أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمود عباس - ما بين الله الإيزيدي والإسلامي














المزيد.....

ما بين الله الإيزيدي والإسلامي


محمود عباس

الحوار المتمدن-العدد: 4548 - 2014 / 8 / 19 - 12:02
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


الإله المجرد من الأديان الإنسانية في بعده الروحي الصوفي كلي الكمال، والتوحيد بمطلقه يشمل كل الأديان الكونية الجارية، كثيرا ما جرده الأنبياء والفلاسفة من الكمال، وقيموه على سوية الفكر البشري، فقزم فيه التوصيف، متلكئين في تعريفه، وأول ما أحاطوه به، اضفوا عليه الصيغة الذكورية، وتشعبوا بالبحث فيه وعن صفاته وخصائصه، فكثيرا ما غابوا في تجسيده هناك في الكون، إما لقزامة الفكر الإنساني، أو عدم التطور في اللغات البشرية والتي لا ترقى لوصف الإله الكوني الأوحد، فكانت بداية إسقاط الألوهية بكماله عن الصفات الملائمة للإله الخارج عن نطاق المعرفة البشرية، وهذه أيضا لمحدودية العقل البشري أمام ماهيته الشاملة يحيط بكونٍ لا قدرة للإنسان في تحديد أبعادها إلا بثلاث أو رابعها الزمني، والإله في الكون ولا نهائية أبعادها لاشك يحمل أكثر من الأبعاد الإنسانية. والشك في هذا لا يبرء الأنبياء من شملهم ضمن الشك الكلي، فالحيرة الإنسانية حملها البعض على دائرة قناعات ذاتية أو ربما تخمينات إلى حد القناعة ولهذا يقال حديثا ليس من المهم أن تقتنع بالنصوص الدينية على أنها إنسانية أو إلهية، بل المهم أن يكون هناك الإيمان المسبق بها قبل البحث في جدلية الصح والخطأ في النص، أو ماهية الإله كما يعرضه الأنبياء، وتبقى مع ذلك الروحانيات كالفلسفات محاطة بالبعد الإنساني للإنسان، وتعاليم فرضتها أدمغة جردت ذاتها عن المحاط بصوفية.
الإلهين أو الآلهة الذين خلقوا بأنماط تابعة لأخلاقيات كل أمة، عرضهم أنبياء الشعوب بنصوص كسند يحددون فيها ماهية إلههم الخاص، أو إله شعبه، والذي يحمل صفات وخصوصيات تلك الأمة، ومن مهام مقدمات النص الأولي خلق الإله الخاص بصفات قريبة من أخلاقيات ومفاهيم وثقافة تلك الأمة، وعليه ظهر آلهة متنوعة بصفات مختلفة، أو مجسدة الوجوه الإنسانية المتعددة للإله التوحيدي الكلي. فكان الإله العنفي الجهادي الذي يعكس صفات الصحراء، أو صفة الشعوب المغيرة أبدا لتأمين استمرارية العيش، والقادر على القتل تحت صفات كان سابقا لسلب من أجل العيش، تغير إلى السلب تحت صفة الجهاد، أي نقل السلب من الرغبة الإنسانية إلى أمر إلهي، وشرائع الصراع بين قبائل تريد السيادة إلى صراع من أجل سيطرة فكرة ومبدئ لعشيرة تكومت حولها متجاوزة انتماء الدم، وهنا كان الاختلاف، والانتقال من التجسيد المادي حيث الدم إلى الروحانية أو الصوفية في بعضه، والإسلام يعكس هذه الأبعاد بكليتها وإلهه يحمل القساوة مع الرحمة، قساوة الصحراء مع المهادنة أم قساوته، فالقتل مبرر والسلب له نص، والعنف بكل أبعاده ضد المرأة أو حتى الطفل لله فيه حكمه، والإله هو إله القادم من تكوين نبي الأمة الإسلامية أو إله الصحراء والقبائل العربية، وهو الإله الذي طور حسب متطلبات تطور الدولة الإسلامية وتأويلات الرسل المختفين تحت عباءة المشايخ القادرين على سرد الفتاوي والتحويرات الملائمة لغاياتهم، فظهر الإله الذي يغتال كل معارض كما في زمن حسن الصباح، والذي أباح المجازر الجماعية في عصر الحجاج، أو الإله الذي نقل معظم صفات النبوة من محمد إلى آل علي، وفي كل طفرة كان الإله الإسلامي اشد قساوة وأوسع إجراما للحفاظ على الملك والحكم، ورافق كل هذا التبرير الإسلامي بتأويلات نصوصه لكل أنواع القتل، مثلما يحدث اليوم ويتبرأ البعض الإسلامي منه، إما تحت صبغة الجهاد، أو إعادة الإسلام إلى مساره الصحيح، أو ضد المرتدين أو إدخال الكفار إلى دين الله ليذهبوا إلى الجنة وهم مسلمون.
وبالمقابل هناك وعلى أرض ليست ببعيدة عن الظهور الإسلامي، وفي زمن سبقه بقرون عديدة، ظهر إله الإزداهيين، الإيزيديين، بصفات روحية، لا يحمل السيف، ولا يعرف للجهاد معنى، انغلق على ذاته بقدسية لصوفية خاصة بعد انتشار في زمن ما، يبحث عن الرحمة والتألف والهدوء والسكينة، راضيا بروح كونية، مسالما، يبشر بنصوص تنقل الإنسان إلى خارج التجسيد، وتبحث عن نقاء الروح بطرق مشابهة لنيرفانا، وتحاكي الأخر بحديث ليس للجهاد فيه وجود، والقتل لا دين له عند الله الإيزيديين، عالمه حيث السلام والمحبة، لا يتعرف (الأزدا) إله الإيزيديين على معاني إرضاخ الأخر لعبادته، فهو كلي التوحيد وغني عن عبادة الإنسان، بلغ مدارج القناعة بالأنا الكافية بذاتها، وترك الأخرين لواقعهم وإلههم، ولإله الإيزيديين في هذا تأويلات متدرجة، وصلت من أعماق التاريخ القديم، وعاصر أزمان وحضارات وإمبراطوريات، بعضها كانت غارقة في الإجرام والكفر وكل أنواع الجهاد الملطخ بدماء الإنسانية. ملهمي هذا الإله خلقوا الدين بروحانية فيه من الخلوة والسلام إلى الذات ومع الذات، في عالم صوفي يسود فيه الصفاء والنقاء والهدوء مع رب يحيط به كجمال الطبيعة المحاطة.
لا مقارنة في ماهية الإلهين، من أبعادها الفلسفية أو في علم الكلام، أو في أبعاد الرؤى النصية لماهية الإلهين في ذاتهما، فقد وفَى في هذا بعمق الكاتب هوشنك بروكا في إحدى أبحاثه، بل ومعها الأديان الإبراهيمية الثلاث، وهي الأديان التي خلقها أحفاد إبراهيم الخليل. والمقارنة هنا بين عنف إله وسلام إله، أو الإله الذي يسود بجهاد وقتل ومجازر، والإله الذي يكتفي بذاته مع سلام وروحانية وقناعة بالمحاط دون طغيان وسيادة على البشر، إله نبي يخلق من لدن تأويلات نصوصه بين فترة وأخرى طغاة ومجرمون ومستبدون، وإله مخلوق آخر يرعى شعب مسالم يريد الحياة في ذاته ويعيش مع الآخر بصوفية فيها السلام والهدوء بكليته، مدموجة ما بين الإلهية والإنسانية.
فالله الذي نبع من لدنه 74 فرماناً، وسالت فيها دماء وحدثت مجازر، وشردت الألاف من النساء والأطفال وسبيت فتيات، يقابله الله الذي لم يقتل أو يسلب أو يسمح بسبي أو بجهاد دموي. إلاهان مخلوقان مختلفان، فأيهما يحتضن الجنة وأيهما النار؟ إن كان هناك لهما وجود كما هو في العالم الافتراضي الإنساني.

د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
[email protected]



#محمود_عباس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- يحسدون هولير على الدعم الأمريكي المقنن
- كردستان تتلاحم
- ينبعث البعث تحت غطاء داعش
- السلطة السورية توقظ معارضة الداخل
- عندما تتقاطع اسلام الشيعة والسنة
- خداع تحت قبة برلمان إقليم كردستان
- ما يجمع بين مجرمي قادة الشيعة والسنة
- لماذا لا تنضب منابع الطغاة في شرقنا (الجزء الثاني)
- الولايات المتحدة الأمريكية لا تعارض استقلال كردستان
- لماذا لا تنضب منابع الطغاة في شرقنا (الجزء الأول)
- استقلال كردستان ثورة
- هل ستنتهي مهمات فقاعة داعش (الجزء الثاني)
- هل ستنتهي مهمات فقاعة داعش (الجزء الأول)
- النقد المتهاون لا يزكي ثقافة الكرد (الجزء الثاني)
- النقد المتهاون لا يزكي ثقافة الكرد (الجزء الأول)
- مقايضة القوى الكردستانية على غرب كردستان
- لعنة السلطة السورية في غرب كردستان
- التخوين نهج أم فلسفة؟ (الجزء الثاني)
- التخوين نهج أم فلسفة؟ (الجزء الأول)
- حليمة رجعت إلى عادتها القديمة


المزيد.....




- المقاومة الإسلامية في العراق تقصف 6 أهداف حيوية إسرائيلية بص ...
- -أهداف حيوية وموقع عسكري-..-المقاومة الإسلامية بالعراق- تنفذ ...
- “بابا تليفون.. قوله ما هو هون” مع قناة طيور الجنة الجديد 202 ...
- المقاومة الإسلامية بالعراق تستهدف قاعدة -عوبدا- الجوية الاسر ...
- “وفري الفرحة والتسلية لأطفالك مع طيور الجنة” تردد قناة طيور ...
- “أهلا أهلا بالعيد” كم يوم باقي على عيد الاضحى 2024 .. أهم ال ...
- المفكر الفرنسي أوليفييه روا: علمانية فرنسا سيئة وأوروبا لم ت ...
- المقاومة الإسلامية بالعراق تستهدف ميناء عسقلان المحتل
- المقاومة الإسلامية بالعراق تقصف قاعدة -نيفاتيم- الصهيونية+في ...
- أبسطي صغارك بأغاني البيبي..ثبتها اليوم تردد قناة طيور الجنة ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمود عباس - ما بين الله الإيزيدي والإسلامي