أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - نوال السعداوي - مرض منتصف الليل. سر الإبداع!














المزيد.....

مرض منتصف الليل. سر الإبداع!


نوال السعداوي
(Nawal El Saadawi)


الحوار المتمدن-العدد: 4521 - 2014 / 7 / 23 - 09:06
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


فى منتصف الليل نهب من النوم، لأسباب مختلفة: المغص الكلوي، الألم المبرح لمنظر الدماء، القتل والغدر بالداخل والخارج؟ امرأة تتفحص الجثث وتصرخ ابني؟ رجل أعمال مضارب بالبورصة يفقد المليار. ويصرخ، الأب العائل الوحيد للأسرة يساق للسجن، والأم المعيلة بائعة الجرجير تقتلها سيارة بالطريق، والأخ أو الأخت تصاب بالسرطان أو الزهايمر.
وبعض الناس تهب منتصف الليل بوجع آخر، يشبه ألم المخاض قبل الولادة، لا تعرفه إلا الأمهات والكاتبات والكتاب المبدعون. وكان الإبداع يحمل أسماء مختلفة: الهوس، الهذيان، الجنون، أو مرض منتصف الليل، بلغة الأطباء المتخصصين فى الأمراض العصبية والنفسية.
لم أدخل فى حياتى مكتب وزير الثقافة، بالبديهة أو ما يسمى الحدس أو الحاسة السادسة أو بقرون الاستشعار. وقد أدركت أن الثقافة الحقيقية مثل الحب والإبداع والتمرد والثورة كلها لا تخضع لتوجيهات السيد الوزير أو السيد الرئيس أو الجهات العليا، فلا شيء يعلو على العقل الإنسانى المبدع للأفكار الجديدة العظيمة التى تغير عقول الناس وحياتهم وأخلاقهم وسلوكهم الى الأفضل والأعدل والأكثر حرية وجمالا.
ربما نحتاج وزارة للتجارة، من أجل التحكم فى جشع التجار الغريزى وشهوتهم اللا محدودة للربح والمضاربات، وبشرط أن يكون وزير التجارة والعاملون معه من غير التجار ومن غير عاشقى حرية السوق، وقد نحتاج لوزارة الصحة من أجل التحكم فى جشع الأطباء وتعطشهم للدم، وبشرط ان يكون وزير الصحة والعاملون معه من غير الأطباء أو الحانوتية والجزارين. ولسوء حظى أصبحت طبيبة بشرية، واضطررت للعمل ثلاثة عشر عاما مع خمسة أو ستة من وزراء الصحة، انتهت باستقالة من سطر واحد كالآتي: صحة الناس ربما تتحسن لو ألغيت وزارة الصحة.
الشعب المصرى ليس الشعب الوحيد المنكوب بحكوماته ووزاراته، فالمشكلة عالمية، لها جذورها التاريخية فى الحضارة الطبقية الأبوية التى بدأت بفكرة معادية للعقل تقول ان المعرفة خطيئة، وتمت إدانة المرأة المبدعة لأنها قطفت الثمرة المحرمة،
ورثت وزارات الثقافة فى بلادنا (والعالم) هذه الفكرة المعكوسة المدمرة للبديهة، فالمعرفة فضيلة الفضائل، كلما تزود العقل بالمعرفة ازداد إبداعا. وكلما اقترن الإبداع بالحرية ازداد جمالا ومعرفة، وهل يمكن لعصفورة مخنوقة بحبل أن تغرد بصوت عذب؟ وهل يمكن لطفل مذعور بالضرب التعبير عن نفسه بصدق؟
لم تطأ قدمى مكاتب وزارة الثقافة فى حى الزمالك بالقاهرة، ونالنى منها الكثير من الأذى والقمع والمنع والحرمان من الجوائز والمناصب فى المجالس الثقافية الرفيعة المستوي، وأهم من ذلك مصادرة كتاباتى التى دمغت بوصمة المعرفة، أو عدم الخضوع لقائمة الممنوعات والتوجيهات العليا.
فى سنوات المنفى شغلت نفسى بتدريس الإبداع والتمرد والكتابة، فالمرأة المقهورة لا تتمرد إلا بعد أن يدركها الوعى بأسباب القهر المصنوع بالبشر وليس بالطبيعة أو الإله يهوه، أول من أدان المعرفة فى التاريخ، تبدأ المرأة فى التمرد مع ازدياد وعيها، الذى يقودها الى الإبداع والتمرد والثورة لاقتلاع أسباب القهر، من المجتمع والدولة والدين والعائلة والبيئة والعقل ذاته. ولهذا تعمل الحكومات ووزاراتها الثقافية والإعلامية على إقصاء الكاتبات المبدعات والكتاب المبدعين عن جميع المجالات ذات التأثير على عقول الجماهير.
فى مكتب وزير الثقافة ووزير الإعلام (والصحة أيضا والداخلية والشئون الاجتماعية) توجد دائما قائمة بأسماء الممنوعين والممنوعات من دخول الجنة، وكان اسمى ضمن هذه الأسماء فى جميع العهود والحكومات، قبل وبعد الثورات. حاولت إقناع بعض العقول، القريبة من مراكز اتخاذ القرارات، لإنشاء قسم لتدريس الابداع والكتابة والتمرد فى كلية الآداب أو أى كلية بأى جامعة مصرية، دون جدوي. كلمة تمرد كانت سلبية حتى بدأت حركة شبابية تحمل اسمها، تظهر حينا وتختفى أحيانا، حسب مواسم الانتخابات، وهى حركة سياسية أكثر منها ثقافية الإبداع، خاصة الكتابة المبدعة لا تنال العناية ولا التشجيع المطلوب لمقاومة الإرهاب الفكرى الذى يقود للسلوك الإرهابي.
الكتابة، أهم الإبداعات الإنسانية فى التاريخ، وليس البورصة أو السوق، من الكائنات الحية جميعا لا يكتب إلا الإنسان، لا أحد من الناس لا يهب فى منتصف الليل بفكرة مفزعة، والأفكار المبدعة مفزعة بالضرورة. وأغلب الأطفال، بنات وأولاد، يحتفظون بمفكرة تحت الوسادة، يسجلون فيها أفكارهم ومشاعرهم، لا يفصلون بين التفكير والشعور، ولا بين الجسد والعقل وهنا سر الابداع.



#نوال_السعداوي (هاشتاغ)       Nawal_El_Saadawi#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الكاتبة رفيقة العمر «٣»
- الكاتبة رفيقة العمر «2»
- ثقافة التفرقة وجذور الإرهاب
- الحب والصداقة والصفاقة
- تزييف الوعى والثورات الشعبية
- سؤال إلى وزير الصحة والنائب العام: هل تكون للدولة هيبة دون ت ...
- ما يختفي وراء جرائم الاغتصاب
- المرأة ونقد الفكر الرأسمالى
- انطق اسم أمك عالياً بكل فخر
- قضية النساء وتفاقم اللامساواة
- الأصوات التى ليس لها صوت
- قُصت أجنحتنا لكننا لازلنا نطير
- لا يقول الحقيقة إلا الخيال
- رجل الشارع والإنسان العادى
- رحلة لحلوان الثانوية للبنات
- رسالة أحمد دومة المنشورة
- النساء والبيئة وتوحش الحقيقة
- المعارضة الشرعية ونخب الميتافيزيقيا
- عبودية القرن الواحد والعشرين
- لن يغلبه زمن


المزيد.....




- إيران تقترب من المصادقة على قانون لتعليق التعاون مع الوكالة ...
- وزير دفاع إسرائيل عن خامنئي: -لو أبصرناه لقضينا عليه-
- ضربات ترامب لإيران تُرسّخ قناعة كوريا الشمالية بالتمسك بسلاح ...
- أكبر قواعد واشنطن بالشرق الأوسط: العديد... استثمار قطري ونفو ...
- إيران وإسرائيل والشرق الأوسط الجديد
- حتى نتجنب مصير مُجير أم عامر
- وزير الدفاع الأمريكي: ترامب هيأ الظروف لإنهاء الحرب الإسرائي ...
- مرشح ليكون أول مسلم يُصبح عمدة نيويورك.. من هو زهران ممداني ...
- مبابي يتهم باريس سان جيرمان بـ-الاعتداء الأخلاقي- في شكوى جن ...
- هل تناول تفاحة في اليوم مفيد حقّاً لصحتك؟


المزيد.....

- كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف / اكرم طربوش
- كذبة الناسخ والمنسوخ / اكرم طربوش
- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - نوال السعداوي - مرض منتصف الليل. سر الإبداع!