كما هو معلوم، أذاع البارحة السيد محمد سعيد الصحاف وزير الإعلام العراقي خطابا عن الرئيس العراقي جاء في بعض منه ما يلي: (( ،، فلقد وجدنا انا ورفاقي في القيادة تحت القول عسى ولعل لنتجنب في العراق ونجنب اخواننا في الكويت التشويش وخلق الذرائع ،،، ولتعرفوا الحقيقة واضحة مثلما هي وتقفوا الموقف المنصف ،، فقد خالف المسؤولون الكويتيون مقررات مؤتمر بيروت ،،، ثم حفروا الابار النفطية بشكل مائل عند خط الدوريات الذي وضعته الجامعة العربية بحيث يؤثر هذا التصرف سلبيا على حقولنا النفطية في الجنوب ،، ثم طالبوا بالمعونة المالية اليسيرة التي قدموها في القادسية ،، ثم أغرقوا السوق النفطية حتى وصل سعر البرميل إلى 7 دولارات،، وواجهوا دعواتنا بعدم الاكتراث ،،، ولم نصل إلى تفسير مقنع الا عندما بدأت التمارين العسكرية المشتركة في الكويت باشراف الاميركان عام 1989 تلتها في شباط عام 1990 شهادة نورمان شوارزسكوف امام الكونغرس الاميركي في شباط ان هناك حاجة الى زيادة الوجود العسكري الاميركي في منطقة الخليج محذرا من قدرة العراق ،،، ولقد وقعت في ايدينا صور لتلك الخطط والفعاليات العسكرية التي اعد لها الاميركان والمسؤولون في الكويت وعندها اصبح الدور الذي رسمه الاميركيون للكويت بالتخطيط المشترك مع حكامها واضحا فتسارعت الاحداث وما رافقها من خطر داهم واستفزازات مستمرة لا تنبىء بامل حل الامور بالطرق السياسية ،،، وتحت حساسية واهمية الدفاع عن النفس وحماية كل ما هو عزيز وقعت احداث الثاني من اب اغسطس عام 1990 ،، ولو كان الأمريكان صادقين بانهم جاؤوا ليحرروا الكويت من جيش العراق مثلما اعلنوا لانسحبوا من الكويت وقالوا انهم سيعودون للدفاع عنها لو حاول العراق دخولها مرة اخرى ولكنهم احتلوا الكويت ونشروا جيوشهم في دول خليجية اخرى وزادوا ذلك ومعه نفوذهم فيها مع الزمن ،،،، ونحن نعتذر الى الله عن اي فعل يغضبه سبحانه وان كان قد وقع في الماضي مما لا نعرف به ويحسب على مسؤوليتنا ونعتذر لكم على هذا الاساس ايضا ))
وعليه:
اولا: إن كان ولابد من الإعتذار، فيجب أن يكون هذا الإعتذار لا إلى الله سبحانه، وإنما إلى ضحايا تلك الحرب الضروس التي راح ضحيتها الأخضر واليابس، والتي سنبقى نعاني من تبعاتها حتى المستقبل البعيد. لا يجب الإعتذار إلى الله سبحانه، ليس بخسا بحقه، إنما لله معاييره وهو لا يقبل الإعتذار وإنما الأعذار والديات والتوبة النصوح. وعلى عاتقكم تقع ديات الضحايا العراقية (على الأقل) وبإمكانكم التعويض وأرصدكم غير المجمدة تربوا على السبعين مليارد دولار.
ثانيا: وإن كان ولابد من الإعتذار للشعب الكويتي، فليكن كاملا غير منقوص بالتدخل في شؤونه الداخلية بتحريضه على حكومته. ثم إني لم ألحظ شيئا مهما في الخطاب بحيث يمكن إعتباره من الأسرار التي يتحتم صيانته كل هذه الفترة. فكل الفقرات معلومة ومكررة على لسان الصحافة العراقية حصرا، فلم تأخر هذا الإعتذار؟
ثالثا: لابد من الخروج من قوقعة التعالي على الغير ولابد من الإعتراف بأن للآخرين عقولا وتستطيع التفكير المنفرد بلا تدخلات من ( العقل المركزي ) أو ( القيادة العليا ) أو ( الأب القائد ) أو ( رجالات الثورة ) وما إلى ذلك من مفاهيم بلت، وكانت أصلا بالية.
رابعا: إن الشعب الكويتي ليس بالشعب الجاهل لتملى عليه طريقة تفكيره. ولا تنقصه الوطنية والشعور بالمسؤولية تجاه القوى الأجنبية لنرشده إلى النضال وكيفيته. وهو، وحالما أفاق من هول الصدمة ورأى النتائج على الواقع، بدأ أول الأمر بساند الشعب العراقي ضد الحصار الجائر، بينما قيادات معارضة عراقية عملت وطالبت بتشديد هذا الحصار. ومع كبر حجم المخابرات الأمريكية على الأرض الكويتية بحيث يكاد يقترب عددها من عشر أضعاف مخابرات حكومة الكويت، ها هو هذا الشعب الذي كان بالأمس منعما خامل الذكر ها هو يحمل السلاح ويضرب القوات الأمريكية ببأس، إن بأحداث فردية هذا اليوم فغدا بجماعات بلا شك.
خامسا: نحن والشعب الكويتي وبقية الشعب العربي نعلم موقف الحكومة الكويتية وعائلتها المالكة. ونعلم العداء الذي شكّلت عليه هذه العائلة تجاه القضية العراقية، وأنها هي التي تقدم المبررات للغزو، وهي التي أوصلت الأمور حد منع بعض المسلسلات لوجود ممثل عراقي فيها. لكن لماذا ننكر على الحكومة الكويتية وعائلتها المالكة هذا السلوك بينما حكومتنا وعائلتنا المالكة(!) صاحبة الريادة فيه، وأية ريادة؟!
سادسا: كل ما يقوله الخطاب عما سبق الثاني من آب 1990 صحيح. من خلق الذرائع وتحضيرات شوارزكوف والصور الجوية ،،الخ. والصحيح أيضا أن العراق وفي نهاية شهر مايو (قبل 3 أشهر من الإجتياح) أرسل بعثات إستطلاع عسكرية من قادة كبار وبملابس مدنية إلى الكويت بذريعة إستقبال شحنات تجارية. وقد وصلت هذه الشحنات بالفعل، فأبقيت منها سبع أو ثمان شاحنات في عنابر ميناء الكويت حتى حين، بينما هي تحتوتي إجهزة إنصات ومتابعة تعمل على البطاريات لمراقبة تحرك القوات الأمريكية والإيرانية معا. مثلما حدد هؤلاء القادة (المدنيين) مواقع تمركزهم اللاحقة، أي أنهم إطلعوا مسبقا على خريطة حية لنقاط التجمع. بما معناه أن العراق لم يفاجأ بقرار الحرب ولم يفاجأ بالمخطط وقد أعد هو لها أيضا. والتظلم من غير هذا مرفوض.
ثامنا: إن التظلم من مطالبة حكومة الكويت بما أسهمت به في ما يسمى بالقادسية، مرفوض هو الآخر. فما الذي ورط العراق بهذه الحرب ولحماية ما سماه الإعلام العراقي وقتها ( حماية بالبوابة الشرقية ) * من الذي ورط العراق بهذه الحرب، الرئيس أم أناس إستغفلوه؟! وحتى الطفل الآن يعرف أن هذه الحرب أقيمت لإستنزاف قدرات العراق وإيران، وقد خطط لها بشكل دقيق وبارع، والذنب ليس على من خطط لها فهو مستعمر ويريد إحتلال المنطقة، لكن الذنب على من إنساق لها وقدم بلاده وأبناء شعبه قربانا.
تاسعا: كانت حكومة الكويت معادية للشعب العراقي وما تزال وستضل هكذا، والغزو قادم وستكون الحكومة الكويتية أحد عناصره مجبرة أم طائعة. فما هي الإحتياطات، وهل سنعود ونتظلم عن دورها فيه!
عاشرا: صحيح أن الأمريكان لم يأتوا لتحرير الكويت وإنما (لقزوها) وإحتلالها، وهم لن يخرجوا منها ولا من المنطقة. أم إن الخطاب العراقي بنى تصرفه وتخطيطه على فروسية المعتدين؟! أو إنه لا يعلم حتى الآن أن الحرب خدعة! ومتى تصرف النظام بفروسية مع معارضيه وأعدائه؟
والسؤال الأخير والأساس هو: ماذا بعد؟
إن الغزو قادم والغزاة سيستعملون أقسى ما عندهم من حيل وأسلحة ودعايات. وهم قذرون بشهادة فيتنام وهيروشيما ونجازاكي ولبنان وغيرها، فهل إتعضنا من الماضي، أم إنه خبر عابر أذعناه قبيل العاصفة؟ ماذا فعلنا لدرء الغزو وهل ستستمر المعارك حتى أول خيمة صفوانية أم سيكون قتال الصادق المستميت هذه المرة ؟!
إن مأساتنا وخراب بلدنا وكل علتنا ليس بالإمبريالية الأمريكية او ليس بها وحدها على الأقل، وإنما بك أنت يا سيادة الرئيس وبالقيادة من حولك، فهل تتجرّا وتواجه المسؤولية وتتخلى عن موقعك أو على الأقل تخرج عن واحديتك؟! هنا الفروسية!