مقاربة نص - أشلاء- لعبد المجيد التباع /إنجاز نجية نميلي

نجية نميلي (أم عائشة)

الحوار المتمدن-العدد: 4503 - 2014 / 7 / 5 - 19:07
المحور: الادب والفن
    

أشلاء...
في القعر السحيق تناثرت أشلائي ..وقع رأسي قرب رأس يقهقه فمها..
"يا إلاهي! إنه الفم نفسه الذي كان يقهقه حين ركلتني إلى البئر تلك القدم هناك"
_________________________

العنوان :
العنوان أحادية لفظية يمكن اعتباره خبرا لمبتدأ محذوف ..اسم نكرة جمع تكسير لمفردة " شلو" هذا من حيث التركيب ، أما من حيث الدلالة فالكلمة توحي بأن شيئا ما تفرق وتشتت ولم يعد إلا "بقايا"
_______________________
المتن:
في القعر السحيق تناثرت أشلائي ..وقع رأسي قرب رأس يقهقه فمها..
"يا إلاهي!! إنه الفم نفسه الذي كان يقهقه حين ركلتني إلى البئر تلك القدم هناك"
_
يبتدئ المتن بجار ومجرور ونعت ومنعوت " القعر السحيق " بعده جملة فعلية مكونة من فعل وفاعل " تناثرت أشلائي"،
و القَعْرُ هو منتهى العُمْق من كل شيء أو أقصاه أو نهايته أو أسفله .
ووصف القعر بالسحيق يعني أن عمق هذا الشيء بعيد
ففي أي قعر سحيق تناثرت هذه الأشلاء ؟
انطلاقا من العنوان توقعنا أن السارد سيحدثنا عن حادثة سير أو قتل ..وسيصف لنا أشلاء الضحية ...لكننا لم نتوقع أن أشلاء الضحية ستكون شاهدة على مصيرها بل و واصفة كيفية انفصال الرأس عن الجسد .
يقول:" وقع رأسي قرب رأس يقهقه فمها.."
فرأسه التي هي الجزء الأعلى من البدن وقعت قرب رأس أخرى ، وبالتالي نستشف أن الرأس الثانية هي أيضا انفصلت عن باقي أعضاء الجسم ، لكن الغريب هنا هو أن هذه الرأس "يقهقه فمها "
تركيبيا جاء النعت في " يقهقه فمها " جملة فعلية يربطها بالمنعوت الضمير المتصل الذي هو " الهاء" .
لكن السؤال المطروح هو : "ما الذي دعا فم هذه الرأس إلى القهقهة ؟"
يأتينا الجواب في نهاية المتن مصحوبا بتعجب على شكل نداء :
(يا إلاهي!! إنه نفس الفم الذي كان يقهقه حين ركلتني إلى البئر تلك القدم هناك )
من خلال هذه العبارة نكتشف الإطار المكاني للحدث : وهو البئر ..كما أن هذا الفم الذي يقهقه هو نفسه الذي كان يقهقه حين كان " صاحبه " على قيد الحياة ، وحين استعمل قدمه للقذف وركل الرأس الأولى لتسقط في قعر البئر .
تركيب
لقد اعتمد الكاتب على عنصر التشويق وشد الانتباه من بداية النص إلى نهايته ،و أسبغ على نصه تصويرا فنيا ودلاليا في نفس الوقت ، حيث بعث الإحساس في رأسين "
واحدة" تقهقه" وأخرى " تشهد وقوعها في بئر"، وكان ذكيا في اقتناص مشهد ذي أهمية قابل للحدوث عبر زمن قصير جدا يتمثل في " إسقاط الرأسين معا " و جزهما عن جسديهما ،إلا أن هناك فرقا بينهما ،فالرأس الأولى لمغدوربه والثانية لخائن غادِر ، وبالتالي نكون أمام ثلاث شخصيات في النص ، الشخصية الثالثة لاتظهر بشكل مكشوف لكنْ مشار إليها تضمينا من خلال سقوط الرأس التي " يقهقه فمها"
فجاء الايحاء في القصة قويا بحيث سوَّغ السارد الحل بسقوط رأس المذنب وكأنه يقول لنا ( الجزاء من جنس العمل)، ومن ( حفر حفرة لأخيه سقط فيها ) و ( كيف تدين تدان) معتمدا على لغة توحي بالفكرة دون التصريح بها .
كما أنه نجح في الربط بين "ماذايقول" و"كيف يقول " لأنه تناول حدثا محددا في زمن محدد وفضاء محدد بأقل الكلمات ، بعيدا عن أي حشو أو زيادات ، وجعلنا أمام مفارقة كسرت أفق انتظارنا متمثلة في تزامن سقوط الرأسين " الجاني والمجني عليه " .

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل