أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - كلكامش نبيل - النقاشات البيزنطيّة تعود بحلّة إسلاميّة















المزيد.....

النقاشات البيزنطيّة تعود بحلّة إسلاميّة


كلكامش نبيل

الحوار المتمدن-العدد: 4512 - 2014 / 7 / 14 - 21:42
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


ليس من عادتي أن استرق السمع إلى ما يقوله الناس في الشارع، ولكنّ ذلك حصل بمحض الصدفة، يومها كنت في محطّة آكسراي للترامفاي في طريقي إلى منطقة توبهانة في إسطنبول، عندما وقف بالقرب مني رجل ملتح من إحدى الدول الخليجيّة وبرفقته نساء يرتدين ملابس إسلاميّة محافظة، لقد جذبتني اللغة العربية وسط ذلك الحشد، فقد كان الرجل يقص على السيّدات قصّة سقوط القسطنطينيّة – أو الفتح كما أسماه – وقد كان يسخر من البيزنطيين ضاحكا وهو يقول لهم بأنّ علماءهم كانوا مجتمعين لمناقشة مسألة جنس الملائكة، إن كانوا ذكورا أو إناثا، رغم كل المخاطر المحدقة بوطنهم ومدينتهم التاريخية، وقد رفض أولئك ترك المسألة وتأجيلها لتدارك الأخطار التي تهدّد كيانهم، ودار كل ذلك وسط إستغراب السيّدات ودهشتهنّ وتعليقاتهنّ عن غباء البيزنطيّين، لم يدم الحوار طويلا فقد وصل الترامفاي وركب كلّ منّا في قاطرة مختلفة. ولكنّ تلك الأحاديث أثارت فيّ تساؤلات كثيرة قرّرت أن أكتبها واشاركها معكم.

إنّ ما ذكره الرجل حقيقي، فقد سقطت القسطنطينيّة بسبب ذلك الغباء وبسبب نقاشات أصبحت تعبير عن كل نقاش لا طائل من وراءه ولا فائدة، فأصبحنا نسمع مصطلح "نقاشات بيزنطيّة" لوصف كل النقاشات العقيمة المضرّة والغير النافعة، ولكنّ ذلك الرجل – الإسلامي بشكل واضح من خلال تمجيده للغزو – يغفل امرا تقع فيه شعوب الشرق اليوم وهي غارقة في نقاشات وحروب لا طائل منها، حروب على ارض الواقع، وتجييش إعلامي على قنوات فضائية مقرفة، ومهاترات مخجلة عل صفحات التواصل الإجتماعي بين السنّة والشيعة وغيرهم، هل غابت هذه الصورة عن ذهن ذلك الرجل وهو يسخر من البيزنطيّين، هل وصلت عقول شعوب المنطقة إلى درجة تردد ما تقرأه في كتب التاريخ من دون أن تكون قادرة على المقاربة بين ما تقرأه وتحكيه وبين الواقع الذي تعيشه اليوم. لوهلة كنت أود لو أنّني أخبرته بذلك ولكن ليس من طبعي أن أتدخّل في ما لا يعنيني وبالذات مع اشخاص لا أعرفهم، وقد يسيئون تفسير مغزى كلامي. للأسف شعوبنا اليوم غير قادرة على فهم واقعها المزري وتفتقر للشجاعة اللازمة لمواجهة الواقع والعمل على تغيّيره، شعوب المنطقة اليوم تقتل نفسها بنفسها وتحقق مآرب الآخرين وهي سعيدة منتشية بإنتصارات واهية تخالها السبيل لتحقيق أحلام مضلّلة ستقود المنطقة نحو مزيد من التخلّف والفوضى والدمار. إنّ ما يجري اليوم في الشرق الأوسط سيولّد مصطلح "نقاشات إسلاميّة" قريبا لتكون مرادفا لتلك النقاشات البيزنطيّة التي يسخرون منها.

إنّ تلك الحادثة ذكرتني بعوامل أخرى عجّلت في سقوط القسطنطينيّة، ألا وهي النزاعات الدينيّة التي لا طائل منها، فقد كانت المدينة مقر الكنيسة الشرقية، وقد طالبت الكنيسة في وقتها دعم روما – مقر الكنيسة الكاثوليكيّة – ولكنّ الأخيرة رفضت مد يد العون للبيزنطيّين بسبب الخلافات الدينيّة، مفضلين سقوطها بيد المسلمين على دعم كنيسة من طائفة اخرى. كل هذه الأمور تذكرنا بواقع اليوم في المنطقة وكذلك بمدى تعقيد الخلافات الدينيّة الداخلية – ضمن نفس الدين – وتفوّقها أحيانا على الصراعات بين الأديان المختلفة، فكلنا يعرف أنّ إحدى الحملات الصليبيّة التي كانت تنادي بإسترجاع أورشليم والأراضي المقدّسة، حادت عن هدفها المعلن وهاجمت القسطنطينيّة المسيحيّة ونهبت زينة كنيسة آيا صوفيا وزينت بها كنيسة القدّيس ماركو في البندقيّة "فينيسيا"، بشكل يثبت أنّ كل ما يتم هو غطاء ديني لأهداف سياسيّة وإقتصاديّة أكبر يريدها الساسة الكبار مستغلّين جهل العامّة من الناس.

لقد كانت الصراعات الدينيّة سببا في سقوط القسطنطينيّة كما تفضلنا بالإضافة إلى تركيزهم على أمور لا طائل منها في وقت تتعرّض الإمبراطوريّة لمخاطر خارجيّة – وهو تماما ما تقوم به شعوبنا اليوم. ولنؤكّد خطورة هذا دعوني أطرح أمثلة أخرى من التاريخ، من منطقتنا هذه المرّة، لم يكن دخول العرب إلى مصر وهزيمة الرومان بالأمر المستغرب، ولم تكن بسبب قوّتهم الجبّارة، بل كان للأسباب الدينيّة الأثر في ذلك أيضا، فقد كان الرومان يضطهدون الأقباط، والأنفاق في الكنيسة المعلّقة وغيرها من دلائل وقصص الشهداء وغيرها تثبت ذلك، لقد كان الرومان يقرّبون الكنيسة الملكانيّة ويدعمونها ويعملون على نشر المسيحيّة الملكانيّة على حساب الكنيسة القبطيّة التاوضوسيّة، ولهذا دعم الأقباط الغزاة الجدد تخلّصا من الإضطهاد، وظلّوا يدعمونهم خشية عودة الرومان والكنيسة الملكانيّة، وهنا نجد أنّ التاريخ يعيد نفسه فكلّما كان هنالك ظلم، فكّرت الشعوب بسطحيّة، وقد تستبدل غازي بآخر من أجل ما يعتقدون بأنّه خلاصهم. وإذا جئنا إلى العراق، سنعرف بأنّ الفرس أيضا كانوا يفضلون إنتشار الزرادشتيّة على حساب المسيحيّة ولهذا رحّبت تكريت "مقر الكنيسة اليعقوبيّة" بالعرب كبديل عن الفرس الذين أحرقوا كنائسهم وكذلك الحال في الحيرة، وقد كانوا يعتقدون بأنّ الرومان سيحلون محل العرب فيما بعد ما أن يتخلّصوا من الساسانيّين. من هنا نتأكّد أن الخلافات الدينيّة و الظلم نذير بسقوط الدول وإنهيار الأمم. ذات الشيء حصل في الأندلس، فقد تشظّت الدولة في عهد ملوك الطوائف ممّا سهّل الأمر على الملكة إيزابيلا والملك فرديناند لطرد العرب أثناء حروب الإسترداد.

كل هذه الأمثلة، تدعونا للتفكير، في خطورة دمج الدين بالسياسة، وضرورة تجاوز كل الظلم الذي يمنح الفئات السطحيّة التفكير – نعم سطحيّة تفكير ناتجة عن ألم لا يمكننا تفهّمه – الحجّة لقبول أي بديل، وبذلك تنهار الأمم والأوطان، حان الوقت لندرس التاريخ من أجل التفكّر وأخذ العبرة، لا من أجل الصراع على ما مضى. شعوب المنطقة الآن تقتل بإسم الطوائف، أحدهما يشتم الآخر ورموزه، قنوات تحرّض وتبرز ما يخدم مصالحها فقط، وعامّة الناس تنجر وراء قادة طائفيّين من كل الأطراف، يتحاربون من أجل شيء مضى، لكأنّهم لا يدركون معنى الفعل الماضي، وبأنّه لا يمكن أن نغيّر ما حدث، بدل الإنشغال بالماضي، إنتبهوا للحاضر وركّزوا على بناء المستقبل، ولا يسعني هنا إلاّ أن أتذكّر قول ونستون تشرشل، "إذا ما فتحنا خصاما بين الماضي والحاضر فسوف نفقد المستقبل." الحل في غاية البساطة، ولكن ينقص الغالبيّة الإيمان به والإرادة على تحقيقه، الحل يكمن في جعل الوطن أولويّة، فوق الدين والطائفة والقوميّة، أن نفكّر كمواطنين عراقيّين بدون صفة أخرى، أن نقدّر أنفسنا ونعرف أننا جديرون بأن نكون سادة أنفسنا، لا تابعين لهذا الطرف أو ذاك، أن نتوحّد ونرفض التدخّلات الخارجيّة من الميليشيات الطائفيّة أو الإرهابيّين الظلاميّين ذوي الفكر البدوي المتحجّر، نريد أن نبني عراقنا لا أن نجعل منه ساحة لتصفية صراعات الآخرين، صراعات وقودها دماء أبناء وطننا ومستقبلهم ودموع الأمهات والأيتام، وطفولة تضيع في خيام اللجوء وإنعدام التعليم والأمان والمحبّة. أفيقوا يا ابناء شعبي قبل فوات الأوان.



#كلكامش_نبيل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عندما أضعنا البوصلة - قصيدة
- ثورات منسيّة – قراءة في رواية -البشموري- للكاتبة المصرية سلو ...
- بناء وطن للجميع - قراءة في كتاب العقد الإجتماعي للفيلسوف جان ...
- قوس قزح
- إنه العراق يا قوم – لا تحرقوه لأجل الآخرين
- مستقبل الوطن رهن ورقة إنتخاب – لننقذ العراق
- لمحات إنسانيّة – قراءة في المجموعة القصصيّة -في خضمّ المصائب ...
- ما بين سراب الماضي الجميل ودخّان فوضى الحاضر – قراءة في رواي ...
- بقايا صبي سيبيري عمرها 24 ألف عام تلقي المزيد من الضوء على أ ...
- وحدة الشعب العراقي وفقا للدراسات الجينيّة – ترجمة وتقديم
- الإنسان المنتصب؟ العثور على عظمة شبيهة بعظام يد الإنسان عمره ...
- دراسة حديثة لبقايا بشريّة تخلُص إلى أنّ إنسان النياندرتال كا ...
- إطلالة على الأدب الإيطالي - قراءة في المجموعة القصصيّة -حرز ...
- إطلالة على الأدب الإيطالي - قراءة في المجموعة القصصيّة -حرز ...
- إطلالة على الأدب الإيطالي - قراءة في المجموعة القصصيّة -حرز ...
- التاريخ يعيد نفسه دائما وأبدا - قصيدة سومريّة مترجمة
- العثور على لغة قديمة مجهولة مدوّنة على رقيم طيني - موضوع متر ...
- مناقشة شجاعة وموضوعيّة للصراع الإسلامي-العلماني – قراءة في ر ...
- خطوات إلى الوراء – دراسة مقارنة بين قانون الأحوال الشخصيّة ل ...
- رحلة فلسفيّة وروحانيّة عميقة – قراءة في الرواية القصيرة -الر ...


المزيد.....




- أمام المحكمة.. ستورمي دانيلز تروي تفاصيل اللحظات قبل اللقاء ...
- سيطرة إسرائيل على الجانب الفلسطيني من معبر رفح.. هذا ما قاله ...
- زاخاروفا: الأسلحة التي يزود الغرب بها أوكرانيا انتشرت بالفعل ...
- النيابة العامة الروسية تعلن أنشطة منظمة -فريدوم هاوس- الداعي ...
- -لإرسال رسالة سياسية لتل أبيب-.. إدارة بايدن تتخذ إجراءات لت ...
- أغنية -الأب العظيم- لزعيم كوريا الشمالية تجتاح تيك توك وتحدث ...
- نتنياهو: إسرائيل لن تسمح لحماس باستعادة الحكم في قطاع غزة
- قاض فرنسي يرد شكويين رفعهما حوثيون على بن سلمان وبن زايد
- بيسكوف: الشعب الروسي هو من يختار رئيسه ولا نسمح بتدخل دول أخ ...
- أوكرانيا تعلن إحباط مخطط لاغتيال زيلينسكي أشرفت عليه روسيا


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - كلكامش نبيل - النقاشات البيزنطيّة تعود بحلّة إسلاميّة