أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رائد الحواري - -عودة الروح- توفيق الحكيم















المزيد.....

-عودة الروح- توفيق الحكيم


رائد الحواري

الحوار المتمدن-العدد: 4540 - 2014 / 8 / 11 - 23:32
المحور: الادب والفن
    


"عودة الروح، الجزء 2" توفيق الحكيم

ما دفعني لتناول هذا العمل الروائي هو حديث سابق لغالي شكري يتحدث فيه عن تأثر جمال عبد الناصر بهذا العمل، وأيضا تراجع توفيق الحكيم عن طرحه الفكري في "عودة الروح" من خلال كتاب "عودة الوعي" الذي يدعو فيه إلى استخدام العقل، شكليا، وبمحتوى متخلف.
الكتاب من إصدارات مكتبة مصر، يتناول الحكيم في هذا الجزء علاقة حب تنشأ بين مصطفي ابن صاحب المصنع وبين "سنية" وفي ذات الوقت يقع في حبها المراهق "محسن" ابن الإقطاعي، الكاتب استطاع أن يثبت مقدرته على السرد والانتقال من حدث إلى آخر، ومن مكان إلى مكان، وهو بلا شك كاتب متقن لفن الكتابة، لكن المسألة الفكرية والتي من المفترض أن تأخذ المساحة الأكبر، لما لها من أهمية لجذب انتباه المتلقي، لا أنها كانت مقتضبة وجاءت من خلال الحوار الذي دار بين باحث الآثار الفرنسي "فوكيه" المتعاطف مع المصريين، وبين الانجليزي "بلاك" الذي لا يرى في مصر والمصريين سوى مكان للنهب وللتخلف، وبالشعب المصري ليس سوى قطيع من الأغنام.
كما قدم لنا الحكيم مجموعة من الأحداث والسلوكيات التي تشير إلى الفجوة الطبقية والاجتماعية الكبيرة في المجتمع المصري، خاصة عندما تحدث عن عزومة أبو محسن للانجليزي والفرنسي.

صور للتفاوت الطبقي في المجتمع المصري
مصر في عهد سلالة محمد علي عاشت في ظل نظام إقطاعي يعد من أسوء الأنظمة التي شهدتها مصر على مر التاريخ، فقد وصفه لنا رفعت السعيد هذا النظام في كتابه "الثورة العرابية" وها هو الحكيم يعطينا صور عن هذا النظام البغيض والجائر بحق الفلاح المصري وبحق الإنسان، "وجاءت "الست" يتبعها زوجها و"محسن"، وما نظرت إلى طبق الخبز البلدي على المائدة حتى صاحت:
ـ الله! ... فين العيش"الفينو"؟
فغمغم احد الخدم :
ـ مفيش!... فزمجرت الست:
ـ نسيت تجيب عيش "فينو" معك من "دمنهور"؟... كويس قوى.. وأنا آكل إيه دلوقت؟..
ـ إزاي عايز توكلنا عيش من بتاع الفلاحين يا راجل يا مغفل؟! ..
ـ دا عيش يا ست .. خبيز النهارده! وامراتي خبزاه بإيدها خصوصي علشان حضرتك!..
فصاحت به: ـ بلاش قرف!.. أنا آكل عيش من ده؟!... امشي ابعث واحد فلاح حالا يروح يجيب لي عيش إفرنجي من "دمنهور"
...
ـ بس جنابك تعرفي إن الفلاح من دول بيشقى في الغيط من الساعة 5 صباحا، وما بصدق تيجي ساعة الظهرية، لأجل يرتمي تحت شجرة يستريح بعض شي!..
ـ ما شاء الله! .. يستريح بعض شي؟ ... الفلاح يستريح؟ ... من إمتى العز ده؟!..
ـ مش بني آدم يا جناب الست؟!
ـ امشي بلاش دلع!... قوم حالا واحد فلاح يجيب عيش من "دمنهور"، وإلا وحياة أبويا الكرباج ينزل على عمتك دي.. جنس فلاح..." ص26و27، بهذه الطريقة كان يعامل الفلاح، ونعتقد بان هذه الصور تركت أثرا في نفس عبد الناصر الذي ما أن استلم الحكم، حتى عمل على إلغاء النظام الإقطاعي في مصرن ووزع الأراضي على الفلاحين بعد أن انتزعها من القطاعين، فمثل هذا التفاوت الطبقي والهوة الساحقة بين طبقات المجتمع، كان لا بد من القضاء عليها لبناء مجتمع متحضر، فبدون العدالة الاجتماعية والاقتصادية لا يمكن بناء مجتمع مدني عصري.

صور من حياة الفلاح المصري
حياة الفلاح المصري كانت تتسم بالإنتاج والاهتمام بالأرض والثروة الزراعية والحيوانية معا، فحياته مرتبطة بالأرض وكأنه وأنعامه والأرض يشكلون وحدة إنتاج واحدة، وأيضا يقدمون صورة التوحد في الإنتاج والاجتماع، فالفلاح والأرض والدواب هم وحدة اجتماعية اقتصادية واحدة، يدخلون في عملية تفاعل ويشكلون شكلا ونوعا فريدا لعلاقة الإنتاج، فهي تختلف وتتباين مع ما هو متعارف عليه أوروبيا، وهذا ما أسماه ماركس "نمط الإنتاج الآسيوي".
"فرأى رحبة صغيرة مغطى نصفها بسقف من حطب القطن والأذرة الجاف، ثم قاعة صغيرة!... رأى أن تلك القاعة إنما هي قاعة النوم لأصحاب الدار. فإذا بها فرن وفوق الفرن حصير وأغطية، إلا أنه رأى كذلك في ركن منها بقرة أمامها جمل برسيم، وبين رجليها الخلفيتين عجل رضيع يشب إلى ضرعها...
غير أن ما أدهش "محسن" أنه شاهد بجانب العجل الرضيع طفلا رضيعا أيضا ـ لعله ابن صحاب الدار ـ وهو يزاحم العجل ويدفعه على ضرع البقرة، والبقرة ساكنة هادئة لا تمانع هذا ولا ذاك، وكأنها لا تفضل أحدهما على الآخر كأنما العجل والطفل كلاهما ولداها.."ص34، هذه الصورة لم يصورها ـ حسب علمي المتواضع ـ أحدا بالمطلق، وهي تؤكد الوحدة التكاملية بين الفلاح والأرض والدواب، فهم يشكلون أنموذج فريدا نادرا، ليس له مثيل أبدا.
البقر كانت تشكل السند الاقتصادي للفلاح، فهي التي تعطيه الحليب ومشتقاته، وهي من تساعده في السقاية، وأيضا من هي يحمل الغلال من الأرض، وينقلها إلى حيث يريد، فالبقر لم تكن مجرد حيوان بل شيء أكثر واكبر مما هو، فالعلاقة التي رسمها لنا الكاتب كانت تؤكد على أن العلاقة الأخوية هي السائدة بين الفلاح وبين البقرة، من هنا نجد هذه الصورة التي تكمل الوحدة الاجتماعية الاقتصادية في مصر "فرأى جماعة الفلاحين آتين من قلب غيط البرسيم، وهم يحملون جاموسة تحتضر، النساء خلفها يبكين، طن "محسن" بادئ الأمر أن هذا الصخب والعويل، ولا شك على أحد مات أو حدثت له مصيبة، ... فسألهم، فقالوا له : إنها عن جاموسة دار "عرجاوي" ظهرت عليها أعراض التسمم الآن، فعالجوها بالذبح، وهم يعزون صاحبها فيها، وبدا على الجميع حزن وكآبة كأنما الميت إنسان!..
الكل يقبل على الشراء بغير مساومة ولا مماطلة، كأنما يرون واجبهم ليس في التعزية الكلامية، بل في تهوين الخطب على صاحبها بجمع ثمنها وإعطائه إياه تعويضا له عن فقدها... إنهم ليسو كأهل البندر قوم كلام، والمشاركة في الحزن ليست محض عبارات تقال، بل المشاركة الفعلية تخفيف الخطب بان يضحي كل منهم بجزء من ماله في سبيل الآخر" ص36و37و38، عراقة كل مجتمع تكمن في تفرده في علاقته الإنتاجية والاجتماعية، ومن هنا يكون التفرد والتميز، بهذه العلاقة التي قدمها لنا الحكيم، كان يقول لنا بان مثل هذا المجتمع المتكامل مع الطبيعة والمتكافل مع بعضه البعض لا بد أن يكون متميز أيضا في تركه أثرا في الحضارة الإنسانية، من هنا كانت الأهرامات التي تعد إحدى عجائب الإنتاج الإنساني، والتي يقول عنها الباحث الفرنسي "إنه حلم فوق مستوى البشر، قد تحقق مرة على هذه الأرض ولكنه لن يعود أبدا" ص55.
مصر جنة الأرض
يقال بان العراقي والمصري من أكثر الشعوب تمسكا بوطنهم، فينما كانوا يذكرون وطنهم بالخير، "عمار يا مصر، دجلة الخير" وكأن الطبيعة الريفية تشكل إحساسا لا يمحى من الذاكرة في العراقي والمصري.
الكاتب يقدم لنا جنة الأرض مصر بهذه الصورة "فتح "محسن" عينيه في فجر اليوم التالي على زقزقة العصافير، ورأى بوادر الصباح والشمس تشرق وكل ما حوله ينتعش في هدوء، فأشرقت نفسه وانشرح صدره، ونهض إلى النافذة ففتحها في هدوء، فإذا الحقل الأخضر والسماء الزرقاء، والطيور والنور، كلها تبتسم في سكون، فأحس في أعماقه الأول مرة جمال الحياة، وأدرك الأول مرة ذلك الرؤى المنتظم لمخلوقات الطبيعة وكائناتها الهادئة... وتولد عنده شعور مبهم خفي بان الخلود إن هو إلا امتداد كهذه اللحظة..!" ص38، إذن يكمن السر وراء تعلق المصري بوطنه بما تتركه الطبيعة من أثر في نفس المصري، فهنا لم يكن التأثير مادي وحسب، بل هناك تأثير روحي، هو الأهم والابقى، لأنه يعطي النفس التأمل بما حولها، فيتحرك الفكر في فضاء الطبيعة، ومن ثم يتقدم إلى التماهي معها، وهنا يكون الإنسان والطبيعة قد انصهرا معا.

الفرق بين المجتمع المصري والأوروبي
الكاتب يقدم لنا تميزا ايجابيا للمجتمع المصري على نظيره الأوروبي، فرغم مظاهر العبودية والتخلف للمجتمع، إلا انه يحمل في داخله الطبيعة المصرية الخلاقة، التي قدمت للبشرية العديد من مظاهر التمدن والتحضر، فالمصري كأنه وجد ليكون متميزا في عطاءه للحضارة الإنسانية، فها هو الأثري الفرنسي يقول عن المصريين " إني أؤكد أن هؤلاء القوم يحسون لذة في هذا الكدح المشترك!... هذا أيضا هو!... الفرق بيننا وبينهم، إن اجتمع عمالنا على الألم احسوا جراثيم الثورة والعصيان وعدم الرضا بما هم فيه، وإن اجتمع فلاحوهم على الألم أحسوا السرور الخفي واللذة بالاتحاد في الألم، ما أعجبهم شعبا صناعيا غدا!!" ص57، الخصوصية مسالة مهمة لأي مجتمع، فهي من تجعله متميز عن بقية المجتمعات، فرغم اشتراك العديد من المجتمعات الإنسانية في العديد من المسائل، إلا أن الخصوصية والتفرد يعطي المجتمع أفقا للإبداع، ولا مجال لتقليده من الآخرين، وهنا تكمن أهمية الخصوصية، التي تمهد للعالمية، فالخصوصية تكمن أهميتها بعدم ضياع الجوانب الاجتماعية الفريدة في المسألة الأممية، إلا أنها تكون مكملة وداعمة للإنسانية.

طريق الخلاص للوصول إلى الإبداع
زبدة الكتاب تكمن في هذا القول، الذي جاء على لسان الفرنسي:"ـ اجل "مستر بلاك" لا تستهين بهذا الشعب المسكين اليوم، ؟ إن القوة كامنة فيه، ولا ينقصه إلا شيء واحد!...
ـ ما هو؟
ـ المعبود!..
نعم ينقصه ذلك الرجل منه الذي تتمثل فيه عواطفه وأمانيه ويكون له رمز الغاية... عند ذاك، لا تعجب لهذا الشعب المتماسك المتجانس المستعذب، والمستعد للتضحية إذا أتى بمعجزة أخرى غير الأهرام!" ص59، الأثر الذي حاول عبد الناصر أن يجعله حقيقة في المجتمع المصري، فقام ببناء أضخم سد "السد العالي" وحاول التقدم بالمجتمع المصري إلى قيادة العالم الغربي، وعمل على تقدم مصر في كافة نواحي الحياة، لكن ...!
رائد الحواري



#رائد_الحواري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإبداع الفلسطيني
- -أودنيس وعشتروت- فؤاد الخشن
- الغباء العربي
- -آه يا بيروت- رشاد أبو شاور
- القبيلة والعشيرة وفلسطين
- حلم
- إلى الامام
- -تحت سماء الجليد- جاك لندن
- بيروت جمعتنا وغزة شتتنا
- -رواية جنون الأمل- عبد اللطيف اللعبي
- -بحيرة بين يديك-محمد عفيف الحسيني
- -ما وراء النهر- طه حسين
- الوحدة والتجزئة
- -سأكون بين اللوز- حسين البرغوثي
- خلط الاوراق
- في انتظار المخلص
- رواية -عين الدرج- عباس دويكات
- الفرق بين الحالة السورية والحالة العراقية
- رواية -نجمة النواتي- غريب عسقلاني
- -هواجس الاسكندر- أكرم مسلم


المزيد.....




- مصر.. الفنانة غادة عبد الرازق تصدم مذيعة على الهواء: أنا مري ...
- شاهد: فيل هارب من السيرك يعرقل حركة المرور في ولاية مونتانا ...
- تردد القنوات الناقلة لمسلسل قيامة عثمان الحلقة 156 Kurulus O ...
- مايكل دوغلاس يطلب قتله في فيلم -الرجل النملة والدبور: كوانتم ...
- تسارع وتيرة محاكمة ترمب في قضية -الممثلة الإباحية-
- فيديو يحبس الأنفاس لفيل ضخم هارب من السيرك يتجول بشوارع إحدى ...
- بعد تكذيب الرواية الإسرائيلية.. ماذا نعرف عن الطفلة الفلسطين ...
- ترامب يثير جدلا بطلب غير عادى في قضية الممثلة الإباحية
- فنان مصري مشهور ينفعل على شخص في عزاء شيرين سيف النصر
- أفلام فلسطينية ومصرية ولبنانية تنافس في -نصف شهر المخرجين- ب ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رائد الحواري - -عودة الروح- توفيق الحكيم