أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - نوري المرادي - ومضة اليأس














المزيد.....

ومضة اليأس


نوري المرادي

الحوار المتمدن-العدد: 278 - 2002 / 10 / 16 - 03:15
المحور: اخر الاخبار, المقالات والبيانات
    


 

عادة ما يحمل المنظور الفلسفي عوامل نكوصه. فهو يبني أطره الأساسية على رؤى معرفية معينة، ما يلبث التراكم المعرفي المضطرد أن يبين عدم صحتها جزئيـّا أو كليّا. أو على الأقل عدم كونها المفتاح السحري المنشود. لذا، ما أن يبدأ هذا المنظور بالإنطلاق حتى تبدأ أسباب إرتكاسه على نفسه، بالتراكم، ليس نتيجة لخطأ إنما هو ديدن التطور والتوصل المضطرد إلى قناعات ومعارف جديدة.

وكمثال على هذه الحال، الفلسفة الماركسية، التي تبنّت النظرة العلمية البحتة، فطرحت أبلغ التفسيرات الكونية وبنت عليها قوانين إجتماعية صادقة. لكن التطور المعرفي لا يمهل. وأكتشفت الماركسية ذاتها قوانين كونية جديدة كالكوانتية والهندسة اللاإقليدية ونظرية الإنفجار الكبير، فطرحت الشك على مسلمات االماركسية ذاتها المستندة إلى معارف القرن التاسع عشر. وحيث قولب الشكل الستاليني هذه الماركسية بتابو شديد لا يجوز نقده أو تعديله ولو بشكل طفيف، حيث فعل هذا، وضع هذا المنظور نفسه والماركسية في تناقض تام مع قوانين الماركسية نفسها، وأهمها قانون الجدل بمسلماته الثلاث (نفي النفي، وحدة وصراع المتناقضات، التغير الكمي التراكم الكمي يؤدي إلى تغيير نوعي). وواضح أن جوهر هذه المسلمات هو الحركية الدائمة، الحركية التي أجبرها الشكل الستاليني على التوقف في مكانها، فوضع نفسه أمام طريق واحد لا ثاني له، وهو الإستمرار بقوة الفرض إلى ما لا نهاية. وهو ما لا يحدث لأن القوة الفارضة مهما كبرت وإتسعت فلن تحتوي كل المجتمع وكل الوقت. وهكذا إرتكست التجربة الماركسية السوفيتيية على نفسها، وأي نكوص.

وحين يرتكس، منظور مّا فينقلب بعض معتنقيه على أنفسهم. وسيكون ذلك الإنقلاب شديدا وجذريا، بحيث تنقض تقريبا كل القناعات السابقة. هذا في الوهلة الأولى للإنقلاب، لكن بعد حين يظهر أن هذا الإتقلاب لم يكن الحل المنشود للمعضلات التي عجز عنها المنظور المرتكس أو المنقلب عليه. لذا تعود لتبرز من جديد بعض أسسه ولكن مخلوطة بطروحات الإنقلاب الجديد والواقع المحيط.

وبين فورة الإنقلاب ومراجعة النفس، تظهر حالتان مجردتان أمام العين:

الأولى: هي خصال منظري المنظور المرتكس، النفسية مجردة أمام العين. وأخطرها على الإطلاق، هو مدى إيمانهم بما كانو ينظرون له. أي هل كانوا صادقين أم نظروا بقناعة المؤلفة قلوبهم. فمن كان صادقا يبقى يحاول ويعيد النظر عسى ولعله يجد ما ينقذ الحال. بينما المؤلفة قلوبهم، وتحت وازع الإفلاس المرعب، يعرضون أنفسهم لخصم كنظورهم السابق كبوليس مخنك مثقف وأية ثقافة. وأحيانا يصل بهم الإفلاس حد الهسترة والتهديد الذي هم حقيقة أذل من أن يفعلوه. وعلى هؤلاء حصرا يصدق وصف برناردشوا عن سقوط الرجل.

والثانية: هي ما يجوز تسميتها ((نداء الإستغاثة)) أو ((صحوة الموت)) أو بصورة أكثر عقلانية (( ومضة اليأس )).

ولتمثيل هذه الحالة، لنتذكر شتاءات أيام زمان حين كنا نجلس محيطين بموقد الحطب نتدفأ. ولابد وراقب أحدنا عود حطب يشتعل. فإشتعاله يبدأ بدخان وفرقعة بسبب التبخر الفجائي لرطوبته وخروجها من مسامات صغيرة، ثم بعد جفافه الآني يشتعل بصورة طبيعية ويعطي نارا ونورا، ثم يبدأ يتحول إلى رماد مع بصيص في آخره يلوح تحت الرماد، يبدأ بالتوهج الحاد حتى البياض، ثم ينطفئ فجأة.

وتوهج البصيص وبلوغه البياض، مبرر فيزيائيا. فالرماد يحول دون تسرب الحرارة الناتجة من الإحتراق الداخلي للبصيص إلى الخارج، لذا سترتفع درجة حرارة كتلته المتبقية بشكل متسارع فيتحول إحمراره إلى بياض، ثم وحين يكتمل إحتراق كتلة البصيص، أي حين ينتهي مصدر الطاقة، يهفت البصيص جملة، وكأنه ومض ومضته النهائية متعلقا بأهداب البقاء. لكن هيهات.

وكذلك الحال حين يصل تطور منظور ما أقصاه ثم يبدأ بالإرتكاس على نفسه فيتخطّاه المجتمع. فتبرز لحظة ينشط فيها هذا المنظور ويتوهج، فيبدو أنه عاد إلى سابق مجده لكنها هنيهة وحسب، ما يلبث بعدها إن يرتكس ركسته النهائية، لتنغلق عليه مجموعة ما يتخطّاها التطور، فتصبح بحكم الطائفة المنزوية نسبة إلى الكتلة البشرية الكبرى المقادة دون حول من قبل أسباب وعوامل التطور المعرفي.

وهكذا الحضارات، وهكذا الأمم. تبدا ثم تسود ثم يكتنفها الرماد بعد أن إستهلكت عوامل بقائها، ثم تنهض هنيهة، ثم تتبدد نهائيا أو تنزوي في أحد أركان التاريخ البشري.

 

                                        الدكتور نوري المرادي

                                        مالمو   السويد



#نوري_المرادي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شـَمـَاتـــة
- دكتاتورية البروليتاريا
- الى السيد عمرو موسى رئيس الجامعة العربية!!
- موت في المِهجر!!،،،
- سلاما آل البيت!!،،
- الدمع المراق لِما رسمته كُندليزا للعراق!!،،
- ما هي خلفيات هؤلاء حقيقة؟
- ديدن الجاهل!!
- الرد على تشبيه المدلسين
- السيد الفاضل إبرهيم عبد الفتاح المحترم
- الإعتراف بالجرم!!
- تبدِّل الأفعى جلدها وليس دخيلتها!!،، هل ثابوا أم هو وازع الط ...
- التحالف مع اليسار حرام والتحالف مع أمريكا وإسرائيل حلال!!
- ثوابت الحزب الشيوعي العراقي (( الكادر الحزبي )) الوطنية!،،
- السيد مرشد الجمهورية الإسلامية آية الله روح الله على خامنآي ...
- ما نؤآخذ الحكيم عليه


المزيد.....




- -حماس- تصدر بيانا بشأن تطورات مفاوضات وقف إطلاق النار
- بعد مرور عام.. المئات يحيون ذكرى ضحايا أول حادث إطلاق نار في ...
- أمريكا تُقر بقتل مدني عن طريق الخطأ في غارة جوية بسوريا بدلا ...
- ما تأثير حرب إسرائيل وحماس على الأردن؟
- البيت الأبيض: بايدن يستقبل العاهل الأردني -الأسبوع المقبل-
- زعيم حركة 5 نجوم الإيطالية: ماكرون ارتكب خطأ فادحا بدعوته لإ ...
- بوريل يعلن أن الولايات المتحدة فقدت مكانتها المهيمنة في العا ...
- -حماس- تعلن توجه وفدها للقاهرة بروح إيجابية للتوصل إلى صفقة ...
- -حزب الله-: ضغط بايدن على إسرائيل نفاق ومحاولة لتلميع صورته ...
- ردا على وزير الآثار الأسبق.. أستاذ فقه بجامعة الأزهر يؤكد وج ...


المزيد.....

- فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال ... / المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
- الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري ... / صالح ياسر
- نشرة اخبارية العدد 27 / الحزب الشيوعي العراقي
- مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح ... / أحمد سليمان
- السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية ... / أحمد سليمان
- صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل ... / أحمد سليمان
- الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م ... / امال الحسين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - نوري المرادي - ومضة اليأس