...علمتَ شيئا وغابت عنك أشياءُ!

سليمان جبران

الحوار المتمدن-العدد: 4530 - 2014 / 8 / 1 - 19:26
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

...علمتَ شيئا وغابت عنك أشياءُ!
سليمان جبران
أبو نواس، الشاعر الفذّ، قال ذلك في سياق دفاعه عن شرب الخمر. لكنّه قول يصلح لكلّ زمان ومكان وإنسان: فقلْ لمن يدّعي في العلم فلسفة / علمتَ شيئا وغابت عنك أشياءُ. إذا التقيت بمن يزعم معرفة كلّ شيء فاعلم أنّه كاذب. على فطنة: كثيرون بيننا أيضا تبنّوا هذا المزعم الكاذب؛ الإحاطة بكلّ شيء، فوقعوا في مطبّات كثيرة وتبهدلوا!
القول المذكور يصلح في العلاقات بين الدول، وفي الحروب أيضا. دائما زعمت إسرائيل أنّها تعرف كلّ شيء، وعندها جواب لكلّ المستجدّات. كذب طبعا. تماما مثل "المثقّف" الملمّ بكلّ شيء.
لا ينكر تطوّر إسرائيل العلمي، وتفوّقها العسكري، إلا التيس. هذا سرّ قوّة إسرائيل، وما عداه من قصص وحكايات وبطولات في الحروب، كذب كلّه. حرب نفسيّة، يسمّونه في الصراعات الدوليّة.
في كلّ الحروب انتصرت إسرائيل، في النتيجة الأخيرة، على العرب. حتّى في حرب 73. لكنّها انتصرت عليهم دائما بأسلحة أرقى من الأسلحة العربيّة، وبطائرات أرقى من طائرات العرب بجيلين على الأقلّ. في فقرة معترضة: كبار السنّ بيننا يذكرون طبعا الصراع الطويل المرير بين إسرائيل ومصر عبد الناصر. كان "الرفاق" يبرّرون انتصار إسرائيل، وحضرتي كنت معهم أردّد ما يقولون وينشرون ، بتفوّق الطيّار الإسرائيلي على الطيّار المصري، والعربي طبعا. إلى أن طفر عبد الناصر ذات يوم، فطالب السوفييت بإرسال طيّارين سوفييت لحماية القاهرة والقناة. ماذا كانت النتيجة؟ أسقطت إسرائيل الطائرات السوفييتيّة بطيّاريها السوفييت أيضا. واقعة لا تُنسى، ولا يمكن أن تُنسى!
في كلّ حروب إسرائيل مع العرب، كانت إسرائيل أيضا تعرف عنهم أكثر ممّا عرفوا عن أنفسهم. المخابرات طبعا. صفحات التاريخ ملأى بالقصص والحكايات عن عملاء إسرائيل في الدول العربيّة. بعض هذه القصص نُشر، هنا أو في العالم العربي، وما لم يُنشر أكثر وأخطر، ربّما . المخابرات قوّة أيضا، وأيّ قوّة. لا تقلّ فتكا عن الطائرات! لسنا خبراء، لا في السياسة ولا في غرائب المخابرات المعاصرة. لكن ما نُشر ونعرفه جميعنا كاف ويزيد.
حتّى في الحرب الدائرة هذه الأيّام، للمخابرات الإسرائيليّة دور كبير لا ينكره إلا الجاهل أو الأبله. وإلا فكيف يعرفون البيوت كلّها، وتنقّلات "المطلوبين" كلّهم، حتى على دراجة في شوارع غزّة؟! ليسوا أنبياء، هناك من يزوّدهم بهذه الأنباء طبعا.
لكنّ حماس تعلّمت أيضا من أخطائها. من لا يتعلّم من أخطائه يكنْ تيسا، وحماس ليسوا تيوسا، خبثاء حتّى. لهذا السبب كانت هذه الحرب مفاجأة كبرى لإسرائيل: كيف حفرت حماس كلّ هذه الأنفاق، الطويلة العريضة العديدة؟ أين كانت المخابرات، والطائرات، والكاميرات، والأقمار الصناعيّة، والبنات وراء أجهزة المراقبة الفوريّة يقضين الليل ساهرات؟ ".. كلّ مسعى لمعرفة كلّ شيء أو فهم كلّ شيء، ستكون آخرته التحطّم على صخرة واقع تتغيّر مكوّناته بسرعة" - هذا ما كتبته هآررتس، بحقّ، في عددها الصادر اليوم، في الأوّل من آب.
بعد الحرب مباشرة ستقام في إسرائيل، في أغلب الظنّ، لجنة تحقيق. لجنة التحقيق هذه ستبحث سبب الفشل العسكري طبعا. لكنّها لن تفوَّض، أصلا، لاستخلاص ما يعرفه كلّ عاقل، دونما أبحاث طويلة ووثائق وشهادات: العاقل من يتعلّم من التاريخ، قبل أن يدفع الثمن دماء ودموعا. والتاريخ علّمنا: ما من قوّة تستطيع أن تستعمر شعبا إلى الأبد!
[email protected]

#سليمان_جبران (هاشتاغ)      

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل