة . وثمانية أفراد من عائلة وهدان .
العنف المفرط؟
وفقاً للأمم المتحدة ، فإن 85 % من القتلى في قطاع غزة هم من المدنيين ، في حين أن إسرائيل تقول أن النسبة لا تزيد عن 60%. ولكن هذه النسب والأرقام لها حكايات .
إحدى هذه الحكايات ، التي راح ضحيتها أكثر من 2000 شخص حكاية أسرة وهدان التي تجسد كيف أصبح المدنيون الأبرياء ضحايا لهذا النزاع.يقدم مصير عائلة وهدان إجابات على السؤال الذي نتحدث عنه ، حول ما إذا كانت هذه الحرب متكافئة.
تحدث مراسلو دير شبيغل مع أفراد الأسرة ، مع العائلة والأصدقاء والجيران ، مع نشطاء حقوق الإنسان الفلسطيني و مع عقيد في الجيش الإسرائيلي . أكدوا جميعاً العديد من التفاصيل؛ فقط كان الجيش الإسرائيلي غير راغب في التعليق على القضية. وبناء على هذه البيانات أمكن إعادة بناء الأيام الأخيرة من حياة ثمانية أشخاص لقوا حتفهم في بيت حانون.
تكشف الصورة النهائية أن الجيش الإسرائيلي – علم على ما يبدو - أن عائلة وهدان سوف تموت في هذه الحرب. قصف منزل العائلة ، على الرغم من أن الجيش الإسرائيلي على علم أن بها رجل عجوز وثلاثة أطفال وأربع نساء . ماتوا لأنهم لم يتمكنوا من الفرار - لأنهم كانوا سجناء في بيتهم .
تحدث أخطاء في الحرب ، والوفيات بين المدنيين غالباً ما تكون غير مقصودة . ربما ارتكب شخص خطأ عندما أسقطت القنبلة. ولكن هل يمكن قتل ثمانية أشخاص ببساطة عن طريق الخطأ ؟ متى تكون هذه الحوادث نتيجة الإهمال؟ ومتى تصبح جرائم حرب؟
8 تموز- بدأت الحرب
غادر معظم أفراد عائلة وهدان منازلهم قبل بدء العملية ، التي تعرف في إسرائيل باسم " الجرف الصامد". الأوضاع مضطربة ، والجيش يطلق النار من الحدود. ولكن جد وجدة زكي ، مثل كثير من الفلسطينيين ، لم يرغبوا بمغادرة المنزل حيث عاشوا منذ عشرات السنين. بناية من ثلاثة طوابق للعائلة. خلفها حديقة أشجار زيتون و خلايا نحل .وشجع العائلة على البقاء
أنها بقيت في منزلها في الحروب السابقة على غزة ولم يحدث شيء. كانوا يشعرون بالأمان ، لأن المنزل كان قريباً جداً من الحدود . كانوا باستمرار تحت المراقبة من الجانب الإسرائيلي ، و الطائرات بدون طيار حلقت في الهواء فوقهم. لم تطلق أية صواريخ من حي البرة الذي كانوا يعيشون فيه . تعتقد عائلة وهدان أن الجنود يعرفون أنهم مسالمين ، أنهم كانوا أكثر اهتماماً بأشجار البرتقال من السياسة ، و أنهم كانوا مربي نحل و عمال بناء .كانت عائلة وهدان ترى قطاع غزة الصغير كبيراً جداً، لأنهم نادراً ما غادروا بيت حانون.
ولكن كل شيء تغير عندما بدأت الحرب في 8 تموز . في اليوم الأول ، أطلقت حماس 158 صاروخاً على الأقل على اسرائيل ، وهاجم الإسرائيليون 223 هدفاً في غزة . كانت القنابل تسقط على بيت حانون كل يوم وتعرض الحي أيضاً لقصف مدفعي . أدرك أفراد الأسرة الذين بقوا أن مغادرة المنزل الآن خطيرة جداً. الى جانب ذلك، لم يكن لديهم مكان آخر يذهبون اليه . تتعرض كل غزة للقصف ، ولا يوجد مكان آمن.
كان هناك 15 شخصاً في المنزل في ذلك الوقت: جد زكي وزوجته سعاد ، اعمارهم في منتصف الستينات؛ والده حاتم ، 51 عاما، ووالدته بغدات (50 عاما) وستة من أبنائهم : حسين ( 10 أعوام)، وأحمد ( 14 عاماً) ، وكذلك زكي (19عاما)، محمد ( 20)، بهجت ( 29)، رامي ( 30). و ابنتهم صمود ( 22 عام)وطفلتها غنى (سنة ونصف). وكان هناك اثنان من إخوة الأب أيضاً.
كانت زينب (27 عاماً) شقيقة زكي آخر أفراد العائلة الذين دخلوا المنزل . تعمل زينب فنية مختبر في مستشفى قريب في بيت حانون ، حيث أمضت ثلاثة أيام في المستشفى لرعاية الجرحى. وأتت إلى المنزل للاستحمام والحصول على بعض الراحة، يوجد دخل ثابت لزينب تدفع منه ثمن أدوية والدها المصاب بالسرطان. كانت تحلم بمغادرة غزة والذهاب الى مصر للحصول على درجة الماجستير. أحبت موسيقى البوب العربي والمسلسلات التلفزيونية التركية.
كانوا اخوة متحابين كبروا في غزة وعاشوا فيها حربين .
17 تموز -الهجوم البري
في مساء يوم 17 تموز كان زكي وشقيقه أحمد يشاهدون تلفزيون الأقصى (محطة حماس) ، على الرغم من أن الإخوة لم يكونوا من أتباع حماس ، كان الأقصى المحطة الوحيدة التي تبث تقارير على مدار 24 ساعة عن القتال ، والجنازات والمباني المدمرة. يتذكر زكي أن أحمد شقيقه الصغير وعند نقطة ما قال: أنت ستسحبني من تحت الأنقاض . ثم بدأ بالبكاء. بعد ذلك بوقت قصير ، أعلنت إسرائيل أن الهجوم البري قد بدأ . وذهب المتحدث باسم حماس على قناة الأقصى التلفزيونية ليعلن لن تطأ أقدام الجنود أرض غزة.
تقدمت الدبابات تجاه البرة مساء اليوم التالي ، حيث يشتبه الجيش أن هناك أنفاقاً في المناطق الحدودية .القت طائرات نشرات تدعو السكان للمغادرة مقدماً والآن يستخدم الجنود مكبرات الصوت للطلب من السكان الرحيل. ركض السكان بعيداً بسرعة فقط بملابسهم. ولكن حول منزل وهدان بدأ القتال بالفعل.لقد فات الأوان ،وضاعت فرصتهم الاخيرة للفرار.
اتصلت الأسرة باللجنة الدولية للصليب الأحمر للتنسيق مع الجيش الإسرائيلي لإجلائهم ، يقول زكي . أدركت الأسرة أن حيهم الآن في منطقة عسكرية مغلقة . قاتل عشرات من مقاتلي حماس وقتلوا هناك ، كما قتل ثلاثة جنود إسرائيليين . هذا على الأرجح ما يفسر لماذا لم يساعد الصليب الأحمر على إخلاء عائلة وهدان ،هذا ما يعتقده أفراد الأسرة الناجين . لا يتدخل الصليب الأحمر لإنقاذ حالات فردية .
في الساعة 10:34 ،تلقت زينب وهدان الرسالة النصية التالية من أفضل صديقة لها ، ضحى عطاالله : هل أنت بخير ؟ أين أنت الآن؟
أجابت زينب : أنا في الزفت . لقد وصلوناالآن.
ضحى: لماذا لم تخرجوا من المنزل ؟ هل صحيح أن الدبابات تطلق النار بالقرب منكم؟ ردت زينب على الفور،كما سيكون ردها خلال الأيام الستة المقبلة : نعم، انها قريبة . لا نستطيع مغادرة المنزل . كيف يمكن لنا ذلك؟ انهم يقصفون كالمجانين . يكفي . يجب أن يتوقف ذلك. كيف حالك ؟
ضحى: نحن في وضع أفضل . سمعت أن كل أهالي بيت حانون لجأوا إلى المدارس.
في تلك الليلة نفسها، قبل الفجر ، فجر الجنود الإسرائيليون ثقباً في جدار الحديقة ثم انهار الباب الأمامي. صرخوا باللغة العربية : تعالوا جميعكم إلى هنا ! أي شخص يبقى في المنزل سيتم قتله !
عندما سأل مراسل شبيغل عقيداً في الجيش الإسرائيلي عمل في قيادة بيت حانون قال :إن الجنود سيطروا على المباني في مختلف الأحياء ، وفي البرة أيضاً. استخدم الجنود المنازل كقاعدة لهم ، وغالباً بقوا هناك لعدة أيام. ووفقاً للعقيد الإسرائيلي ،ليس من المفترض أن يتم إحتلال منازل فيها مدنيين وخاصة لفترات طويلة من الوقت. "ولكن ذلك يمكن أن يحدث" أضاف.
روى زكي البالغ من العمر 19 عاماً ما حدث في المنزل في ذلك اليوم الأول بعد أسبوعين. وصححه إخوته وأضافوا أحيانا تفاصيل لقصته.
أمسك الجنود الجد واستخدموه كدرع بشري ، لقد أجبروه على التنقل معهم من غرفة إلى غرفة ، ووضعوا بنادقهم الهجومية M- 16 على كتفه ،كانوا يبحثون عن المقاتلين والأسلحة ، ولم يجدوا شيئا .قال زكي وإخوته . تم تفتيش الرجال في الأسرة وتقييدهم و عصب أعينهم و تمت مصادرة هواتفهم النقالة. تمكنت زينب ، فقط من إخفاء هاتفها ، والتي ستبقى الوحيدة من العائلة على اتصال بالعالم الخارجي خلال الأيام الستة المقبلة . سجنت عائلة وهدان في بيتها و كان هناك إطلاق نار من حولهم .
وفقا لما قاله زكي ،أجبر الجيش الأسرة على البقاء في غرفة استقبال لا يوجد بها شيء سوى سجادة على الأرض، ومعلق على الحائط فيها الآية 255 من سورة البقرة لحماية المنزل وساكنيه. نام الجنود على فرشات في غرفة المعيشة ،ومعهم أسلحتهم M- 16. تم وضع قناصة على السطح. حطم الجنود النوافذ والأبواب وثقبوا الجدران حتى يتمكنوا من التنقل من منزل إلى آخر.
في ظهيرة اليوم نفسه ، أخذ الجيش جميع الرجال البالغين باستثناء الجد إلى إسرائيل لاستجوابهم ً قال زكي ، تم تحميلنا السبعة معصوبي الأعين في سيارة مدرعة الساعة 2 ظهراً وتم اقتيادنا إلى السجن في عسقلان ، على بعد 15 كيلومتراً شمال قطاع غزة . ويؤكد الجيش الاسرائيلي أنه تم استجواب عشرات الرجال من حي البرة في إسرائيل ، ولكنه لا يرغب في التعليق على حالات فردية .
بقي الآخرون وراءهم. تم الآن الفصل بين زكي و زينب . ولم يعرفوا أنهم لن يروا بعضهم البعض مرة أخرى.
كتبت زينب على صفحة الفيسبوك الخاصة بها: الله يرحمنا !
السجن
استجوب زكي لمدة ثماني ساعات في عسقلان . هل أنت عضو في حركة حماس ؟ وقال هل تعرف أين توجدالأنفاق ؟ الإسرائيلي الذي استجوبه يسمي نفسه أبو داود . ويتحدث العربية ، ويعرف الكثير عن الإسلام و تعامل مع زكي بشكل جيد ، على الرغم من أن الأصفاد كانت مؤلمة. أعطوا السجناء السندويشات والمياه . في اليوم الثالث ، ولما وجد المحقق أن رجال عائلة وهدان لا علاقة لهم بحماس ، أعادوهم إلى غزة، زكي ، وشقيقه ، والده و أعمامه عبر معبر إيرز. كنا نريدالعودة إلى بيت حانون ، ولكن الفلسطينيين المجتمعين في إيرز قالوالهم : هل أنتم مجانين؟ لا أحد يصل إلى بيت حانون على قيد الحياة.
فذهبوا للإقامة مع أقارب لهم في مدينة غزة بدلاً من ذلك. حاول زكي الوصول إلى أخته زينب، والذين بقوا في المنزل ، لكن هاتفهاالمحمول كان مغلقاً . عندما اتصلت بشقيقها في اليوم التالي ، قالت إن الجنود ما زالوا هناك، وأن أفراد الأسرة لم يبق عندهم ماء للشرب بسبب تدمير خزان المياه الخاص بهم.
كانت زينب تتصل كلما استطاعت ، من الحمام ، أو المطبخ، حيث سمح الجنود لهم باستعماله فقط في الأيام القليلة الأولى. كانت خائفة من مصادرة هاتفها المحمول ، أو أن تفرغ البطارية ، حيث أن الكهرباء تنقطع عن المنزل من حين لآخر . اختزلت أحاديثها إلى أقل من دقيقة واحدة ثم تغلق هاتفها فوراً.
توفي 16 شخصاً يوم 24 تموز، عندما أطلق الجيش قذائف الهاون على مدرسة تابعة للأمم المتحدة في بيت حانون. تقدمت الدبابات وسط المدينة ، حيث فتش الجنود قاعة المدينة، ودمروا أجهزة الحاسوب .
ما حدث في منزل وهدان خلال تلك الأيام تم بناؤه من خلال مكالمات زينب و مشاركاتها في الفيسبوك.
في اليوم الذي ضرب الجيش مدرسة الأمم المتحدة ، كتبت زينب في الفيسبوك : لقد حاصرناالجيش الإسرائيلي خلال الأيام الخمسة الماضية. ندعو الله أن ينتهي ذلك قريباً.
سألتها صديقتها ضحى: لماذا لم تتركوا المنزل مثل الآخرين؟
أجابت زينب :لا نستطيع . نحن الوحيدون هنا.
كتبت ضحى : لا تدعيهم يرون الهاتف المحمول. اعتني بنفسك ، و حاولي الوصول إلى الصليب الأحمر.
كانت زينب مصابة بالذهول ، يقول زكي . بدا صوتها ضعيفاً في كل مرة تحدثت معها. وقالت له مرة: نحن ننتظر دورنا للموت .
في الساعة 13:46 ، كتبت ضحى: زينب، أين أنت؟ الجميع يبحث عنك! أنا قلقة . أرجوك إفتحي هاتفك!
"لا أحد يقدر على مساعدتنا "
بعد أكثر من ساعة أجابت زينب : نحن محاصرون إنه أمر فظيع . لا أستطيع ترك الهاتف مفتوحاً. لا يمكن أن يكون الهاتف معي بعد الآن .
أجابت ضحى : كوني حذرة .لا تخافوا !
في الساعة 4:32 في اليوم التالي ، كتبت ضحى: زينب، أين أنت؟
أجابت زينب بعد ساعة: لا تقلقي ، أنا ما زلت على قيد الحياة . لقد تم حصارنا الآن مدة أسبوع. انا غاضبة . ولا حتى الصليب الأحمر قادر على مساعدتنا .
ضحى : هل لديك غذاء وشيء للشرب ؟ أنا قلقة جداً .
أجابت زينب : لا ماء ولا كهرباء . لا أحد يساعدنا .
غادر الجنود المنزل في صباح يوم 25 تموز. بعد ذلك بوقت قصير ، اتصل الجد برئيس بلدية بيت حانون محمد الكفارنة . وهو أستاذ اللغة العربية وعضو في حماس ، لكنه يحظى بشعبية حتى بين أولئك الذين يعارضون الاسلاميين. يتذكر الكفارنة أن الجد قال له : " من فضلك أخرجنا من هنا نحن يائسون ". وعد رئيس البلدية بالمساعدة ، لكنه قال أيضاً إن التنسيق مع الجيش الإسرائيلي قد يستغرق بعض الوقت . اتصل مساعد له بمكتب الامم المتحدة في غزة الذي وعد بالاتصال مع الإسرائيليين ، كما يقول. في النهاية ، يقول الكفارنة ، وعد عامل الأمم المتحدة بأنهم سيخلون عائلة وهدان عند موعد الإفطار في ذلك المساء . و لم تعلق الامم المتحدة على القضية. كان هناك الآلاف من الاستفسارات المماثلة في بضعة أيام فقط .
لكن شيئا لم يحدث . عندما حان موعد الإفطار، اتصلت أم زكي برئيس بلدية من البيت و سألته: " هل علينا التخلي عن كل أمل والبدء في الصلاة.
في الساعة 7 مساءً ، اتصلت زينب بشقيقها الأكبر رامي للمرة الأخيرة . يتذكر أنها أخبرته أن الجنود طلبوا من الأسرة البقاء في المنزل، و أكدوا لهم أنهم سيكونوا آمنين فيه. ولكن بعد ذلك ، يقول رامي أضافت زينب : الوضع الآن أكثر خطورة ، الجنود ذهبوا.
القصف 26 تموز
تم الاتفاق على وقف إطلاق النار لمدة 12 ساعة يبدأ صباح اليوم التالي في الساعة 8 صباحا عاد الإخوة للمنزل في وقت مبكر من الصباح ، واتصلوا بزينب للمرة الأخيرة في فترة وجيزة بعد الساعة 7 صباحاً وقالوا لها نحن في الطريق إليكم.
عندما وصلنا حي البرة ، كان هادئاً جداً وكنا الوحيدون هناك . كانت رائحةاحتراق في الهواء والغبار يستقر . عندما وصلنا إلى مكان المنزل ،لم نجد شيئاًهناك .
ولكن أين أفراد عائلتنا الثمانية الذين كانوا في الداخل؟
كنا نأمل أن الجنود أخذوهم معهم إلى إسرائيل ، يقول زكي . كنا نعرف أنه أمل ساذج ، لا يمكن للجنود تركهم في المنزل،وبقينا نعتقد ذلك حتى وجدنا الأقدام.
ماذا حدث في ساعة واحدة بين الساعة 7 و الساعة 8 خلال الحرب، وهو ما تم تصويره أكثر من أي مكان آخر لأن العديد من الصحفيين اقاموا كاميراتهم على تلة بالقرب من سديروت ، وهي مدينة على الجانب الإسرائيلي من الحدود . من هناك ، كان يمكن بسهولة مشاهدة بيوت عائلة وهدان على بعد كيلومترين . كان لقناة العربية أيضاً كاميرا وضعت على التل في صباح ذلك اليوم .
يستمر لإخوة في فحص واحد من أشرطة فيديو قناة العربية على هواتفهم النقالة لأنها تحكي قصة . هناك الطابع الزمني في الزاوية العليا من الفيديو. بدأ الهجوم الجوي الأول على منازل عائلة وهدان في الساعة 7:02 صباحاً، و يمكن مشاهدة الانفجار الأخير في الساعة 07:53 ، الذي ترك سحابة ضخمة من الدخان و الغبار. تم تدمير مجموعة كاملة من المنازل في أقل من ساعة. بدأ وقف إطلاق النار بعد سبع دقائق .
ويظهر شريط الفيديو ما حدث ، لكنه لا يفسر لماذا قصف سلاح الجو الإسرائيلي منازل عائلة وهدان ولا نقول لماذا خسر زكي نصف عائلته. لا يوجد إجابات لديه، ربما كان هذاأسوأ شعور على الإطلاق.
ولكن يمكن أن يكون هناك تفسير لذلك. إنه موقع المنزل ، في الركن الشمالي الشرقي من غزة ، وهي المنطقة التي تبدو الآن كما لو أن زلزالاً قد ضربها. يمتد الدمار إلى وسط بيت حانون ، حيث ثلاثة أرباع المباني غير صالحة للسكن و 30000 من السكان الآن بلا مأوى . تظهر صور الأقمار الصناعية أن مجتمعات بأكملها على طول الحدود قد سويت بشكل ممنهج.
يقول العقيد في الجيش الإسرائيلي بعد ثلاثة أسابيع ، إنه لأمر محزن أن حي كامل قد دمر . " ولكن لم يكن أمامنا خيار آخر "، ويضيف ، مشيراً الى وجود الأنفاق والأفخاخ المتفجرة و مخابئ الأسلحة في كل مكان. بالطبع ، كما أشار، نحن لا نقصف المدنيين عمداً . و لكن يمكن أن تحدث أخطاء ، وقال انه يعترف بذلك. ومع ذلك، فإن حماس بنت أنفاق تحت المنازل التي تم تدميرها . يبدو من المرجح أن أحد الأسباب لقصف إسرائيل الهائل لبيت حانون قبل وقف إطلاق النار كان لجعلها غير صالحة للسكن بشكل دائم - وتوسيع منطقة أمنها.
ويبدو أن ثمانية أشخاص ماتوا لمجرد أنهم كانوا في الطريق.
وفي ملاحظاتها الأخيرة لصديقتها زينب، الساعة 7 مساء يوم 27 تموز، كتبت ضحى عطاالله : هل الجيش في منزلك؟ أنا قلقة جدا . أين أنت؟
عندما لم ترد زينب،اتصلت ضحى بوالدها الذي قال لها أن المنزل تدمر، وأنهم عثروا على ساق زينب ، فقد عرفوها من علامة في القدم.
أخذ الإخوة السيقان إلى المقبرة في بيت لاهيا ، وهو شريط رملي من القفار اصطف قبر عائلة وهدان مع العشرات من القبور الحديثة و جبال من القمامة. حفروا قبراً واحداً فقط لثمانية أشخاص ، وضعوا السيقان في الداخل وتم تمييزه بقطعة من الخرسانة وزجاجة بلاستيكية. في الأيام التالية ، عادالاخوة إلى المقبرة عدة مرات، و جلبوا المزيد من الأطراف، والجلد واللحم .
ولكن هذا لا يمثل نهاية قصة عائلة وهدان. هناك اربعة قبور سيتم حفرها .
3 آب- الهجوم الثاني
مكث الإخوة في مدينة غزة لعدة أيام ، انتقلوا بعدها إلى مدرسة للأمم المتحدة في جباليا . كانت المدرسة مزدحمة جداً ، وبالتالي استأجرت الأسرة منزلاً في مكان قريب. كان أكبر قليلاً من كوخ ، ولكن عاش فيه 35 -40 شخصاً، معظمهم من النساءوالأطفال .
يقول زكي أنه استيقظ بعد وقت قصير من منتصف ليل الثالث من آب . عادت الكهرباء مرة أخرى ، فأراد تشغيل المروحة وشحن هاتفه المحمول. ضرب صاروخ المبنى في تلك اللحظة بالذات . الانفجار حول والده إلى اشلاء و تضررت ساقي عمه بصورة حادة مما استوجب بترها . ضرب الصاروخ الثاني الغرفة التي تتواجد فيها النساء وهن نائمات .استشهدت زوجة أخيه جميلة وطفلتها نور (3 سنوات) ، وجرحت زوجة شقيقه الثاني و 12 شخص بينهم خمسة أطفال .
ونجا زكي مرة ثانية.
سحبت اسرائيل قواتها البرية من قطاع غزة في نفس اليوم ، 3 آب ولم تنته الحرب بعد ، لكنها خمدت .
تم نقل الأطفال المصابين بجروح خطيرة إلى مستشفى الشفاء : رايقة (14 شهراً) ، محمد (18 شهراً) و عمر ( 3 شهور). تظهر ندبة كبيرة من الصدر إلى الورك لجميع الأطفال المصابين. ووجه محمد محروق ، يتلقى محمدالحقن من خلال القسطرة في ذراعه، و ساقيه مضمدتان. ينام الأطفال بهدوء وفجأة يبدأون بالصراخ.
الجيش غير قادر على التعليق على القضية ، ولكن العقيد الإسرائيلي يؤكد أن حماس لم تطلق أية صواريخ من مخيم اللاجئين حيث كان المنزل . لماذا تمت مهاجمة الأسرة فجأة إذن ؟
لا يوجد شيء واضح في الوقت الراهن. والتكهنات أنه ربما كان مقاتلون في المكان قبل بضعة أيام ؟ أو ربما ظن الطيارون بطريق الخطأ أن أكياس الأرز و الدقيق و علب الزيت والماء التي جلبتها عائلة وهدان إلى المنزل مواد لصنع القنابل ؟ ولكن ألا ينبغي أن الطيارين شاهدوا وجود أطفال في المنزل؟
ربما أن شخصاً ارتكب خطأ عندما أطلق صاروخ على المنزل في جباليا . ربما كان الهجوم الثاني سوء حظ. ولكن ماذا عن أول هجوم على منزل في حي البرة؟
هل يمكن تسمية تفجير منزل به ثمانية أشخاص خطأ، ثمانية أشخاص يعرف الجيش أنهم في المنزل، لأن الجنود مكثوا في هذا المنزل عدة أيام ؟
الحياة في بيت الدرج
" لم يبذل الجيش أي جهد لحماية عائلة وهدان "، يقول محمود أبو رحمة من مركز الميزان لحقوق الإنسان. وقد تم توثيق حالة العائلة. ينتقد أبو رحمة كلا من إسرائيل وحماس ، على الرغم ،أنه كفلسطيني ، ليس محايداً في هذا الصراع ، وهو مستقل سياسياً. "كان هناك المئات من هذه الحالات في هذه الحرب "، كما يقول ، " ولكن مقتل هؤلاء الاشخاص الثمانية في بيت حانون هو واحد من أوضح الحالات التي قد ترقى الى جريمة حرب".
ينوي الآن جمع مزيد من الأدلة ، لكنه يعرف مسبقاً أنه لن تكون هناك فائدة كبيرة . قدم الفلسطينيون مئات الشكاوى الجنائية ووجدت الأمم المتحدة أيضاً أدلة على جرائم حرب ارتكبها الجيش الإسرائيلي في حرب عام 2008. ولكن لم تتم مساءلة أحد. وحكم على جندي واحد فقط بالسجن سبعة أشهر، بتهمة سرقة بطاقات الائتمان واستخدامها للسحب النقدي .
تعيش عائلة وهدان الآن في بيت درج لمدرسة تابعة للأمم المتحدة في جباليا ، حيث يتم إيواء 1500 شخص . هناك فرشات اسفنج على الأرض، و يعلقون أوراق لتوفير بعض الخصوصية .
وقال زكي انه قبل مقتل والدهما بواسطة الصاروخ قال بأنه لن يعيد بناء المنزل في البرة لأنه مكان خطر جداً .ولا يعرف زكي الآن ماذا سيحدث بعد ذلك . ويقول إنه لا يزال يرى صورة والده الميت أمام عينيه. ولديه مشكلة في النوم ، وهو لا مبالي وغاضب في نفس الوقت . "هذه الحرب لم تفعل لنا شيئاً. كل هذا الدمار هنا ، و نحن من المفترض أن نكون الفائزين ؟ لا، ربما فازت حماس ، ولكن تم تدمير عائلتنا. "
في الجزء العلوي من حساب زينب في الفيسبوك ، هناك رسالة من صديق الآن . من المؤلم جداً أنك رحلت ، وأضاف . استمتعي بالجنة!

مترجم
Julia Amalia Heyer and Juliane von Mittelstaedt



#فضيلة_يوسف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مجزرة ريشون لتسيون - قاتل غزة
- توجيه هانيبال: كيف قتلت إسرائيل جنودها وذبحت الفلسطينيين لمن ...
- ثلاثة أسئلة لحماس
- الأساطير القاسية حول المعلمين
- إعادة تشكيل عيد العمال
- لماذا خان العرب غزة
- ابن الموت - محمد ضيف-
- نظرة تاريخية لمجزرة غزة 2014
- عولمة غزة : كيف تقوض إسرائيل القانون الدولي من خلال -الحرب ا ...
- لماذا لا يمنح الجيش الإسرائيلي جائزة نوبل للسلام؟
- حماس : ليست هدف اسرائيل
- الجانب النفسي/العسكري للبلدوزر الإسرائيلي
- إرفعوا الحصار عن غزة يتحقق السلام
- إرفعوا حماس من قائمة الإرهاب وتفاوضوا معها
- الشعوب المحاصرة، مختبرات الفناء الخلفي :العلاقات التي تربط ب ...
- حماس وجنون العظمة الاسرائيلية
- ماذا لو كان الأطفال القتلى -الشهداء- في غزة يهوداً؟
- كابوس غزة
- كبح حقوق العمال في المكسيك
- تأثير الحرب في غزة على النساء


المزيد.....




- ما هي الامتيازات التي حصلت عليها السلطة الفلسطينية بعد قرار ...
- بقيمة 400 مليون دولار.. واشنطن تعتزم الإعلان عن حزمة مساعدات ...
- البنتاغون يوعز إلى جميع الأفراد العسكريين الأمريكيين بمغادرة ...
- مصر.. نجيب ساويرس يرد على تدوينة أكاديمي إماراتي حول مطار دب ...
- الإمارات.. تأجيل جلسة الحكم في قضية -تنظيم العدالة والكرامة ...
- وسائل إعلام: فرنسا زودت أوكرانيا بصواريخ -SCALP- هي في نهاية ...
- مدفيديف يصف كاميرون بالبريطاني -الموحل ذي الوجهين-
- ناشطتان بيئيتان تهاجمان تحاولان إتلاف نسخة من -ماغنا كارتا- ...
- -لعنة الهجرة-.. مهاجرون عائدون إلى كوت ديفوار بين الخيبة وال ...
- معجم الانتخابات الأوروبية ومصطلحاتها الأكثر شيوعا


المزيد.....

- كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين) ... / عبدالرؤوف بطيخ
- علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل / رشيد غويلب
- الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه ... / عباس عبود سالم
- البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت ... / عبد الحسين شعبان
- المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية / خالد الخالدي
- إشكالية العلاقة بين الدين والعنف / محمد عمارة تقي الدين
- سيناء حيث أنا . سنوات التيه / أشرف العناني
- الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل ... / محمد عبد الشفيع عيسى
- الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير ... / محمد الحنفي
- عالم داعش خفايا واسرار / ياسر جاسم قاسم


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - فضيلة يوسف - عائلة غزاوية دمرتها القنابل الإسرائيلية