أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حسن خضر - استشهاد المواطن المُسن..!














المزيد.....

استشهاد المواطن المُسن..!


حسن خضر
كاتب وباحث

(Hassan Khader)


الحوار المتمدن-العدد: 4534 - 2014 / 8 / 5 - 13:28
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


أصل الحكاية: مُخبر صحفي كسول، أو ربما لا يملك الوقت الكافي لإعادة النظر في ما يكتب، أرسل خبراً إلى وكالة أنباء محلية عن مقتل فلسطيني في غزة في غارة إسرائيلية فكتب: استشهاد المواطن المسن (فلان).
وبما أن الكثير مما يتبادله الناس في أربعة أركان الأرض من أخبار، وأفكار، ومواقف وتعليقات، وانطباعات، وتحليلات، ونصوص "إبداعية"، يعتمد تقنية القص واللصق، فقد نشرت الخبر نفسه، بالمفردات نفسها، إضافة إلى اسم الشخص المعني، صفحات لا تحصى على الإنترنت، ونشره أشخاص على صفحات التواصل الاجتماعي، وغرّدوا به على تويتر، ونشرته جرائد، ووكالات. وربما ورد في نشرة متلفزة.
المقصود أن تقنية القص واللصق وصفة مضمونة لبلادة الذهن، وتبلّد الإحساس، وعطالة العقل. فقد كان من الممكن تحرير الخبر، وصياغته بطريقة جديدة. وهذه التقنية، بالمناسبة، ليست سمة من سمات الأزمنة الحديثة، بل سمة لازمت الإنسان منذ ظهوره على ظهر البسيطة، ومنذ ظهور اللغة، وحتى قبل اكتشاف الأبجدية والكتابة.
الطريف في الأمر أن القص واللصق قبل اكتشاف الأبجدية والكتابة، غالباً ما وقعا بطريقة مبتكرة، نتيجة ألاعيب الذاكرة، أو جنوح الخيال الإنساني وميله إلى المراوغة واللعب. وهذا، من حسن حظ البشرية، فتح المجال واسعاً لولادة وتوليد الأساطير. أما الأبجدية فأسهمت في تقييد العقل، طالما أننا نستطيع العودة إلى النص الأصلي، إذا اختلف الرواة. والرواة، بالمناسبة، هم الأداة الاجتماعية المعنية والموكلة بعملية القص واللصق، التي اعترفت بها مجتمعات وثقافات وذكرتها تواريخ كثيرة.
المهم، ثمة علاقة بين تقنية القص واللصق (وهي كما قلنا تاريخية، وسمة ثقافية ملازمة للإنسان) والأيديولوجيا. فمن يعتنق أيديولوجيا مُعيّنة يعتقد بأنه يمتلك أداة لفتح مغاليق الكون، وما استغلق من مشاكل اجتماعية وسياسية، وثقافية، وإنسانية (وما شئت) ولكنه لا يفعل في الواقع أكثر من القص واللصق. قص أفكار شائعة، وإعادة لصقها.
أذكر، في سبعينيات القرن الماضي (وليس في القرون الوسطى) جماعة يسارية كانت تعادي في أدبياتها ما تدعوه بالثرثرة الحزبية، وتحذّر من مخاطرها وشرورها، بكثير من التسامي والاستنكار، كما يحذّر الوعّاظ من مرض الإيدز. بمعنى آخر، وصريح العبارة: كانت تعتبر قص "موقفنا" ولصقه، الوظيفة الأسمى للكادر الحزبي، الذي يحظر عليه استخدام عقله، فهو مجرد ناقل للموقف السياسي باعتباره خلاصة معرفة لا تحتمل التساؤل، أو التفكير المستقل، وإعادة النظر. وهذا موقف ديني في الجوهر.
يمكن الاستطراد في هذا السياق، بكل ما فيه من تحريض على تأمل الكوميديا السوداء، والكلام عن العلاقة بين الشمولية وتقنية القص واللصق، وكذلك الأمر بين مجتمع الاستهلاك (الذي يخلق إنساناً من بعد واحد) والتقنية نفسها.
ولكن ما يعنينا يتمثل في العلاقة بين تقنية القص واللصق، وانفجار وسائل وتقنيات وأدوات الاتصال، والحصول على المعلومات، في العالم. فما كان مقتصراً في وقت مضى على مجتمعات وشرائح بعينها بعينها، أصبح سمة سائدة على صعيد العالم كله، بفضل الكومبيوتر، والآيفون، والإنترنت، وتويتر، والفيس بوك، وما لا أعرف مما سيظهر غداً من برامج وابتكارات جديدة.
ثمة مليارات من المفردات في صفحات، واتصالات، لا تحصى. ومع ذلك، إذا اجتهد أحد في غربلة تلك المليارات سيجد أن الجديد والمُبتكر، والفردي، والمستقل فيها قليل، وما عدا ذلك قص ولصق. وهذا مخيف بشكل خاص عند التفكير في الطريقة التي يتشكّل بها الرأي العام، وفي طريقة الأفراد، وحقهم، في الحصول على المعرفة.
ومخيف أكثر عند التفكير في حقائق من نوع أن ثمة ثقافات تمثل تقنية القص واللصق بطانتها العميقة، وجهاز مناعتها الخاص، الذي مكّنها عن عبور قرون طويلة دون تحوّلات جذرية. وفي هذا السياق تبدو الثقافة العربية مرشحة طبيعية للفوز بالمركز الأوّل. وبهذا المعنى، ليس من قبيل المصادفة أن يكون القص واللصق أكثر شيوعاً في وسائل الاتصال والتواصل والتعبير باللغة العربية منه في لغات أخرى. انظروا إلى الجريدة، والتلفزيون، والفيس بوك والتويتر بالعربي..!!
كان من الممكن تفادي الآثار الكارثية لأمر كهذا (فكروا في انهيار العالم العربي، واشتعال النار في سفينة تغرق، وطفح مجاري التاريخ كلها دفعة واحدة) لو نجح مشروع التنوير العربي، ولكن هذا لم يحدث. ولسنا بصدد الكلام عن الأسباب التي حالت دونه، كل ما في الأمر أن تقنية القص واللصق تسهم في تعطيل وعطالة العقل.
لهذا السبب، وبقدر ما يتعلق الأمر بالحرب في غزة وعليها، تبدو الأفكار النقدية أقل إن لم نقل غائبة، من المقصوص والملصوق. وكل ما في الأمر، أيضاً، أن شخصاً كسولاً، أو لا يملك ما يكفي من الوقت، كتب عن استشهاد مواطن مسن، فقص خبره وألصقه ما لا يحصى من الناس دون تفكير أو تدبير. فمن يقص لا يقرأ، ومن لا يقرأ يستسهل اللصق. وفي الحالتين ثمة ما هو أبعد من استشهاد المواطن المُسن.



#حسن_خضر (هاشتاغ)       Hassan_Khader#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بطولة الناس العاديين..!!
- تفصيل صغير في مشهد الخليفة..!!
- أحبتْ يهودياً، وما علاقة محمود درويش بالأمر؟
- مريض بالقلب وميكانيكي سيّارات!!
- الحق والبطلان في الفرق بين أتاتورك وأردوغان..!!
- هل الأرض كروية..!!
- عن غزة واستراحة المُحارب..!!
- حروب داعش والغبراء..!!
- المصالحة والمصارحة..!!
- غارسيا ماركيز في غزة..!!
- ربحنا باكستان وخسرنا الهند..!!
- عن العلمانية وأسلوب الحياة..!!
- كل يسار وعشائر وأنتم بخير..!!
- سورية: حرب مفتوحة وأفق مسدود..!!
- محمود درويش ومعرض الكتاب في الرياض..!!
- القليل منها يشفي القلب..!!
- حماس، أسئلة في فضاء مفتوح..!!
- أهلاً، يا نجلاء، في البيت..!!
- خلاف حماس والأونروا..!!
- في جينات العرب مضادات حيوية..!!


المزيد.....




- -الشيوخ- الأمريكي يوافق على حزمة مساعدات لأوكرانيا وإسرائيل ...
- مصرية الأصل وأصغر نائبة لرئيس البنك الدولي.. من هي نعمت شفيق ...
- الأسد لا يفقد الأمل في التقارب مع الغرب
- لماذا يقامر الأميركيون بكل ما لديهم في اللعبة الجيوسياسية في ...
- وسائل الإعلام: الصين تحقق تقدما كبيرا في تطوير محركات الليزر ...
- هل يساعد تقييد السعرات الحرارية على العيش عمرا مديدا؟
- Xiaomi تعلن عن تلفاز ذكي بمواصفات مميزة
- ألعاب أميركية صينية حول أوكرانيا
- الشيوخ الأميركي يقر حزمة مساعدات لإسرائيل وأوكرانيا وتايوان ...
- واشنطن تدعو بغداد لحماية القوات الأميركية بعد هجومين جديدين ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حسن خضر - استشهاد المواطن المُسن..!