في ندوة صحفية، وإثر عودته من أمريكا، تحدث رئيس
وفد المجلس الأعلى للثورة الإسلامية عبدالعزيز الحكيم عما ناقشته المعارضة
العراقية(!) هناك. وعلى سؤال من صحيفة (الرأي العام) الكويتية حول وثيقة عن التسليح
العراقي قدمها المجلس الأعلى للثورة الإسلامية إلى المسؤولين الأمريكيين، أكد رئيس
وفد هذا المجلس عبدالعزيز الحكيم، أنه شخصيا من سلّمها إلى المسؤولين الأمريكيين،
وأضاف بالحرف: (( الوثيقة من 16 صفحة وتتحدث عن إستعمال الأسلحة الكيميائية في ظروف
خاصة وهي في غاية السرية وتمكنا من الحصول عليها من محفظة النظام السرية وبعد دراسة
الخبراء من قبلنا لهذه الوثيقة، تأكد لنا إحتمال إستخدام نظام صدام لهذه الأسلحة ضد
الشعب )) وعلى سؤال آخر من إذاعة صوت الثورة الإسلامية العراقية عن الفدرالية،
أجاب: (( نحن لا نرفض الفدرالية، والقرار منوط بالشعب العراقي )) (صحيفة الشهادة
952) وحيث كان المدعو حامد البياتي سبق وصرّح قبل يومين من هذا إلى محطة ANN بتصوره
عن الفدرالية قائلا: (( فيدرالية شيعية في الجنوب وسنية في الوسط وكردية في الشمال،
والقرار منوط بالشعب العراقي)) فما الذي يعنيه هذان التصريحان وما الذي يخفيه
المجلس الأعلى للثورة الإسلامية للعراق وشعبه؟؟
قبل كل شيء يجب أن لا ننسى أن
علة واقعنا العراقي هي الدكتاتورية التي جلبت علينا الويلات. ولولاها ما برزت إلى
الوجود هكذا وجوه نصفها ضغينة ونصفها الآخر خيانة، للتصدر معارضات أباحت لنفسها
المحظور وما فوقه.
أما فيما يخص الموضوع أعلاه، فالظاهر أن جملة (القرار منوط
بالشعب العراقي) تقال عرضا وإسترسالا دون أن تعني شيئا. فعلى سؤال من السيد غسان بن
جدو في برنامج (حوار مفتوح - قناة الجزيرة)، عما إذا كان سيجيب الدعوة لحضور إجتماع
أمريكا + الستة، أجاب رئيس المجلس الأعلى للثورة الإسلامية محمد باقر حكيم قائلا:
(( نحن لم نقرر بعد، وسنعود إلى المكتب السياسي وقواعد تنظيماتنا وبعدها إلى الشعب
العراقي، الذي إذا ارتأي أن نجيب الدعوى فسنجيب ونذهب )) وبعد ثلاثة أيام فقط كان
مندوبه وأخوه وقرنه السياسي، قد وصل نيويورك على رأس وفد المجلس الأعلى هذا وملبيا
الدعوى. وقد أثنى السيد بباقر حسن صولاغ (بيان جبر) على هذا إلى محطة المنار قائلا:
(( لقد طرحنا الموضوع على الشعب العراقي، وعلى قواعدتنا التنظيمية والعسكرية،
فـأيدتنا بالذهباب إلى أمريكا فذهبنا ))
وحيث يمكن إفتراض أن السيد عبدالعزيز
ومرافقوه إحتاجوا ليوم واحد للحصول على التأشيرة وحجز التذاكر، فلابد أن السيد باقر
قد إجتمع بمكتبه السياسي وبقواعده الحزبية وبالشعب العراقي قاطبة خلال يومين، ونال
من هؤلاء جميعا تفويض بالذهاب إلى أمريكا. وهو الأمر الذي يمكن أن نقرأه كسيف ذو
حدين، كلاهما ينافي ما قال باقر. فلو تمكن في يومين فقط من جمنع حشر يتكون من مكتبه
السياسي وقواعده التنظيمية ومعسكراته وجميع الشعب العراقي وجادلهم بالشكل البيزنطي
المعروف عن نقاشات المعارضة. فأما إن هذا الحشر لا يتجاوز أصابع اليد، أو أن العراق
يعيش تحت حكم وفر له حالة من سرعة الإتصالات والديمقراطية المثالية والشفافية
المباشرة بحيث ناقشه باقر خلال يومين بشأن خطر كالتعاون مع أمريكا، الأحتمال الذي
يلغي مبررات النضال ضد هذا النظام كليا.
والحقيقة ليست هذا وذاك، بلها حالة
جديدة في فن السياسة. حالة ترافق تلك الأسماء المستعارة التي لا نعرف كيف نال
أصحابها شهادات يدعونها. فليس حامد البياتي إسما حقيقيا وليس بيان جبر إسما حقيقيا
وليس لديهما أية شهادة جامعية. ولا ننسى قبل هذا إدعاء المجلس الأعلى بأن أنصاره هم
الذين عوّقوا الإبن الأكبر للرئيس العراقي وأن لديهم فلما ثبوتيا بهذا. وربما هذه
هي الشفافية التي يدعونا إليها باقر.
أما التصور المطروح عن الفدرالية في
المجالس الخاصة وفي إعلام باقر، فهو أن تكون مبنية على الأساس الجغرافي. والتقسيم
الجغرافي والإداري يجمع محافظات البصرة والعمارة والناصرية وجنوبشرق السماوة ضمن
المنطقة الجنوبية للعراق. وهذه المحافظات إن سارت الأمور حسب تخطيط المجلس الأعلى،
ستكوّن الفدرالية الشيعية. وفيها كما يفترض سيمارس الشيعة حقوقهم التي أغتصبت منهم
كما يفترض خلال الحقبات الماضية، بما فيها السيادة الكاملة على أراضي الفدرالية،
وممارسة الحقوق الثقافية والعرفية والسياسية والطقوسية وغيرها. وهي حقوق ستكون
مكفولة بالقانون المحلي والدولي. وهو هكذا في العالم أجمع. فإذا حدث وتفدرل العراق
كما يريد باقر، فلنعد أنفسنا لحرب ضروس بين شيعة العراق وسنته! ذلك لأن كل العتبات
المقدسة الكبرى الشيعية ستكون تحت الإدارة السنية. ولو مارست الإدارة السنية حقوقها
السيادية بذات القدر الذي ستمارس فيه نظيرتها الشيعية، فسيكون لها الحق بإزالة أو
إهمال هذه العتبات، أو، وهو الإجراء الألطف، أن تحيي مناسبات ستراكم الضغينة تلو
الضغينة فالحرب تلو الحرب.
وهو ما يقع ضمن نسق سياسات وسلوك عائلة الحكيم في
العراق منذ الخمسينيات.
أما خبر الوثيقة فالصادق الوحيد فيه هو إعتراف عبد
العزيز أنه سلمها لأمريكا. فإدعاء الحصول عليها من محفظة النظام السرية، هو الآخر
ضمن الحالة العامة من فن السياسة الباقرية. فالأنظمة أيا كانت لها خزائن سرية وليس
محفظات. والأنظمة في عالم اليوم لا تخزن أوراقا بل أقراص حاسوب مشفرة بأصعب
الشفرات. ووثائق التسليح، بملحقاتها ورسومها وشروحاتها، التي تتعامل بها الدول وتحت
تهديد الحروب لا ولن تكون بهذا الحجم الصغير ( 16 صفحة فقط) الذي يدعيه. ومن هنا
فلابد أن الوثيقة التي عناها عبدالعزيز ليست غير تقرير معلوماتي بغض النظر عن دقته،
سلمه شخصيا لأمريكا. وحيث أقر بأنه يخص أسلحة الجيش العراقي، وأقر بتسليمه إلى جهة
أجنبية، وهي عدوة بلاده وعلى وشك أن تغزوها، أو تتخذ من تقريره مبررا لغزوها، بناءً
على هذا فقد أقر عبدالعزيز بالتجسس على وطنه وبخيانته الوطنية العظمى. فما هو الحكم
القضائي في مثل هذه القضية؟ ولنحتكم إلى أي قانون في العالم، سماوي أو وضعي بما فيه
قانون أمريكا!