أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - رائد الحواري - -السلم المسلح- غاستون بوطول















المزيد.....

-السلم المسلح- غاستون بوطول


رائد الحواري

الحوار المتمدن-العدد: 4566 - 2014 / 9 / 6 - 00:07
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


"السلم المسلح"
غاستون بوطول

اعتقد بان هذا الكتاب يعد أهم مرجع يمكن الاعتماد عليه لمعرفة حقيقة ما جرى ويجري من حروب بين الدول، فهو يكشف لنا شكل السلم، والذي لا يعد أكثر من نتيجة للحرب، ولا سلام بدون حرب، حيث يتم فرض إرادة المنتصر على المهزوم، هذا الأمر كان منذ أن بدأت الدول في التشكل، فعندما عمل لوجال زاكري على توحيد الدول السومرية، كانت إرادة المنتصر تفرض نفسها على المنهزم، ومن هنا بدأ تاريخ السلام والحرب، فعمليا، يكون السلم نتيجة، تابع، ملحق، للحرب، شكل من أشكال الحرب، ونتيجة لها، والحرب هي الأساس، المضمون، الجوهر، الظاهرة المستديمة في تاريخ البشرية، وكل ما يقال عن السلم في منطقتنا العربية تحديد، لا يعد أكثر من قبول بالوهن الذي تعيشه الأنظمة.
الكتاب من منشورات المكتبة العصرية، بيروت، تعريب، أكرم ديري والعقيد الركن محمد رائف المعري، وبدون تاريخ للنشر، لكن يضع المعربان تاريخ التقديم في 1971، والتي يشيران فيها إلى محتوى الكتاب فيقولان: "تبن أن الحرب، في ظروف وأوضاع معينة، هي السبيل الوحيد لإقامة السلم واستقراره، وتبين أن بناء السلم لا يتحقق في منطقة معينة إلا بإزالة أسباب التناقض الأساسية التي تولد الحرب" ص7، إذن ما يقال عن السلام وتحقيق الاستقرار لا يتم لا نتيجة للحرب، وما الاستقرار الذي تعيشه دولة الاحتلال الإسرائيلي ، لا نتيجة الحروب التي انتصرت فيها على الأنظمة العربية، وهنا نطرح تساؤل: هل يقبل أي إنسان أن يتم طرده من بيته، وطنه، ثم يبدأ التفاوض مع المحتل على الحصول على جزء من هذا البيت أو الوطن؟، نعتقد بان مسألة القوة هي التي تتحكم في هذا المسار، وهي السيد وصاحبة القرار الوحيد، في فرض نفسها على ارض الواقع، من هنا ما يشاع من كلام عن السلام، لا يعد إلا احد نتائج الحرب.
ويضيف المعربان بتحليلهما واقع المنطقة العربية فيقولان: "ولن نستطع نزع ظاهرة الحرب هذه من منطقتنا إلا بادراك العلاقة القائمة بين السلم المنشود والحرب المفروضة علينا وصولا إلى هذا السلم" ص7، كلام منطقي وواقعي ينسجم مع المنطق والعقل والواقع والتاريخ، فليس هناك سلم يأتي من السماء، من كوكب آخر، السلم يأتي نتيجة العمل ـ بالحرب ـ لإزالة كافة الأسباب التي تؤدي إلى التوتر، عندها فقط، وعند تحقيق أهدافك القومية والاقتصادية والجغرافية، يمكنك أن تعيش ـ فارضا بالقوة ـ إرادتك على الخصم.
يؤكد المعربان بان "السلم لا يمكن دراسته إلا من خلال دراسة علم الحرب" ص8، كما أن السلم ليس مطلقا، بل نسبي، لكن الحرب هي المطلق، وما السلم الذي يأتي بعدها سوى شكل من أشكال الحرب، من هنا يكون هذا السلم في حالات كثيرة معرض لكشف حقيقته ـ الحرب ـ "إن السلم كالصحة معرض للزوال" ص8، فما دام هناك قوة مرعبة للآخر، يكون السلم حاضرا، ومتى ضعفت القوة، وارتفعت قدرات الطرف المقابل، يعود الصراع ليأخذ شكل الحرب.


عندما يتراءى السلم
هل الحرب شر أم خير؟ أم أن السلم هو خير؟، قد يبدو السؤال بسيط، لكنه في الحقيقة معقد، فهو يدخل الشكل في الجوهر، ويجمل الشكل على حساب الجوهر، فيظهر للمتلقي، بان الأبسط والأفضل هو السلم، لكن في حقيقة الأمر ليس السلم هو الخير، لان الحرب على مر التاريخ الإنساني كانت تمنح المنتصر والغالب "بالغنى. ويعوض عن الآلام والمخاطر تعويضا مجزيا" ص11، فالكاتب هنا يردنا أن ننظر إلى الحرب من منظور المنتصر، وليس بمنظور المحايد، أو المنهزم، لان نتيجة الحرب ـ رغم ما يتكبده المنتصر من خسائر ـ تكون معطاءة، وتعوض عن تلك الخسائر بكميات مضاعفة وباضطراد، فتكون النتيجة الخير الكبير الذي يعم البلاد والعباد.
قبل الخوض في نتائج الحرب، التي تكون قد أخذت شكلا (السلم)، نريد أن نوضح بان هناك شكلان له، الأول يتمثل بعدم انسحاق الخصم تماما، وبقاء مقدار من القوة لديه، يجعل من السلم يتمثل في اتفاق (معاهدة) على التوقف عن الاقتتال ـ مؤقتا ـ ضمن شروط وبنود خاصة، وتبرز هذا المعاهدات بشكل واضح في تلك التي أقامها العرب والفرنجة في ما يعرف بالحروب الصليبية، وتلك الاتفاقيات "كامب ديفد" التي وقعت بين مصر وإسرائيل، وتلك التي وقعت بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل "أوسلو" والأردن وإسرائيل "وادي عربة"، فمجمل تلك المعاهدات لم يتم إفناء الخصم وإزالته من الوجود تماما، لكن تم قهره، تكبده خسائر سيحتاج إلى زمن طويل لكي يعيد تشكيل قوته، هذا إن استطاع ـ وغالبا من يتم جعل الخصم في حالة من الضعف وعدم القدرة على الحركة، مما يجعل (السلم) يبدو هو الحالة الطبيعية.
والشكل الثاني يتمثل بسحق الخصم تماما، وعدم بقاء أي قوة لديه، وهنا يفرض المنتصر نفسه تماما، بحيث يزيل أي مظاهر من مظاهر الوجود للخصم، هذا ما حدث في قرطاج بين الرومان والفينيقيين، وتكرر هذا الأمر في الأندلس بين العرب والأسبان، وبين الفرس والبابليين، وبين الهنود الحمر والأمريكان، وهنا لا توجد اتفاقيات أو معاهدات، لأنه لم يبقى هناك وجود للخصم، فقد تم إفناءه ومحوه من الوجود، ويلخص الكاتب هذه الفكرة قائلا: "فالانتصارات التي سحقت الخصم لا ينتج عنها معاهدات سلمية" ص13.

معرفة السلم
في هذا الفصل يقدم لنا الكاتب حقيقية ومفهوم السلم، بعيد عن المراوغة والخداع، فيحلل لنا حقيقته، موضحا أسباب وجوده، ويبدأ بالحديث عن حجم وكمية ونوعية التفكير التي تأخذها الحرب والسلم، فيقولك " إن الحرب كانت تحتل دوما في مجال التفكير، مكانا أوسع بكثير مما يحتله السلم" ص18، لن نأخذ هذا الكلام على انه حقيقة مطلقة، فمن حقنا التفكير فيه، وسنحاول اخذ شواهد من واقع منطقتنا العربية تحديدا. فمازلنا نحتفل بذكرى معركة اليرموك والقادسية وحطين، وهذا يشير إلى أننا ما زلنا نحلم بتحقيق بإنجازات عسكرية، كما نجد الروس والغرب رغم ما يدعونه من العمل من أجل السلم والعيش الآمن، نجدهم ـ في الخفاء ـ يتسابقون على اقتناء وامتلاك السلاح الجديد والمتطور، ويقول الكاتب عن هذه الظاهرة: "يكون السلم الحقيقي قائما عندما تكون الحرب مشتعلة في مكان آخر" ص19، وهذا القول ينطبق تماما على دولة الاحتلال.
فهل توقفت دولة إسرائيل عن التزود بالعتاد والمعدات الحربية بعد اتفاقية كامب ديفيد؟، هل توجه إيران بعد اتفاقية السلم مع العراق إلى البناء والعمران فقط، أم توجهت إلى العسكرة والتطور الحربي؟، اعتقد بان الواقع يختلف تماما عما نسمعه من كلام، فلكلام (السلم)، لكن الواقع هو الحرب، وهذا ما يوضحه لنا الكاتب.
بمعنى يكون السلم مفروضا على كافة الأطراف، عندما يشعرون بأنهم يشكلون خطرا متوازيا فيما بينهم، وهذا ما عرفناه في القرن الماضي بما سمية "بالحرب الباردة" بين الاتحاد السوفييتي والغرب.
ويقول : "إن خطوط الحدود الدولية رسمت بفعل الحرب" ص19، هذا على صعيد الجغرافيا، أما على صعيد المجتمعات البشرية : "حتى أن الحدود الروحية التي فصلت بين الكنائس والديانات رسمت هي أيضا، في معظم الحالات، بفعل الحرب" ص19، إذن الحرب هي شكلا من أشكال الفرز الايدولوجيا بين البشر، وهي التي حددت جغرافية كل ديانة أو ايدولوجيا.
هجرة العرب من اسبانيا ا كانت بفعل الاضطهاد الديني الذي لاقوه على يد الأسبان، فكان لا بد لهم من الهجرة إلى بلاد يستطيعون فيها القيام بشعائرهم الدينية دون خوف أو تهديد، هل تكون الحرب قدمت للجماعات المتشابهة فكريا حالة التجمع والانسجام، رغم ما حملته من خراب وقتل وتشرد، وهل تخدم المجتمعات الإنسانية بهذا التوليف فيما بينها؟!.
وفي هذه الحالة يكون الواقع كما يلي :"وهكذا يمضي كل شيء كما لو أن كل مرحلة سلم هي في الواقع مرحلة تثبيت النتائج التي فرضها نزاع مسلح سابق" ص20، إذن الحرب ليست شرا مطلقا، والسلم ليس خيرا مطلقا، فلكل منهما حالته التي يجب أن تدرس وتفهم ضمن هذا السياق، فحقيقة الواقع، هي أن الحرب هي الأساس الذي يتعامل به البشر فيما بينهم، وما السلم إلا احد أشكال ونتائج تلك الحرب.
صور تاريخية واقعية
يقول الكاتب بان معظم احتفالات الشعوب تكون بذكرى الانتصار على الخصم، بذكرى الحرب التي هزمت الآخر، وجعلتنا نسترح ـ قليلا ـ فها هم الروس يحتفلون إلى غاية اليوم بذكرى الانتصار على الفاشية، وها هي دولة الاحتلال تحتفل بعيد (الاستقلال)، وهنا نحن العرب نحتفل بمعركة أكتوبر 1974، بينما لا احد منا أو من الآخر يحتفل بعقد معاهدة أو اتفاقية سلام، فالحرب هي الهاجس الأكبر في تفكير الإنسان : "وتتم اكبر احتفالات الشعوب، بشكل عام، في ذكرى المعارك الكبيرة" ص23.

إقامة السلم
على دعائم اجتماعية
يقوم السلم بعد الحرب، ومن ثم يكون الفرز الديني أو العرقي بين المتحاربين، فيتكون مجموعة لها شكليا أو نوعا عرقيا ـ قوميا ـ أو فكريا مختلف عن الآخرين ومنسجم في داخله، فلوجود حالة السلم لا بد من هذا الفرز القومي أو الفكري، وكما تقول الماركسية "بوحدة وصراع الأضداد" يكون هذا الشكل من الفرز يحمل في داخله بذور الصراع من جديد، فأي خطأ داخلي أو أزمة يتم نسبها للتآمر الخارجي، وكأن الخارج هو الوعاء الذي يوضع فيه كافة الأخطاء والنكسات، "عندما يصدمنا عمل اجتماعي ولا نجد له حلا، فان أول ردة فعل لنا هي البحث عمن نحمله مسؤوليته، إننا نتحلل من أخطاء جهلنا بصب اللعنات والتجريم على الغير، إن العقلية البدائية جاهزة دوما لتبرز في الرجل المتحضر" ص21، هذا الكلام قاله أيضا هشام شرابي في كتابه "مقدمة لدراسة المجتمع العربي" الذي قال في عن التبرير، والعجز والإتكالية، فكل الأخطاء يتم تحمليها للخارج، وجعل الذات ضحية للمآمرة الاستعمارية، فإذا تعثر بعير في العراق قلنا التآمر الاستعماري والصهيوني، وإذا ثقب عجل عربة نقول الاستعمار والصهيونية من يقف وراءه، هكذا يكون حال الصراع.
لكننا نحن العرب نعاني من عجز وعدم فاعلية، فلا خوف على أعداءنا منا أبدا، فنحن امة أقوال فقط، نفرغ من خلال كلامنا، الذي نعتبره كافيا ووافيا، لكن عند الأمم الأخرى، كما هو الحال عند الإيرانيين، فنجدهم يقرنون الأقوال بالأفعال، وها هم يشكلون قوة إقليمية يحسب لها إلف حساب، وهنا يكون السلم قد بدأ يعود إلى حقيقته، إلى من أوجده ـ الحرب ـ "فان إعطاء الشعوب نوعا من السيادة في حقوق قدسية، لا تجزأ أو تمس، سوف يزيد في تمسكها بها، ويصبح من المستحيل عليها قبول أي انتقاص منها، سواء أكان ذلك لصالح اتحاد كونفيدرالي أم لصالح بناء دولة عظمى" ص30، النزعة الذاتية، إن كانت قومية أم ايدولوجية تعمل على جعل الصراع يأخذ منحى القوة، هذا ما نجده يحدث الآن بين إيران والغرب.

إقامة السلم
على دعائم حقوقية
إقامة الدول العظمى أو الاتحادات الكبرى، يعد احد وسائل السلم، بحيث يختفي العديد من الصراعات بين تلك التشكيلات المتحدة أو المتحالفة، وهذا يعتمد على الحفاظ ـ بنسب ـ معينة متفق عليها بين المتحالفين أو المتحدين، وهنا تكون الحقوق التي يكتسبها كل طرف تعد اتفاقا لتحقيق واستمرار الهدوء داخليا، لكن بين هذا التشكيل والخارج تكون حالة صراع، لان حقيقة المسألة وجوهرها يكمن في الصراع والنزاع والحرب، فلا وجود لتحالف ـ مهما بلغ من القوة ـ يستطيع أن يحافظ على كافة مصالح المجتمعات بنفس النسبة، من هنا لا بد من فهم هذه المعادلة، "لقد نجحت كل خطط السلم، أو ساهمت في القضاء على نزاع ما أو على سبه، لكن خطط السلم لم تتمكن من القضاء على الحرب ذاتها.
...لان خطط السلم، مثلها مثل النزعة السلمية التقليدية لا تعالج الأسباب الاجتماعية التي تشكل القوام الدائم للحرب وإنما تعالج المظاهر التاريخية والمرحلية للحرب.
هذا ما يحملنا على الاعتقاد بان الحرب ليست هي الأداة التي اعتمدتها المسببات لتفجيرها ولكن، على العكس، كانت تلك المسببات مبررات لشن الحروب دوريا" ص43، الكاتب ما أن يبتعد عن الحديث عن الحرب، حتى يعود إليها، فهي الفعل المستمر والسرمدي في تاريخ البشر، لا وجود لمفهوم السلم إلا إذا فهمنا الحرب، فهي من يتحكم في الأحداث والمصائر.


وقاية السلم
بالعمل والعقائد السياسية
العلاقة بين السياسية والحرب كالعلاقة بين السلم والحرب، قد يبدو بان الحرب هي نتيجة الخلافات السياسية بين المتحاربين، لكن حقيقة الأمر، إن السياسية هي ناتج وتابع للحرب، فلا توجد سياسية بدون حرب، وهنا لا بد من التذكير بالحالة الفلسطينية والعربية، فكل الحروب التي شنت كانت تدفع بتشكيل سياسي ما، شكل سياسي يتناسب مع مصالح الآخرين، وهنا لا بد من الإشارة إلى ما يجري في العراق وما يطلق عليه (العملية السياسية) كلنا يعلم بان ما يجري فيه لا يعد أكثر من نتائج للحرب التي انتصرت فيها أميركيا على العراق، حتى أن التركيبة السياسية تم وضعها من قبل "مبريمر" الحاكم المدني للعراق، وها هم السياسيون يدخلون فيما رسمه لهم الأمريكي "مبريمر" متناسين بان الحرب هي من أوصلت العراق إلى ما هو عليه من تشرذم وتفتت، طبعا هذه الحالة تنطبق على ليبيا والسودان والصومال واليمن وسوريا.
"وهناك اتجاه عام لتحميل النظام السياسي مسؤولية الهزيمة، ولا تقتصر المسؤولية على الهزيمة وحسب، بل على مسؤولية الحرب، ويتهم النظام بأنه لم يعرف كيف يصون السلم، بصورة ايجابية أو سلبية" ص45، البحث في النتائج وتجاهل المسببات، الاهتمام بالشكل وإهمال الجوهر، التفكير بالحالي وإلغاء من شكله أو ممن تشكل، كل هذا يعد كمن يبحث عن الهواء في الماء، فلا مجال لوجوده أبدا، حقيقة الهزيمة، وما آلت إليه الأوضاع بعدها، يعود أساسا إلى الحرب التي كانت حاضرة، وإن لم نشاهدها بأم أعيننا، فنحن غافلين عنها، لم نفهم حقيقتها، فهي كانت ومازالت قائمة، وان بدت غير ظاهرة لنا، "...لان بنيان الدولة التقليدي آلة الصنع الحرب بصورة خاصة، ولهذا السبب، تشترك الأنظمة السياسية في النقطة التالية: فهي تحارب، ولأنكى من ذلك، تصل هذه الأنظمة الساسية إلى الحرب دائما، من خلال أكثر النوايا، والتحولات، تنوعا، واختلافا، وليست المشكلة سوى مسألة مراحل متتابعة، فالحرب هي الشيء الوحيد الذي تستطيع كل الأنظمة السياسية خوضه بدءأ من أكثر الأنظمة جمودا وقدما، إلى أكثرها جدة وتحسينا، إن إعداد الحرب أسهل بكثير من إشادة السلم وتنظيمه" ص46، من هنا نفهم ما جرى في العراق وسوريا وليبيا واليمن والسودان، وما الحرب الأخير على غزة إلا مسألة تقع ضمن هذا السياق، كافة الدول تعمل بالحرب، وان أخذت هذا العمل شكل السلم، فحرب هي المسببة لكل ما بعدها، سلم، سياسية، اقتصاد.
ينقلنا الكاتب إلى عقيدة الحرب وكيف تم تطويرها، فقد واكبت تطور المجتمعات الإنسانية، فكلما تقدم هذه المجتمعات فكريا وحضاريا وثقافيا، تم تقدم مفهوم الحرب.

ضياع السلم
ثلاث عقد مولدة للحرب
هناك ثلاث نظريات حربية تنشئاها المجتمعات للاستمرار في تثبيت كيانها ولردع الآخرين، الأولى تسمى عقيدة إبراهيم، والتي تتمثل في"نزاع الأجيال، والوعي الغامض بالبنية المتفجرة بصورة خاصة، أي وجود فائض من الشباب يتجاوز مطالب الاقتصادية، ويخلق توترا حادا في المجتمعات، من شأنه تنمية الروح العدوانية الجماعية" ص138، وهذه أقدم نظرية وضعها البشر، فهي التي سادت في العصور القديمة، أيام السومريين والأكاديين والبابليين والأشوريين والفينيقيين واليونانيين والرومان، حيث كان الفائض من الرجال يزج بهم في الحروب، وهذه النظرية تماثل التضحية التي أقدم عليها إبراهيم عليه السلام عندما طلب منه التضحية بابنه، ففي كلتا الحالتين يتم زج الأبناء إلى الموت برضا وقناعة الأب بصواب وضرورة هذه الخطوة.
ومع تنامي المجتمعات تم تطوير هذه النظرية بحيث أصبح تمثل التضحية بأبناء ورجال المجتمعات الأخرى، ويوضحها الكاتب كما يلي "أن شعار لن تقتل أبدا" إنما أصبح يعني "انك لن تقتل أبدا رجال قبيلتك أو عشيرتك" ص106، فهنا تم تحويل الصراع من الداخل إلى الخارج، فهناك حضر وتحريم الاقتتال الداخلي، وتحويله إلى صراع مع الخارج.
أما النظرية الثانية فهي "الكبش أو الفداء" "فهي التركيز على عدو محدد، عدو داخلي أو خارجي ينتقل إليه إثمنا ونسقط عليه شياطيننا الداخليين" ص138، وهنا يتطور مفهوم الحرب بصور عامة، إلى إيجاد صراع مع طرف بعينه، مثلا الصراع الذي نشأ بين المسلمين والصليبيين، الصراع الدائر بين الفلسطينيين ودولة الاحتلال، مثل هذه الصراعات تنطلق من مفهوم وجود عدو لدود، عدو نحن في صراع ابدي معه، صراع وجود، لا مجال إلا القضاء والإجهاز عليه.
وهذا العدو نحمله كل الأخطار والعوائق التي تعترضنا، مما يؤدي إلى إشعال الحمية في النفوس، وهنا يأخذ الصراع شكل ـ التعصب الأعمى ـ فلا يرى في الآخر ـ سوى عدو يجب القضاء عليه.
والنظرية الثالثة "ديموقلس" والتي يقول "بتنمية الإحساس بعدم الأمن، والتهديد الماثل دوما" ص138، وهذه النظرية تطبق حرفيا في دولة الاحتلال الإسرائيلي، فهي تربي المجتمع الصهيوني على مفهوم الخطر الخارجي الدائم، فاليهود في دولة الاحتلال، يشربون فكرة الخطر والتهديد وعدم الاستقرار مع الماء، ويستنشقونها مع الهواء، بحيث نجد هاجس الأمن عندهم يفسد عليهم التعامل الإنساني مع الفلسطينيين.
ونتيجة هذه الفكرة يكون هذا الوضع هو السائد "يعزز الخوف من العدو ويقوي التحام الدولة وتماسكها بصورة أفضل من كل الالزامات الاجتماعية، كما يقوي الوئام في صفوف الشعب، والانضباط، والحماسة، والولاء للحكم" ص138، ليست دولة الاحتلال تطبق هذا المفهوم بكل دقة؟ فبعد أن استنفذت كل مفاهيم الديمقراطية اتجاه العرب، أمست دولة عنصرية بامتياز، لا مجال للتعايش الفلسطيني معها أو فيها، فهي بالإضافة إلى فكرة "ديموقلس" المتمثلة بالخوف والتهديد والخطر، يتم إضافة فكرة عنصرية، طائفية، تتمثل بشعب الله المختار، وهنا نستدل باستحالة التعايش مع هكذا مجتمع، ولا بد من القضاء على التركيبة الفكرية التي نشأ عليها، لكي يعود أفراد هذا المجتمع إلى الحاضنة الإنسانية.
رائد الحواري



#رائد_الحواري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رواية -المهزوزون- عبد الله البيتاوي
- -امام المرآة- فاروق مواسي
- من شعر معين بسيسو
- -عودة الروح- توفيق الحكيم
- الإبداع الفلسطيني
- -أودنيس وعشتروت- فؤاد الخشن
- الغباء العربي
- -آه يا بيروت- رشاد أبو شاور
- القبيلة والعشيرة وفلسطين
- حلم
- إلى الامام
- -تحت سماء الجليد- جاك لندن
- بيروت جمعتنا وغزة شتتنا
- -رواية جنون الأمل- عبد اللطيف اللعبي
- -بحيرة بين يديك-محمد عفيف الحسيني
- -ما وراء النهر- طه حسين
- الوحدة والتجزئة
- -سأكون بين اللوز- حسين البرغوثي
- خلط الاوراق
- في انتظار المخلص


المزيد.....




- نيابة مصر تكشف تفاصيل -صادمة-عن قضية -طفل شبرا-: -نقل عملية ...
- شاهد: القبض على أهم شبكة تزوير عملات معدنية في إسبانيا
- دول -بريكس- تبحث الوضع في غزة وضرورة وقف إطلاق النار
- نيويورك تايمز: الولايات المتحدة تسحب العشرات من قواتها الخاص ...
- اليونان: لن نسلم -باتريوت- و-إس 300- لأوكرانيا
- رئيس أركان الجيش الجزائري: القوة العسكرية ستبقى الخيار الرئي ...
- الجيش الإسرائيلي: حدث صعب في الشمال.. وحزب الله يعلن إيقاع ق ...
- شاهد.. باريس تفقد أحد رموزها الأسطورية إثر حادث ليلي
- ماكرون يحذر.. أوروبا قد تموت ويجب ألا تكون تابعة لواشنطن
- وزن كل منها 340 طنا.. -روساتوم- ترسل 3 مولدات بخار لمحطة -أك ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - رائد الحواري - -السلم المسلح- غاستون بوطول