مقاربة نص - مسار- للمصطفى كليتي / إنجاز: نجية نميلي

نجية نميلي (أم عائشة)

الحوار المتمدن-العدد: 4514 - 2014 / 7 / 16 - 08:36
المحور: الادب والفن
    

مسار
أحادية لفظية جملة اسمية محذوفة المبتدأ الذي يمكن تقديره ب " هو"
و لفظ " مسار"قد يأتي مصدرا ميميا من فعل " سار"كما قد يأتي اسم مكان .
هذا من حيث التركيب أما من حيث الدلالة فتعني كلمة مسار: الطريق ، المسلك وخط السير .
فما علاقة العنوان بالمتن ؟
_____________
المتن
قطعت ذبابة متطفلة الطريق على فراشة جوالة قائلة :
-أريد أن أرافقك يا جميلة ؟
أجابتها الفراشة مستعجلة:
-لقد صادقت الورود والأزهار وليس في " أجندتي" بياض..
نكصت الذبابة قافلة إلى مطارح النفايات...
____________
يبتدئ المتن بجملة فعلية مكونة من فعل وفاعل منعوت بصفة " التطفل"
وكما هو معلوم فالتطفل يعني التدخل فيما لايعني المتطفل..وفي علم ( الأحياء) حالة كائن حي يعيش معتمدا على آخر من الكائنات الحيَّة ، أي يستمد منه مصدر قُوته .
وعليه فالسارد يصف " الذبابة" بأنها متطفلة قطعت الطريق على فراشة ..
ومن دلالة جملة " قطعت الطريق" نعرف أن هناك عملية تدخل من الذبابة ، تقطع على فراشة طريقها ..
الفراشة أيضا وصفها السارد بالجوالة وهي صيغة مبالغة ، تعني أنها كثيرة التجوال ..وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على نشاط الفراشة وتنقلها بين الزهور والورود الجميلة بحثاً عن غذائها ،
فلماذا قطعت الذبابة الطريق على الفراشة ؟
للجواب عن هذا السؤال ، قدم السارد الحوار القصير الذي دار بينهما والذي مفاده أن الذبابة ترغب في أن ترافق الفراشة ، لكن هذه الأخيرة ترد بأنها لاتصادق إلا الورود والأزهار وليس في أجندتها بياض .
وقبل التطرق لمعنى هذا الرد ، نتطرق لمعنى "الأجندة" التي هي كلمة دخيلة على اللغة العربية،و تستخدم لدى المعاصرين بمعنى تقويم الأحداث، أي الطريقة التي ترتب بها الأحداث التاريخية.
فماذا كانت تقصد الفراشة ؟
الفراشة مفكرتها مليئة بأسماء الرفاق على مايبدو ، صادقت الأزهاروالورود وليس هناك مكان لإضافة رفيق آخر ..
فهل كان الأمر فعلا متعلقا بهذا ؟ أم هي محاولة تهرب من حشرة اسمها " ذبابة"؟؟أم أن الأمر متعلق بكل من تدخل فيما لايعنيه سمع ما لايرضيه ؟!
قبل أن نفترض أجوبة لهذه الأسئلة ..علينا أن نتعرف على " الذبابة " عن قرب ،
الذبابة يقال عنها حشرة متطفلة مستقذرة تتكاثر بسرعة ، وتسبب الأمراض للإنسان والحيوانات والنباتات من خلال نقل الجراثيم ...وإذا انتقلنا للتعرف على الفراشة ..فسنقول :
لاأحد منا ، لم تستهوه رؤية الفراشة بألوانها البراقة وهي تطير صغارا كنا أو كبارا ..إنهاحشرة حباها الله بجمال لم يوهب لغيرها من الحشرات...وقد فتن بها الشعراء على مر العصور ...حتى أن الإغريق قديما كانوا يرمزون للروح بفتاة لها أجنحة فراشة لخروج الروح من جسد الميت على شكل فراشة .
فكيف يعقل أن تصاحب فراشة جميلة محبوبة ذبابة مستقذرة غير محبوبة ؟
الفراشة التي لاتصاحب إلا الورود والأزهار ولامكان لحشرة مستقذرة في " أجندتها"
الشيء الذي جعل " الذبابة" ترجع عما اعتزمته ،ناكصة رأسها مدحورة ، قافلة إلى مطارح النفايات لأنه مكانها الأصلي .
____________
تركيب
إن الحوار العادي و الراقي الذي اطلعنا عليه من خلال هذا النص ، لربما يكشف عن وعي عميق لدى السارد رغم اختلاف مواقف شخصيتيه " الذبابة والفراشة"..
فالنص حلق بنا محاولاً الوصول إلى وصف الفروق بين حشرتين من خلال أنسنتهما وتحاورهما ، وإبراز ماينتج عن مصاحبة الخير للشرير ، الجميل للقبيح ...
فابن خلدون يقول :
(إذا أردت أن تعرف الإنسان فانظر من يصاحب فالطباع يسرق بعضها من بعض فترى أننا نأخذ من طباع بعضنا دون أن نشعر .)
ولذلك وضعنا أمام " الفراشة" التي بدتْ وكأن لها وعيا إنسانيا منطقيا في مقارنة بيئتها وبيئة الذبابة، فتلك مكانها القمامات أما هي فمكانها :الطبيعة الخلابة ..وبالتالي لايمكن للطبيعة أن تتلوث بقاذورات القمامة.
وقد تكون الفراشة ذاك الإنسان الذي يلتقط الرحيق الجميل في كلامه ، الرقيق ، الخفيف الظل ..مهما كان لونه أو شكله أو حجمه ، يثير إعجابك وتميل إلى مرافقته، والاستمتاع بصحبته
وقد تكون الذبابة ذلك الإنسان المزعج ( بطنينه) ،يفسد عليك راحتك ، يفقدك أعصابك ..فتتحين الفرص للتخلص منه بأية طريقة .
وبالتالي فلكل واحد مسار خاص يليق به .
_____________
2014/07/15

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل